cherifmh
نجم المنتدى
- إنضم
- 9 جوان 2006
- المشاركات
- 17.627
- مستوى التفاعل
- 42.566
لا الزمان هو الزمان، ولا المكان هو المكان، ولا <المناخ> المحيط هو <المناخ>، لكن <السيد> هو <السيد>: بوسامته المشرقة من
تحت العمّة السوداء واللحية الكثة التي تزايد الشيب فيها؛ بتواضعه الذي أضاف إليه النصر وإن تكثفت معه المرارة التي لا تفتأ تدرها المحاولات الخبيثة لإنكاره، أصلاً، أو لتزوير دلالاته ليغدو سبباً للفرقة بدلا من أن يكون رافعة للوحدة والاعتزاز بالإنجاز التاريخي لهذا الوطن الصغير الذي كاد يصير الأكبر في عيون أهله العرب، والأخطر في عيون عدوه ومن معه.
... وحين انفتح الباب واندفعنا نحو <السيد> معانقين باللهفة، لمحنا كمثل الوميض شيئاً من الحزن في عينيه الذي سرعان ما جبَّه، مع أسئلة الاطمئنان <عن الجميع>، إحساسه المرهف بوطأة المسؤولية الشاملة، وحضوره الذهني الباهر الذي يغريك بأن تطرح كل ما يقلق أو يحرج، فلا شيء عند <السيد> يخفيه أو يخاف التصريح به.
إنه هو هو، السيد حسن نصر الله، الذي صار مَعْلَماً من معالم دنيانا وأحد الرموز المضيئة في الأفق المعتم لهذه المرحلة من زماننا... لكن ذلك الحزن في عينيه، ظل يرف علينا، ثم صار يتكاثف مع التوغل في الحديث عن مجاميع الشهداء، في مجازر الأطفال خصوصاً، ثم عن حجم التدمير الإسرائيلي المنهجي الهائل لبيوت الناس البسطاء في ضواحي بيروت الجنوبية، كما في المدن والبلدات والقرى والدساكر في الجنوب والبقاع وبعض الشمال.
أما مع حديث المواجهات وبطولات المجاهدين الذين صمدوا لثلاثة وثلاثين يوماً على الحد تماماً، وكانوا يطلعون على جند العدو من كل فج عميق فيتصيّدون دباباته وآلياته، ويرفضون الانسحاب أو الانكفاء إلى الخلف، فقد كان وجه الأمين العام ل<حزب الله> يستعيد إشراقته ويلتمع في عينيه فرح غامر: لقد تجاوزوا أنفسهم فصنعوا معجزة النصر.
قلنا للسيد حسن نصر الله إننا نحمل هواجس الناس على شكل أسئلة عن الغد: عن مستقبل المقاومة، عن هذه العلاقة المأزومة بين السنة والشيعة في الداخل بينما صار الحزب في نظر أهل السنة، العرب أساساً وسائر المسلمين، رمزاً للجهاد وحامل راية النصر... ثم عن الحزب والشيعة، ممّن لا يرون رأيه ولا يقبلون منهجه. وسنسأل أيضاً عن علاقاتكم العربية التي تبدّت، مع احتدام المواجهات، كأنها قد تهاوت، بل انقلب الود فيها إلى مساءلة بلغت حدود الاتهام بالمغامرة.
هز <السيد> رأسه موافقاً فأضفنا: وسنسأل عن سلاحكم ومستقبله، وعن علاقاتكم بالجيش، بعد كل الذي كان، ثم عن علاقتكم بقوات اليونيفيل. ولا بد من التوقف أخيراً أمام علاقاتكم مع مختلف القوى السياسية الأساسية في البلاد، لا سيما مع زملائكم إلى طاولة الحوار...
كان <السيد> حاضر الذهن، كعادته، وإن كان واضحاً أنه يبذل جهدا، في لحظات معينة، لتخطي حاجز المرارة، أو الشعور بالخذلان، لا سيما عند من ينكرون النصر العظيم الذي تحقق، وبكلفة هائلة لكنها لا يمكن أن تحجبه بتأثيراته الخطيرة على الكيان الإسرائيلي أولاً، ثم على صورة الغد العربي.
وكان واضحاً أن كثيراً من الأسئلة التي حملناها لم <تباغت> <السيد>، بل هي كانت موضع نقاش أولي لدى قيادة <حزب الله>، وهو نقاش سيُستكمل في مستقبل قريب.
نعم، <السيد> قَلِق. وهو لا يخفي قلقه على الوضع في لبنان، بل يحدد مصادره وأسبابه.
نعم، <السيد> خائف أن يصبح <النصر> جريمة، وأن يصبح بطلها المقاوم، <حزب الله>، موضع حصار يشترك في ضربه من حوله <أصدقاء قدامى> مع خصوم دائمين، بما يخدم مصالح من يسعى لترسيخ هيمنة أجنبية على لبنان.
نعم، <السيد> غير مرتاح إلى اهتزاز كثير من التحالفات السابقة، نتيجة ضغوط دولية، أو نكايات محلية، أو تخوّف من <حجم> الحزب وصورته التي تداخلت في بعض جوانبها مع الأسطورة.
نعم، <السيد> يعيش مرارة مفارقة غير مسبوقة: المنتصِر محاصَر بأعباء نصره، وهي ثقيلة، تطارده إضافة إلى إسرائيل مخابرات حلفاء إسرائيل جميعاً (وبينهم عرب)، في حين أن كل الذين يتمنون انتصار إسرائيل، وينحازون ضد شعبهم، يسرحون ويمرحون آمنين، ويطلقون التصريحات الكيدية ويحقّرون النصر ويغذون الحساسيات المذهبية والطائفية.
ولقد عشنا معه هذه المرارة ونحن ننتقل إلى مقابلته في ما يشبه <الخطة البوليسية>. وعدنا من لدنه بالطريقة نفسها، بينما الآخرون جميعاً يعيشون في بيوتهم، آمنين على أنفسهم وعائلاتهم، يحصدون <مكاسب> المرحلة التي صنعتها بطولات المقاومين وتضحيات مجمل الشعب في لبنان، كل بحسب موقعه في عين عدوه الإسرائيلي.
<السيد> بخير. لكن شعوره بأن بعض القيادات قد خذل وطنه، ومن ثم المقاومة، في ساعة الخطر، يُثقل عليه ويزيد من تخوّفه على لبنان ونظامه الطوائفي الذي قد تشفع له تلك الغلالة من الديموقراطية التي تسمح بتعايش المجاهد والمساند والمحايد والمعترض والمخاصم جنباً إلى جنب، بلا إشكالات، إلا ما يدبّره المتعيّشون من الفتنة، وهم هم الذين يحاولون الآن طمس النصر أو تقزيمه مع وعيهم بأن ذلك مستحيل، وبأن المستفيد سيكون العدو الإسرائيلي.
وعن هذا العدو تحدث السيد حسن نصر الله حديث العارف والمتابع الدقيق والمهتم بكل التفاصيل حتى لا يخطئ التقدير ولا يتوه عن الطريق التي تأخذ إلى النصر... وهو يعرفها، كما أكدت التجارب العظيمة، حق المعرفة.
طلال سلمان
قبل أن نباشر الحوار قال السيد حسن نصر الله، في لفتة خاصة:
أولا من الواجب تأكيد الشكر والتقدير ل<السفير> وإدارتها وجميع الصحافيين والعاملين فيها على الدور الذي لعبته الجريدة بأسرتها جميعاً.. ونحن نرى وما زلنا نرى ان جريدة <السفير> تعبّر عن موقف المقاومة وفكرها وخطها وثقافتها وإرادتها واملها في مستقبل التحرير والعزة والكرامة.
وأطلقنا سؤالنا الأول:
? هل هناك خوف من تضييع الانتصار في الزواريب الداخلية اللبنانية؟ كيف تحتسبون النصر بالمقارنة مع الكلفة البشرية والاجتماعية والاقتصادية والاعمارية؟
نصر أم هزيمة؟
} بالنسبة الى الوضع اللبناني، المشكلة الرئيسية هي ماذا نعتبر ما جرى او ما آلت اليه الامور، هل نعتبره نصرا ام هزيمة. وإذا اعتبرناه نصرا، فما هي حدود هذا النصر وقيمته حتى تصح مقايسة النصر بما قدم من تضحيات. وبالتالي يمكن أن نقول ان هذا النصر أخذت التضحيات من وهجه أو لم تأخذ، هذا هو مفتاح النقاش لكل هذه المسألة. ما يدعو الى القلق هو الاختلاف في تقييم نتائج الحرب. وانا برأيي ان الاختلاف في تقييم نتائج الحرب ليست له اسباب موضوعية وانما ينطلق من الخلفيات السياسية او المذهبية او الطائفية، بالنسبة للكثير ممن يقدمون آراء مختلفة في هذه المسألة. لو ذهبنا بعيدا في العالم العربي والاسلامي عند الكثير من الخبراء الاستراتجيين الذين يقرأون نتائج الحرب ومجريات الحرب بشكل موضوعي، سنجد اجماعا على انتصار لبنان وانتصار المقاومة. وحتى لو ذهبنا الى الكيان الإسرائيلي نفسه وحسب متابعتي سنجد ان هناك إجماعا اسرائيليا على فشل إسرائيل في لبنان. هزيمة اسرائيل في لبنان. حتى دان حالوتس رئيس الأركان وفي إطار الدفاع عن نفسه هو تحدث عن قصور في المؤسسة العسكرية وتجنب الكلام عن التقصير. والحديث عن القصور هو حديث لتبرير الفشل. لكن مع ذلك في لبنان قد نجد قراءات مختلفة لما حصل. هذا يثير مشاعر القلق الذي اشار اليه السؤال بكل تأكيد. هنا قد تكون هناك نية مسبقة لتشويه صورة النصر تدريجيا ولدفع الآخرين احيانا الى الانفعال واحيانا الى الاستفزاز من اجل اضاعته نهائيا.
هنا استطيع القول ان مسؤولية لبنان الذي اعتبره منتصرا واذا اردت ان اكون دقيقا اكثر، لبنان المنتصر. ومسؤولية اللبنانيين الذين يعتقدون ان لبنان انتصر ومسؤولية اللبنانيين الذين يعتقدون انفسهم شركاء في صنع هذا النصر من المسلمين والمسيحيين من كل الاتجاهات والطوائف والتيارات السياسية ان يعملوا على حفظ هذا النصر وعدم السماح بتضييعه في الازقة المذهبية والسياسية والطائفية. هذه مسؤولية كبيرة وكما كان يقال الحفاظ على النصر احيانا اصعب من صنعه. استطيع القول ان الحفاظ على النصر في اي مكان من العالم اصعب من صنعه لكنه في لبنان اصعب بكثير. اكتفي بهذا الجواب الآن.
الانتصار مسّ أسس الكيان والمشروع الإسرائيليين
? الآن في الجانب الإسرائيلي، كيف هي التداعيات على بنية اسرائيل الاستراتيجية في المنطقة. اسرائيل قبل 12 تموز، هل ستبقى اسرائيل بعده، هناك من كان يقول إن هذه المعركة هي معركة حياة او موت. ما هي التداعيات على الموضوع الفلسطيني باعتباره المدى المباشر للمقاومة في لبنان؟
} هذا يعود الى تقييمنا لما جرى، كيف نفهم ما جرى، يمكن ان نتوقع نتائجه وتداعياته. يمكن هنا ان اقدم خلاصة في الشق الاسرائيلي واعتقد ان هذا النصر في كلمة عامة استراتيجي وتاريخي وبرأيي ستكون له تداعيات كبيرة جدا على المستوى الاسرائيلي الفلسطيني وعلى مستوى العالم العربي وعلى مستوى المنطقة. اظن انه ما زال الوقت مبكرا لاستكشاف ولاستيعاب النتائج الاستراتيجية والتداعيات الكبيرة لهذا الانتصار. من فلسطين الى العراق الى ايران، بل حتى اذا تجاوزنا المنطقة العربية.
في سياق الجواب سأركز على الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني. بالنسبة للمعركة مع اسرائيل هي مسّت اسس المشروع الاسرائيلي والكيان الاسرائيلي، هذا الكلام ذكره كثيرون. عندما يقال كل دولة لها جيش الا اسرائيل فهي جيش له دولة. الكيان الاسرائيلي هو جيش. هو معسكر. بالحقيقة هو ثكنة عسكرية كبيرة وضخمة. عنصر الامن والامان والاستقرار والطمأنينة والامل في الكيان الإسرائيلي هو الجيش. وثقة الشعب الإسرائيلي بالجيش الإسرائيلي وثقة الجيش الإسرائيلي بنفسه وهذه الثقة منشؤها قوة الجيش سواء القوة الواقعية الحقيقية او المصطنعة في عيون اعدائه. احيانا لا تكون قوة حقيقية بل اقتناع الطرف الآخر بانه ضعيف ومهزوم وانه يواجه جيشا لا يقهر. الحروب العربية الاسرائيلية عززت ثقة الجيش الاسرائيلي بنفسه وثقة شعبه به. مثلا نحن نعمل قياسا على عدد وشعب وجمهور المقاومة المباشر في مقابل اسرائيل وجيشها. هم كانوا يعملون من اجل قياس اسرائيل في مقابل الامة العربية والشعوب العربية وعملوا منها اسطورة.
بين 2000 و2006 الأثر استراتيجي وتاريخي