ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

THE BLACK EAGLE

نجم المنتدى
إنضم
30 أوت 2007
المشاركات
2.413
مستوى التفاعل
4.324
:besmellah2:
قال بعض الحكماء: خذ من الدنيا ما شئت وخذ من الهم أضعافه. وسميت الدنيا لهوا، لأنها تلهى القلب عن كل خير وتلهو بكل شر. وفى حديث مرويّ عن أبى يعلى والضياء المقدسي، عن أبى سعيد الخدرى - عدّه العسكرى وغيره من الحكم والأمثال - قال على بن أبى طالب "خير أموالك ما كفاك، وخير اخوانك من واساك".

وشاهدوا معى عاقبة الجحود بنعم الله، فى قصة ثعلبة. فقد كان ثعلبة بن حاطب الأنصارى يوصف بأنه حمامة المسجد فى عصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لملازمته له. ثم ضاق هذا الصحابى بدنياه وعز عليه ما هو فيه من قبض فى الرزق. فسأل رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، وطلب منه أن يتوجّه إلى الله ليهبه السعة فى الرزق، فأجابه الرسول بقوله "ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه".

ثم عاد فألحّ على النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يستجيب، وأخذ على نفسه عهدا لئن أعطاه الله مالا ليعطينّ كل ذى حقّ حقّه. فدعا له رسول الله، فاستجاب الله الدعاء وكثر مال ثعلبة وأصبح يؤمّ المسجد فرضا ويترك فرضا. فلما زاد ماله وضاقت الأرض أن تتسع له ترك فريضة الصلاة وأنساه ماله ذكر ربّه. وما أن نزل قوله تبارك وتعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلواتك سكن لهم، والله سميع عليم" "سورة التوبة: آية 103". وحال الحول على مال ثعلبة، وأرسل إليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، رسولا ليطلب حق الله فى ماله، وما أن وصل إلى ثعلبة وبلغه رسالة رسول الله، حتى ضاقت به الدنيا وقال: ما هذه إلا أخت الجزية. ونقض عهده، وأخلف وعده. وهنا ينزل قرآن رب العالمين، واضعا ثعلبة فى عداد المنافقين إلى يوم يلقى ربه "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لَنصَّدَّقنَّ ولنكوننّ من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون" "سورة التوبة: الآيات من 75 إلى 77".
شاهدوا معى هذا الموقف الخلقى فى ثلاثة مشاهد. روى أبو هريرة، رضى الله عنهما، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله "إن ثلاثة من بنى اسرائيل، أبرص، وأقرع، وأعمى، أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال: أى شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّى الذى قذرنى الناس. فمسحه الملك فذهب عنه قذره، وأُعطى لونا حسنا وجلدا حسنا. ثم سأله: أى المال أحب إليك؟، قال: الابل. فأعطاه ناقة عشراء وقال: بارك الله لك فيها.
ثم أتى الأقرع فقال: أى شيء أحب إليك؟، قال: شعر حسن، ويذهب عنى الذى قد قذرنى الناس. فمسحه الملك فذهب وأُعطى شعرا حسنا. ثم قال له: فأى المال أحب إليك؟، قال: البقر. فأعطاه بقرة حاملا وقال له: بارك الله لك فيها.

ثم أتى الأعمى فقال: أى شيء أحب إليك؟ قال: أن يردّ الله عليّ بصري. فمسحه، فردّ عليه بصره. ثم قال: فأيّ المال أحب إليك؟، قال: الغنم. فأعطاه شاة حاملا ودعا له.

فأنتجت الناقة والبقرة والشاة. فكان للأول واد من إبل، وللثانى واد من بقر، وللثالث واد من غنم. ثم إن الملك أتى الأبرص على هيئته وصورته التى كان عليها قبل شفائه وغناه. فقال له: إننى رجل مسكين قد انقطعت بى الحال فى سفري، فلا بلاغ لى اليوم إلا بالله ثم بك.. أسألك بالذى أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن بعيرا أتبلّغ به فى سفري. فأبى الأبرص أن يعطيه ما طلب. فقال له الملك المتمثل فى صورة الرجل المسكين: والله كأنى أعرفك، ألم تكن أبرصا يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله؟، فرد عليه الأبرص قائلا: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. قال له الملك: إن كنت كاذبا فالله يصيّرك إلى ما كنت.

ثم أتى الملك الرجل الأقرع فى صورته فقال له مثل ذلك. فرد عليه مثلما رد الأول. فقال له: إن كنت كاذبا فالله يصيرك إلى ما كنت عليه.

بعد ذلك أتى الأعمى فى صورته وهيئته وسأله العطاء فقال له: يا هذا، لقد كنت أعمى فرد الله بصري، وكنت فقيرا فأغنانى الله، فخذ ما شئت، ودع ما شئت فوالله لا أجحدك اليوم لشيء أخذته لله. فقال الملك له: أمسك عليك مالك، فإنما ابتليتم، وقد رضى الله عنك، وسخط على صاحبيك".
الابتعاد عن جوهر الايمان

هذان الشاهدان يؤكّدان أن نعم الله على عباده تستوجب ردّة فعل تتماشى مع هذا الكرم الربّاني، وتفتح أبوابا إضافية لفعل الخير، وتحصيل الأجر، عن طريق مد يد المساعدة إلى من هم فى حاجة إليها. أما الجحود فهو تمرّد على الواجب، وأنانية وتغليب لحب الذات، وهى سلوكيات تبتعد بصاحبها عن جوهر الايمان. ويتنزّل فى هذا الاطار حديث نبوي، رواه ابن عدى فى الكامل، والبيهقى فى شعب الايمان، عن ابن عمر بن الخطاب "ابن آدم، عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك. ابن آدم، لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع. ابن آدم، إذا أصبحت معافى فى جسدك، آمنا فى سربك، عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء". وقد قال عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه "اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها".
من الغريب أننا ندافع عن أخطائنا أكثر مما ندافع عن صوابنا، فالتغاضى عن اصلاح الخطأ خطأ آخر. وبعض الناس يدافعون عن أخطائهم كما يذودون عن ميراثهم، وأفدح الخطوب أن تعدّ نفسك منزّها عن الأخطاء. قال على بن أبى طالب "من نسى خطيئته استعظم خطيئة غيره". وقال الامام مالك، رضى الله عنه "أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا فى الباطل". ومن الهدى النبوى الشريف "من خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة أغناه الله تعالى من غير مال، وأيّده من غير جند، وأعزّه من غير عشيرة".
 
تسلم يمينك اخي الكريم

موضوع رائع

باركك الرحمن وجزاك كل الخير

وابلغنا الله واياك والمسلمين شهر رمضان
 
:besmellah1:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

*اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين *

فعلا ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى

وهذه لا يدركها الا ذو حظ عضيم

جزاك الله خيرا أخي الكريم على هذه الموعضة الحسنة

وألهمك من الرشد ما ترضى
 
ثبت الله الإيمان في قلبك و رزقك الإخلاص في جميع أعمالك ...
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى