من أجل تدعيم دور المحامي في تونس القرن الواحد والعشرون

aliz

عضو مميز
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
805
مستوى التفاعل
450
الهيئة الوطنية للمحامين بتونس






الملتقى العلمي بمدينة الحمامات
أيام 28 و29 و30 جانفي 2005





عنـوان المداخلــة:

من أجل تدعيم دور المحامي في
تونس القرن الواحد والعشرون




إعداد الأستاذان :
ـ علي الزريبــي
ـ الحبيب الكشــو

















تعد المحاماة من المهن الحرة العريقة في التاريخ ، والتي تهدف بالأساس إلى تقديم المساعدة القضائية والقانونيـة إذ بات من المتحتـم على الأشخـاص أمام تشعب المادة القانونيـة الاستعانـة بمن لهم الكفاءة والاختصـاص. لذلك تأتي المحامـاة، حسبمـا نص عليه القانون الأساسي المنظم لها، لتشارك القضاء في اقامة العدل وتؤمن الدفاع عن حقوق المتقاضين وحرياتهم واموالهم واعراضهم ، وتساهم في ضمان المحاكمة العادلة .

لكن لايمكن للمحامين آداء رسالتهم على الوجه الاكمل الا بتوفر الظروف الموضوعية الكفيلة بذلك ومن بينها حماية مجال العمل وايجاد تغطية اجتماعية دائمة وتنظيم الدخول إلى المهنة . اذ ان كل تهميس او تقليص لدور المحامي من شانه ان يكون له الاثر السلبي والمباشر على جودة الخدمات القانونية مع مايترتب عن ذلك من اختلال في النظام القضائي وسير العدلة .

وعلى هذا الاساس ، فان تفعيل دور المحامي بتطوير المهنة والعمل على توسيع مجالات تدخلها اصبح اليوم الشغل الشاغل لكل الهياكل والمنظمات ذات النظر على الصعيدين الداخلي والدولي . من ذلك ان الاتحاد الدولي للمحامين نجد به لجنة قارة خاصة بمستقبل المحامي وتعتني بتطور المهنة ووضع المحاماة ودورها على المستويين الداخلي والخارجي من خلال نظرة متطورة للخدمات القانونية الممكن تقديمها مع محاولة اقتراح اساليب عمل جديدة تتلائم مع تطور الاوضاع في شتى المجالات . وفي نفس السياق ، فقد اتخذ المجلس الاوربي جملة من التوصيات حول تطوير المهنة ومنها التوصيات المتخذة في 25 / 10 / 2000 التي تهدف اساسا لتدعيم دور المحامي في المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي .

اما على المستوى الداخلي ، فان الهيئة الوطنية للمحامين بتونس ماانفكت تعمل جاهدة على حماية المهنة والسعي الى تطويرها واتخاذ جميع الاجراءات التي تيسر ظروف عمل المحامي وذلك من خلال مايصدر عنها من مذكرات بخصوص اصلاح اوضاع المهنة وتفعيلها والمطالبة في هذا الشان بفتح مجال الحوار مع السلط المعنية للبحث عن الحلول الناجعة والمنشودة على غرار ماجاء بالمــذكرة الاخيرة الصادرة عن مجلس الهيئة بتاريخ 02 / 12 / 2004 .

ولعل تناول تفعيل دور المحامي بالبحث يقتضي بالضرورة التعرض إلى جوهر التفعيل ( جزء اول ) ثم دعائم هذا التفعيل ( جزء ثان )


الجــزء الأول
جوهر تفعيل دور المحامي في تونس


ان تفعيل دور المحامي يتمحور في جوهره على غايتين اساسيتين : تفعيل من خلال حماية بعض المجالات في الميدان القانوني والقضائي من تدخل غير المحامي فيها ( المبحث الأول ) ، وتفعيل من خلال وجود بعض المجالات الاخرى في الميدان نفسه في حاجة إلى تدخل المحامي ليمنحها النجاعة المطلوبة ( المبحث الثاني ).

المبحث الأول : مجالات في حاجة إلى حماية :

ان تدخل غير المحامي في بعض المجالات القانونية والقضائية اصبح يشكل اليوم اما نوعا من المنافسة غير المشروعة او نوعا من الممارسات غير المشروعة لايتماشى مع نبل مهنة المحاماة وشرفها وحق المواطن في الدفاع عن نفسه بنزاهة واعتمادا على كفاءة معرفية. ممـا يتحتم معه التدخل لحماية هذه المجالات وتخصيصها بالمحامي ومن بينها نذكر:
1 ) المحامي وتحرير العقود الخاضعة للترسيم بالسجل العقاري :

لئن مكن الفصل 377 مكرر م ج ع المحامين المباشرين من غير المتربصين ان يتولوا تحرير الصكوك والاتفاقات الخاضعة للترسيم بالسجل العقاري ، الان انه في الوقت نفسه اسند الاختصاص للادارة لتحرير مـثل هذه الكتائب ونقصد بذلك حافـظ المكلية العقارية ، والمديرون الجهويون وكذلك اعوان ادارة الملكية العقارية المكلفون بمهمة التحرير. ولعل ذلك ينسجم مع ما ورد بالفصل 316 من نفس المجلة من كون ادارة الملكية العقارية مكلفة بتحرير العقود المتعلقة بالعقارات المسجلة . وقد نص الفصل 2 من القانون عدد 84 لسنة 1992 المؤرخ في 06/08/1992 على انه "تضبط بامر المبلغ الواجب دفعه مقابل تحرير العقود من طرف ادارة الملكية العقارية" .

وبالاطلاع على التعريفة التي تضبط معلوم تحرير العقود من قبل ادارة الملكية العقارية نجد وانها جاءت في قالب جدول BAREME كالاتي :
- عقد بقيمة ثلاثون الف دينار المعلوم المستوجب ثلاثون دينارا .
- المبلغ الذي يفوق 30 الف دينارا والى حد 60 الف دينار  0.2 %.
- المبلغ الذي يفوق 30 الف دينارا والى حد 60 الف دينار  0.1 %.

ان اقرار اختصاص ادارة الملكية العقارية بتحرير العقود المتعلقة بالعقارت المسجلة مقابل تعريفة مؤسسة على جدول معاليم على النحو المذكور انفا ، يعد شكلا من اشكال المنافسة غير المشروعة لعمل بقية محرري العقود في هذا المجال عامة ، ولعمل المحامي خاصة نظرا وان المصلحة المادية للحريف تفرض عليه التحرير لدى اعوان الادارة بمعلوم بسيط يعتبر رمزيا مقارنة مع اجرة المحامي التي ترتبط بمستواه المعرفي ونوع الخدمة التي يسديها في هذا المجال او غيره من المحررين المختصين بتحرير هذه العقود .
ولعل ذلك من شانه او يؤدي حتما إلى تقليص تدخل المحامي في ميدان التحرير، والحال وانه الاجدر من غيره على الاضطلاع بهذه المهام بالنظر إلى كفاءته القانونية ، واحتكاكه اليومي بعمل المحاكم وما يفرزه من فقه قضاء يتعلق بما قد ينجر عن تحرير هذه العقود من اشكاليات على صيعد التطبيق بمناسبة ما يطرح بشانها من نزاعات . وهذا الالمام المعرفي للمحامي (نظريا وتطبيقيا) يمكنه من اسداء افضل الخدمات في ميدان التحرير بصورة تجعله مميزا عن غيره بما ان دور المحامي سيكون وقائيا بالحد من النزاعات التي تنشا عن تحرير العقد بتقديمه للارشاد والنصح استنادا لا فقط على نص القانون بل على تطبيقاته القضائية.

2 ) المحامي والمتداخلين في المهنة :

ا - المحامي والوكالة على الخصام :

حجر الفصل 26 من القانون عدد 87 المؤرخ في 07/09/1999 المتعلقة بتنظيم مهنة المحاماة الوكالة على الخصام لغير المحامين . وحتى في القضايا التي تكون فيها انابة المحامي غير وجوبية ، فانه حصر الاشخاص الذين بامكانهم انابة غيرهم لدى القضاء في ثلاث هم الاصول والفروع والازواج وشريطة الادلاء بتوكيل خاص في الغرض علما وان الفصل 1118 م ا ع يوجب ان يكون التوكيل على الخصام بالحجة العادلة.

وفي مقابل هذا التحجير ، نجد ان المشرع مكن بالفصل 204 من مجلة الشغل المتقاضين من الاستعانة لدى دائرة الشغل اما بعامل او بصاحب عمل مباشر لنفس مهنتهم او انابة احدهم عنهم . ويكفي في الوكالة هنا ان تكون محررة على ورق عادي او باسفل مطلب الدعوى او نسخته .

ان قراءة مجمل هذه الاحكام تستدعي ابداء ملحوظتين على الاقل :
الملحوظة الاولى : لقد ثبت من خلال الواقع العملي للمحاكم وان عديد الاشخاص غير الاصول والفروع والازواج ينوبون غيرهم امام القضاء بمجرد تقديمهم لتواكيل خطية معرف فيها بالامضاء لا غير. ونلمس ذلك بالخصوص في القضاء الاستعجالي وقضاء الناحية والمحكمة العقارية وغير ذلك من الميادين. ولعل قبول هؤلاء الوكلاء من القضاء يعد خرقا واضحا لاحام القانون ، ويشكل في الوقت ذاته حدا لعمل المحامي ومنافسة غير مشروعة للمهنة بتداخل اطراف تنقصهم المعرفة القانونية وغير مؤهلين قانونا للنيابة امام القضاء . وهنا يكون من الضروري تعاون الهيئة مع القضاء وحرص المحاكم على مراقبة سلامة التواكيل ومدى مطابقتها لاحكام القانون للحد من مثل مهذه الممارسات.

الملحوظة الثانية : لئن منح القانون في المادة العرفية امكانية الانابة لغير المحامي وباجراءات مبسطة ، فان ذلك سيكون حتما على حساب ضمان نجاعة الدفاع لا سيما امام التشعب الذي تشهده مادة قانون الشغل في السنوات الاخيرة . تشعب يعود إلى عديد المعطيات نذكر منها بالخصوص التنقيحات التي فرضها الواقع العملي وما افرزه من تحيل على القانون واستغلال ثغراته بغية التلاعب بحقوق الاجير خاصة في ميدان عقد الشغل المحدد المدة ، والضمان الاجتماعي ، والمنح وغيرها من المجالات هذا من جهة . ومن أخرى ، تاثر قانون الشغل بالاوضاع الاقتصادية للمؤسسة خاصة في صورة مرورها بصعوبات حيث منحها القانون الاولية في الانقاذ ولو على حساب حقوق عملتها .
ولعل هذا التشعب يفرض وبالضرورة تدخل رجل القانون لانه يعتبر الاكثر كفاءة للدفاع وحماية المصالح بصورة تمكن من تحقيق غاية التشريع دون المساس بحق على حساب الاخر ، وللحد من الممارسات المقنعة لبعض الاشخاص والناجمة عن ثغرات القانون خدمة لمصالحهم على حساب طرف ضعيف في العلاقة الشغلية اراد له المشرع توفير الحماية.

ب- المحامي والممارسات غير المشروعة:

يقصد بالممارسات غير الشمروعة جملة التصرفات المستترة تحت غطاء القانون بصورة تحد من عمل المحامي او تؤدي إلى تشويه صمعة المهنة ونبلها . وهذه الممارسات تتخذ احد المظهرين الاتيين :

ـ المظهر الاول : يتمثل في تدخل عديد المهنيين كالمستشارين الجبائيين والمحاسبين والكتاب العموميين وممارستهم لعمل المحامي من تحرير عرائض وتقارير وعقود واذون وشكايات ... والحال وان مثل هذه الاعمال تعد من ذات وطبيعة مهنة المحامي .

وقد ثبت من خلاص الواقع العملي وان المحاسب او المستشار الجبائي يضطلع بهمة "الدفاع " خلال كامل اطوار التقاضي خاصة ميدان قانون الاعمال ويكون عمله هذا مستترا اذ ان المتقاضي هو الذي يظهر امام القضاء ويقدم ما دونه له المحاسب او المستشار الجبائي من ملحوظات ولن يتحمل هذا الاخير أي عناء وفي ذلك .

وفي هذا الاطار ، يمكن ان نلاحظ في القانوني الفرنسي ، وان كان مسموحا للخبراء المحاسبين باعطاء الاستشارات القانونية ، فذلك مقيد بامرين اثنين : الاول = ان تكون هذه الاستشارات لفائدة المؤسسات التي يباشر فيها مهمة الحسابيات بصورة متواصلة ، والثاني = ان تكون هذه الاستشارات داخلة وفي علاقة مباشرة بالاعمال المحاسبية المكلــف بها فقط .
)l’article 22 de l’ordonnance no 45 -2138 du 19/09/1945 modifiee par la loi no 94-679 du 8 aout 1994(

نفس الشيء يلاحظ بالنسبة للكتبة العموميين الذين اصبح تدخلهم في الميدان القضائي شاسع جدا . والحال وان هؤلاء المتداخلين ليست لهم الكفاءة القانونية الكفيلة بضمان حقوق المتقاضين . كما ان عملهم هذا يعد تعطيلا لعمل القضاء لعدم تمرسهم بمادة الاجراءات التي تعد من جوهر التنظيم القضائي هذا فضلا عما تشكله مثل هذه الممارسات من مزاحمة غير مشروعة لمهنة المحاماة . ولعل ذلك ما يحتم تدخل المشرع للحد منها وحماية هذه المجالات وخصها بالمحامين دون غيرهم لضمان الدفاع الناجع للمتقاضي عن حقوقه وذلك باقرار جزاء لكل مجاوزة وتطفل على المهنة.

وعلى هذا الاساس ، يكون من المتجه النسج على منوال القوانين المقارنة التي تجعل من النيابة والترافع امام المحاكم من اختصاص المحامي دون سواه . ومن الاستشارة القانونية ميدانا مخصصا للمحامي دون سواه ايضا . وفي هذا الاطار نشير إلى الفصل الثالث من القانون المصري المعدل سنة 1992 الذي ينص صراحة : " بانه لا يجوز لغير المحامي مزاولة اعمال المحاماة وتعد من اعمال المحاماة :
- الحضور عن ذوي الشان امام المحاكم وهيئات التحكيم والجهات الادارية ذات الاختصاص القضائي وجهات التحقيق الجنائي والاداري ودوائر الشرطة والقيام باعمار المرافعات والاجراءات القضائية .
- ابداء الراي والمشورة القانونية .
-صياغة العقود واتخاذ الاجراءات اللازمة لشهرها او توثيقها ".
وفي نفس السياق ، فان القانون الفرنسي المنظم لمهنة المحاماة ينص في فصله الرابع بان الوكالة والنيابة والمرافعة هي من اختصاص المحامين دون سواهم . كما ان القانون الفرنسي المعدل في 31/12/1990 ادمج المستشارين القانونيين في سلك المحاماة وخص المحامين دون سواهم بالاستشارة القانونية .

ـ المظهر الثاني : يتمثل في تفشي ما يمكن تسميته بداء "افتكاك او التكالب على الحريف " في مهنة المحاماة . والجرثومة مصدر هذا الداء تكون اما بواسطة سماسرة مهمتهم السعي في توجيه الحريف للمحامي بطرق غير مشروعة وفي مقابل ذلك يتقاضون اجراء من المحامي . واما بنزول المحامي بالاجر إلى حد لا يليق بشرف المهنة ولا يتماشى مع كفاءة المحامي العلمية ونوعية الخدمة التي يسديها.

وهنا ياتي دور الهيئة في المراقبة والتصدي لمثل هذه الممارسات الدنيئة التي تمس من نبل المهنة وصمعتها بما يمنحه لها القانون من سلطة في المجال التاديبي . والملاحظ وان دور الهيئة في هذا المجال بقي لحد الان محتشما ومحدودا . ولعل خطورة هذا الوضع ، يحتم على الهيئة التدخل السريع والصارم بالنظر في الاليات التي من شانها الارتقاء بالمهنة إلى الافضل بصد كل الدخلاء والمتطفيلين الذين تكون غايتهم ربح المال على حساب شرف المهنة ونزاهة حق الدفاع. وما يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم .

المبحث الثاني : مجالات في حاجة إلى محامي :

1- المحامي والمؤسسة الاقتصادية :

ان ما يميز ميدان الاعمال في بلادنا اليوم هو تعدد القوانين المنظمة له . وهذا التعدد ذو وجهتين : فمن وجهة القانون الداخلي ، نلاحظ وان التنظيم القانوني للاعمال عرف تطورا كميا هائلا في القواعد القانونية وذلك في مجالات عدة مترامية الاطراف (جباية ، تجارة ، شركات ، منافسة ) . اما من وجهة القانون الاجنبي ، فان الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي الذي يسير بنمو مستمر ، يتحتم معه الالمام بالانظمة القانونية المقارنة حتى يتحقق للمؤسسة الاقتصادية اثناء عملها بالخارج التاطير المناسب والمتكامل.

ولعل في خضم هذه المعطيات، اصبحت المؤسسات الاقتصادية في اشد الحاجة اليوم إلى من يؤطرها من الناحية القانونية وذلك في كامل مراحل وجودها منذ التكوين إلى الحل والتصفية مرورا بكل التغييرات الهيكلية والعوامل الطارئة على وجودها من اندماج وانقسام وتجمع وهنا يظهر المحامي الشخص الاكثر نجاعة في مجال تقديم الخدمات القانونية للمؤسسة الاقتصادية خاصة بالنظر إلى طبيعة عمله واحتكاكه اليومي بالمحاكم مما يمكنه، وخلافا لبقية مقدمي الخدمات القانونية، من اسداء خدمات قانونية للمؤسسة تكون في جانب هام منها مستندة على البعد التطبيقي والعملي للقاعدة القانونية وهذا عين ما تطلبه المؤسسة الاقتصادية التي هي في حاجة إلى خدمة سريعة وفاعلة لا إلى استشارات نظرية مطولة لا تتلائم مع حاجياتها .
ومن هذا المنطلق ، اصبح متحتما اليوم على المؤسسة الاقتصادية ان يكون إلى جانبها محاميا يمنحها قيمة مضافة من خلال تطور وتنوع الخدمات التي يقدمها لها حتى تتمكن من العيش في مامن من كل المخاطر والارتقاء بها إلى الافضل خاصة وانها تعمل في مناخ اقتصادي تحكمه المنافسة والجودة.

وعلى هذا الاساس ، فانه من المتجه الاسراع باقرار وجوبية وجود المحامي من ضمن الهياكل الفاعلة بالمؤسسة الاقتصادية خاصة بالنسبة للشركات ذات الاهمية كشركات الاسهم ، والشركة ذات المسؤولية المحدودة التي لها راس مال مرتفع والتي فرض فيها المشرع وجود مراقب للحسابات . فحاجة مثل هذه المؤسسات إلى رجل قانون يكون إلى جانبها في كل اعمالها وعلاقاتها لا يقل اهمية عن حاجتها لمراقب لحساباتها . ولما لا تكريس تعاون جدي بين محامي المؤسسة ومراقب حساباتها حتى نمكنها من خدمة معمقة ومتكاملة مبنية على جميع المعطيات القانونية والجبائية والمحاسبة ... وقد راى بعض الفقهاء في تونس وعلى راسهم الاستاذ نور الدين الغزواني ان وجود المحامي بشركة تجارية يسهل عمل الشركة ويساعد على تطبيق القانون الاساسي تطبيقا سليما وينقص من النزاعات والقضايا وهو ما انتهجه المشرع الفرنسي منذ قانون 31 / 12 / 1971 وكذلك المشرع المغربي بقانون المحاماة الصادر خلال 1979 .

ولما كان عمل المؤسسة الاقتصادية ومنها بالخصوص الشركات يرتكز بالاساس في تنظيمه إلى عقود واتفاقات تكوينها ( les statuts) ، فان تحرير الكتائب المتضمنة لها يشكل احد اهم الجوانب في نشاط المؤسسة ووجودها ـ لذلك كان لا بد من اعطائه الاهمية القصوى بالنظر إلى ما يتطلبه من حنكة والمام بالتقنيات التعاقدية وبالنتائح القانونية المنجرة عنها . وعليه ، فانه يكون من الاجدر تخصيص المحامي بتحرير القوانين الاساسية للشركات لانه يبقى الاقدر من غيره للاسباب المبينة سابقا على ذلك خاصة وان المشرع قد اقر في عديد من العقود وجوبية تحريرها بواسطة المحامي ، وهذه العقود على اهميتها لا ترقى إلى اهمية الاتفاقات المؤسسة للشركات لما لها من تاثير مباشر على النظام العام الاقتصادي .

2- المحامي وتحرير العقود :

إلى جانب عقود تاسيس الشركات المشار اليها انفا ، فان عديد العقود الاخرى اصبحت تقتضي في تحريرها تدخل رجل القانون ونعني بذلك المحامي. ولعل هذا التدخل تفرضه اعتبارات عدة تختلف بحسب طبيعة كل عقد وما يترتب عنه اثار قد لا تقتصر على طرفيه فحسب ، بل تهم عديد المصالح الاخرى . ومن بين هذه العقود وعلى سبيل الذكر لا الحصر نورد ما يلي :

* وجوبية المحامي في تحرير عقد بيع العقارات غير المسجلة:

ان بيع العقار غير المسجل لا يختلف فيما يترتب عنه من التزامات واثار عن تلك المترتبة عن بيع العقار المسجل . ولذلك يبقى من المفارقات اخضاع هذا الاخير إلى وجوبية تحريره من اشخاص مختصين واعفاء الاول من ذلك خاصة وان بيع العقار غير المسجل يقتضي التثبت قبل التحرير من عديد المعطيات الهامة والتي منها :
ـ صحة سندات الملكية وتسلسلها وان كانت مدعمة بالحوز من عدم ذلك .
ـ صبغة العقار موضوع البيع نظرا لما لها من اهمية في تحديد رضا المتعاقد. وبالفعل ، فقد طرحت صبغة العقار عديد النزاعات امام المحاكم متعلقة بطلب ابطال عقود البيع او فسخها من ذلك تمس المشتري بان شراءه للعقار كان لغاية بناء مسكن في حين وان القوانين او التراتيب العمرانية لا تسمح بذلك.
ـ عدم وجود تحملات على العقار مهما كان شكلها او مصدرها وكذلك كل ما من شانه ان يشكل مانعا للتحرير .
ـ اعلام المشتري بضرورة خصم نسبة على الثمن بعنوان اداء على القيمة الزائدة العقارية خاصة وان المشرع اوجب هذا الخصم حتى في صورة عدم وجود اية قيمة زائدة عقارية ورتب عن عدم القيام بذلك جزاءات جد صارمة اذ يصبح المشتري متضامنا في دفعها مع البائع.

ولعل جملة هذه المعطيات وغيرها لا يمكن ان يتحقق نجاحها الا اذا ما اسندنا اختصاص التحرير إلى اشخاص لهم الكفاءة والالمام القانوني بمثل هذه الجوانب وعلى راسهم نجد المحامي .

* وجوبية المحامي في تحرير عقد الشغل المحدد المدة :

بالنظر إلى ما يتطلبه ذلك من توفير حد ادنى من الحماية للاجير باعتباره طرفا ضعيفا في العلاقة الشغلية خاصة وان هذا النوع من العقود لا يضمن له الاستقرار في العمل هذا من جهة ، ومن أخرى ، فقد ثبت من خلال الواقع العملي استغلال المؤجرين للثغرات الموجودة في نصوص القانون للتحيل والمساس بحقوق العملة وهو ما يفسر تدخل المشرع في مناسبات لمزيد احكام وتنظيم عقد الشغل المحدد المدة.
وبالتالي ، فان اقرار وجوبية المحامي لتحرير عقد الشغل المحدد المدة يكون الكفيل الوحيد لضمان حقوق العامل في هذا المجال بمنع كل تحيل او تعسف من المؤجرين.

* وجوبية المحامي في تحرير البعض من عقود الكراء : ونذكر بالخصوص هنا عقد الكراء التجارية وعقد الكراء الفلاحي .

* وجوبية المحامي في تحريرالعقود المتعلقة بالاسهم والحصص والقيم المنقولة والرقاع

* وجوبية المحامي في تحريرالعقود المتعلقة بالملكية الصناعية والفكرية

وما يمكن استخلاصه من جملة هذه الامثلة وان المعرفة القانونية اصحبت اليوم الركيزة الاساسية لتحرير العقود حتى نضمن لها النجاعة والبقاء للحفاظ على استقرار المعاملات المتعلقة بها من جهة ، ومن أخرى ، حتى نحقق الحماية القانونية المنشودة لكل طرف في العلاقة التعاقدية . لقد ثبت من خلال الواقع العملي للمحاكم وان العقود المحررة من غير الاشخاص ذوي الكفاءة القانونية كالكتائب العمومي وغيره تكون في اغلبها مصدرا لعديد النزاعات القضائية يكون من السهل التقليص منها باقرار وجوبية المحامي في التحرير.

3 - المحامي وضرورة انابته امام بعض المحاكم :

توجد عديد النزاعات القضائية التي لا يزال انابة المحامي فيها غـير وجوبية . والحال ، وانها اصبحت اليوم في اشد الحاجة إلى حضور المحامي إلى جانب المتقاضي ضمانا لحقوق الدفاع نظرا للتشعب المتزايد الذي تشهده المادة القانونية والناتج عن التضخم الكمي للقواعد القانونية اذ يكون من الصعب على غير المحامي - بالنظر لكفاءته المعرفية والمهنية – الالمام بها مع تقتضيه من تاويل وتقديم الخاص عن العام وغير ذلك من الامور التي تعد من ذات وطبيعة تطبيق القاعدة القانونية على وقائع وجوهر النزاعات المطروحة امام القضاء ـ فالانتقال بنص القانون من تجرده إلى تطبيقاته العملية ليس بالامر الهين .

وعلى هذا الاساس ، فان الاقرار بوجوبية المحامي في هذا الاطار من شانه ان يساهم في ضمان المحاكمة العادلة ، ويكون عمل المحامي مشاركا للقضاء في اقامة العدل .

ومن بين هذه النزاعات نذكر ما يلي :

- جعل انابة المحامي وجوبية امام المحكمة العقارية خاصة في مادة التسجيل الاختياري ومطالب التحيين وذلك بالنظر إلى ان الواقع العملي اثبت وان الملفات المنشورة امام المحكمة العقارية والتي يغيب فيها المحامي تبقى في الكثير من الاحيان معلقة لعدم حرص وقدرة المتقاضي على متابعة الملف بصورة دائمة ، مما نتج عنه بقاء اغلب الاحكام التحضيرية بدون تنفيذ إلى ان يؤول الامر إلى صدور احكام بالرفض بشانها . ولعل هذا الوضع يشكل عرقلة لعمل القضاء ، ويؤدي إلى تراكم الملفات امام المحكمة العقارية دون اية جدوى . والحال وان الاتجاه التشريعي يرمي إلى الحرص عى تسوية وضعية الرسوم العقارية وتخليصها من الجمود .

- جعل انابة المحامي وجوبية لدى قضاء الناحية خاصة بالنظر إلى تطور مجال نظرها في الدعوي من ثلاثة الاف دينار إلى سبعة الاف دينار ـ هذا فضلا عن ان عديد الدفوعات التي من الممكن التمسك بها تغيب عن المتقاضي وخاصة منها تلك التي لا تهم النظام العام كالاختصاص الترابي ، والتقادم...

- جعل انابة المحامي وجوبية في المادة الجزائية لما لهذه المادة من خطورة على حقوق الانسان والنظام العام وما تقتضيه من ضرورة ضمان محاكمة عادلة للمتهم تتوفر فيها كل السبل الكفيلة للدفاع عن نفسه . ولعل وجود محامي إلى جانبه يعد اهم ركيزة في ضمان ذلك.
وفي هذا الاطار نفسه ، يكون من المتحتم ايضا توسيع مجال منح التساخير لفائدة من تعوزهم الامكانيات قصد تكليف محام ليشمل مادة الجنح والمخالفات ولا يكون مقتصرا عن الجنايات.

- جعل انابة المحامي وجوبية امام الدوائر الجبائية : نلاحظ بخصوص النيابة في النزاعات الجبائية وانها كانت من بين الاهتمامات والاصلاحات التي اعلن عنها رئيس الدولة منذ 07/11/2002 . وعليه ، فانه من المتجه العمل على تكريسها خاصة وان اقرار النيابة الوجوبية للمحامي امام هذه الدوائر يتماشى مع قانون المرافعات المدنية والتجارية (الفصل 68 و69 ) هذا من جهة ، ومن أخرى ، فان المتقاضي يكون في اشد الحاجة إلى من يشد ازره في النزاع الجبائي بالنظر إلى تعقد المادة الجبائية وكثرة النصوص المتعلقة بها والتنقيحات الدائمة المدخلة عليها.

- اقرار حق المواطن بالاستعانة بمحام خلاص كامل مراحل الابحاث الاولية وامام النيابة العمومية وذلك لضمان الشرعية المطلوبة في البحث عن الادلة في المادة الجزائية حفاظا عن حقوق الاشخاص ، وصد كل التجاوزات الممكنة خاصة وان عناية المشرع متجهة لذلك الى حد وانه اعطاها مكانة دستورية باضافة فقرة جديدة للفصل 12 من الدستور تنص على خضوع الاحتفاظ للرقابة القضائية وتحجر تعريض أي كـان للاحتفاظ اوالايقاف التعسفي . والملاحظ وان حضور المحامي مع ذوي الشان في دوائر الشرطة نجده مكرسا في العديد من الانظمة القانونية المقارنة من ذلك ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون المحاماة المصري من ان حضور المحامي لدى الجهات المكلفة بجمع الاستدلالات في المادة الجزائية يعد من اعمال المحاماة – واقرار مثل هذا الاجراء يحمل في طياته الحيلولة دون حالات القبض دون وجه حق ، والحجز غير المشروع والتعسف في تنفيذ الاوامر القضائية ضد الافراد .
-جعل انابة المحامي وجوبية في مادة الاحوال الشخصية نظرا وان هذه المادة تطرح اشكالا قانونية لا تقل اهمية عن تلك التي نجدها في النزاعات التي تنظر فيها المحكمة الابتدائية وتكون فيها انابة المحامي وجوبية خاصة وان مادة الاحوال الشخصية تهتم بالاسرة الركيزة الاولى في المحتمع وتتاثر بعديد المعطيات الاخرى كالبيولوجيا والابحاث الاجتماعية مثلما هو الشان في مادة اثبات النسب واسناد الابوة وحماية الابناء وحضانتهم ... .

- تعميم وجوبية المحامي في كامل دعاوى تجاوز السلطة .

4 - المحامي والنيابة امام الادارة :


لقد مكن الفصل 2 من قانون المحاماة المحامي من نيابة الاشخاص والذوات المعنوية والدفاع عنهم امام جميع الهيئات الادارية .

لكن في الواقع العملي ، نلاحظ وان نيابة المحامي امام الادارة بقيت مهمشة وينقصها التنظيم والاحكام خاصة بالنظر إلى بعض المضض الذي يمكن ان يجابه المحامي احيانا في قبول نيابته من طرف بعض الجهات الادارية .

ولهذا ، يكون من الضروري العمل على تحسيس الادارات بحق المحامي في النيابة وحثها على التعامل معه بصورة تضمن حقوق المنظور الاداري.

ان تكريس وجوبية انابة المحامي في الميادين والنزاعات المذكورة انفا وغيرها مما هي في حاجة إلى تدخل المحامي ، لا يمكن ان نضمن له النجاح الا بفتح مجال التحاور بشانها بين الهيئة والسلط المعنية وتكوين لجان عمل مشتركة وقارة تعمل بصفة دورية ومسترسلة في الغرض حتى نحقق الدعم الكافي لتفعيل دور المحامي.



الجزء الثاني
دعائم تفعيل دور المحامي


من المعلوم لدى الجميع ان المفهوم التقليدي للخدمات القانونية يحصر دور المحامي في مجال ضيق يتمثل في الدفاع عن حقوق المتقاضيين سواء كانوا اشخاصا طبيعيين او ذواتا معنوية امام الجهات القضائية. غير ان هذا المفهوم لا ينسجم مع تطور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، اذ لا يجب ان يقتصر دور المحامي على الترافع امام القضاء قصد حماية الحق على اثر نشوب نزاع ما، وانما عليه التفتح على محيطه الخارجي واتباع اساليب عمل جديدة قادرة على مجابهة تحديات العصر الحديث (المبحث الأول). فضلا عن كل ذلك فانه على المحامي السعي إلى تقديم خدامات قانونية تتسم بالجودة والحرفية والنجاعة وهو ما يقتضي دعم الكفاءة المهنية للمحامي (المبحث الثاني).

المبحث الأول : تفتح المحامي على المحيط الخارجي للمهنة

ما من شك في ان توسيع مجال تدخل المحامي اصبح يشكل يوما بعد يوم ضرورة يحتمها تطور الواقع الاقتصادي والاجتماعي من جهة وتشعب المادة القانونية من جهة أخرى. غير انه بالاضافة إلى الوظيفة التقليدية أين يكون المحامي رجل المنازعة والمرافعة، فانه لا بد ان يضطلع المحامي بمهام أخرى "des taches extra-judiciaires " كفيلة بخلق فضاءات ومجالات تدخل ارحب واشمل يسعى من خلالها المحامي إلى التسويق لجودة الخدمات القانونية التي يسديها للحريف سواء كان شخصا طبيعيا او معنويا .

فقياسا على الدول الاوروبية فانه في اطار الحد من التاثير السلبي لتدخل المنافسين للمهنة في المجال القانوني وفي اطار تاكيد القيمة المضافة للمحامي، فإنه من واجبنا اليوم اقتحام فضاءات ومجالات مكملة للمهنة، ولها ارتباطا وثيق بطبيعة وجوهر عمل المحامي، وتساهم في الاتصال بالحريف وجعله في امس الحاجة إلى استشارة المحامي في كافة المسائل القانونية.

1- المحامي والفضاء الاعلامي:

قد يبدو للوهلة الاولى ان المحامي بعيد كل البعد عن الحقل الاعلامي بشكل عام والصحافة بشكل خاص لكن بإلقاء نظرة على وضعية المحامي في الدول الغربية، نلاحظ ان الهياكل المهنية كثيرا ما تحث المحامي إلى اقتحام مجال الصحافة خاصة المكتوبة منها وذلك بتناوله مواضيع قانونية عبر الصحف اليومية تساهم في ترويج الكفاءة المهنية للمحامي.

ولعل الغاية من اقتحام المحامي لمجال الصحافة هو تحسيس الحريف باهمية الدور الذي يلعبه المحامي في المجتمع السياسي والاقتصادي، وهو ما من شانه ان يكوّن لدى الجميع قناعة مفادها حتمية استشارة المحامي في جميع المسائل القانونية من جهة، وان يحدّ من تدخل المتطفلين والمزاحمين للمهنية في المجال القانوني من جهة أخرى.

« L’effet de retour direct vers la clientèle après la parution d’un article n’aura peut etre pas la limpidité mathématique mais l’article sera un plus pour le renforcement de l’image de l’avocat , de sa position en tant que spécialiste du sujet traité et de fidélisation de la clientèle existantequi appréciera de lire son conseil dans les colones de son gournal » (Laurent Marlière : ‘‘ Le marketing du cabinet d’avocats ’’ page 70 )

2- المحامي والانترنت:

لقد شهد العالم منذ اواخر القرن الماضي ثورة هائلة في مجال الاتصالات وخاصة في مجال الانترنت. غير ان استغلال المحامي لهذه الوسيلة الهامة من وسائل الاتصال لا يزال محتشما جدا رغم ما لهذا المجال من تاثير ايجابي على وضعه المهني والعلمي. فجل المحامين في الغرب ان لم نقل كلهم كوّنوا لانفسهم مواقع على الانترنت يعددون فيها اختصاصاتهم في المجال القانوني ، والخدمات القانونية التي يمكن لهم تقديمها للحريف. ولعل أهمية هذه الوسيلة في تطوير المهنة جعل الاتحاد الدولي للمحامين يؤكد على أن الانترنت هي جزء لا يتجزأ من آليات العمل بمكتب المحامي وذلك في ميثاق "توران" حول ممارسة المحاماة في القرن الواحد والعشرين.

وبالتالي فانه من الغرابة بمكان ان يتجاهل المحامي في تونس هذا الفضاء الرحب الذي يساهم بشكل مباشر في تعزيز قاعدة الحرفاء لديه ويمكنه من الاطلاع على القانون المقارن من خلال الدراسات الموجودة بمختلف مواقع الانترنت.

3- المحامي والفضاء الجامعي:

ان استبعاد المحامي من مجال التدريس بالجامعة التونسية ولئن اراد المشرع من خلاله حماية مهنة المحاماة الا انه يشكل عائقا امام المحامي يحول دونه واستغلال خبراته في المجال القانوني والتطبيقي بشكل خاص. اذ لا يجب ان يغيب عن اذهاننا الدور الذي تضطلع به الجامعة ومدى تاثيره على مراجعة الاحكام القانونية في كافة المجالات.

ولئن ساد الاعتقاد وان دور المحامي يجب ان يقتصر على الدفاع عن حقوق المتقاضيين امام الجهات القضائية فحسب فان هذا الاتجاه "لم يراع مصلحة القضاء الذي يستفيـد من افكـار ودراسات الاساتـذة الجامعييـن ومصلحة الجامعة التي تستفيد أيضا من اجتهـاد فقـه القضـاء وعمـل المحـاكم لاسيمـا وان المحامـاة والقضـاء وكليات القانون يتدارسون مادة واحدة وان مصلحة الوطن توجب ان يعملوا في اتجاه واحد " (احمد الجندوبي وحسين بن سليمة : "اصول المرافعات المدنية والتجارية " ص 79)."

فعلى غرار قانون المحاماة الفرنسي يكون من الاجدر مراجعة القانون التونسي في اتجاه اقرار حق المحامي في الجمع بين مهنة المحاماة والتدريس بالجامعة. فضلا عن كل ذلك، وتدعيما لهذا التمشي فانه من واجب المحامي السعي إلى اقتحام مجال البحث العلمي وذلك بارتياد الملتقيات والاجتماعات التي يقع فيها تدارس مواضيع قانونية بالاساس لمـا في ذلك من تاثير ايجابي عليه خاصة من حيث تحيين معلوماته واحتكاكه بغيره من المهنيين والاساتذة الجامعيين، كما عليه المبادرة باعداد دراسات وكتابات في المجال القانوني يقع نشرها في المجلات القانونية المختلفة.

وفي هذا الاطار يجدر التنويه بتعدد الندوات والملتقيات التي يسعى اعضاء الهيئة الوطينة للمحامين بتونس إلى تكوينها قصد الاحاطة بالمحامي وتدعيم كفاءته المهنية.

المبحث الثاني : تدعيم الكفاءة المهنية للمحامي

ما من شك في ان السعي إلى توسيع مجالات تدخل المحامي يفترض في المقابل التفكير بجدية في تدعيم الكفاءة المهنية للمحامي حتى يتمكن هذا الاخير من مجابهة النسق المرتفع في تطور المعاملات والخدمات القانونية. ذلك ان الرقي بمهنة المحاماة إلى افضل المراتب يقتضي السعي إلى تكوين المحامي تكوينا متكاملا ومعمقا في كافة المجالات القانونية .
وفي هذا الاطار اصبح من الضرورة بمكان السعي إلى انشاء معهد اعلى للمحاماة يمكن من خلاله تاطير المحامين المتمرنين وتمكينهم من تكوين اضافي يساعدهم على ممارسة المهنة باكثر حرفية ونجاعة اذ لا يخفى على الجميع ان عدد الوافدين على المهنة في تزايد مستمر. وبالتالي ، فان المحامي المتمرن لا يحضى بالرعاية الكافية والاحاطة اللازمة من قبل المشرف على التمرين والحال وان التكوين القانوني للمحامي يعد احد اهم دعائم النجاعة في الخدمات المطلوبة من المحامي . ولعل هذا التكوين لا يجب ان يقتصر على المحامي في بداية طريقه المهني بل يجب ان يكون تكوينا مستمرا طيلة مباشرته للمهنة . وفي هذا السياق نشير إلى ان من اهم توصيات لجنة وزراء الدول الاعضاء في المجلس الاوربي الصادرة في 25/10/2000 نجد تاكيدا واضعا على "اتخاذ كل التدابير اللازمة لجعل التكوين القانوني والاخلاق العالية المستوى شرطا اوليا لدخول المهنة مع السهر على التكوين المستمر للمحامين ... ويجب ان يهدف التكوين القانوني بما في ذلك برامج التكوين المستمر إلى تقوية الكفاءة المهنية وتحسين المعلومات حول مختلف المسائل وحقوق الانسان وتكوين المحامين على احترام وحماية وتدعيم حقوق ومصالح حرفائهم والمساهمة على حسن ادارة العدالة ..."

ان التكوين المستمر للمحامي حتى يتمكن من اداء خدمة قانونية ذات جودة عالية لا نجدها عند بقية مسدي الخدمات القانونية يمكن ان يتم من خلال:

1-التشجيع على المكاتب المتعددة الاختصاص: يقصد بالمكاتب المتعددة الاختصاص تجمع عدة اشخاص لهم اختصاصات متنوعة يسعون معا إلى تقديم افضل خدمة ممكنة للحريف دون المساس بمبادئ العمل الجوهرية لكل مهنة او تخصص .

فهذه المكاتب تمكن المحامي من السيطرة على التضخم الهائل للقواعد القانونية ومن المشاركة في الالمام بالمسألة المطروحة على المكتب من جميع جوانبها حتى يعطي للحريف خدمة قانونية متكاملة ومدعمة.

2- المناداة بتوفير النشريات المتضمنة لفقه القضاء ولتبويب القوانين بحسب الميادين التي تنظمها بالاضافة إلى تمكين المحامين من وسائل بحث متطورة تيسّر له الاطلاع على القرارات والاحكام القضائية كتخصيص برنامج معلوماتي يجمع فيه فقه القضاء ويوضع على ذمة المحامي بالمحاكم.

3- العمل على تقليص الاكتظاظ وكثرة الملفات بالمحاكم لما لذلك من تاثير سلبي ومباشر على جودة الدفاع الذي يروم المحامي تقديمه هذا من جهة، ومن أخرى يجعل المحامي يجابه بضعف تعليل الاحكام في القضايا التي ترافع فيها.

كل هذه الآليات وغيرها تهدف إلى دعم الكفاءة المهنية للمحامي وإكسابه أكثر حرفية مما يخول له تقديم خدمة ناجعة وسليمة وكفيلة بضمان حقوق الحرفاء رغم تشعب المادة القانونية وارتفاع نسق تطور المعاملات. وبذلك فإن هذه الجودة في تقديم الخدمة القانونية ستؤكد القيمة الثابتة والاضافية للمحامي مقارنة بالمتطفلين على المهنة، وهو ما من شأنه أن ينعكس بصفة ايجابية على وضعية المحامي الذي سيكون الحريف في أشد الحاجة إلى خدماته بعد أن تسعى الهيئة الوطنية للمحامين إلى القضاء على المنافسة غير المشروعة للمهنة.





























المراجع المعتمدة باللغة العربية


 مذكرة من مجلس الهيئة الوطنية للمحامين حول اصلاح اوضاع المحاماة الصادرة بتاريخ 02/12/2004 .
 احمد الجندوبي وحسين بن سليمة " اصول المرافعات المدنية والتجارية : التنظيم القضائي، اختصاص المحاكم، نظرية الدعوى، نظرية الخصومة المدنية، الاحكام القضائية، طرق الطعن في الاحكام، وقف تنفيذ الاحكام " .
 الاستاذ صابر الكتاري " تطور الخدمات القانونية في المؤسسة (محاولة من اجل تركيز دور المحامي في المؤسسة الاقتصادية )" محاضرة ختم التمرين في مهنة المحاماة.


المراجع المعتمدة باللغة الفرنسية

 Laurent Marlière . «le marketing du cabinet d’avocats :communication , relations publiques , publicité »,Editions d’Organisation,1999 deuxième tirage 2000.
 Albert, Philippe, « Les structures d’exercice de la nouvelle profession. comment demain un cabinet d’avocat doit-il se structurer dans la perspective de 1993 pour satisfaire à la demande de la clientèle ? » in Gazette du Palais , doctr. 1992 , n 3 pp 357-358.
 OLIVIER, Michel « Lanouvelle profession d’avocat et l’expertise judiciaire » in Gazette du Palais , doctr. 1992 , n 1 pp 132-134.
 Raymond MARTIN « AVOCAT, Généralités, Fonctions de l’avocat » J.C.P 1997,Fas 10.
 Raymond MARTIN « AVOCAT, Statut » J.C.P 1997,Fas 20.
 
الا انهم نسيوا أن لديهم كتبة تقوم بمهام تتجاوز مهمة السكرتير العادي إلى التمثيل الشخصي للمحامي وأن ما يقوم به من عمل يحمل على المحامي ذاته ولو تخللته أخطاء متعمدة أو غير متعمدة ، وكاتب المحامي في هذه الحالة يقوم بمهام وكيل للمحامي بمقتضى عقد اتفاق تتوفر فيه أركان العقد من أهلية الالتزام والإلزام والتصريح بالرضاء بقصد ما يجوز التعاقد عليه وبسبب جائز .أي أن انطباق عقود الوكالة على مهنة كتبة المحامين ترتب عليهم ما يترتب على التوكيل بين المتعاقدين وبين الوكيل والغير. وقد حاولوا هذه السنة بعث نقابة وليدة قد تحميهم عند الحاجة.
 
أعلى