الدولة الأموية
فتحت بلاد الأندلس فى عهد الوليد بن عبد الملك بين عامى (92 - 93 هـ) فى الخلافة الأموية عندما قام بفتحها طارق بن زياد بتوجيه من والى إفريقية موسى بن نصير، وظلت الأندلس بعد ذلك خاضعة للخلافة الأموية كإحدى الولايات الرئيسة، إلى أن سقطت الخلافة الأموية سنة (132هـ)، واتجه العباسيون إلى استئصال الأمويين. وتمكن عبد الرحمن بن معاوية -عبد الرحمن الداخل- أن يفلت من قبضة العباسيين، فهرب إلى أخواله فى الشمال الإفريقى، وأقام عندهم فترة من الزمن، ثم فكر فى دخول الأندلس ليبعد عن العباسيين، فراسل الأمويين بالأندلس، ولما أحس ببعض الاطمئنان قفز إلى هناك عام (138هـ)؛ فتجمع حوله الأمويون ومن تبعهم ممن يكرهون والى العباسيين فى الأندلس يوسف الفهرى. فكوَّن عبد الرحمن الداخل من هؤلاء جيشًا كبيرًا، ثم اتجه به نحو قرطبة، فتقابل مع جيش الفهرى فى موقعة عرفت باسم «المصارة» انتهت بهزيمة الفهرى وقتله ودانت الأندلس كلها بعد ذلك لعبد الرحمن الداخل. ويعد هذا التاريخ (138هـ) بداية الدولة الأموية فى الأندلس والتى استمرت حتى عام (422هـ). ولقد واجه عبد الرحمن الداخل عقبات وتحديات كثيرة من أجل توطيد الحكم الأموى بالأندلس، وخاض فترة الصراع مع دولة الخلافة العباسية وذيولها وبعض الطامحين إلى الحكم. فلقد شجع العباسيون واليهم على إفريقية العلاء بن المغيث على إخضاع الأندلس والقضاء على عبد الرحمن الداخل، فاستجاب العلاء وعبر البحر إلى الأندلس سنة (146هـ)؛ ولكنه منى بهزيمة ساحقة على يد عبد الرحمن الداخل. وإلى جانب ذلك اشترك بعض العرب الساخطين على الداخل فى مؤامرة دنيئة مع الزعيم النصرانى شارلمان ضد عبد الرحمن الداخل، ولكن أهل مدينة سرقسطة قاموا بمواجهة هؤلاء العرب الخائنين فباءت مؤامرتهم بالفشل؛ ولصمود الأمير الأموى عبد الرحمن الداخل أمام العقبات التى اعترضت طريقه أعجب به الخليفة المنصور ولقبه بـ «صقر قريش».
واستقر الأمر فى الأندلس فى النهاية إلى الأمويين، واستمرت الدولة الأموية حتى عام (422هـ)، مرت خلالها الدولة بفترات قوة وضعف، وفيما يلى قائمة بأسماء حكام الأندلس من بنى أمية:
1- عبد الرحمن الداخل (138هـ).
2- هشام الأول بن عبد الرحمن (172هـ).
3- الحكم بن هشام (180هـ).
4- عبد الرحمن الأوسط بن هشام (206هـ).
5- محمد بن عبد الرحمن (238هـ).
6- المنذر بن محمد (273هـ).
7- عبد الله بن محمد (275هـ).
ظهرت بعض الإقطاعات القوية فى هذه الفترة كإقطاعية بنى حجاج بإشبيلية، وذى النون بالولايات الغربية. وقد أعادها عبد الرحمن الناصر إلى الطاعة.
8- عبد الرحمن الناصر بن محمد (350هـ).
9- الحكم بن عبد الرحمن (366هـ).
10- هشام الثانى بن الحكم (366- 399هـ).
وفى عهد هشام استولى على الحكم المنصور بن أبى عامر إلى أن سقطت الخلافة الأموية عام (422هـ)، وبدأ عهد ملوك الطوائف. وكان لعبد الرحمن الداخل دور حضارى كبير فى فترة حكمه بالأندلس، فقد جّمل مدينة قرطبة، وأحاطها بسور ضخم، وحفر قناة تمدها بالماء العذب، وشيد بها المبانى الضخمة والحمامات، وأكثر من البساتين على ضفة الوادى الكبير، وابتنى بظاهرها قصرًا كبيرًا أسماه «الرصافة»، وكان هذا القصر شرقى المظهر؛ فقد حفلت حديقته بالنبات الشرقى. ومن منشآت عبد الرحمن المهمة جامع قرطبة الذى لا يزال ينطق حتى الآن بالعظمة والجلال، وقد أنفق عليه نفقات كثيرة كما فعل أجداده وهم يشيدون المسجد الأموى فى دمشق. واهتم عبد الرحمن الداخل بشئون الزراعة؛ فشق الترع وأنشأ الطرق، كما اهتم بالشئون العلمية؛ فبنى المدارس فى عواصم الأندلس، وشجع العلماء والطلاب مما جذب لبلاده كثيرًا من طلاب العلم من أوروبا، ومصر، والشام، والعراق. وفى عام (172هـ) توفى عبد الرحمن الداخل، وولى الحكم بعده ابنه هشام، وروى عنه أنه كان محبًا للخير والعدل، يتخذ من عمر بن عبد العزيز نموذجًا يحتذى، ويقول العبادى فى «تاريخ الأندلس»: إنه كان يرسل من يثق فيهم من رجاله إلى كور -حدود- الأندلس ومدنها يسألون الناس عن أحوالهم وسيرة عماله فيهم، فإذا انتهى إليه أن أحدهم أسرف على الرعية حل عليه سخطه وعزله عن عمله. وحرص هشام بن عبد الرحمن على نشر اللغة العربية والعناية بها والتى أصبحت لغة التدريس فى كل مدارس الأندلس بما فيها مدارس اليهود. ويعد القرن الهجرى الرابع أزهى عصور المسلمين بالأندلس وخاصة خلال فترة حكم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد (عبد الرحمن الناصر) الذى حكم من عام (300هـ- 350هـ)، فأثبت أنه أكفأ الحكام، وأحرز نجاحًا تامًا فى ميدان السياسة والحضارة. وكانت قرطبة فى عهده تنار بالمصابيح ليلًا ويستضىء الماشى بسرجها (16كم) لا ينقطع عنه الضوء، وكانت مبلطة ومحاطة بالحدائق الغناء. وتذكر المصادر المختلفة أن الحضارة الإسلامية فى الأندلس شملت عدة اتجاهات، وحوت أكثر ألوان المعرفة أو كلها، ويقسمها بعض المؤرخين إلى قسمين: حضارة فكرية وحضارة عمرانية.
ففى مجال الفكر والعلوم الشرعية انتشر المذهب المالكى فى الأندلس وخاصة فى فترة حكم هشام بن عبد الرحمن، ومن فقهاء وعلماء الأندلس المشهورين: بقىّ بن مخلد، والإمام ابن حزم الأندلسى،ّ والإمام أبو القاسم الشاطبىّ، وأبو الوليد الياجىّ، والإمام المنذر بن سعيد البلوطى الذى كانت له مواقف رائعة مع عبد الرحمن الناصر. ونهضت الأندلس نهضة كبرى فى مجال العلوم العقلية والعملية والطبيعية من رياضة وفيزياء وفلك وطب. ومن العلماء المشهورين فى الأندلس: عباس بن فرناس صاحب أول محاولة للطيران فى التاريخ. ومن أبرز علماء الفلك إبراهيم بن يحيى النقاش، ونبغ فى الطب والصيدلة أحمد بن إياس. وأما فى مجال الأدب والفن فقد برز فى علوم اللغة العربية وآدابها كثير من رجال الأندلس، وقد طبقت شهرتهم الآفاق ومن هؤلاء: ابن مالك صاحب الألفية المشهورة فى علم النحو والصرف، وابن عبد ربه صاحب «العقد الفريد». وتنوعت نواحى العمران التى عنى بها المسلمون بالأندلس، بل إن مظاهر الحضارة العمرانية أبرز من مظاهر الحضارة العلمية، وتمثلت أروع مظاهر العمران فى الأبنية الضخمة من مساجد ومدن وقصور تدل على تميز العمارة الإسلامية، فنشاهد فى الأندلس مسجد قرطبة، ومدينة الزهراء التى بناها الناصر، وقصرى طليطلة والمأمون، وقصر الجعفرية فى سرقسطة. ولقد تغنى الشاعر الفرنسى «فيكتور هوجو» بمدينة الزهراء فى قصيدة طويلة. وفى عام (366هـ) تولى حكم الأندلس هشام الثانى بن الحكم وهو آخر حكام بنى أمية فى الأندلس، فلقد سيطر على الحكم فى عهده المنصور بن أبى عامر الذى أسس الدولة العامرية. وفى عام (422هـ) سقطت الخلافة الأموية بالأندلس وبدأ عصر ملوك الطوائف.
شريط الأحداث:
ـ (138هـ) قفز عبد الرحمن الداخل من الشمال الإفريقى إلى الأندلس وبدأ تأسيس الدولة الأموية هناك.
ـ (138هـ) انتصر عبد الرحمن الداخل على يوسف الفهرى الوالى العباسى فى موقعة «المصارة» واستطاع دخول قرطبة وإعلان الحكم الأموى للأندلس.
ـ (142هـ) حاول عبد الرحمن الفهرى استرداد نفوذه بالأندلس فجمع جيشًا حوله وأعلن العصيان، وأراد غزو قرطبة؛ فسار إليه عبد الرحمن الداخل، وتمكن من هزيمته.
ـ (147هـ) قام العلاء بن مغيث -بتحريض من العباسيين- بمناهضة عبد الرحمن الداخل، وقام بالثورة، وبعد معارك ضارية استطاع الانتصار عليه، وقتل العلاء بن مغيث، ولم يحاول بعدها العباسيون التدخل فى شئون الأندلس.
ـ (161هـ) حدثت مؤامرة الخيانة على عبد الرحمن الداخل، إذ تآمر حاكم سرقسطة سليمان بن يقظان الأعرابى مع شارلمان حاكم الفرنجة؛ ولكن أهالى سرقسطة قاموا بثورة ضد الحاكم الخائن وحليفه النصرانى، وباءت المؤامرة بالفشل.
ـ (172هـ) توفى عبد الرحمن الداخل، وخلفه فى الحكم ابنه هشام بن عبد الرحمن الذى حكم مدة ثمانية أعوام (172هـ- 180هـ).
ـ (174هـ) حدث خلاف بين هشام وأخيه سليمان، وقد أخذ سليمان لنفسه البيعة فى طليطلة؛ ولكنه هزم أمام هشام ونفى إلى المغرب.
ـ (181هـ) حدثت ثورة أهل طليطلة على الحكم بن هشام بن عبد الرحمن؛ ولكنه تمكن من إخمادها عن طريق الحيلة، واستطاع القضاء على الثوار.
ـ (206هـ) توفى الحكم بن هشام، وخلفه ابنه عبد الرحمن الذى عرف باسم عبد الرحمن الأوسط، وفى عهده استتب الأمن، وساد النظام؛ فانصرف إلى العلم والبناء، والاهتمام بشئون الدولة، واعتنق الإسلام فى أيامه عدد كبير من النصارى الإسبان.
ـ (228هـ) أغار الفرنجة على الأندلس عن طريق البحر، فأغاروا على شذونة وانطلقوا منها إلى إشبيلية؛ وهزموا المسلمين عدة مرات، وأرسل عبد الرحمن الأوسط قوة لأهل إشبيلية، قاتلت الفرنجة الذين تراجعوا حتى قهروا.
ـ (238هـ) توفى عبد الرحمن الأوسط، وخلفه ابنه محمد الأول، وحدثت فى عهده عدة ثورات فى شمالىّ الأندلس فى برشلونة وطليطلة؛ فارسل إليها حملات أحرزت النصر.
ـ (300هـ) ولى حكم الأندلس عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (عبد الرحمن الناصر) وقد ازدهرت الدولة الأموية فى عهده ازدهارًا كبيرًا، كما أعلن نفسه خليفة على الأندلس بعد أن رأى استبداد الأتراك بالخلافة العباسية.
ـ (322هـ) بنى عبد الرحمن الناصر أسطولاً مؤلفًا من مائتى سفينة، وتسابقت رسل دول فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى مقر حكمه تقدم له الاحترام.
ـ (335هـ) بنى عبد الرحمن الناصر مدينة سالم، وتقع شمال شرقى مدريد، كما بنى مدينة «المرية» على ساحل البحر المتوسط لتكون قاعدة للأسطول الأندلسىّ.
ـ (350هـ) توفى عبد الرحمن الناصر بعد أن وطد أركان البلاد، وخلفه ابنه الحكم الثانى الذى تلقب باسم المستنصر بالله، وكانت أيامه هادئة، والبلاد مستقرة على أسس ثابتة ازدهرت فيها العلوم ونعمت بالعمران.
ـ (350هـ) تعرضت سواحل بحر الغرب -المحيط الأطلسى- بالأندلس إلى غارات النورمان، وقد تركزت غاراتهم على منطقة لشبونة. والنورمان هؤلاء أصلهم من الدنمارك، وأقام بعضهم فى جنوبى إيطاليا، واستعملتهم الكنيسة للهجوم على المسلمين.
ـ (366هـ) توفى الحكم المستنصر بالله بن عبد الرحمن الناصر، وقيل عنه إنه كان من خيار الخلفاء وعلمائهم وكان محبًا للعلماء محسنًا إليهم.
ـ (366 هـ - 399هـ) كانت فترة حكم هشام بن الحكم المستنصر، وكان المنصور بن أبى عامر قد سيطر على الحكم فى عهده وأسس الدولة العامرية، ثم استمرت فترة الفتنة من (399 - 422هـ) حتى سقط الأمويون وخلافتهم، وبدأ عصر ملوك الطوائف.