lokman elhakim
نجم المنتدى
- إنضم
- 17 جانفي 2008
- المشاركات
- 4.216
- مستوى التفاعل
- 12.394
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ"
جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( وَإِضَاعَة الْمَال )
تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِقْرَاض أَنَّ الْأَكْثَر حَمَلُوهُ عَلَى الْإِسْرَاف فِي الْإِنْفَاق , وَقَيَّدَهُ بَعْضهمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْحَرَام , وَالْأَقْوَى أَنَّهُ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْر وَجْهه الْمَأْذُون فِيهِ شَرْعًا سَوَاء كَانَتْ دِينِيَّة أَوْ دُنْيَوِيَّة فَمَنَعَ مِنْهُ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الْمَال قِيَامًا لِمَصَالِح الْعِبَاد , وَفِي تَبْذِيرهَا تَفْوِيت تِلْكَ الْمَصَالِح , إِمَّا فِي حَقّ مُضَيِّعهَا وَإِمَّا فِي حَقّ غَيْره , وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَثْرَة إِنْفَاقه فِي وُجُوه الْبِرّ لِتَحْصِيلِ ثَوَاب الْآخِرَة مَا لَمْ يُفَوِّت حَقًّا أُخْرَوِيًّا أَهَمّ مِنْهُ . وَالْحَاصِل فِي كَثْرَة الْإِنْفَاق ثَلَاثَة أَوْجُه :
الْأَوَّل : إِنْفَاقه فِي الْوُجُوه الْمَذْمُومَة شَرْعًا فَلَا شَكّ فِي مَنْعه ,
وَالثَّانِي : إِنْفَاقه فِي الْوُجُوه الْمَحْمُودَة شَرْعًا فَلَا شَكّ فِي كَوْنه مَطْلُوبًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُور ,
وَالثَّالِث : إِنْفَاقه فِي الْمُبَاحَات بِالْأَصَالَةِ كَمَلَاذِّ النَّفْس , فَهَذَا يَنْقَسِم إِلَى قِسْمَيْنِ :
أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون عَلَى وَجْه يَلِيق بِحَالِ الْمُنْفِق وَبِقَدْرِ مَاله , فَهَذَا لَيْسَ بِإِسْرَافٍ .
وَالثَّانِي : مَا لَا يَلِيق بِهِ عُرْفًا , وَهُوَ يَنْقَسِم أَيْضًا إِلَى قِسْمَيْنِ :
أَحَدهمَا : مَا يَكُون لِدَفْعِ مَفْسَدَة إِمَّا نَاجِزَة أَوْ مُتَوَقَّعَة , فَهَذَا لَيْسَ بِإِسْرَافٍ ,
وَالثَّانِي : مَا لَا يَكُون فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ إِسْرَاف , وَذَهَبَ بَعْض الشَّافِعِيَّة إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْرَافٍ قَالَ : لِأَنَّهُ تَقُوم بِهِ مَصْلَحَة الْبَدَن وَهُوَ غَرَض صَحِيح , وَإِذَا كَانَ فِي غَيْر مَعْصِيَة فَهُوَ مُبَاح لَهُ . قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَظَاهِر الْقُرْآن يَمْنَع مَا قَالَ ا ه . وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ الْقَاضِي حُسَيْن فَقَالَ فِي كِتَاب قَسْم الصَّدَقَات : هُوَ حَرَام , وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيّ , وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام عَلَى الْمَغَارِم , وَصَحَّحَ فِي بَاب الْحَجْر مِنْ الشَّرْح وَفِي الْمُحَرَّر أَنَّهُ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ , وَتَبِعَهُ النَّوَوِيّ , وَاَلَّذِي يَتَرَجَّح أَنَّهُ لَيْسَ مَذْمُومًا لِذَاتِهِ ; لَكِنَّهُ يُفْضِي غَالِبًا إِلَى اِرْتِكَاب الْمَحْذُور كَسُؤَالِ النَّاس , وَمَا أَدَّى إِلَى الْمَحْذُور فَهُوَ مَحْذُور . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الزَّكَاة الْبَحْث فِي جَوَاز التَّصَدُّق بِجَمِيعِ الْمَال وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُوز لِمَنْ عُرِفَ مَنْ نَفْسه الصَّبْر عَلَى الْمُضَايَقَة , وَجَزَمَ الْبَاجِيّ مِنْ الْمَالِكِيَّة بِمَنْعِ اِسْتِيعَاب جَمِيع الْمَال بِالصَّدَقَةِ قَالَ : وَيُكْرَه كَثْرَة إِنْفَاقه فِي مَصَالِح الدُّنْيَا , وَلَا بَأْس بِهِ إِذَا وَقَعَ نَادِرًا لِحَادِثٍ يَحْدُث كَضَيْفٍ أَوْ عِيد أَوْ وَلِيمَة . وَمِمَّا لَا خِلَاف فِي كَرَاهَته مُجَاوَزَة الْحَدّ فِي الْإِنْفَاق عَلَى الْبِنَاء زِيَادَة عَلَى قَدْر الْحَاجَة , وَلَا سِيَّمَا إِنْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ الْمُبَالَغَة فِي الزَّخْرَفَة وَمِنْهُ اِحْتِمَال الْغَبْن الْفَاحِش فِي الْبِيَاعَات بِغَيْرِ سَبَب . وَأَمَّا إِضَاعَة الْمَال فِي الْمَعْصِيَة فَلَا يَخْتَصّ بِارْتِكَابِ الْفَوَاحِش , بَلْ يَدْخُل فِيهَا سُوء الْقِيَام عَلَى الرَّقِيق وَالْبَهَائِم حَتَّى يَهْلِكُوا , وَدَفْع مَال مَنْ لَمْ يُؤْنَس مِنْهُ الرُّشْد إِلَيْهِ , وَقَسْمه مَا لَا يُنْتَفَع بِجُزْئِهِ كَالْجَوْهَرَةِ النَّفِيسَة . وَقَالَ السُّبْكِيّ الْكَبِير فِي " الْحَلَبِيَّات " : الضَّابِط فِي إِضَاعَة الْمَال أَنْ لَا يَكُون لِغَرَضٍ دِينِيّ وَلَا دُنْيَوِيّ , فَإِنْ اِنْتَفَيَا حَرُمَ قَطْعًا , وَإِنْ وُجِدَ أَحَدهمَا وُجُودًا لَهُ بَال وَكَانَ الْإِنْفَاق لَائِقًا بِالْحَالِ وَلَا مَعْصِيَة فِيهِ جَازَ قَطْعًا , وَبَيْن الرُّتْبَتَيْنِ وَسَائِط كَثِيرَة لَا تَدْخُل تَحْت ضَابِط . فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَرَى فِيمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا رَأْيه , وَأَمَّا مَا لَا يَتَيَسَّر فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ ; فَالْإِنْفَاق فِي الْمَعْصِيَة حَرَام كُلّه , وَلَا نَظَر إِلَى مَا يَحْصُل فِي مَطْلُوبه مِنْ قَضَاء شَهْوَة وَلَذَّة حَسَنَة . وَأَمَّا إِنْفَاقه فِي الْمَلَاذّ الْمُبَاحَة فَهُوَ مَوْضِع الِاخْتِلَاف , فَظَاهِر قَوْله تَعَالَى : ( وَاَلَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا ) أَنَّ الزَّائِد الَّذِي لَا يَلِيق بِحَالِ الْمُنْفِق إِسْرَاف . ثُمَّ قَالَ : وَمَنْ بَذَلَ مَالًا كَثِيرًا فِي غَرَض يَسِير تَافِه عَدَّهُ الْعُقَلَاء مُضَيِّعًا , بِخِلَافِ عَكْسه , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الطِّيبِيُّ : هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي مَعْرِفَة حُسْن الْخُلُق , وَهُوَ تَتَبُّع جَمِيع الْأَخْلَاق الْحَمِيدَة وَالْخِلَال الْجَمِيلَة .