"حق حريّة الدين وحق التجديف يسيران معا"
رسم الفنان لارس ڤِلْكس ثلاث رسومات للرسول محمد يهزأ من خلالها به واصفا إيّاه آكلب في دوّار.
ورفضت ثلاثة معارض فنية عرض رسوماته هذه، وهي: اتحّاد الفنّانين في تِلِّرود، ومدرسة يارلِبورْي في
محافظة بوهوسلان، ومتحف الفن العصري في استكهولم الذي رفض هو الآخرعرضها مُؤخّرا.
ويُشكّل هذا الحدث رقابة ذاتية غير مقبول بها في مجتمع ليبرالي، لأنّ على المجتمع الليبرالي أن يوازي بين
تيّارين في آن واحد، وهما الحرص على حق المسلمين لممارسة دينهم ولبناية مساجدهم من جهة، والاستهزاء
برموزهم الدينية من جهة أخرى – آما يُستهزأ برموز الديانات الأخرى. وليس هناك من تعارض بين هذين
الهدفين لا بل إنّهما يكمّلان بعضهما البعض.
وبالروح نفسها، فإنّه من المنطقي أن تنسّق المجلّة الإسلامية "المئذنة" مع هيئة المسلمين المدنيّة في السويد
عرضا لرسومات الفنّان لارس ڤلكس. فالسياسة أمر أقلّ حساسية من الدين، حيث أنّ الإيمان أمر خاص، ولهذا
فإن الاستهزاء برمز ديني أو إهانته يؤخذ آأمر شخصي؛ سواء أآان الشخص مسلما أم لا.
في العام 1979 ، أنتجت مجموعة المنتي بايثن فيلم "حياة برَيَن"، الذي لا يتحدّث عن يسوع، بل عن برَيَن،
وهو شاب وُلد وعاش في وقت المسيح. وقد مُنع عرض الفيلم في النرويج بحجّة القانون ضد التجديف، آما
انضمت أصوات آثيرة لمنعه في الولايات المتحدة الأمريكية. أمّا جون آليز، فقال إنّ الله أدرى بمصلحته. وإنّي
بنفسي مسيحيّ ممارس، ولكنّي أظنّ أنّ فيلم "حياة برَيَن" مضحك للغاية.
وتكرسّت الصعوبات التي واجهها لارس ڤِلْكس لعرض رسوماته في أزمة الرسومات الكاريكاتورية التي
عايشتها الدنمرك في آانون الثاني العام 2006 ، عندما شهدت أبواب السفارات الاحتجاجات والإخلال بالأمن
في الدول المسلمة. وهوت -آنذك- مبيعات مارد الحليب "آرلا" بشكل فظيع آما نشأت أزمات دبلوماسية آان
سببها نشر جريدة "يِلَّندس بوستن" الدنمرآية مجموعة من الرسومات الكاريكاتورية التي تستهزئ بالنبي محمد.
وبالطبع، خيراً ما فعلته الدنمرك في الدفاع عن حريتها الصحافية، إلّا أنّ الرسوم الكاريكاتورية آانت رديئة
للغاية، إلى درجة تشبيهها بالرسومات المعادية للسامية التي رسمها المؤيدون للنازية في الثلاثينيات
والأربعينيات.
ولقد أثارت الرسومات في "يِلَّندس بوستن" مشاعر الكثير من المسلمين في الدنمرك بما عكسته من ازدياد
التعصّب لدى الشعب الدنمرآي، حيث أنّ التيارات المناوئة للأجانب حظت لدى السياسة الدنمارآية بنفوذ مبالغ
به في السنوات الأخيرة، فضلا عن الدعم المباشر من الحزب الأخ "ديمقراطيو السويد".
ومن الصعب تشخيص اللعبة السياسية في البلاد التي شهدت فيها السفارات أزمة الإخلال بالأمن، ولكنه من
المحتمل أنّ هذه المظاهرات لم تكن عفوية مثلما بدت، على الأقل في بعض الأحوال، بل إنّها قد آانت وسيلة
للفت النظر لعدو خارجي. وهنا، لم تنجح الحكومة الدنمرآية في عمل شيئين في آن واحد. إذ آان عليها أن تعلن
في مرحلة مبكرة أنّ الرسومات الكاريكاتورية التي وردت في "يِلَّندس بوستن" ذات ذوق سيئ ورديء، وتوضح
في الوقت ذاته أنّ الديموقراطية تسمح بنشر رسوم آاريكاتورية فظّة وذات ذوق سيئ.
وها قد منعت بعض الرسوم الكاريكاتورية الدنمرآية الرديئة عرض رسومات لارس ڤِلْكس الثلاثة، لأنّ هناك
شعورا بأنّ شيئا مزعجا سيحصل.
"إنّي أعتقد أنّ الرسومات جيّدة، ولكنّ هناك خوفا هنا بين السكان من أنّها ستقود إلى مشاآل وجدالات"، تقول
مَرتى ڤِنِّرسترُم، المسؤولة عن المعرض الفني في تِلْبارْي، (حسب ما ورد في جريدة "اليومية السويدية"،
SvD في عددها الصادر في 21 تموز). نستنتج إذن أنّ المعارض الفنيّة باتت خائفة من تهديد غامض يوحي
بأنّ الإهابة حتّى الصمت سهلة.
إنّ حق حرية الدين وحق التجديف جزآن لا يتجزآن من حقوق الحرية. ويحتاج أحدهما إلى النصف الآخر
ليكتمل. ماذا سيحصل إذا أراد مسلم متعصّب أن يعبّر عن اعتقاده بواسطة الفن؟ بلا شك، سيكون إقناع
المعارض الفنية بأنّ رسوما مثل هذه غير مناسبة، وإنها قد تُسبّب شجارات. لهذا، فإنّ منع لارس ڤِلْكس من
التعبير عن نفسه، قد يطال حق المسلمين في ابداء رأيهم.
لارس سترومان
[email protected]
افتتاحية لارس سترومان في صحيفة نيريكِس ألّهندا في 19/8/2007