• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

أين ذهبت (وستذهب) البترو- دولارات؟

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

cortex

كبار الشخصيات
إنضم
11 نوفمبر 2006
المشاركات
7.362
مستوى التفاعل
5.252
أين أنفق الخليجيون العرب فوائض الأموال التي وفّرها الإرتفاع الشاهق في أسعار النفط، والذي لامس عام 2007 حاجز المائة دولار؟

وأين يحتمل أن تذهب هذه الفوائض، التي قدرّتها بعض المصادر بأكثر من 500 مليار دولار؟



سنأتي إلى هذين السؤالين بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أمام ما عناه إرتفاع أسعار النفط في السنة المنصرمة. من المستفيد؟



المسألة الكبرى، التي توقّـف أمامها المحللون النفطيون والإقتصاديون في 2007 لم تكن: إلى أين يمكن أن تصل أسعار النفط، بل: من المستفيد الأكبر من ارتفاع السعر؟ وهم كانوا يلمحون بذلك، وبقوة أيضاً، إلى احتمال وجود "مؤامرة" ما.



السبب؟ إنها السوابق "التآمرية" العديدة التي رافقت التلاعب بأسعار البترول خلال نصف القرن المنصرم. فبعد الحرب العالمية الثانية، كان سعر النفط (بالنسبة للدول المصدّرة للبترول)، أقرب إلى سعر التراب، لأن هذه كانت مشيئة الشقيقات (الشركات الكبرى) النفطية السبع. لكن، وقبل نحو سبعة أشهر من حرب أكتوبر 1973، كانت هذه الشقيقات نفسها تلتئِـم في إطار منظمة بيلدربرغ السرية، التي تضم قادة المال والإقتصاد والسياسة في العالم، وتقرّر بأن سعر النفط يجب أن يقفز إلى 400%، وإذا ما تطلَّـب الأمر إشعال حرب جديدة في الشرق الاوسط، فليكن.



الآن، ثمّة روائح شبيهة تكَـاد تزكم الأنوف، روائح تُـشير إلى أن وراء أكمة إرتفاع الأسعار، ما وراءها، وأن المسألة لا تتعلّـق إلا جزئياً بعملية العرض والطلب، وربما ترتبط كلياً بتخطيطات إستراتيجية عليا.


الأدلة؟



إنها ستتوافر حين نتساءل عن المستفيد الحقيقي من ملامسة النفط إلى حاجز المائة دولار. نقول الحقيقي، لأن الدول المنتجة للنفط، هي في الواقع المستفيد الوهمي منها.



صحيح أن خزائنها ستمتليء بالمزيد من الدولارات، لكن قيمة هذه الأخيرة في أدنى قيمتها هذه الأيام، من جهة، وجُـلّ هذه الدولارات سيُـعاد تدويرها إلى الغرب الأمريكي أساساً، في صيغة شراء أسلحة أو تمويل حروب، من جهة ثانية، إضافة إلى أن الوفرة المالية ستُـعرقل مجدّداً كل جهود هذه الدول لإقامة قاعدة صناعية - إنتاجية خاصة بها، وستبقيها في خانة البلدان المستهلكة والمستوردة للسلع.



المستفيد الحقيقي، ستكون الشقيقات السبع التي تدير "المثلث النفطي" الدولي، الذي يدير بدوره النظام العالمي برمّـته.


البدايات



قصة هذا المثلث بدأت مع الصعود الاقتصادي والصناعي لشرق آسيا (ولليابان تحديداً)، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تغذّى أساساً من وارادات النفط الشرق أوسطية الرخيصة.



فخلال حقبة ما بين 1974 - 1985، سجّـلت اليابان عجزاً تجارياً سنوياً قدره 17 مليار دولار مع الدول المنتجة للنفط في الخليج، وفائضاً تجارياً بقيمة 16 مليار دولار مع الدول الغربية، لكن أمريكا وأوروبا موّلَـتا هذا العجز بتدفُّـقات الأموال من الشرق الأوسط في شكل مبيعات الأسلحة والاستثمارات، وهذا ما خلق "مثلث النفط" بين شرق آسيا والشرق الأوسط والغرب، والذي كان في أساس النظام الإقتصادي العالمي منذ السبيعنات.



هذا المثلث عزَز تقسيم العمل الدولي الذي تطوّر منذ الخمسينات والستينات، والتي سيطر بموجبه الغرب الصناعي على الأسواق العالمية الخاصة بالأسلحة والخدمات المالية، فيما ركّـزت دول شرق آسيا على إنتاج السلع الصناعية المدنية، بيد أن هذا الترتيب تعرّض في السنوات الأخيرة إلى تحديِّات جديدة أبرزها:



1- دخول ملياري صيني وهندي على خط إستهلاك النفط.



2- زيادة اعتماد الغرب على الوقود الأحفوري.



3- تراجع الاستثمارات الغربية في بدائل الطاقة الأخرى، في وقت يقترب فيه إنتاج النفط، مِـما يُـسمى "ذروة هابرت" (حين يبدأ إنتاج البترول غير القابل للتجديد هبوطه التاريخي).



4- وأخيراً، تحميل الرأي العام الغربي للدول المصدرة للبترول أوبك، وبالتحديد لإيران، مسؤولية الأثمان الباهظة الجديدة لوقود المواصلات، الأمر الذي سيُـبرر لحكومات الغرب سياساتها التصعيدية في الشرق الاوسط، وصولاً حتى إلى إشعال حروب جديدة.



روائح المؤامرة وراء إرتفاع أسعار النفط، إذن، حقيقية لا وهمية، وهي تتعزّز من "الفوائد الكبرى" التي سيجنيها الغرب منها على المديين، المتوسط والبعيد، برغم الآلام قصيرة الأمد. كيف؟


مصائب قوم...



يعتبر الارتفاع الشاهق في أسعار النفط العالمي، والذي تستورد منه الولايات المتحدة 60% من حاجاتها المحلية (58% من كندا والمكسيك وفنزويلا ونيجيريا، و17% من الشرق الأوسط)، خبراً كارثياً للمواطن أو المستهلك الأمريكي، خاصة على أبواب الشتاء.



لكن الصورة ليست كذلك البتة لشركات النفط الأمريكية العملاقة وما يرتبط بها من مجمعات صناعية - عسكرية وقوى سياسية نافذة، على رأسها الرئيس بوش ونائبه تشيني، ولا أيضاً لأمريكا ككل، لأسباب داخلية وأخرى جيو - سياسية خارجية.



وعلى رأس الأسباب الداخلية:



1- البترول غالي الثمن يحفِّـز الشركات على البحث عن بدائل أخرى للوقود الأحفوري، وبالتالي، كلما إرتفعت أسعار النفط، كلما دفعت الأرباح المحتملة من بدائل الطاقة المستثمرين إلى العمل للخروج من عصر البترول.



2- صانعو السيارات والشاحنات، المسؤولون عن 20% من غازات الحبيسة المسبّـبة لأزمة تغَير المناخ، يجدون أنفسهم مضطرين لإنتاج معدّات جديدة قليلة الإستهلاك للطاقة، وهذا ما يحدث بالفعل الآن مع ازدياد صناعة العربات التي تسير بوقود الهيدروجين والمحرك الكهربائي.



3- المستهلكون الأمريكيون يعمدون مع إرتفاع الأسعار إلى الاقتصاد في إستهلاك الطاقة، وهذا أمر كبير الأهمية، حين نتذكّـر أن الولايات المتحدة تستهلك وحدها 25% من الطاقة العالمية، يكفي أن يصل سعر غالون البنزين في أمريكا إلى 4،30 دولاراً، كي يغيَر المواطن الأمريكي عاداته الاستهلاكية المسرفة في إستخدام الطاقة.



4- ارتفاع الأسعار مفيد أيضاً للبيئة، حيث دلت الدراسات أنه يؤدّي إلى خفض إستهلاك النفط بنسبة 10%، كما انه يقلص نسبياً من إعتماد أمريكا على موارد الطاقة الأجنبية.



هذا على الصعيد الداخلي، أما على المستوى الجيو – سياسي، فتبدو الصورة أكثر وضوحاً حيال المكاسب الأمريكية من ارتفاع الأسعار، خاصة على جبهتين إثنتين: الأولى، الجبهة الصينية، حيث تعتبر الصين حاليا ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم بعد أمريكا، وتعتمد كلياُ تقريباُ على إستيراد النفط والغاز من الشرق الاوسط أساساً، وهي تكِـن شكوكاً عميقة بأن الولايات المتحدة تستخدم سلاح النفط ضدّها لحملها على البقاء تحت عباءَة زعامتها في كل من شرق آسيا والعالم، لا بل يذهب بعض المحللون الصينيون إلى التكهن بأن الحرب بين البلدين ستكون حتمية بسبب الطاقة، منطق هؤلاء يسير على النحو الآتي: الولايات المتحدة عملت تاريخياً وبشكل دائم، للسيطرة على إنتاج وأسعار وخطوط نقل النفط في العالم، وفيما تسعى الصين إلى التوسع الإقتصادي المحلي والدولي، ستشكل تهديداً لسيطرة أمريكا على النفط والعالم، وارتفاع الأسعار هنا يخدم كثيراً لتذكير الصين بحدود قوتها وبمدى قدرة أمريكا على التلاعب بحبال حياتها.



الجبهة الثانية، هي إيران. صحيح أن إرتفاع أسعار النفط يملأ خزائن الملالي الإسلاميين بالأموال التي تساعدهم على مواصلة السعي لإمتلاك القنبلة النووية وعلى ممارسة دور إقليمي كبير في المنطقة، إلا أن الصحيح أيضاً أن تحميل إيران (ومعها حليفتها الصين) مسؤولية كبيرة في إرتفاع الأسعار، خطوة مهمَّـة نحو تعبئة الرأي العام الأمريكي والغربي في إتجاه تصعيد النزاع معها، وصولاًُ ربما إلى عتبة الحرب العسكرية الشاملة، زيادة أسعار البنزين في أمريكا بسبب "قومية الموارد" الإيرانية، توجع المواطن الأمريكي أكثر بكثير من حروب العراق وأفغانستان، لأنها تَـطال مباشرة جيبه ومعدته، فيما الحروب مسألة تتعلَّـق بفخر قومي قابل للتأجيل.


"ذروة هابرت"



ثمة إذن كثير من المياه والإعتبارات جرت في 2007 تحت أقدام النفط وأسعاره، وهي اعتبارات لا تقتصر على الإرتفاع الكبير في الطلب الصيني (والأمريكي) على النفط العالمي، ولا حتى على مشاري اللاأمن البترولي بسبب التوترات الكبرى الراهنة في مياه الخليج وقرب آبار نفطه، بل تطال أولاً وأساساً جوهر أزمة الطاقة الراهنة في العالم، والتي تتلخّـص بكلمتين إثنتين: "ذروة هابرت".



وللتذكير، هذه الذروة تعني أن النفط قد وصل إلى أعلى درجات الإستكشاف والإنتاج، وسيبدأ مسيرته الإنحدارية نحو الندرة. وفي خِـضم هذه الرحلة، لن يكون أمام الدول الكبرى المستلهكة لوقود القرون الحديثة، إلا أحد امرين: التعاون على إقتسام ما تبقى من بترول، مع الاستعداد لتطوير بدائل سريعة له أو التنافس للسيطرة على هذه البقية عبر خوض حروب موارد جديدة، كتلك التي أشعلتها أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين.



وإذا ما أخذنا الماضي البشري معياراً للتنبُّـؤ بالحاضر والمستقبل، فقد نستنتج سريعاً بأن اليد العليا ستكون حتماً للخيار الثاني.


الأموال إلى أين؟



هذه كانت صورة اللّـوحة النفطية في منطقة الخليج والعالم في السنة المنصرمة، وهي كما يتّـضح، لوحة معقَّـدة وتثير مشاعر اللاأمن بين الخلييجيين، الأمر الذي أفرز في الداخل الخليجي خلال الأشهر الـ 12 الماضية توجهين إثنين:



الأول، طفرة كبرى للإستثمار الخارجي (أي خارج منطقة الخليج)، تمثلت في توظيف 13 مليار دولار في أسواق العقارات العالمية، خاصة الأمريكية منها، وهذا شكّـل نحو 5% من الفوائض البترودولارية، كما كانت دول مجلس التعاون الخليجي مسؤولة عن 25% من كل النمو العالمي في قطاع السكن، وهذا بزيادة 14%عن عام 2006.



كما تمثلت الطفرة في الزيادة الكبيرة التي شهدتها الإستثمارات الخليجية في الدول العربية، خاصة منها سوريا ومصر والسودان والأردن، وبلغت هذه الإستثمارات في سوريا وحدها 6 مليارات دولار، منها 2 مليار لمجموعة كويتية واحدة هي "مجموعة عارف".



التوّجه الثاني، هو وضع الخُـطط لإطلاق موجة جديدة من مشاريع البنى التحتية تقدّر كلفتها بعشرات مليارات الدولارات، فيما تواصل دول مثل قطر ودُبي إنفاق الأموال الطائلة على تطوير مشاريعها التخصصية: قطر في مجال الصحة والتعليم، ودبي في قطاعات الإستثمار المالي والعقاري.



وبرغم أهمية هذه الاستثمارات الأخيرة، إلا أنها لا تعالج مشكلتين كبريين إثنتين: الأولى، توفير العمل للأعداد المتزايدة من الشبان الخليجيين الذين يدخلون سنوياً سوق العمل، خاصة في دولة كبيرة كالمملكة السعودية. والثانية، تصحيح الخلل الفادح في التركيبة السكانية لسوق العمل هذا، إذ أن العمالة الأجنبية تُـسيطر على ما بين 70 إلى 90% من وظائف القطاع الخاص، هذا في حين أن العمالة الوطنية تتواجد في القطاع العام، أي في شكل بطالة مقنّـعة ومكلفة للدولة، بيد أن الأنفاق الأهم لدول الخليج سيكون في مجال التسلح والإنفاق العسكري.



فقبل أن يطوي عام 2007 آخر أوراقه ليرحل، كانت الولايات المتحدة تُـعلن عن صفقة أسلحة ضخمة مع العديد من دول المنطقة، تبلغ قيمتها أكثر من 20 مليار دولار، وقبلها، كانت بريطانيا توقع صفقة أسلحة مع الخليجيين بنحو 7 مليارات دولار، وكانت فرنسا والصين وروسيا تدخل على خط هذا السوق المدرار، سعياً وراء صفقات مماثلة.



دول الخليج قادرة بالطبع (ومضطرة أيضاً) لاستيعاب هذه الصفقات العسكرية، التي تتِـم في إطار قواعد عمل "المثلث النفطي الدولي"، لكن التكاليف ستزداد أضعافاً مضاعفة، إذا ما تحّول الصراع الإيراني - الأمريكي إلى مواجهة مسلحة، إذ حينها سترتفع فاتورة الأكلاف التي ستجبر الولايات المتحدة، دول الخليج على دفعها إلى عنان السماء تحت شعار "حماية الأمن الخليجي".



ويكفي أن نتذكّر هنا أن المملكة السعودية وجدت نفسها مضطرة في الفترة بين 1980 – 1988، لدفع 100 مليار دولار للعراق في إطار حربه المدعومة أمريكياً مع إيران.



ماذا يمكن أن تعني كل هذه التطورات؟ أمرا واحدا: 2008 ستبدأ كما أقفلت في 2007: بـ "إعادة تدوير" أموال النفط .. نحو الغرب.


سعد محيو - بيروت
 
تشكراتي يا غالي على الطرح الرائع
 
:tunis::ahlan::tunis:

شكرا على الإطراء


:satelite:
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى