- إنضم
- 15 نوفمبر 2009
- المشاركات
- 1.166
- مستوى التفاعل
- 5.670
وسط غابات جبل الحق تتحصن مجموعة من الثوار بلا مدد أو زاد،جمعهم دفاعهم عن مبادئ إنسانية مشتركة وحبهم للذود عن المستضعفين والمظلومين فالتقوا في هذا المكان الحصين يستلهمون من اتحادهم قوة مكنتهم من تسجيل أروع الانتصارات التي زادت من وحدتهم وضاعفت أعدادهم يوما بعد يوم.فالكل قد صار يرغب في الانضمام إليهم كيف و "كتيبة النور" قد صارت الملجأ الأخير ضد قوى التسلط والظلم.
إبراهيم،شاب في الرابعة والعشرين من العمر،يحمل بين جنبيه هموما كثيرة فالأقدار منذ فجر يومه الأول قد ناصبته العداء حتى إذا ما اشتد عوده وصار شابا يافعا أدرك أن لا خيار أمامه سوى التسلح بالإيمان والمواجهة،فرفع سلاح الحق والكلمة الحرة وأخذ يخوض معاركه الشخصية التي لم يذق فيها طعم الهزيمة سوى مرات قليلة.
ولكنه وبمضي السنوات أخذ يدرك أن لا قيمة لانتصاراته إلا إذا كانت نابعة دفاعا عن المجموعة،وهكذا قرر ذات ليلة غاب فيها القمر أن يلجأ إلى جبل الحق بحثا عن كتيبة النور التي طالما سمع عن بطولات أفرادها وتضحياتهم الجسام في سبيل الذود عن مبادئهم و حماية الآخرين.
متسلحا بمعرفته العميقة بمسالك الجبل الخفية تحاشى إبراهيم خطوط العدو ومر من ورائها دون أن تشعر به الدوريات المنتشرة في معظم المناطق.وكان مع كل خطوة يخطوها يبحث بحواسه عن عين تتبعه أو ترصده،كذلك كان دوما:الرجل الفطن الذي لا يطمئن إلى الأشياء حتى يتأكد منها بنفسه.
بعد مسيرة ساعات شعر الشاب باقترابه من الكتيبة فخفق قلبه فرحا وشعر لأول مرة بروح الجماعة تسري في كامل جسده وقرر أن يكتب اسمه معهم بأحرف من ذهب.
توقف للحظات ليتثبت من الأمر،جال ببصره بين الأشجار يبحث عن عيون شعر أنها ترقبه من بين الأوراق ولكن الصمت يسود المكان.حتى الحيوانات البرية قد حبست أنفاسها وتوقفت عن الحركة.
فجأة،التف حوله أربعة رجال ملثمين لم يعرف إبراهيم من أين ظهروا.ودون أن ينطقوا ببنت شفة اقتادوه إلى مكان آخر بعد أن عصبوا له عينيه.
تقدم أحد الرجال ونزع عصابته فبدأ يكتشف المكان ولم يخب ظنه،هاهنا تعتصم الكتيبة وهاهم أفرادها كما تخيلهم تماما :رجال ندر الالتقاء بأمثالهم...
برز إليه رجل يبدو أنه كبيرهم وانطلق يسأله عن كل التفاصيل الصغيرة التي لم يهتم بها إبراهيم يوما،كان يسأله عن الأمر ثم يرجع إلى ذات السؤال بعد فترة ليتأكد من أن هذا الوافد الجديد ليس جاسوسا قد أرسله العدو.ولم ينته التحقيق إلا حين ظهرت شمس الصباح تسجل بأشعتها انضمام إبراهيم إلى الجماعة التي تعرف إلى أعضائها واحدا تلو الآخر فوجد بينهم الترحاب والمودة الخالصة ليزداد يقينه بصواب ما فعله.
ولم تمر الأسابيع إلا وقد خاض صولات وجولات أثبت فيها كفاءته ورغم الجراح التي كان يعود بها من المعارك فقد كان الفتى المقدام الذي لا يتوانى عن فداء المجموعة بحياته ان اقتضى الأمر ذلك.وقد شبهه أحدهم ذات يوم بالعقرب لدقة لدغاته فصار اسمه الحركي الذي يناديه به الجميع.
مضت أشهر عديدة ارتقى فيها العقرب درجات كثيرة حتى صار بمرتبة نائب للقائد وعرف بين الجماعة بشجاعته النادرة التي أحاطته بهالة من الإعجاب والتقدير.
ولأن تميز جندي عن آخر لا يظهر إلا في أصعب المواقف وأشدها فقد حانت اللحظة التي طالما انتظرها العقرب ليسجل أروع انتصاراته.
"لقد وقع أحد الإخوة في الأسر ولابد من عملية خاطفة لتحريره" هتف إبراهيم مخاطبا الجماعة التي صاحت مرددة :"نحن معك...الواحد للكل والكل للواحد".
لمعت عينا العقرب وهو يرى اندفاع رفاقه من أجل صديقهم.وانطلق لتوه يعد الخطة اللازمة.
وبعد ساعة اجتمع الرفاق ليستمعوا إلى تفاصيل الهجوم.تثبت إبراهيم من وجوه الحاضرين ثم قال بصوته المميز :"رفاقي الشجعان،الجميع يعلم مدى خطورة المهمة التي نحن مقدمون عليها،فالعدو ينتظرنا حتما وعلينا مباغتته حتى نضمن ارتباكه ومن ثمة ننقض عليه من كل جهة،كل فريق يتكون من عنصرين."
أطرق الجمع صامتين وهم يتخيلون حجم الخطر الذي سيعرضون إليه أنفسهم.
"ولأننا نحتاج إلى أحد منا يتقدمنا ليندس بين خطوط العدو فإني أرشح نفسي للقيام بالمهمة.فأنا أعرف تكتيكاتهم وأحفظ جيدا الطرق المؤدية إلى صفوفهم ولكني أحتاجكم لحمايتي أثناء تقدمي.فهل أعول عليكم؟"
وقف الجميع هاتفا:"نحن فداؤك أيها العقرب...تقدم تقدم..سنحمي ظهرك بأرواحنا".ثم كبروا بصوت واحد فزعت له الطير وتردد صداه في أنحاء الجبل.
اطمأن العقرب لأمر جماعته ووثق بنجاح خطته.ثم اختار اللحظة الحاسمة لينطلق مع خيرة الكتيبة يقتربون بحذر شديد من العدو الذي لم يعد يفصلهم عنه غير مسافة قصيرة.
توقف العقرب للحظات يعطي آخر التعليمات لأفراد مجموعته.وبإشارات متفق عليها توزعوا كما أمرهم ولم يبق معه غير ثلاثة رجال سيهتمون بحمايته متى اخترق صفوف العدو.
حبس العقرب أنفاسه وهو يتلو فاتحة الكتاب ويدعو لجماعته بالنصر ثم تقدم زاحفا ببطء شديد حتى وصل إلى أول الجنود ففاجأه بضربة خاطفة واقترب من الآخر الذي كان منشغلا بتناول طعامه و ما إن صار خلفه مباشرة حتى سمع صوت طلقات نارية انطلقت من ورائه.يبدو أن رفاقه لم يستطيعوا الانتظار أكثر...
اشتبك الطرفان ودوت انفجارات ضخمة هزت المكان ولكن العقرب لم يبال فالهدف واضح أمامه ولن يتراجع أبدا.
مضى بكل خفة ينتقل من مكان إلى آخر يردي كل من يعترض طريقه قتيلا.ولم ينتبه إلى نفسه إلا وهو في قلب المعركة والرصاص يقترب منه بل يصيبه في يده وساقه،فيلتفت خلفه يطلب العون من رفاقه الثلاثة و يصدمه المشهد: أحد الرفاق يقتل الرفيقين الآخرين ثم يرفع رأسه ويصوب نحوه مباشرة...
الغدر..يالها من صاعقة مدوية يعجز أشد الرجال عن تحمل وطأتها...سقط العقرب من هول الصدمة واختفت لبرهة كل الأصوات المحيطة به...وبسرعة البرق جالت بخاطره كل الصور الجميلة التي جمعته بذلك الرفيق...الخائن.
نهض مجددا وألقى نظرة تحد اخترقت قلب الخائن فارتعشت يده ولم يقدر على أن يضغط على الزناد.
تحركت شفتاه كأنما تعيد قولا سجله التاريخ منذ زمن :"حتى أنت يابروتس"...كلمات أردفها بالابتسام وهو يشيح بوجهه مواصلا طريقه وسط زخات الرصاص حتى وصل إلى الرفيق الأسير فحرره.
...
ابتعد العقرب ورفيقه عن منطقة الخطر فتوقفا للحظات يستعيدان فيها الأنفاس.يحاول الرفيق تضميد الجراح النازفة ولكن إبراهيم يشير بيده أن لا داعي ولسان حاله يقول: لقد استقرت رصاصات الغدر في قلبي وانتهى الأمر،ولكني لم أنته بعد.
بروتس أو ماركوس جونيوس بروتس (85 ق.م - 42 ق.م) بالإنجليزية Marcus Junius Brutus ، كان من رجال السياسة في الجمهورية الرومانية وعضوا في مجلس الشيوخ الروماني وله شهرة كبيرة استمدّها من إشتراكه في مؤامرة إغتيال يوليوس قيصر. .