حرمة الاعتداء على القبور

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

samir1000

نجم المنتدى
إنضم
22 سبتمبر 2006
المشاركات
3.288
مستوى التفاعل
404
القبر هو الموضع الذي يُدفن الإنسان فيه؛ والمقبرة هي أفضل مكان لذلك، أما الدفن فهو مواراة الميت في التراب، وحكمه فرض كفاية وقد ثبت ذلك بالأدلة الشرعية وبإجماع الناس على القيام به؛ إذ أنهم توارثوه من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا ويستنكرون تركه؛ قال تعالى “فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النادِمِينَ” (المائدة 31)، فإذا تُرك الميت بلا دفن فهو من المُثلة، لأن كرامته تستوجب التعجيل بدفنه؛ كما روى أبو داود.

صيانة القبور

أثبتت الشريعة الإسلامية لمقبرة المسلم والذمّي حرمة لا يجوز انتهاكها؛ إذ أن حدودها كالمسجد تمتد من الثرى إلى الثريا؛ وأوجبت الشريعة كذلك صيانة القبر توقيراً للميت، فاتفق الفقهاء على كراهة وطئه والمشي عليه لما ثبت أن “النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور” (رواه الترمذي)، وذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الجلوس على القبر؛ استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم “لا تجلسوا على القبور ولا تُصَلوا إليها” (رواه مسلم)؛ وبقوله أيضاً “لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر” (رواه مسلم). ويكره كذلك الاتكاء على القبر والاستناد إليه؛ فقد رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً جالساً على قبر فقال له “يا صاحب القبر انزل من على القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك” (رواه أحمد). وقال صلى الله عليه وسلم في المشي على القبور “لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم” (رواه ابن ماجة). ويرى الحنفية كراهة النوم عند القبر.

والأصل في حرمة المقبرة حرمة الموتى؛ فالإنسان في الإسلام محترم ومكرّم حياً وميتاً؛ قال صلى الله عليه وسلم “كسر عظم الميت ككسره حياً” أي في الإثم؛ (رواه ابن ماجة)، ومن العلماء من استنتج من هذا الحديث وجوب القصاص ممن يعتدي على الميت، وقال صلى الله عليه وسلم “لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفْضَوْا إلى ما قدموا” (رواه البخاري). فالميّت يتأذى مما يتأذى منه الحي، وكل ما لا يليق به في حال حياته لا يُفعل به بعد مماته إلا ما أذن الشرع فيه؛ فيحرم التمثيل به؛ والمُثْلَة هي العدوان على جسم الحي أو الميت بقطع أعضائه أو بعضها أو التنكيل به وتشويهه، وهي جريمة عظيمة لا تحلّ بمؤمن ولا كافر، فإذا تعرض الميت لأي اعتداء وجب على وليه الدفاع عنه ولو بنفسه لأنه من أهله؛ ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم “ومن قتل دون أهله فهو شهيد” (رواه الترمذي).

ويكره التمثيل بقتلى الأعداء وتعذيبهم وحمل رؤوسهم إلى الحكام بعد الظفر بهم والقدرة عليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة” (رواه مسلم)؛ ولقوله “إن أعفّ الناس قِتْلَة أهلُ الإيمان” (رواه أبو داود)، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم “نهى عن المُثْلة” (رواه البخاري)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بقوله “اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا” (رواه مسلم).

واتفق الفقهاء على منع نبش القبر لما فيه من المُثلة وهتك حرمة الميت إلا لضرورة كدفن آخر؛ أو إذا دفنت امرأة حامل يرجى حياة جنينها، أما لو تعلق بالنبش حق الله تعالى، كما إذا دفن الميت بلا غسل أو صلاة أو وضع إلى غير القبلة، فإنه لا ينبش بعد إهالة التراب عليه.

وتشرع زيارة القبور لأنها تزهّد الإنسان في الدنيا وتذكّره بالموت، فاتفق الفقهاء على أنها مندوبة للرجال مع التزام آدابها وتجنّب البدع المخالفة للشريعة أثناء ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم “قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تُذَكر الآخرة” (رواه الترمذي).

جرائم صهيونية

وتتضمن هذه الأحكام الشرعية حرمة الاعتداء على القبور؛ وتبين أن إثم الاعتداء على الموتى في الإسلام كإثم الاعتداء على الأحياء.

أما سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” فلا تأبه بتلك القيم والنصوص الأخلاقية بل تضرب بها عُرْض الحائط؛ فأقدمت مؤخراً على تفجير قبرين في المقبرة الإسلامية قرب مسجد بلال بن رباح في بيت لحم؛ مستفزة مشاعر المسلمين ومنتهكة حرمة الموتى كما انتهكت حرمات الأحياء وصادرت حقوقهم؛ ومضيفة جريمة جديدة إلى سجلها الإجرامي وسبق لها أن انتهكت حرمات العديد من المقابر الإسلامية منها مقام الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه في بيت جبرين المحتلة.

وانطلاقاً من مبادىء الشريعة الإسلامية التي توجب المحافظة على المقابر؛ وتمنع نبشها إلا للضرورة وبعد أن تَنْدَرِس بحيث لو ظهرت العظام بسبب النبش وجب دفنها، أدعو وزارات الأوقاف والبلديات والمجالس المحلية إلى أن تُولي المقابر كل عناية؛ بتنظيمها وتسويرها وفتح طرق مخصصة للمرور داخلها تجنباً للمشي على القبور؛ وتعيين حُرّاس لها وموظفين لصيانتها؛ ووضع إرشادات وشواخص توجّه المواطنين إلى احترامها والتزام آداب زيارتها.

وأدعو المواطنين إلى الالتزام بهذه التوجيهات أثناء زيارتهم القبور وعدم الاستهتار بها، وأدعوهم إلى الذود عنها ومنع المساس بها؛ قال صلى الله عليه وسلم “ما من امرئ يخذِل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته؛ وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع يُنْتَقَصُ فيه من عرضه ويُنْتَهَكُ فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته” رواه أبو داود.
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى