بعض خصائص مسرح سعد الله ونّوس .

zaydoun72

عضو فعال
إنضم
18 مارس 2007
المشاركات
396
مستوى التفاعل
1.044
يعتبر المسرح من اكثر الفنون الادبية التصاقاً بحركة المجتمع لأنه الفن الذي يمتح موضوعاته من الحياة مباشرة ، ولأنه الفن الوحيد الذي يتوجه توجهاً اجتماعياً مباشراً في محاكاته للحياة بما تحمل من مشكلات وفي تحليله لها وتصويره لانسانها في كل اوضاعه وبذلك يصبح المسرح مداراً للصراع الاجتماعي والسياسي
بين مختلف المنازع الفكرية والسياسية في الوطن العربي ومع انه لا يمكن فصل جانب عن جانب في مسرحنا الحديث فإن لكل مسرحية جانباً اساسياً تنطلق منه وترتبط به بقية الجوانب .‏
وقد قسم النقاد المسرح الى انواع منها :‏
المسرح الاجتماعي - المسرح القومي - المسرح الشعري - المسرح السياسي الذي يهتم بالاحداث السياسية اليومية والعامة وبالعلاقات التي تنشأ بين الشعب واداراته السياسية بين المواطن والسلطة ومرتكزها الاساسي انها تتصدى لاجهزة الحكم تحليلاً وفضحاً .‏
والمسرح السوري « السياسي » المعاصر اهتم بجملة قضايا تهم المواطن منها : قضية المساواة والعدالة الاجتماعية وقضية علاقة المواطن بالسلطة .‏
ونحن في دراستنا هذه سنتوقف عند قضية علاقة المواطن بالسلطة في مسرح سعد الله ونوس .‏
لقد كان لنكسة حزيران أو لهزيمتنا كعرب حزيران 1967 دور كبير في ايجاد وانتشار المسرح السياسي في سورية إذ لم يكن هناك على حد معرفتي مسرح سياسي اللهم إلا إذا اعتبرنا المسرحيات القومية والوطنية التي وجدت قبل هذا التاريخ من المسرح السياسي وإن كان الفرق بين هذه التسمية وتلك فرق كبير ولن ندخل هنا في تفصيل هذا الامر لانه ليس مجال دراستنا .‏
فبعد سنة 1967 بدأ الكتاب يفتشون عن اسباب الهزيمة فكانت ولادة عدد من المسرحيات السياسية التي تعالج وتحلل وتحرض وتسيس من ذلك ، مسرحية ( حفلة سمر من اجل 5حزيران ) عام 1967 ( ومغامرة رأس المملوك جابر ) عام 1971 و( الفيل يا ملك الزمان ) عام 1971 لسعد الله ونوس و ( محاكمة رجل لم يحارب ) لممدوح عدوان وبعض مسرحيات فرحان بلبل ووليد اخلاصي وغيرهم ، وكلها تنتمي الى المسرح السياسي .‏
إن الدارس لمسرح سعد الله ونوس يرى انه قد ركز في مسرحه على عدة قضايا أو لنقل على معظم القضايا التي اهتم بها المسرح السياسي والتي ذكرناها آنفاً لكن اهم قضية رصدها وناقشها وحللها في مسرحه هي قضية علاقة المواطن بالسلطة « والمدقق في الاعمال المسرحية السياسية سيلحظ وبسهولة هذه العلاقة غير الحميمية بين المواطن وحكامه وسيلحظ موقف المواطن السلبي منها » .‏
ولعل ونوس من بين المسرحيين السوريين من اهتم بموقف المواطن لعمله الدؤوب في قضية التسييس التي نظر اليها من خلال المتلقي وما يجب ان يكون عليه فقد بنى جزءاً كبيراً من مسرحه على مسألة تبني الانسان العربي لمشروعه الحضاري بنفسه أي ان يكون له موقف كما يقول الدكتور غسان غنيم في كتابه المسرح السياسي في سورية .‏
وسنلقي الضوء على قضية علاقة المواطن بالسلطة في مسرح ونوس من خلال بعض مسرحياته :‏
- الملك هو الملك .‏
- الفيل يا ملك الزمان .‏
- مغامرة رأس المملوك جابر .‏
في محاولة لاستجلاء خصائص تلك العلاقة ، وسنعمد الى عرض موجز ومكثف لمضامين هذه المسرحيات اولاً ثم نقوم بدراسة شخصياتها لتوضيح علاقتها بالسلطة .‏
مسرحية الملك هو الملك :‏
تقوم فكرتها الاساسية على استبدال انسان بانسان من خلال ابدال الثوب اي استبدال الملك بملك جديد وهي لعبة ارادها الملك الاصلي لدفع الضجر وللترويح عن النفس لذلك فقد احضر مغفلاً من عامة الشعب هو « ابو عزة المغفل » ليتفرج عليه ويلهو به لكن مصالح الآخرين من امثال الوزير وشهبندر التجار تقتضي استمرار اللعبة وجعلها حقيقة واقعة وبذا يصبح البديل اصيلاً بينما يخرج الاصيل من اللعبة وبالفعل يخلع الملك رداءه ويلبسه « ابوعزة المغفل » فيصبح هو الملك وتتوالى الاحداث ويرتقي ابو عزة العرش ويصرف امور الدولة كأي ملك يعرف واجباته .‏
أما الملك الاصلي فيجن ليصبح في النهاية كأبي عزة المغفل .‏
لقد وجدنا ابا عزة منذ بداية المسرحية رجلاً مغفلاً غارقاً في الاوهام فقد وضعه المؤلف في مدخل المسرحية وهو يدور كالاهبل فيما تقول عنه زوجته بأنه « غارق في الطاس والاوهام يحلم رغم فقره وجنونه بالسلطان والجواري » لكنه يسقى في المشهد الثالث خمراً أو منوماً ليستيقظ في المشهد الرابع ملكاً يتصرف بحكمة تجعل الملك الاصلي ذاته يدهش لذلك .‏
في المشهد الخامس من المسرحية يتأمل الملك الجديد « ابو عزة » بلطة السياف بنظرة يملؤها الشبق ويقول للسياف : « ايها السياف قف على يميني واجعل بلطتك في متناول يدي وتنفذ في مسامي حتى يندغم واحدنا بالآخر الملك والبلطة .. الملك هو الذي سينفذ الاحكام التي يصدرها لاشيء يطهر الملوك مثل الدم .. سأغتسل بالدم .. سأستحم فيه » وقد حدد ونوس علاقة المواطن بالسلطة في بداية مسرحيته الملك هو الملك بانها علاقة حرب فهي حرب بين المسموح والممنوع بين الرعاع والدهماء والعامة من جهة والسادة من جهة اخرى الفئة الاولى تطالب دائماً لا تمل من فرض الممنوع هي حرب تتخذ اشكالاً متعددة بين المواطن من جهة و السلطة من جهة ثانية بأجهزتها جميعاً .‏
إن المدقق في شخصيتي ( الملك ) و ( أبو عزة ) يتضح له أن السلطة لا يهمها المواطن فهي في واد و المواطن في واد آخر .‏
فالملك عندما يتجول في المدينة مع وزيره يجدان ( أبا عزة ) .‏
تائهاً هائماً على وجهه ، غارقاً في أوهامه و همومه ، و مع ذلك لم يثرهما منظره الذي يدعو الى الشفقة بل وجدا فيه ما يدعو الى الضحك فأخذه الملك معه الى قصره ليلهو ويروح به عن نفسه مع حاشيته و عندما يلعب الملك لعبته و يتسلم ( ابو عزة ) العرش يحكم بطريقة الملك نفسها ، الظلم و الاستبداد ، إذ لا يهمه الا عرشه ، فنظام الحكم يبقى نفسه و ان تغير شخص الحاكم .‏
و المتتبع لمسرح ونوس يستشعر الحاحه الشديد على مسألة سلبية المواطن و عدم قدرته على المشاركة في كل ما يدور حوله ، هي فكرة مبثوثة في مسرحياته جميعاً ،فالمواطن خائف من السلطة ، متردد ، صامت إزاء الظلم ، مستسلم لقدره ،‏
و الجماعة كذلك متخاذلة الى أبعد الحدود أمام السلطة .‏
لقد فقد المواطن حريته أمام السلطة منذ أقدم العصور ، و الحرية مسلوبة لأن حراباً مشرعة و سجوناً مفتوحة الأبواب ، فما أسرع غياب المواطن لأتفه الأسباب في أقبية السلطة . ( لوشاية أو كذبة ) .‏
في مسرحية ( الملك هو الملك ) تتحرر أم عزة من الخوف لانها تظن نفسها في مأمن من السلطة فتمارس نقدها بحرية تامة أمام الملك المتخفي فتصرح بالظلم الواقع على الشعب غير هيابة لانها تظن ان السلطة لا تسمعها .‏
مصطفى : ماذا ستقولين له ؟‏
أم عزة : ماذا سأقول له ؟ على لساني أحمال من الكلام . سأقول يا ملك الزمان ، العيارون و اللصوص يحكمون البلاد و ينهبون أرزاق العباد .. العدل نائم و ليس هناك من يفتش أو يحاسب )‏
مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر :‏
في هذه المسرحية يقوم صراع بين الخليفة (شعبان ) ووزيره ( محمد العلقمي ) ، الخليفة يريد ازاحة الوزير لانه يشكل خطراً على وجوده ، و الوزير يطمح لتحقيق حلمه بالاستيلاء على الخلافة ، و كل واحد منهما يعد العدة لازاحة صاحبه ، فيأمر الخليفة بتفتيش الخارج من المدينة و الداخل إليها، خوفاً من خروج رسالة من الوزير العلقمي الى قائد المغول ، يتطوع احد مملوكي الوزير و هو ( جابر ) الذي يعرض خدماته على الوزير فيقوم الاخير بتكليفه بالمهمة التي كانت على الشكل التالي و هي فكرة ( جابر ) :‏
أن يقوم الوزير بكتابة الرسالة على رأس جابر بعد حلاقته جيداً و حينما ينمو الشعر ثانية و يغطي الرسالة ، آنذاك يستطيع الخروج الى حيث يريد ، و طلب ثمن ادائه لهذه المهمة ان ينال حريته و يتزوج من ( زمردة ) جارية الوزير ، و فعلاً يتم ارسال جابر الى قائد المغول و لكن الوزير يطلب من ذلك القائد ان يقتل حامل الرسالة جابراً الذي حمل موته تحت فروة رأسه و لم يدر .. كما قال سعد الله في المسرحية - سنلقي الضوء هنا على شخصيات المسرحية و هي :‏
الخليفة - الوزير - منصور - الرجل الرابع - المملوك جابر .‏
الخليفة و الوزير :‏
و هما شخصيتان سلطويتان تتفردان بالحكم الذي لا هم لهما سواه و تضطهدان بسببه افراد الشعب عموماً .‏
فالخلفية يريد توطيد حكمه و تثبيته من خلال البعد و التباعد عن الشعب و التخلص من وزيره الذي يهدده بغية الخلاص منه بالتعاون مع اعداء البلاد المغول لينصبوه على العرش و النتيجة هي ضياع الوطن والمواطن .‏
شخصية منصور :‏
المواطن نصف الواعي ، ثرثار من الناحية السياسية و الناس يحسبونه مخبراً بسبب ثرثرته .‏
الرجل الرابع :‏
شخصيته متممة لمنصور ، و هو رجل واع سياسياً و اجتماعياً و فكرياً .‏
المملوك جابر :‏
شخصية تمتاز بالذكاء و الفطنة ، و هو انتهازي ، باعتماده على الفطنة و التقرب من الوزير ( العلقمي ) يريد ان يصل مآربه و لكنه يدفع ثمن انتهازيته غالياً.‏
ان ونوس في مسرحيته هذه يؤكد على دور الجماعة في العمل السياسي إذ لا جدوى من العمل الفردي كمطلب للخلاص ، و الانسان غير المسيس ستستغله السلطة و تسحقه كما حدث للمملوك جابر الذي اراد ان يتحرر من عبوديته بطريقة الخيانة فكان الثمن ان ضيع رأسه .‏
- و المسرح السياسي لا يهتم بالشخوص كأفراد او انماط فقط ، و انما يشبعها بالقدرة على الترميز لان المسرح يعتمد في احايين كثيرة على الايحاء و الرمز و الدلالة لا على التحديد و التعيين فقط ، فقد اكد ونوس على جابر مثلاً باعتباره رمزاً للطبقات المضطهدة و الفقيرة غير القادرة على المطالبة بحقوقها مع كونها تفكر بها سراً و هي مستعدة لفعل كل عمل شائن في سبيل تحقيق طموح ذاتي .‏
إن خيبة جابر لاتعني إحباطاً لطموحات الجماعة بقدر ماتعني خلق حافز ورافد ذاتيين لدى أفراد المجتمع لتبصر أمورها ومصيرها .‏
وسعد الله لايتدخل في إيجاد مصائر لشخوصه أو تفسير قضاياها.‏
وفي رأيي أن استخدام ونوس الحكاية التراثية وإظهاره لطريقة استغلال السلطة للمواطن غير الواعي وغير الفاعل بهذه الصورة البشعة له مدلول عظيم (كتابة رسالة الخيانة على رأس جابر ومن ثم قطعه بطريقة بشعة ) على تفاهة الإنسان الانتهازي وأن نهايته ستكون بهذه البشاعة والمأساوية وإن كان قطع رأس جابر أثار مكامن الحقد والكراهية على الجلاد . إن التسييس والشحن والتحريض هي مرتكزات سعد الله ونوس الأساسية في مسرحه الذي يقول : (أريد مسرحا يعلم ويحفز على العمل ،أي أن يزيد احتقان المتفرج وهو يعلمه ) .‏
وفي مسرحية الفيل ياملك الزمان :‏
يصوّر ونوس فيها فيلاً يعيث فساداً في المدينة يقتل ويدمر ولاأحد يستطيع أن يفعل شيئاً ولاحتى أن يشتكي للملك بسبب القمع والخوف :‏
(- نشكو أمرنا للملك؟‏
- ندخل القصر ؟!‏
- ولم لا ؟‏
- ومن نحن حتى نتحدث مع الملوك ؟)‏
الناس يخافون من السلطة لأنها تمثل في أذهانهم مجموعة من الرموز التي تدل على الجبروت والتعسف والجور فقط .‏
في (الفيل ياملك الزمان) تحمل الشخوص اضطهادها وقهرها ولاتسعى الى تأكيد ذاتها إلا من خلال الجماعة التي تنتمي اليها فقط .‏
من الملاحظ كثرة الشخصيات السلبية في مسرح ونوس .فهي شخصيات في غالبيتها خائفة - مستلبة - خانعة - مشتتة - انتهازية - مضطهدة - لا تحمل من المبادئ مايبث أي بارقة أمل في الخلاص كشخصيتي (أبو عزة - وشهبندر التجار) في مسرحية (الملك هو الملك) .فالأولى مستلبة وخانعة ومشتتة والثانية انتهازية .‏
وكذلك شخصية (جابر) الانتهازية ومعظم شخصيات (الفيل ياملك الزمان ).‏
إن موضوع لامبالاة الجماهير وسلبيتها موضوع أثير لدى ونوس ،فلا مبالاة الناس بما يحدث يجرّهم الى الويلات والدمار والضرر حتى على الصعيد الفردي ،فهو يؤكد أن كل مايجري في المجتمع بالنسبة للجماهير عليها أن تعيه (الرجل الرابع في مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر) وعليها أن تنخرط فيه وتؤدي دورها الفاعل وإلا حل فيها البلاء وهكذا نستطيع أن نقول:‏
إن سعد الله ونوس أسس لمسرح سياسي في سورية خصوصاً وفي الوطن العربي عموماً جسد من خلاله علاقة المواطن بالسلطة ،من خلال ما ذكرناه من خصائص لبعض مسرحياته حيث رأينا أن هذه العلاقة كانت صراعاً دائماً بين المواطن والسلطة فهي تأخذ منه كل شيء وأهمها حريته وكرامته .باختصار إنها تسلبه كل مايمت الى إنسانيته بصلة .‏
والسؤال الذي نطرحه ونحاول الإجابة عليه في حدود إمكاناتنا الفنية هو :‏
هل استطاع ونوس إيصال ما أراد إيصاله من خلال مسرحه الى الجماهير ؟‏
في رأيي إن سعداً حاول أن يخلق من خلال هذا المسرح وعياً جماهيرياً عن طريق التعليم والتسييس والتحريض مستخدماً كلّ ماأتيح له من تقنيات مسرحية فنية حديثة في العالم ،ولكنّ مسرحاً مثل مسرح ونوس يحتاج الى جمهور من نوع خاص الى جمهور يمتلك مقومات متلق يعمل ذهنه فما يرى ويسمع ولكن هيهات أن يجده ونوس أو غيره‏

مقتبس .
 
أخي zaydoun72 شكرا للموضوع المفيد فعلا
 
شكرا على المرور . و ربي يوفّق الجميع .:satelite:
 
أعلى