• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

الشامتون بصراحة نصر الله

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

walid1751

نجم المنتدى
إنضم
29 نوفمبر 2005
المشاركات
5.843
مستوى التفاعل
388
بقلم: عبدالباري عطوان

Hezbolla_1.jpg


هلل الكثيرون في بعض وسائط الاعلام العربي لما ورد في حديث السيد حسن نصر الله لمحطة نيو.تي.في اللبنانية، وتوقفوا خصوصا عند الفقرة التي قال فيها انه ما كان سيقدم علي خطف الجنديين الاسرائيليين لو كان يعرف حجم الدمار الذي سيلحق ببلاده من جراء هذه الخطوة.

هؤلاء اجتزأوا هذه الفقرة من الحديث، ووظفوها في خدمة مواقفهم المتواطئة مع العدوان الاسرائيلي علي لبنان، واعتبروها تأكيدا علي وجهة نظرهم التي وصفت الحزب وحربه وقيادته بـ المغامرة وعدم المسؤولية، بالاقدام علي شن هجوم ضد موقع عسكري اسرائيلي، وقتل سبعة من جنوده وخطف اثنين آخرين. وذهب بعضهم الي الاشادة الملغومة بالسيد نصر الله علي شجاعته في الاعتراف بالخطأ، واجراء عملية نقد ذاتي لمواقفه هذه، من منطلق الشماتة. ما لا يعرفه هؤلاء وغيرهم، ان السيد نصر الله انسان صاحب قلب كبير، يملك مشاعر انسانية راقية تجاه مواطنيه الذين تشردوا وجري تدمير منازلهم، وقتل العديد من ابنائهم في هذه الحرب، ولكن هذا لا يعني، مثلما جاء في معظم فقرات الحديث الاخري، انه نادم علي الانجاز الكبير الذي حققه، وغيّر جميع المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة العربية بأسرها.

السيد نصر الله لم يكن الشخص الوحيد الذي لم يتوقع ان يكون الاسرائيليون علي هذه الدرجة من الحقد والكراهية والتعطش لسفك دماء الابرياء بالمئات كرد فعل علي خطف اثنين من جنودهم في عملية عسكرية شرعية ومحسوبة بدقة. فقد كان رجلا اخلاقيا في خصومته، ولم يقتل اسرائيليا بريئا، وحرص ان يوجه صواريخه الي اهداف عسكرية، وتجنب قصف البني التحتية والمعامل الكيميائية
وخزانات الوقود في حيفا لتجنب قتل المدنيين، وهي خصال واخلاقيات لا يعرفها الاسرائيليون الذين ابتزوا العالم بأسره بسبب المحارق النازية، ومارسوا ويمارسون ما لا يقل عنها بشاعة في لبنان وفلسطين المحتلة.

خطف الجنديين الاسرائيليين، لم يكن سبب دمار لبنان، وانما الذريعة التي استخدمها ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي لتنفيذ خطته المعدة سلفاً، وبالتعاون مع القادة العسكريين الامريكيين لتدمير حزب الله وقواعده البشرية والعسكرية، لحرمان ايران وسورية من ذراع عسكرية قوية يمكن ان تستخدم ضد الدولة العبرية للانتقام من اي عدوان يشن علي البلدين في اطار الضربات الاستباقية المتوقعة لتدمير المفاعل النووي والبني التحتية الايرانية. الصحافي الامريكي سيمون هيرش تحدث بالتفصيل عن هذه الخطة الاسرائيلية ـ الامريكية في تحقيقه الموثق الذي نشره في مجلة نيويوركر ، مثلما رددت الشيء نفسه العديد من الصحف الاوروبية والاسرائيلية. الصمود الرائع الذي اظهره مقاتلو حزب الله في جنوب لبنان هو الذي افشل مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي كانت تبشر به السيدة كوندوليزا رايس، ويقوم علي تكريس الاذلال الحالي للأمتين العربية والاسلامية، وتعزيز الهيمنة الاسرائيلية بحيث نعيش يوما نري فيه الحكام العرب، المنتوج الابرز لامريكا، يدفعون الجزية لتل ابيب، وينفذون اوامرها حول كم برميل من النفط ينتجون.

السيد حسن نصر الله قدم دروسا عديدة في المقاومة والتواضع والرؤية الاستراتيجية، والادب الرفيع في مخاطبة الآخر المختلف، ولكن الدرس الابرز الذي قدمه في مقابلته مع المحطة اللبنانية المذكورة ليس فقط انسانيته، بل عدم تردده في نقد الذات والاعتراف بالاخطاء جنبا الي جنب مع تأكيد الانجازات، فليسم لنا هؤلاء، الذين اشادوا بهذه الشجاعة، لغرض ما في نفس يعقوب، زعيما عربيا واحدا من زعمائهم مستعدا لإجراء مراجعة ونقد ذاتي يعترف فيهما بالاخطاء الاستراتيجية القاتلة التي ارتكبها، خاصة اولئك الذين تواطأوا في الحرب الامريكية لتدمير العراق، ومن ثم احتلاله، وتمزيق هويته العربية ونسيجه الداخلي، ووحدته الترابية. او هل سمعنا منهم اعترافا بفشلهم في سياساتهم الداخلية التي ادت الي تجويع شعوبهم، وحرمانهم من ابسط حقوقهم؟

اذا كان ما حدث في لبنان هو مغامرة فقد انتهت هذه المغامرة بالنتائج التي نعرفها، وليفسرها كل طرف حسبما يريد هزيمة او نصرا، ومن حقنا ان نسأل الآن عن دور
العقلاء وماذا هم فاعلون حاليا.

لا نعتقد انهم عقلاء ، ولا نتوقع ان يتحركوا قيد انملة، لانهم من انصار الجمود، والمؤمنين بخيار الصفر في السياسة، اي عدم التحرك الي الامام، بل عدم التحرك علي الاطلاق في اي اتجاه، حتي تبقي الامور علي علاتها، يأكلون وينامون ويستمتعون بالمناصب والعروش والثروات ونهب المال العام.

الشعب الفلسطيني يذبح، والشعب اللبناني يواجه الحصار الجوي والبحري، ولم نسمع زعيما واحدا من العقلاء يطالب اعمامه في واشنطن برفع هذا الحصار، بل شاهدناهم يشاركون فيه ويعملون علي اطالة امده، ويتعاونون علي تطبيقه. السيد حسن نصر الله حتي لو ابدي ندماً علي اقدامه علي خطف الجنديين الاسرائيليين، فقد حقق في 34 يوما ما لم تحققه الجيوش العربية مجتمعة، وامتلك الشجاعة التي لم يمتلكها اي من الزعماء العرب الذين انتقدوه، وقدموا الغطاء للعدوان الاسرائيلي المدمر، عندما اطلق اربعة آلاف صاروخ هزت العمق الاسرائيلي، وجعلت مليون يهودي يعيشون مذعورين في الملاجئ.

انه رجل دخل التاريخ من ابوابه المشرفة، مثلما دخل قلوب مليار ونصف المليار مسلم في مختلف انحاء العالم. والأمة لا يمكن ان تجمع علي باطل.
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى