الحج في أبعاده الثلاثة: العبادة والسياسة والتجارة

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

cortex

كبار الشخصيات
إنضم
11 نوفمبر 2006
المشاركات
7.362
مستوى التفاعل
5.252
موسم حج آخر يتصرم، ومعه سجال طويل حول ادارة هذه الشعيرة الدينية، ونقاش حول السياسات المرتبطة به، وموقع البلدان الاسلامية من ادارة شؤون الحجيج.
ولعل الجانب الابرز هذا العام تصاعد عمليات الاحتيال والنصب المرتبطة بالجانب التجاري منه، والاسباب التي تسهل ذلك الفساد، ونظام التأشيرات والحصص في تهيئة الارضية للفساد المالي والاداري. يضاف الي ذلك ما يدور من نقاش حول تحديد مواقيت الحج، بعد ان اعلنت السعودية بداية شهر ذي الحجة سابقا علي بقية الدول. وكما حدث لعيد الفطر المبارك الاخير من اختلاف المسلمين حول موعد حلوله، يتكرر الامر نفسه لعيد الاضحي المبارك. الفرق بين الحالتين ان عيد الاضحي يترتب عليه فرض آخر وهو فريضة الحج بما فيها من شعائر في اوقات محددة، وبالتالي فالاختلاف في تحديدها يسبب اشكالات لدي بعض المسلمين. وفي هذا العام، ونظرا للاختلاف في رؤية الهلال، اضطر بعض الحجاج لالغاء سفرهم الي الاراضي المقدسة لاعتقادهم ان تحديد السعودية لموعد الموقف بعرفة وعيد الاضحي لا ينسجم مع الارصاد الفلكية او المشاهدة العينية للهلال في اغلب البلدان الاسلامية.فقد طالب 22 عالماً فلكياً عربياً السلطات السعودية بالتراجع عن إعلانها الخاطئ بأن هذا اليوم (الأربعاء) هو أول أيام عيد الأضحي، وذلك لعدم ثبوت رؤية دخول شهر ذي الحجة يوم الاثنين العاشر من كانون الأول (ديسمبر) في معظم الدول الإسلامية. وذكّر العلماء، في بيان إلكتروني، السعودية بأنها تراجعت في 1996 عن إعلان خاطئ كإعلانها هذا العام، موضحين أنه يستحيل رؤية الهلال يوم الاثنين سواء بالعين المجردة أو بالمناظير. ومن الموقعين علي البيان: خالد الزعاق وصالح محمد الصعب (السعودية)، وصخر سيف (الإمارات)، وهيمن زين العابدين متولي (مصر)، وجلال علي الجهاني (هولندا)، ومحمد البوسعيدي (عمان)، وصالح بن محمد العجيري (الكويت)، وجلال الدين خانجي (سورية).
انه بعد ديني له انعكاسات سياسية غير قليلة، وقد أثار النقاش مجددا حول فريضة الحج مسألة الاشراف الاسلامي عليها، لتحقيق توافق اسلامي عام بشأنها، وعدم حصر الأمور المرتبطة بها بدولة واحدة بعينها. ومع وجود تقدير عام للجهود التي تبذلها الحكومة السعودية في مجال توسعة الحرم، ومنطقة الجمرات، والمسجد النبوي، فان الجانب الديني والفقهي ما يزال موضع اختلاف في عدد من مصاديقه: فهناك اختلاف في تحديد مواعيد الشعائر، واختلاف حول اجواء الحج ومدي حرية الحجاج في ما يطرحونه من خطاب وشعارات، واختلاف حول دور شرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي يشكو الكثير من الحجاج من تصرفاتهم، ويعتبرون ذلك مخلا بأخلاق العبادة وحسن الادارة. وهناك انباء بان اوامر صدرت هذا العام من الجهات السياسية في المملكة لمجموعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للحد من تصرفات افرادها مع الحجاج، وهي تصرفات غير لائقة في اغلب الاحيان، تعكس العقلية الضيقة لهذه المجموعات السلفية التي تسعي لفرض نمط واحد من الفهم الديني علي الآخرين. وقد ضاق الحجاج ذرعا بتدخلاتهم، وكثيرا ما حدثت مشادات وشجار بينهم مع الحجاج. وفي الصيف الماضي، تعرضت مجموعة من الشباب العراقيين لاعتداء من هؤلاء، وكادت القضية تصل الي مواجهة دبلوماسية لولا تدخل بعض المسؤولين الكبار والاعتذار من الضحايا الذين تعرضوا للضرب المبرح علي ايدي مجموعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ان المطالبة بـ تدويل الحج وادارته بإشراك الدول الاسلامية في الادارة والتخطيط، سواء بشكل مباشر او عن طريق منظمة المؤتمر الاسلامي، أمر مطروح منذ عقود. واذا كانت الظاهرة الايرانية في الثمانينات قد اضفت تعقيدا آخر للسجال حول الحج وطبيعته وآفاقه، فان الجدال ما يزال مستمرا خصوصا عندما يكون هناك اختلاف في تحديد المواعيد، او تحدث حوادث قاتلة كالحرائق المتكررة في مني، وأكبرها في 1995 او التزاحم الذي اودي بحياة اكثر من 1400 حاج في نفق المعيصم في 1990. الظاهرة الايرانية بدأت بعد الثورة، عندما دعا الامام الخميني الي تحويل الحج الي حضور فاعل للمسلمين كمؤتمر عالمي يشارك فيه اكثر من مليوني انسان. تلك الدعوة استقبلت بالرفض من قبل السلطات السعودية التي أصرت علي منع التظاهرات الايرانية التي كانت تنظم ضد الولايات المتحدة و اسرائيل بعنوان البراءة من المشركين . ومما ادي الي تفاقم التوتر بين الطرفين استمرار الحرب العراقية ـ الايرانية التي كانت تلقي بظلالها علي الوضعين العربي والاسلامي وأدت الي استقطابات واسعة في المواقف السياسية والفكرية والدينية. وبلغ التوتر بين الرياض وطهران ذروته قبل عشرين عاما، عندما استعملت قوات الامن السعودية في موسم الحج للعام 1987 القوة المفرطة لقمع مسيرة البراءة الايرانية في شوارع مكة وقتلت اكثر من 400 من الحجاج الايرانيين. جاءت ردة الفعل الايرانية بوقف حملات الحج ثلاث سنوات متواصلة. في هذه الاثناء تدخلت منظمة المؤتمر الاسلامي لايجاد مخرج من الازمة، وادي ذلك التدخل الي نظام الحصص الذي يتم العمل به حاليا. وبموجب هذا النظام، يسمح لكل دولة بارسال 1000 حاج من كل مليون من مواطنيها. هذا التدخل هو الاول من نوعه من خارج المملكة لتنظيم هذه الفريضة، وهو امر ايجابي، خصوصا مع تزايد الاقبال علي ادائها. هذا الاقبال يعكس عمق التوجه الديني في اوساط المسلمين، وتوسع دائرته. كما يعكس عودة قوية للعبادة، ولكنها عودة مشوبة بالعديد من الشوائب. فهناك اليوم منحي مادي حول الحج الي ممارسة تجارية بحتة وممارسة تروج فيها ثقافة الاستهلاك والتنافس علي وسائل الراحة، بعيدا عن الاجواء العبادية والممارسات الروحية التي يفترض ان تتعالي علي الماديات. ويحقق بعض مقاولي الحملات عائدات ضخمة في فترة قصيرة، اذ اصبح هناك تثبيت للاسعار يضر بروح المنافسة، ويحول الحج الي ساحة تجارية مغلقة لمجموعات محدودة من المقاولين الذين يهدفون لتحقيق أكبر الارباح. وفي الوقت نفسه، هناك منحي من الحجاج انفسهم، خصوصا ذوي الرفاه المالي، للبحث عن كافة وسائل الراحة، وتحويل الحج الي رحلة استمتاع واستجمام في ارقي الفنادق ورحلات الطيران. ويشهد الموسم ايضا افراطا في الانفاق علي الماديات وانواع الاكل والتسوق في المجمعات الحديثة، والعيش في المباني الفاخرة التي شيدت علي الجبال والسفوح المحيطة بالحرم الشريف. ان هناك مفارقات واضحة بين روح العبادة المطلوبة خلال الموسم، والصعود بالمستوي الروحي، وحالة الاستهلاك علي النمط الغربي، التي تتصاعد بشكل مضطرد.
ومهما قيل عن نظام الحصص، فانه يعبر عن توسيع دائرة ادارة الحج، وبالتالي فالباب يجب ان لا يوصد امام توسيع المشاركة الاسلامية في ادارة الموسم وابداء الرأي في توجيه اجوائه. اما ما يقال عن تسييس الحج وصدور فتاوي ضد ذلك، فانه مخالف لما يجري. فالحج اليوم مسيس علي اوسع نطاق من عدة اطراف. فالحجاج من كافة البلدان يعقدون لقاءاتهم علي هامشه، وما اكثر الندوات واللقاءات العامة والخاصة التي تشهدها فنادق مكة وخيام مني ومزدلفة، الأمر الذي يؤكد حضور الجانب السياسي في هذا الموسم. وبرغم انتشار الاستخبارات السعودية، يمكن القول ان الكثير من اللقاءات الخاصة تعقد بدون معوق، وتناقش امورا كثيرة تهم المسلمين وتتطرق الي شؤونهم. فحضور ما يقرب من ثلاثة ملايين حاج من كافة بلدان العالم، حاملين معهم هموم بلدانهم لا يمكن ان يمر بدون التطرق الي تلك المشاكل والقضايا. فمثلا عقد قبيل يوم العيد مؤتمر القيادات الدينية العراقية السنية والشيعية في مكة المكرمة، بمشاركة 500 من علماء الدين من مختلف الدول الاسلامية، وحمل اسم الوحدة الإسلامية ، وذلك بالتوازي مع ثلاثة مؤتمرات خاصة بالمرشدين والمتعهدين والمغتربين، والذي سيعقد أحدها باسم مؤتمر يوم العراق . مثل هذه الفعاليات قد يكون مقبولا لدي السلطات السعودية. ولكن ما ليس مقبولا ان يكون الحج ساحة للتفاعل بين كافة المسلمين خصوصا حول القضايا موضع الاهتمام والابتلاء. فذلك هو الجانب المرفوض من عملية التسييس .ومن المرفوض ايضا خروج المسيرات والاحتجاجات العلنية ضد اية جهة حتي لو كانت اسرائيل .وقد استطاعت السلطات السعودية ضرب كافة المحاولات لما تعتبره تسييسا للحج. فبالاضافة لقمع المسيرات الايرانية، اعدمت الحكومة السعودية في 1988 ستة عشر حاجا كويتيا بتهمة الارهاب. وبعد عودة الايرانيين الي ممارسة الحج بعد حرب الخليج الاولي في 1991، توقف الايرانيون عن المسيرات الكبيرة، وان كانوا ما يزالون يرفعون الشعارات المعادية للولايات المت حدة و اسرائيل خصوصا اثناء رمي الجمرات، واحيانا خلال السعي بين الصفا والمروة، والطواف حول الكعبة. وتغض السلطات السعودية الطرف عن ذلك لانه لا يمثل خرقا لقرار منع المسيرات.
الحكومة السعودية تبذل جهودا كبيرة في عدد من المجالات: اولها توفير الخدمات للحجاج. وهذه مشكلة كبيرة لم تستطع احتواءها بشكل كامل. فما تزال هناك شكاوي من عدم توفر الخدمات الاساسية بشكل كاف في المشاعر مثل مني وعرفة، وهناك غياب لنظام مروري فاعل في شوارع مكة. وما تزال الطرق بين المشاعر الاساسية خصوصا عرفة ومزدلفة ومني، ضيقة وغير مؤهلة للملايين من الحجاج، وكثيرا ما يصاب الحجاج بالاختناق بسبب الازدحام وغازات السيارات. ثانيها: انها تسعي لتوسيع الاماكن الاساسية مثل الجمرات والمسجد النبوي وساحات الحرم، وقد انفقت الحكومة المليارات في هذا الجانب، وان كانت هناك شكاوي عالقة حول صعوبة المبيت في مني نظرا لضعف الخدمات وتعرض الخيام لخطر الحريق كما حدث مرارا في السنوات العشر الاخيرة. وفي الوقت نفسه هناك شكوي من قيام السعودية بهدم الآثار الاسلامية ذات العلاقة بالتاريخ الاسلامي الاول، وتعقيد الامور لمن يريد زيارة بعض هذه المواقع مثل جبل حراء، او المساجد السبعة بالقرب من المدينة المنورة، التي تم هدم اكثرها وما تزال البقيع منطقة خربة لا تحظي باهتمام لائق، ويتم التحكم باوقات فتحها للزائرين. ثالثها: محاولة السيطرة علي الدعاة الذين يتصدون للحجاج في اغلب الاحيان بمنعهم من التقاط الصور حتي في المناطق العامة، او تلاوة بعض الادعية والاذكار، او الدخول في جدال عنيف حول ممارسة بعض العبادات التي قد تختلف مع قناعاتهم. رابعها: ان الحكومة السعودية تسعي لتحقيق مكاسب سياسية من الحج من خلال استضافة بعض الشخصيات المرموقة من علماء دين ودعاة وسياسيين.


:copy::tunis:
 
وفقني الله وإياكم لإقامة شعائر الإسلام، واتباع هدي خير الأنام، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام و كل عام وانتم بخير
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى