عشرون عاما من تفتت القصيدة:
تحولات الشعر العبري الحديث
نائل الطوخي
في البداية، عندما تم طرح فكرة الصهيونية للمرة الأولي، كان الأكثر أهمية من كل ما عداه هو اختراع كيان اسمه الشعب اليهودي من الهواء. تواصلت المهمة بعد قيام دولة إسرائيل، ولكن ما سمي في الماضي الشعب اليهودي أصبح اسمه الآن الشعب الإسرائيلي. وكالعادة، طلب من الأدب أن يحاكي الأوامر القومية. أصبح هناك ما يسمي بالأدب الإسرائيلي، وتواجد بالتالي شعراء مركزيون يعبرون عن -روح الشعب-، صار هناك حاييم نحمان بياليك في الأربعينيات، كما أصبح هناك ناتان ألترمان في الستينيات. الآن هذه الخدعة مهددة بالانكشاف. تتفتت مراكز الشعر الإسرائيلي، يصبح شعرا لطوائف عرقية واجتماعية ودينية مختلفة، سألت هاآرتس مجموعة من الشعراء: ما الذي تغير في الشعر الإسرائيلي منذ عشرين عاما؟ فكانت الإجابة الحاسمة: تفتت المركز، تعدد الأساليب، مع رطانة معتادة عن البصمة الإسرائيلية الملحوظة في الشعر والتي لا يمكن تعريفها! الآن المهاجرون الروس، عاملات النظافة، اليهود العرب والأوروبيون، السود والأفارقة، الدينيون والعلمانيون، كلهم يكتبون الشعر. هنا نقدم مقتطفات من ملف أعدته صحيفة هاآرتس حول الشعر الإسرائيلي ومصيره وتحولاته خلال العشرين عاما الماضية.
.يري الناقد نسيم كلدرون أنه لأول مرة في تاريخ الثقافة الإسرائيلية يمكن للمثقف الإسرائيلي المتعمق الآن ألا يقرأ الشعر، وإنما النثر، يشاهد السينما، يتم استحضاره عندما يتناقش المؤرخون فيما بينهم، ولكن الشعر ليس من بين مصادره الأدبية. لم يكن علي مدار ال200 عاما الماضية مثقف كهذا، أما اليوم فهو موجود.
يتحدث كلدرون عن اللغة العبرية عام 1941 والآن. -كان الشعر العبري وقتها من نصيب أقلية صغيرة، مثقفة للغاية. أما اليوم فاللغة العبرية هي الميراث الطبيعي، غير القديم وغير الفقير، للملايين، ومن بينهم طبقة وسطي كبيرة. ولكن هل يحتمل أن يكون شعر الأقلية الصغيرة مشابها لشعر أغلبية مشتتة؟-
هناك أيضا التخصص. أصبح الشعر مجالا تخصصيا والمجانين فحسب هم من يتخصصون فيه. الشعر هو مجال يتخصص فيه الأكاديمي الإسرائيلي عندما يرفض أن يتخصص في شيء آخر.
غير أن النقطة الأكثر أهمية التي يذكرها كلدرون هي أن الموسيقي قامت بتحطيم مجال التخصص هذا. غير الشعر وجهه وعن طريق هذا أمكنه البقاء. -إذا أحصينا عدد الإسرائيليين الذين تعرفوا علي الشعر بواسطة المغني شالوم حانوخ والذي قام بغناء -لأن الأرض هي شجرة الحقول- للشاعر ناتان زاخ، سوف يكون لدينا عشرة أضعاف كل قارئي الشعر الذين أمكنهم قراءة ألترمان أو بياليك في حياتهم.-
يضيف كلدرون: -ربما غدا أكثر صعوبة شراء ديوان شعري اليوم، وبالتأكيد أصبح أكثر صعوبة أن يصبح المرء -بطلا ثقافيا- مثل بياليك وألترمان، ولكن آلاف القصائد في الإنترنت، ومئات الأمسيات الشعرية، وعشرات الأقسام لتعليم الكتابة الإبداعية ودوريات الشعر، كل هذا يثبت أن الحاجة للشعر لم تختف.-
والروس يكتبون بالعبرية
يري الشاعر الشاب دودي مانور أن البشارة الكبري التي تلقتها القصيدة العبرية في السنوات العشرين الأخيرة هي موجة الهجرة الروسية إلي إسرائيل في بداية التسعينيات. وهو يعني بالتحديد الجيل الثاني للهجرة: جيل أبناء المهاجرين، أو هؤلاء الذين هاجروا لإسرائيل في طفولتهم أو صباهم.
-بعد ثلاثة أو أربعة عقود، نما فجأة جيل كامل من الكتاب المفترضين، ذوي المعرفة الحميمة بثقافة أخري وبلغة شعرية أخري. كان هذا بمثابة عودة متأخرة إلي الشفرة الجينية للشعر العبري الحديث. حيث البيئة الثقافة السلافية كانت حجر الأساس المركزي لشعرنا: منذ بياليك وتشرنحوفسكي وراحيل بلوفشتاين وحتي ليئا جولدبرج، ناتان ألترمان وآفوت يشورون.-
يخص مانور شاعرة واحدة بالحديث: -الشاعرة الأكبر التي قامت بين أبناء هذا الجيل هي سيفان باسكين المولودة في فيلنا ولغتها الأم هي الروسية. هي تمزج بين الواقع التل أبيبي الآني وبين التراث المتماسك من الثقافة الأوروبية واليهودية القديمة. -
من بين الكتب الخمسة الأهم التي قرأها مانور في العشرين عاما الماضية ديوانا الشاعر آفوت يشورون -سيد الراحة- و-لا أملك الآن-. يتذكر ارتباكه إزاء عبرية يشورون المرصعة بالييدش، وهي لغة يهود شرق أوروبا التي تحدثوها قبل هجرتهم إلي إسرائيل، ولكن مانور اكتشف بعد سنوات أن أفوت يشورون العجوز، الذي يحتقر أوامر دولة إسرائيل بإنكار اليهود لفترة ما قبل إسرائيل، ربما كان الشاعر العبري ما بعد الصهيوني الأول.-
أما الظاهرة الأكثر بروزا والتي يلحظها مانور في الشعراء الإسرائيليين الجدد فهي تقليدهم لأسلوب الشاعر الرائد ناتان زاخ. يقول: -بعد نصف قرن من ثورة زاخ في الشعر العبري لا يزال شعراء كثيرون يسعون لتقليد أسلوبه المميز ولا يزالوا يعتقدون أن صوتهم هو صوت الطليعة. زاخ، علي الأقل في كتبه المبكرة هو شاعر ممتاز، ولكن مقلديه العميان أقل منه بمراحل. للأسف الشديد، بعضهم هم من قاموا بتحديد نبرة الشعر العبري في العشرين عاما الماضية. أعتقد أنه في العقود القادمة سوف يتحرر الشعر العبري من هذه الأحادية، وسوف يكون أكثر انفتاحا، حتي في تياراته الرئيسية، علي التعدد الأسلوبي والشكلي الحقيقي.-
الانتقال إلي شقة جوجول
تقول الشاعرة آجي مشعول أنه ليس هناك جمالية واحدة رائدة وسائدة. فبدلا من أن يكون هناك شاعر مركزي يتم الحج إليه أو إلي المقهي الذي يجلس فيه تتسع الدائرة، الآن انتهي عهد بياليك وألترمان وناتان زاخ، الذين وضعوا بصمة يحل محلها الآن نوع من التعددية الشعرية. -هناك مجموعات مختلفة لكل واحدة منها راع أدبي، دورية وأحيانا ورشة أدبية، لأن الحدود ليست واضحة تماما وأحيانا ما تكون مائعة. يمكننا أن نجد نفس الشعراء وبالتحديد الشباب الذين مازالوا يتحسسون طريقهم، يتجولون من دورية لدورية ويراهنون علي الاتجاه الصحيح ولكنها تستدرك، لصالح الحفاظ علي -الروح الإسرائيلية- مهيمنة في خطابها، أنه ربما يكون هناك أسلوب إسرائيلي ما، من يعيشه يصعب عليه تعريفه، ولكنها لا تشغل نفسها للحظة بشرح كيفية معرفتها بوجوده الأسلوب، طالما أنها هي نفسها تعيشه، كما تقول.
تضيف مشعول: -في نهاية الأمر يعكس الشعر المجتمع الإسرائيلي بإخلاص، حيث يمكننا أن نجد فيه عددا من المراكز، علمانيين أو دينيين أو دينيين بلا دين، سياسيين، شرقيين، روس، كلاسيكيين محدثين، وبالطبع أفراد غير خاضعين للتصنيف. وهناك أيضا من انتقلوا إلي شقة جوجول ولا يتواجدون إلا علي الإنترنت. وهو حيز هائل لازال يتكون، عالم بلا حدود ولا معمار.-
قصيدة تعوزها الديمقراطية
الشاعر الشاب شمعون آداف يري أن المركزية لم تغب تماما عن الشعر العبري. يوافق هو مبدئيا علي أن الأمر الأكثر أهمية الذي حدث للشعر الإسرائيلي في العقدين الماضيين هو تفتت مراكزه وغياب الجمالية السائدة، وجذور هذا واضحة في رأيه منذ السبعينيات، ولكنه يستدرك قائلا أن هذا الغياب، عندما بدأ في التحول إلي حقيقة واقعة، أصبح مجرد احتمال نظري: -مازال يتم النظر إلي الشعر باعتباره المجال الإبداعي الأعلي، تصاغ فيه المقولات العميقة للثقافة ووجود ونشاط الشعراء ذوي القامة هو دليل علي هذا. ربما يكون مبدأ التمرد الذي يحرك الشعر العبري الحديث، والذي يؤسس الجيل الجديد بمقتضاه جمالية جديدة ويركن علي الرف الجيل القديم، قريبا من نهاية أيامه.-
-عندما يتم هذا الأمر بطريقة جماعية، علي غرار ما حدث في الشعر العبري حتي السبعينيات، فإنه يعني دوما إزاحة وتقبل شعراء وفقا لاعتبارات سياسية في جوهرها، أي وفقا لصلتهم بمجموعة لها جدول أعمال محدد وصلب. يعاني الشعر الإسرائيلي لعقدين من غياب جمالية مركزية. والسؤال الوحيد هو ما تفسير الشعراء لهذا الواقع وهل ينظرون إليه كأزمة أو كخسارة؟ أم أن وضعا من الجماليات المتعددة التي تمدنا بإجابات نسبية علي الأسئلة الأساسية، هو أرض خصبة للشعر لها وزن وصدي ثقافي.-
في رأي آداف، وهو يستشهد بالعدد غير المحدود من الدوريات والكراسات الأدبية الصادرة في السنوات الأخيرة وتخوض فيما بينها معارك حول الميراث، فهذا الخروج من الجمالية السائدة يبدو للغالبية كخسارة علي المستوي الثقافي.
-أعتقد أنه عندما يتم النظر إلي التحرر من القيود الشعرية المركزية باعتبارها علامات علي وجود أرض جديدة وليس علي الإقامة في خرائب إمبراطورية ينبغي إعادة تأسيسها، سيتمكن الشعر الإسرائيلي من شق طريقه الذي مازلنا ننتظره في جيلنا.... ما هي الأدوات الجديدة التي ستمكن الشعر من إيجاد وضع التعدد، الانتقال من الجمهورية إلي الديمقراطية، هذا هو ما أرغب أنا في أن يحدث: النقاش والتجربة كشرط أساسي لظهور الشعر.-
تحولات الشعر العبري الحديث
نائل الطوخي
في البداية، عندما تم طرح فكرة الصهيونية للمرة الأولي، كان الأكثر أهمية من كل ما عداه هو اختراع كيان اسمه الشعب اليهودي من الهواء. تواصلت المهمة بعد قيام دولة إسرائيل، ولكن ما سمي في الماضي الشعب اليهودي أصبح اسمه الآن الشعب الإسرائيلي. وكالعادة، طلب من الأدب أن يحاكي الأوامر القومية. أصبح هناك ما يسمي بالأدب الإسرائيلي، وتواجد بالتالي شعراء مركزيون يعبرون عن -روح الشعب-، صار هناك حاييم نحمان بياليك في الأربعينيات، كما أصبح هناك ناتان ألترمان في الستينيات. الآن هذه الخدعة مهددة بالانكشاف. تتفتت مراكز الشعر الإسرائيلي، يصبح شعرا لطوائف عرقية واجتماعية ودينية مختلفة، سألت هاآرتس مجموعة من الشعراء: ما الذي تغير في الشعر الإسرائيلي منذ عشرين عاما؟ فكانت الإجابة الحاسمة: تفتت المركز، تعدد الأساليب، مع رطانة معتادة عن البصمة الإسرائيلية الملحوظة في الشعر والتي لا يمكن تعريفها! الآن المهاجرون الروس، عاملات النظافة، اليهود العرب والأوروبيون، السود والأفارقة، الدينيون والعلمانيون، كلهم يكتبون الشعر. هنا نقدم مقتطفات من ملف أعدته صحيفة هاآرتس حول الشعر الإسرائيلي ومصيره وتحولاته خلال العشرين عاما الماضية.
.يري الناقد نسيم كلدرون أنه لأول مرة في تاريخ الثقافة الإسرائيلية يمكن للمثقف الإسرائيلي المتعمق الآن ألا يقرأ الشعر، وإنما النثر، يشاهد السينما، يتم استحضاره عندما يتناقش المؤرخون فيما بينهم، ولكن الشعر ليس من بين مصادره الأدبية. لم يكن علي مدار ال200 عاما الماضية مثقف كهذا، أما اليوم فهو موجود.
يتحدث كلدرون عن اللغة العبرية عام 1941 والآن. -كان الشعر العبري وقتها من نصيب أقلية صغيرة، مثقفة للغاية. أما اليوم فاللغة العبرية هي الميراث الطبيعي، غير القديم وغير الفقير، للملايين، ومن بينهم طبقة وسطي كبيرة. ولكن هل يحتمل أن يكون شعر الأقلية الصغيرة مشابها لشعر أغلبية مشتتة؟-
هناك أيضا التخصص. أصبح الشعر مجالا تخصصيا والمجانين فحسب هم من يتخصصون فيه. الشعر هو مجال يتخصص فيه الأكاديمي الإسرائيلي عندما يرفض أن يتخصص في شيء آخر.
غير أن النقطة الأكثر أهمية التي يذكرها كلدرون هي أن الموسيقي قامت بتحطيم مجال التخصص هذا. غير الشعر وجهه وعن طريق هذا أمكنه البقاء. -إذا أحصينا عدد الإسرائيليين الذين تعرفوا علي الشعر بواسطة المغني شالوم حانوخ والذي قام بغناء -لأن الأرض هي شجرة الحقول- للشاعر ناتان زاخ، سوف يكون لدينا عشرة أضعاف كل قارئي الشعر الذين أمكنهم قراءة ألترمان أو بياليك في حياتهم.-
يضيف كلدرون: -ربما غدا أكثر صعوبة شراء ديوان شعري اليوم، وبالتأكيد أصبح أكثر صعوبة أن يصبح المرء -بطلا ثقافيا- مثل بياليك وألترمان، ولكن آلاف القصائد في الإنترنت، ومئات الأمسيات الشعرية، وعشرات الأقسام لتعليم الكتابة الإبداعية ودوريات الشعر، كل هذا يثبت أن الحاجة للشعر لم تختف.-
والروس يكتبون بالعبرية
يري الشاعر الشاب دودي مانور أن البشارة الكبري التي تلقتها القصيدة العبرية في السنوات العشرين الأخيرة هي موجة الهجرة الروسية إلي إسرائيل في بداية التسعينيات. وهو يعني بالتحديد الجيل الثاني للهجرة: جيل أبناء المهاجرين، أو هؤلاء الذين هاجروا لإسرائيل في طفولتهم أو صباهم.
-بعد ثلاثة أو أربعة عقود، نما فجأة جيل كامل من الكتاب المفترضين، ذوي المعرفة الحميمة بثقافة أخري وبلغة شعرية أخري. كان هذا بمثابة عودة متأخرة إلي الشفرة الجينية للشعر العبري الحديث. حيث البيئة الثقافة السلافية كانت حجر الأساس المركزي لشعرنا: منذ بياليك وتشرنحوفسكي وراحيل بلوفشتاين وحتي ليئا جولدبرج، ناتان ألترمان وآفوت يشورون.-
يخص مانور شاعرة واحدة بالحديث: -الشاعرة الأكبر التي قامت بين أبناء هذا الجيل هي سيفان باسكين المولودة في فيلنا ولغتها الأم هي الروسية. هي تمزج بين الواقع التل أبيبي الآني وبين التراث المتماسك من الثقافة الأوروبية واليهودية القديمة. -
من بين الكتب الخمسة الأهم التي قرأها مانور في العشرين عاما الماضية ديوانا الشاعر آفوت يشورون -سيد الراحة- و-لا أملك الآن-. يتذكر ارتباكه إزاء عبرية يشورون المرصعة بالييدش، وهي لغة يهود شرق أوروبا التي تحدثوها قبل هجرتهم إلي إسرائيل، ولكن مانور اكتشف بعد سنوات أن أفوت يشورون العجوز، الذي يحتقر أوامر دولة إسرائيل بإنكار اليهود لفترة ما قبل إسرائيل، ربما كان الشاعر العبري ما بعد الصهيوني الأول.-
أما الظاهرة الأكثر بروزا والتي يلحظها مانور في الشعراء الإسرائيليين الجدد فهي تقليدهم لأسلوب الشاعر الرائد ناتان زاخ. يقول: -بعد نصف قرن من ثورة زاخ في الشعر العبري لا يزال شعراء كثيرون يسعون لتقليد أسلوبه المميز ولا يزالوا يعتقدون أن صوتهم هو صوت الطليعة. زاخ، علي الأقل في كتبه المبكرة هو شاعر ممتاز، ولكن مقلديه العميان أقل منه بمراحل. للأسف الشديد، بعضهم هم من قاموا بتحديد نبرة الشعر العبري في العشرين عاما الماضية. أعتقد أنه في العقود القادمة سوف يتحرر الشعر العبري من هذه الأحادية، وسوف يكون أكثر انفتاحا، حتي في تياراته الرئيسية، علي التعدد الأسلوبي والشكلي الحقيقي.-
الانتقال إلي شقة جوجول
تقول الشاعرة آجي مشعول أنه ليس هناك جمالية واحدة رائدة وسائدة. فبدلا من أن يكون هناك شاعر مركزي يتم الحج إليه أو إلي المقهي الذي يجلس فيه تتسع الدائرة، الآن انتهي عهد بياليك وألترمان وناتان زاخ، الذين وضعوا بصمة يحل محلها الآن نوع من التعددية الشعرية. -هناك مجموعات مختلفة لكل واحدة منها راع أدبي، دورية وأحيانا ورشة أدبية، لأن الحدود ليست واضحة تماما وأحيانا ما تكون مائعة. يمكننا أن نجد نفس الشعراء وبالتحديد الشباب الذين مازالوا يتحسسون طريقهم، يتجولون من دورية لدورية ويراهنون علي الاتجاه الصحيح ولكنها تستدرك، لصالح الحفاظ علي -الروح الإسرائيلية- مهيمنة في خطابها، أنه ربما يكون هناك أسلوب إسرائيلي ما، من يعيشه يصعب عليه تعريفه، ولكنها لا تشغل نفسها للحظة بشرح كيفية معرفتها بوجوده الأسلوب، طالما أنها هي نفسها تعيشه، كما تقول.
تضيف مشعول: -في نهاية الأمر يعكس الشعر المجتمع الإسرائيلي بإخلاص، حيث يمكننا أن نجد فيه عددا من المراكز، علمانيين أو دينيين أو دينيين بلا دين، سياسيين، شرقيين، روس، كلاسيكيين محدثين، وبالطبع أفراد غير خاضعين للتصنيف. وهناك أيضا من انتقلوا إلي شقة جوجول ولا يتواجدون إلا علي الإنترنت. وهو حيز هائل لازال يتكون، عالم بلا حدود ولا معمار.-
قصيدة تعوزها الديمقراطية
الشاعر الشاب شمعون آداف يري أن المركزية لم تغب تماما عن الشعر العبري. يوافق هو مبدئيا علي أن الأمر الأكثر أهمية الذي حدث للشعر الإسرائيلي في العقدين الماضيين هو تفتت مراكزه وغياب الجمالية السائدة، وجذور هذا واضحة في رأيه منذ السبعينيات، ولكنه يستدرك قائلا أن هذا الغياب، عندما بدأ في التحول إلي حقيقة واقعة، أصبح مجرد احتمال نظري: -مازال يتم النظر إلي الشعر باعتباره المجال الإبداعي الأعلي، تصاغ فيه المقولات العميقة للثقافة ووجود ونشاط الشعراء ذوي القامة هو دليل علي هذا. ربما يكون مبدأ التمرد الذي يحرك الشعر العبري الحديث، والذي يؤسس الجيل الجديد بمقتضاه جمالية جديدة ويركن علي الرف الجيل القديم، قريبا من نهاية أيامه.-
-عندما يتم هذا الأمر بطريقة جماعية، علي غرار ما حدث في الشعر العبري حتي السبعينيات، فإنه يعني دوما إزاحة وتقبل شعراء وفقا لاعتبارات سياسية في جوهرها، أي وفقا لصلتهم بمجموعة لها جدول أعمال محدد وصلب. يعاني الشعر الإسرائيلي لعقدين من غياب جمالية مركزية. والسؤال الوحيد هو ما تفسير الشعراء لهذا الواقع وهل ينظرون إليه كأزمة أو كخسارة؟ أم أن وضعا من الجماليات المتعددة التي تمدنا بإجابات نسبية علي الأسئلة الأساسية، هو أرض خصبة للشعر لها وزن وصدي ثقافي.-
في رأي آداف، وهو يستشهد بالعدد غير المحدود من الدوريات والكراسات الأدبية الصادرة في السنوات الأخيرة وتخوض فيما بينها معارك حول الميراث، فهذا الخروج من الجمالية السائدة يبدو للغالبية كخسارة علي المستوي الثقافي.
-أعتقد أنه عندما يتم النظر إلي التحرر من القيود الشعرية المركزية باعتبارها علامات علي وجود أرض جديدة وليس علي الإقامة في خرائب إمبراطورية ينبغي إعادة تأسيسها، سيتمكن الشعر الإسرائيلي من شق طريقه الذي مازلنا ننتظره في جيلنا.... ما هي الأدوات الجديدة التي ستمكن الشعر من إيجاد وضع التعدد، الانتقال من الجمهورية إلي الديمقراطية، هذا هو ما أرغب أنا في أن يحدث: النقاش والتجربة كشرط أساسي لظهور الشعر.-