Largeos
نجم المنتدى
- إنضم
- 10 سبتمبر 2011
- المشاركات
- 1.571
- مستوى التفاعل
- 3.307
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
لقد سبق الإسلام شرائع سماوية و رسل و أنبياء لا يعلم تعدادهم إلا الله
و من الثابت أن بعض أتباع تلك الشرائع قد بدلوا و حرفوا في إرث الأنبياء و الرسل ,
هذا التحريف في الشرائع السماوية رافقه تحريف بالتاريخ و الوقائع التاريخية
و مما ساعد على ذلك انتشار الأمية عند العامة
و اقتصار التدوين على فئات محدودة تتمثل غالبها برجال الدين و الدولة
و هؤلاء يمكن السيطرة عليهم و تسييسهم ,
ليصوغوا التاريخ بالشكل الذي يخدم الملوك و المتنفذين في الدولة
و لآن الظروف الطبيعية و وسائل النقل و الانتقال لم تكن على الشكل الذي نراه اليوم
فقد ساعد ذلك على طمس أحداث و وقائع لا يعلمها إلا الله
و اليهود أهل حرفة و فن في مجال التزييف و التحريف
و قد وصفهم الله سبحانه في كتابه العزيز بقوله
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة
****
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة
***
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة
*******
و لأن التاريخ المسيحي كان امتداد مشوه للتاريخ اليهودي و عرضة للدس و التحريف من قبل اليهود حسدا من عند أنفسهم
فقد وصلتنا صور التاريخ مشوهة من زمن خروج اليهود من مصر حتى خروج الإمبراطورية الرومانية من بلاد الشام
و التي كانت ثمرة سيئة و جنين مشوه لدين ألتفت حول عنقه حبال الإخطبوط اليهودي الضال المضل
سأحاول عبر هذا المبحث البسيط إن شاء الله تسليط الضوء على بعض نقاط هذا التشويه مستعينا بالله و بالنور الذي في كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
*****
أيها الأفاضل
لقد حمل اليهود ( و نقصد من ضل منهم )
للشعوب و الأمم تاريخا مزيفا زادوا فيه و أنقصوا لأسباب تتعلق بطبيعة أنفسهم
الميالة للغدر و الفجور
فسرقوا بعضا من أمجاد الشعوب و الأمم ليوشوا بها تاريخهم المليء بالقتل و الغدر و سفك الدماء و قتل الأنبياء و المرسلين
ليس الماضي و حسب بل سرقوا المستقبل بكل إشراقا ته فجعلوا أنفسهم أمة الحقيقة
و أبناء لرب تقلبه الأهواء لكنه في النهاية لا يستطيع الاستغناء عن أبنائه اليهود
*****
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
*****
في سورة يوسف عليه السلام
نرى كيف مكن الله ليوسف في أرض مصر و سلطه سبحانه على لقمة عيشهم ليكون ذلك عونا له على نشر التوحيد في تلك الأرض
فهو نبي أبن نبي تواجد و أبيه يعقوب عليهما السلام
في مصر و كانت مهمة يوسف عليه السلام قبل كل شيء
الدعوة إلى الله دون شك
لقد أفلح يوسف عليه السلام في نشر الدعوة
التي بدأها قبل السجن و في السجن و التي تظهر جلية على لسان
المرأة التي راودته عن نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)
****
و أهل مصر في ذلك الوقت لم يكونوا بالشكل الذي تصوره كتب التاريخ و الأفلام السينمائية
إنما هم أمة مشركة كانت تعيش في جاهلية كجاهلية العرب قبل الإسلام
يعرفون الله لكنهم يشركون في عبادته الأوثان
****
بسم الله الرحمن الرحيم
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31
إذن يوسف رسول أهل مصر ينجز دعوته و يبلغ الإسلام مبلغا عظيما في
في تلك الأرض
و تكبر ذرية يعقوب في مصر و تصبح أمة في قلب أمة
و أهل مصر ينظرون إليهم نظرة الاحترام و التقدير لأنهم أهل بيت النبي
الذي أنقذهم بإذن الله من الضلالة و الجوع
و يموت يوسف عليه السلام بعد أن تنتشر دعوته و تعاليمه و نبوءاته
التي جاءت محذرة من عودة الناس إلى الشرك و الفساد
و أن هذا الفساد سينتهي برسالة نبي من نسل يعقوب يكون هلالك بيت الملك و جيش مصر على يديه
هذه النبوءة لم تكن لتقلك ملك مصر الذي عاصر يوسف عليه السلام لأنه و الله أعلم قد اسلم
لكن بعد موت يوسف عليه السلام بزمن يعلمه الله بدأ الفساد و الشرك
ينتشر من جديد ليعيد إلى الأذهان خبر نبوءة يوسف عليه السلام
حتى تتوج الفساد بتسلم ملك أطلق عليه لقب الفرعون
و للعلم فإن مصر لم تعرف هذا اللقب قبل فرعون موسى بل كان الحاكم يطلق عليه لقب الملك و هذا ما نراه جليا في سورة يوسف و لا داعي لذكر الآيات
إن ما أحدثه هذا الفرعون و من شايعه من رجال الدولة و أهل بيته
كان بمثابة انقلاب على المفاهيم و العقيدة التي يعرفها أهل مصر
برغم الفساد الذي أنتشر و استشرى
فقد وصل السلطة بفريق عمل مهيأ لإحداث هذا التغيير
ملك يدعي الربوبية من دون الله ثم
يقدم على الجهر بهذا الأمر و جعله واقع لا جدال فيه
بعد أن يحول مصر إلى جنات و قصور و يستعبد و شعبة تلك
الأمة الغريبة التي تعيش فيما بينهم
و التي تتحول بمرسوم واحد إلى أمة من الأقنان و العبيد
و بهذا الأمر و بوجود وزير كهامان تصبح عبادة الله و توحيده جريمة
تفضي بصاحبها إلى الموت
و يوفر هؤلاء العبيد مجهود عمل مجاني يعود بالوفرة و الغنى على شعب مصر
ناهيك عن الثروة التي جناها ملك مصر في عهد نبي الله يوسف عليه السلام و ذلك بحكمة يوسف التي وهبها له ربه سبحانه
حتى قيل أن يوسف أسترق أهل مصر بلقمة العيش ثم حررهم
كل هذا بعيد عن ما يدخل مصر من الدول المحيطة و التي قد تكون قد ضربت بالقحط و قلة التدبير
**********
لكن فرعون يدرك و يعلم أن ربوبيته وهم لا حقيقة له
خصوصا و ما بشر به يوسف قد آن أوانه
*********
جاء في أثر طويل عن ابن عباس رضي الله عنه
ــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري ج: 1 ص: 234
حدثني العباس بن الوليد قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا أصبغ بن زيد الجهني قال حدثنا القاسم قل حدثني سعيد بن جبير قال سألت عبد الله بن عباس عن قول الله لموسى وفتناك فتونا 3 فسألته عن الفتون ما هي فقال لي استأنف النهار بابن جبير فإن لها حديثا طويلا قال فلما أصبحت غدوت على ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني قال
فقال ابن عباس تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد الله إبراهيم من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا فقال بعضهم إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب فلما هلك قالوا ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم قال فرعون فكيف ترون قال فائتمروا بينهم وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه فلما رأوا ان الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون قالوا توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان الأمر
بقتل كل مولود ذكر في بني إسرائيل
ليبدأ فصل أخر أشد مرارة على بني إسرائيل
***
جاء في كتب التفسير إن فرعون قد رأى رؤيا ففسرت له بأن
خراب ملكه سيكون على يد رجل من بني إسرائيل
لكن سياق الآيات التي في كتاب الله تجعلني أجنح لما ذكرته سابقا
بأن الأمر لا يعدوا نبوءة أخبر بها يوسف عليه السلام
و دعونا الآن نستعرض بعض تلك الآيات
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) غافر
*********
الحوار السابق يدور في قصر فرعون و ظاهر الأمر أن فرعون كان رئيسا فدرالي بالمصطلح الحديث لعدة ممالك
فهو يقول دعوني أقتل موسى
فيتصدى له رجل من أقاربه و لا بد أن له شأن كبير يجعله في حصانة من بطش فرعون
حيث يخبرنا الله سبحانه في الآيات السابقة
بأن هذا الرجل يخفي إيمانه
لكن حديثه أمام فرعون يمكن لأي أحمق أن يدرك من خلاله أن الرجل موحد أو يعلم بوحدانية الله حق المعرفة
فكيف يتوافق هذا و قوله تعالى ( يخفي إيمانه )
أيها الأخوة
هذا الرجل كان يكلم فرعون و خاصة أهله بشيء يعلمونه جميعا
أي أنه يحدثهم بشيء دارج في قصر فرعون و ليس بغريب عليه
و ما زالت ذكرى يوسف و ما أخبر عنه ماثلة أمام أعينهم
هم يعلمون حقيقة ما جاء به موسى بدليل قول تعالى
******
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين َ (14) النمل
********
إذن فرعون و من حوله قاموا بانقلاب على موروث يوسف و شريعته
هم أرادوا العلو في الأرض و هذا يتنافى مع التوحيد و الخضوع لله
هم يعلمون أن انقلابهم هذا سيأتي بالنبي الذي بشر به يوسف
فوقفوا بكل ما أوتوا من سلطان ليحولوا دون حدوثه
لكن أمر الله نافذ و لو كره الكافرون
********
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
*******
إذن الشيء الذي كان يحذر منه فرعون و ملأه هي نهاية السوء التي آلوا إليها و التي كانوا يعلمون تفاصيلها
و آبت أنفسهم أن تقبل بها رغم علمهم الأكيد بها
******
مؤمن قوم فرعون يحدثهم بكل صراحة و دون مواربة
فالحديث خاص لا يسمعه الشعب
أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ
***
هل يستطيع فرعون أن يرد عليه بأنه لا رب سواي
ثم يتابع القول
((وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ))
المشكلة ليست بوجود الله
المشكلة بصدق نبوة موسى و التي إن كانت حقيقة فلا بد أن يصيبكم من الله ما يعدكم به
و يستمر الحوار و فرعون لا يملك إلا أن يقول ما أريكم إلا ما أرى
و يختم هذا الرجل المؤمن قوله
(( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً )
إذن ما جاء به فرعون و عصبته هو انقلاب على ما يؤمن به الكثير من الناس حتى السحرة اتهموا فرعون بإجبارهم على ممارسة السحر
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
***
سأضرب مثال لما حدث في قصر فرعون
لنقل أن عصابة من الدجالين اتفقت على خداع أهل بلدة ما
و رشحوا من بينهم رجل ليكون ذي خوارق ليست من عمل البشر
رتبوا الأمور و رسموا الخطط و أحدثوا أعاجيب أمام أعين الناس
فصدقوا ما أشاعوه عن ذلك الرجل
فما كان من أهل البلدة إلا أن
جعلوا من هذا الدجال حاكمهم و المتسلط فيهم
لكن العصابة التي رسمت الخطة و تشرف على استمرارها
تعلم الحقيقة و كذلك أهل بيت الدجال الذي أصبح ملكا
يعلمون حقيقة صاحبهم
فعند مناقشة أي قضية تهدد انكشاف خطتهم
كظهور رجل يًكذب ادعاء الملك الدجال و عصابته
فهم لا يكلمون الملك كما يكلمونه أمام العامة
فهم كما يقال ( دافنينه سوى )
و هم بالطبع يعلمون حقيقة الخوارق التي يتمتع بها الملك
و التي هي من صنع أيديهم و تخطيط عقولهم
إذن هم سيتحدثون فيما بينهم بالصراحة المطلقة
و لو أن رجل من أهل بيت الملك و هو أعلم بحال قريبه
قد حضر مثل هذا المجلس و كلم قريبه الملك بشكل يوحي
بأنه لا قدرات لديه و لا عجائب
فلن يكون الأمر مستنكر منه
إنما المستنكر منه لو قال لهم أنه يؤيد و يناصر مصدر الخطر
أي الرجل الذي يحاول كشف أكاذيبهم
و هذا هو الإيمان الذي يخفيه مؤمن قوم فرعون
الكثير من الناس عرفوا صدق نبوة محمد صلى الله عليه و سلم
كاليهود مثلا
لكنهم كذبوه لغرض رخيص و دنيء
لذلك هم أشد كفرا ممن كذبه عن جهل
و فرعون و زبانيته و ربما الكثير الكثير من أهل مصر مدركين
لكذب فرعون و ما يزين لهم
لكنهم رغبوا بالحياة و النعيم الذي يأتي من خلال السكوت و القبول بالأمر
فإيمان رجل قوم فرعون كان النصيحة و ربما المساهمة من طرف خفي في نصر موسى عليه السلام
****
يتبع إن شاء الله
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
لقد سبق الإسلام شرائع سماوية و رسل و أنبياء لا يعلم تعدادهم إلا الله
و من الثابت أن بعض أتباع تلك الشرائع قد بدلوا و حرفوا في إرث الأنبياء و الرسل ,
هذا التحريف في الشرائع السماوية رافقه تحريف بالتاريخ و الوقائع التاريخية
و مما ساعد على ذلك انتشار الأمية عند العامة
و اقتصار التدوين على فئات محدودة تتمثل غالبها برجال الدين و الدولة
و هؤلاء يمكن السيطرة عليهم و تسييسهم ,
ليصوغوا التاريخ بالشكل الذي يخدم الملوك و المتنفذين في الدولة
و لآن الظروف الطبيعية و وسائل النقل و الانتقال لم تكن على الشكل الذي نراه اليوم
فقد ساعد ذلك على طمس أحداث و وقائع لا يعلمها إلا الله
و اليهود أهل حرفة و فن في مجال التزييف و التحريف
و قد وصفهم الله سبحانه في كتابه العزيز بقوله
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة
****
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة
***
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة
*******
و لأن التاريخ المسيحي كان امتداد مشوه للتاريخ اليهودي و عرضة للدس و التحريف من قبل اليهود حسدا من عند أنفسهم
فقد وصلتنا صور التاريخ مشوهة من زمن خروج اليهود من مصر حتى خروج الإمبراطورية الرومانية من بلاد الشام
و التي كانت ثمرة سيئة و جنين مشوه لدين ألتفت حول عنقه حبال الإخطبوط اليهودي الضال المضل
سأحاول عبر هذا المبحث البسيط إن شاء الله تسليط الضوء على بعض نقاط هذا التشويه مستعينا بالله و بالنور الذي في كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
*****
أيها الأفاضل
لقد حمل اليهود ( و نقصد من ضل منهم )
للشعوب و الأمم تاريخا مزيفا زادوا فيه و أنقصوا لأسباب تتعلق بطبيعة أنفسهم
الميالة للغدر و الفجور
فسرقوا بعضا من أمجاد الشعوب و الأمم ليوشوا بها تاريخهم المليء بالقتل و الغدر و سفك الدماء و قتل الأنبياء و المرسلين
ليس الماضي و حسب بل سرقوا المستقبل بكل إشراقا ته فجعلوا أنفسهم أمة الحقيقة
و أبناء لرب تقلبه الأهواء لكنه في النهاية لا يستطيع الاستغناء عن أبنائه اليهود
*****
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
*****
في سورة يوسف عليه السلام
نرى كيف مكن الله ليوسف في أرض مصر و سلطه سبحانه على لقمة عيشهم ليكون ذلك عونا له على نشر التوحيد في تلك الأرض
فهو نبي أبن نبي تواجد و أبيه يعقوب عليهما السلام
في مصر و كانت مهمة يوسف عليه السلام قبل كل شيء
الدعوة إلى الله دون شك
لقد أفلح يوسف عليه السلام في نشر الدعوة
التي بدأها قبل السجن و في السجن و التي تظهر جلية على لسان
المرأة التي راودته عن نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)
****
و أهل مصر في ذلك الوقت لم يكونوا بالشكل الذي تصوره كتب التاريخ و الأفلام السينمائية
إنما هم أمة مشركة كانت تعيش في جاهلية كجاهلية العرب قبل الإسلام
يعرفون الله لكنهم يشركون في عبادته الأوثان
****
بسم الله الرحمن الرحيم
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31
إذن يوسف رسول أهل مصر ينجز دعوته و يبلغ الإسلام مبلغا عظيما في
في تلك الأرض
و تكبر ذرية يعقوب في مصر و تصبح أمة في قلب أمة
و أهل مصر ينظرون إليهم نظرة الاحترام و التقدير لأنهم أهل بيت النبي
الذي أنقذهم بإذن الله من الضلالة و الجوع
و يموت يوسف عليه السلام بعد أن تنتشر دعوته و تعاليمه و نبوءاته
التي جاءت محذرة من عودة الناس إلى الشرك و الفساد
و أن هذا الفساد سينتهي برسالة نبي من نسل يعقوب يكون هلالك بيت الملك و جيش مصر على يديه
هذه النبوءة لم تكن لتقلك ملك مصر الذي عاصر يوسف عليه السلام لأنه و الله أعلم قد اسلم
لكن بعد موت يوسف عليه السلام بزمن يعلمه الله بدأ الفساد و الشرك
ينتشر من جديد ليعيد إلى الأذهان خبر نبوءة يوسف عليه السلام
حتى تتوج الفساد بتسلم ملك أطلق عليه لقب الفرعون
و للعلم فإن مصر لم تعرف هذا اللقب قبل فرعون موسى بل كان الحاكم يطلق عليه لقب الملك و هذا ما نراه جليا في سورة يوسف و لا داعي لذكر الآيات
إن ما أحدثه هذا الفرعون و من شايعه من رجال الدولة و أهل بيته
كان بمثابة انقلاب على المفاهيم و العقيدة التي يعرفها أهل مصر
برغم الفساد الذي أنتشر و استشرى
فقد وصل السلطة بفريق عمل مهيأ لإحداث هذا التغيير
ملك يدعي الربوبية من دون الله ثم
يقدم على الجهر بهذا الأمر و جعله واقع لا جدال فيه
بعد أن يحول مصر إلى جنات و قصور و يستعبد و شعبة تلك
الأمة الغريبة التي تعيش فيما بينهم
و التي تتحول بمرسوم واحد إلى أمة من الأقنان و العبيد
و بهذا الأمر و بوجود وزير كهامان تصبح عبادة الله و توحيده جريمة
تفضي بصاحبها إلى الموت
و يوفر هؤلاء العبيد مجهود عمل مجاني يعود بالوفرة و الغنى على شعب مصر
ناهيك عن الثروة التي جناها ملك مصر في عهد نبي الله يوسف عليه السلام و ذلك بحكمة يوسف التي وهبها له ربه سبحانه
حتى قيل أن يوسف أسترق أهل مصر بلقمة العيش ثم حررهم
كل هذا بعيد عن ما يدخل مصر من الدول المحيطة و التي قد تكون قد ضربت بالقحط و قلة التدبير
**********
لكن فرعون يدرك و يعلم أن ربوبيته وهم لا حقيقة له
خصوصا و ما بشر به يوسف قد آن أوانه
*********
جاء في أثر طويل عن ابن عباس رضي الله عنه
ــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري ج: 1 ص: 234
حدثني العباس بن الوليد قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا أصبغ بن زيد الجهني قال حدثنا القاسم قل حدثني سعيد بن جبير قال سألت عبد الله بن عباس عن قول الله لموسى وفتناك فتونا 3 فسألته عن الفتون ما هي فقال لي استأنف النهار بابن جبير فإن لها حديثا طويلا قال فلما أصبحت غدوت على ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني قال
فقال ابن عباس تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد الله إبراهيم من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا فقال بعضهم إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب فلما هلك قالوا ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم قال فرعون فكيف ترون قال فائتمروا بينهم وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه فلما رأوا ان الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون قالوا توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان الأمر
بقتل كل مولود ذكر في بني إسرائيل
ليبدأ فصل أخر أشد مرارة على بني إسرائيل
***
جاء في كتب التفسير إن فرعون قد رأى رؤيا ففسرت له بأن
خراب ملكه سيكون على يد رجل من بني إسرائيل
لكن سياق الآيات التي في كتاب الله تجعلني أجنح لما ذكرته سابقا
بأن الأمر لا يعدوا نبوءة أخبر بها يوسف عليه السلام
و دعونا الآن نستعرض بعض تلك الآيات
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) غافر
*********
الحوار السابق يدور في قصر فرعون و ظاهر الأمر أن فرعون كان رئيسا فدرالي بالمصطلح الحديث لعدة ممالك
فهو يقول دعوني أقتل موسى
فيتصدى له رجل من أقاربه و لا بد أن له شأن كبير يجعله في حصانة من بطش فرعون
حيث يخبرنا الله سبحانه في الآيات السابقة
بأن هذا الرجل يخفي إيمانه
لكن حديثه أمام فرعون يمكن لأي أحمق أن يدرك من خلاله أن الرجل موحد أو يعلم بوحدانية الله حق المعرفة
فكيف يتوافق هذا و قوله تعالى ( يخفي إيمانه )
أيها الأخوة
هذا الرجل كان يكلم فرعون و خاصة أهله بشيء يعلمونه جميعا
أي أنه يحدثهم بشيء دارج في قصر فرعون و ليس بغريب عليه
و ما زالت ذكرى يوسف و ما أخبر عنه ماثلة أمام أعينهم
هم يعلمون حقيقة ما جاء به موسى بدليل قول تعالى
******
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين َ (14) النمل
********
إذن فرعون و من حوله قاموا بانقلاب على موروث يوسف و شريعته
هم أرادوا العلو في الأرض و هذا يتنافى مع التوحيد و الخضوع لله
هم يعلمون أن انقلابهم هذا سيأتي بالنبي الذي بشر به يوسف
فوقفوا بكل ما أوتوا من سلطان ليحولوا دون حدوثه
لكن أمر الله نافذ و لو كره الكافرون
********
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
*******
إذن الشيء الذي كان يحذر منه فرعون و ملأه هي نهاية السوء التي آلوا إليها و التي كانوا يعلمون تفاصيلها
و آبت أنفسهم أن تقبل بها رغم علمهم الأكيد بها
******
مؤمن قوم فرعون يحدثهم بكل صراحة و دون مواربة
فالحديث خاص لا يسمعه الشعب
أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ
***
هل يستطيع فرعون أن يرد عليه بأنه لا رب سواي
ثم يتابع القول
((وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ))
المشكلة ليست بوجود الله
المشكلة بصدق نبوة موسى و التي إن كانت حقيقة فلا بد أن يصيبكم من الله ما يعدكم به
و يستمر الحوار و فرعون لا يملك إلا أن يقول ما أريكم إلا ما أرى
و يختم هذا الرجل المؤمن قوله
(( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً )
إذن ما جاء به فرعون و عصبته هو انقلاب على ما يؤمن به الكثير من الناس حتى السحرة اتهموا فرعون بإجبارهم على ممارسة السحر
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
***
سأضرب مثال لما حدث في قصر فرعون
لنقل أن عصابة من الدجالين اتفقت على خداع أهل بلدة ما
و رشحوا من بينهم رجل ليكون ذي خوارق ليست من عمل البشر
رتبوا الأمور و رسموا الخطط و أحدثوا أعاجيب أمام أعين الناس
فصدقوا ما أشاعوه عن ذلك الرجل
فما كان من أهل البلدة إلا أن
جعلوا من هذا الدجال حاكمهم و المتسلط فيهم
لكن العصابة التي رسمت الخطة و تشرف على استمرارها
تعلم الحقيقة و كذلك أهل بيت الدجال الذي أصبح ملكا
يعلمون حقيقة صاحبهم
فعند مناقشة أي قضية تهدد انكشاف خطتهم
كظهور رجل يًكذب ادعاء الملك الدجال و عصابته
فهم لا يكلمون الملك كما يكلمونه أمام العامة
فهم كما يقال ( دافنينه سوى )
و هم بالطبع يعلمون حقيقة الخوارق التي يتمتع بها الملك
و التي هي من صنع أيديهم و تخطيط عقولهم
إذن هم سيتحدثون فيما بينهم بالصراحة المطلقة
و لو أن رجل من أهل بيت الملك و هو أعلم بحال قريبه
قد حضر مثل هذا المجلس و كلم قريبه الملك بشكل يوحي
بأنه لا قدرات لديه و لا عجائب
فلن يكون الأمر مستنكر منه
إنما المستنكر منه لو قال لهم أنه يؤيد و يناصر مصدر الخطر
أي الرجل الذي يحاول كشف أكاذيبهم
و هذا هو الإيمان الذي يخفيه مؤمن قوم فرعون
الكثير من الناس عرفوا صدق نبوة محمد صلى الله عليه و سلم
كاليهود مثلا
لكنهم كذبوه لغرض رخيص و دنيء
لذلك هم أشد كفرا ممن كذبه عن جهل
و فرعون و زبانيته و ربما الكثير الكثير من أهل مصر مدركين
لكذب فرعون و ما يزين لهم
لكنهم رغبوا بالحياة و النعيم الذي يأتي من خلال السكوت و القبول بالأمر
فإيمان رجل قوم فرعون كان النصيحة و ربما المساهمة من طرف خفي في نصر موسى عليه السلام
****
يتبع إن شاء الله