aboughassene
عضو مميز
- إنضم
- 17 نوفمبر 2009
- المشاركات
- 849
- مستوى التفاعل
- 2.460
كان واصل يقف أمام طلبته في أحد مدرّاجات الجامعة التّونسيّة ,في ذلك اليوم الشّتويّ القارس عنّ لواصل أن يفكّ بعض الأزرار ليكشف عن سرّ من أسرار الوجد وما إن فكّ الزرّ الأوّل حتّى حتّى تحاماه الصّقيع من كلّ ناحية :من الباب ومن جهة المنبر الذي خلفه ومن كلّ النّوافذ ومن السّقف ندف الثّلج .ومازال به الأمر حتّى غطّاه البياض الملحيّ وغزت الشّيخوخة وجهه ويديه المكشوفتين وتشقّق جلده قال طالب :"يا للرّوعة"ثمّ انتشرت في المدرّج همهمة خفيفة ما لبثت أن ضاعت وتلاشت ولم تفسد على الهيكل الأبيض المنتصب ,والذي كان ينظر بعين واحدة إلى الجمهور ,لم تفسد عليه انضواءه في عربة الزّمن المستدير .
يا للرّوعة "" قالها طالب حينما بلغ التّمثال قمّة الهرم وانفطر ..كان الكسر الطّوليّ ينطلق من القدمين صعودا إلى الرّأس وكما يحدث في أفلام الرّعب ,خرج من جوف التّمثال ثلاثة رجال كأنّهم ضلال لبعضهم :خرج الأوّل وقد كنّى نفسه بابن عطاء ,,,خرج وقدّ من الرّيح عربة ذات عجلات خشبيّة يقول الجاهل روميّة ويقول العارف إنّها فارسيّة ...مشى يدفع عربته وقد شغلها ببضاعة مريبة :مصابيح من العصر الحجري وخواتم ملك من الهكسوس كان مولعا بجمعها وقوارير فارسيّة تحمل بداخلها رسائل منسيّة طواها الحبّ فاغتالها الزّمان
وخرج بعده رجل سمّى نفسه"الغزّال"واتّبع صاحبه كظلّه غير أنّه لم يكن يدفع عربة بل كان يعالج صورة لنول ثلاثيّة الأبعاد .وكان يمشي متعثّرا في جلبلبه الطّويل الذي يدّعي أنّه نسي فضلة منه في التّمثال .
وتلا الإثنين رجل معمّم قيل هو"الألثغ" الذي أفسد على الناس دينهم بتحريفه الكلم عن مواضعه ...كان يسير وراء صاحبيه صامتا ...يمشي في وقار مهيب ...ولم يكن يعنى بالتّصاوير ولا بالبضاعة الرّائجة منها والبائرة ...
رأى الناس ابن عطاء يدفع عربته مكرها فأسرعوا إليه وجعلوا يسألونه :هل من علكة؟ هل عندك شاي سريلانكي ؟؟أتبيع القهوة البرازيليّة .وتصايح الأطفال :"الحلوى الحلوى "وأقبلت النسوة البدويّات السّافرات يسألن عن السّواك ويقهقهن ...
استعاذ ابن عطاء بالله من الشّيطان وبسمل ثمّ قال :"عندي بضاعة ابتلاني بها الدّهر وامتحنني بها القدر ولا أظنّكم واجدين فيها ما تبحثون عنه ...كما ترون :عندى خواتم ملك الهكسوس ومصابيح من العصر الحجري و..."وما إن سمع القوم حكاية المصابيح والخواتم حتّى حمي تدافعهم
-اعطني مصباحا ذا جنّيّ كريم
-ناولني ذلك المصباح الأسود القديم ...هو مصباح علاء الدّين ...هو عينه.
-أرنا الخواتم .
نعم الخاتم الفضّي ...لا لا بل ذاك ...سمعت أن ملك الهكسوس انتصر على أعدائه بفضل تمائم خاتمه ...
-"الخاتم ...المصباح الأسود ...الخاتم " ومازلت النّسوة يلححن في طلب السّواك الجيّد ويحذّرن من المغشوش المدلّس .ومازال الأطفال يسألون عن العلكة ...
وعمّ الهرج وتدافع الناس يوشكون أن يقلبوا العربة ذات العجلات الخشبيّة ...
كان الغزّال والألثغ في مقام الظلّ من صاحبهما ...وكلنّهما كان منشغلين بالقدم والحداثة والذّات والصّفات والعدل والإحسان أحدهما ينسج الفكرة على نول الصّورة الثلاثيّة الأبعاد ثمّ ينقض النّسيج والأخر يبحر في الوجد يلعن زلاّت اللّسان في صمت .
دنا ابن عطاء من صاحبيه وأسرّ لهما بحديث وانثنى إلى عربته وجعل يتفحّص المصابيح واحدا واحدا ثمّ رفع أحدها وكانت عليه تصاوير ونقوش بارزة .فرك ابن عطاء رأس النّقش فخرج من المصباح عفريت صغير لا يتجاوز حجم الخنصر وكان نحيفا يبدو أنّ الجوع أنهكه واستبدّت به الوحشة .ولم يلبت أن طار الجنيّ هاربا فتبعه الحاضرون رجالا ونساء وأطفالا وجدّوا في طلبه وهم يتصايحون :"فزنا وربّ الكعبة"
ضرب ابن عطاء كفّا بكفّ وكان في قمّة الحنق ...كان يدّعي أنّ القوم ما يتّبعون إلاّ الوهم ...وفي النّهاية اقترب من صاحبيه فأسرّ لهما بشيء ثم عاد إلى العربة وقبل أن تغرب الشّمس ألقى بها محمّلة بالبضاعة ...ألقى بها في هوّة لا قرار لها
وقبل أن تغرب الشّمس وتموت الضّلال ألقى الغزّال بنوله في الهاوية لأنّ النّسيج شابه الخرف ودبّ في مفاصل النّول السّوس وفقدت الصّورة الثلاثيّة الأبعاد إمكان تحقّقها في الظّلام ...
أقرّ قاضي التّعقيب الحكم الابتدائي وأحيلت أوراق الثلاثة إلى مفتي الجمهوريّة وكانت التّهمة :تبديد ثروة البلاد الحضاريّة وتشويه سمعة التاريخ المجيد ...
شعر الأستاذ واصل بأنّه قد أهان نفسه بهذه المغامرة فسارع بسحب ابن عطاء والظّلين إلى داخل التّمثال الملحيّ وشدّ أزرار قميصه بعد فكّها فابتسم له الزّمان ودبّت الحرارة في الهيكل الجليدي وسرت فيه دماء الشّباب وعاد واصل إلى مصدحه ومحاضرته ...كأنّ شيئا لم يكن
قال طالب مسكين حينما رأى واصلا يؤوب إلى وضعه الاعتياديّ ,قال:"يا للرّوعة "
في 1جوان2010