• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

البابا أساء.. وعليه الاعتذار

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

walid1751

نجم المنتدى
إنضم
29 نوفمبر 2005
المشاركات
5.843
مستوى التفاعل
388
بقلم: عبدالباري عطوان

تعودنا، ونحن الذين نعيش في الغرب لاكثر من ثلاثة عقود، ان من صلب الثقافة الغربية، ان يبادر الشخص، مهما علت مرتبته، الي الاعتذار اذا ارتكب خطأ ما في حق شخص آخر، ولكن هذه القيمة الاخلاقية العالية، تتراجع، في معظم الاحيان، اذا كان الضحية عربيا او مسلما او الاثنين معا.

البابا بنديكتوس السادس عشر، الذي يمثل مرجعية دينية واخلاقية هي الاعلي شأنا ومقاما في الغرب، ارتكب خطأ فاضحا في حق عقيدة ينتمي اليها مليار ونصف المليار مسلم، من بينهم ثلاثون مليونا يعيشون في القارة الاوروبية (باستثناء تركيا)، عندما اقتبس عبارات مسيئة للرسول محمد (ص) من امبراطور بيزنطي عنصري حاقد، ينتمي الي القرون الوسطي، وربط بشكل واضح بين الارهاب والاسلام، وكان من المفترض ان يعتذر عن هذه الاساءات بشكل واضح لا لبس فيه او غموض، ولكنه لم يفعل واكتفي بالتعبير عن اسفه وحزنه علي امل تهدئة الخواطر .

البابا السابق يوحنا بولص، اعتذر لليهود علانية وبرأهم من دم المسيح، في سابقة تاريخية ودينية تجنب الكثيرون قبله مجرد الاقتراب منها، في محاولة من جانبه لتحقيق المصالحة، وردم ما يمكن ان يحول دون التعايش بين الاديان، ولكن يبدو ان البابا الجديد لا يريد مثل هذا التعايش مع المسلمين علي وجه الخصوص، ولا يعير اهتماما جديا للحوار بين الديانات واتباعها.

المسألة لا يمكن ان تكون زلة لسان ، او سهواً غير مقصود ، فالبابا ليس رجلا ساذجا لا يعرف ما يقول، فهو استاذ في علم اللاهوت، وكان يحاضر في جامعة عالمية محترمة، ويدرك جيدا خطورة كلماته، خاصة
انها جاءت واضحة ومباشرة في اساءاتها وتهجماتها علي مئات الملايين من المسلمين.

فلا بد ان البابا تابع حالة الغضب العارم التي عمت العالم الاسلامي، وأدت الي سقوط عشرات القتلي والجرحي، بسبب رسوم كارتونية تطاولت علي الرسول الكريم، وهدفت الي ربط الاسلام بالارهاب والعنف، الامر الذي يؤكد صفة التعمد في اطلاق مثل هذه التهجمات، خاصة انه لم تمر الا بضعة اشهر فقط علي كارثة الرسومات هذه.

انها صليبية فكرية تتوازي مع حملات اعلامية، وحروب عسكرية، تصب جميعها في هدف واحد، وهو احتقار الاسلام والمسلمين، والحاق اكبر قدر من الإذلال بهم، دون غيرهم من اتباع الديانات الاخري، ودون اي سبب منطقي او مقبول. حملات مقننة مدروسة بعناية، تعيد قولبة الافكار الاستعمارية التي ازدهرت في القرن التاسع عشر، وأدت في نهاية المطاف الي تقويض الامبراطورية العثمانية الاسلامية، وتقسيم العالمين العربي والاسلامي، واخضاعهما للاحتلال الغربي تحت مسميات التحديث والعصرنة.

فليس من قبيل الصدفة ان تصدر هذه المواقف عن بابا روما في الوقت الذي يتواصل فيه الاحتلال الامريكي للعراق وتتواصل نتائجه قتلا وتدميرا وتفتيتا لهذا البلد علي الصعيدين الجغرافي والديمغرافي. وليس صدفة انها تأتي في وقت يضاعف فيه حزب الناتو قواته في افغانستان، ويتحدث فيه الرئيس الامريكي جورج بوش عن الفاشية الاسلامية ويبشر بحرب جديدة ضد ايران المسلمة تحت ذريعة برنامجها النووي الوليد.

فاذا كانت اساءات البابا هذه لا تأتي في هذا الاطار، وان صاحبها اسيء فهمه، وان كلماته قد انتزعت من سياقها، فلماذا لا يعتذر بشكل صريح وواضح، ويقطع بذلك الطريق علي كل من يريد استخدام عباراته هذه من اجل خلق حالة من العداء بين المسلمين والغرب؟

ما لا يدركه الذين يقفون خلف هذه الحملات، انهم يخدمون التطرف والمتطرفين الذين يدعون العمل علي مواجهتهم ومساعدة الاسلام المعتدل في المقابل. ويؤكدون صدق نظرية زعيم تنظيم القاعدة الذي يريد ويعمل من اجل تقسيم العالم الي فسطاطين ، احدهما مسلم والآخر مسيحي غربي، واشعال فتيل المواجهة بينهما.

والاهم من هذا انهم يعملون، ودون قصد علي توحيد العالم الاسلامي، وحشده تدريجيا خلف التوجهات المتطرفة، وهي مهمة عجزت عن تحقيقها العديد من الحركات الاسلامية، المعتدلة منها وغير المعتدلة.

فقبل وصول المحافظين الجدد الي السلطة في واشنطن، وخطفهم للبيت الابيض،
وتوظيفهم لاكبر امبراطورية في العالم وادواتها العسكرية والاقتصادية في خدمة مصالحهم في الهيمنة ونشر الفوضي البناءة في العالم الاسلامي، كانت الأمة الاسلامية متفرقة، ومعظم ابنائها يتطلعون الي النموذج الغربي باعتباره نموذج التقدم والعدالة والمساواة، واصبحنا نسمع عن توجهات تعزز الانسلاخ عن هذه الأمة كليا، مثل الاردن اولا و مصر اولا ، و لبنان اولا ، و تركيا اولا ، الآن بدأت هذه الشعارات تتراجع تدريجيا، ونشاهد الأمة الاسلامية مستنفرة ، تجمعها وحدة حال و كراهية الامركة وضرورة الدفاع عن العقيدة المستهدفة.

وقد انعكست هذه التوجهات الجديدة من خلال التأييد السني الكاسح لحزب الله الشيعي بعد صمود الاخير امام العدوان الاسرائيلي علي لبنان، والتأييد المتنامي لايران في مواجهة الغرب، وبدرجة اقل لحركة طالبان التي تعيد تجميع صفوفها في افغانستان.

الاسلام يختلف كثيرا عن معظم الديانات السماوية وغير السماوية الاخري، في امر جوهري علي درجة كبيرة من الاهمية، وهو ان العقيدة الاسلامية، ومفهوم الأمة، يتقدمان علي مفهوم المواطنة والجنسية. اي ان المسلم هو مسلم اولا ثم باكستاني او هندي او مصري او بريطاني ثانيا. واذا كان هذا المفهوم قد ضعف وتراجع لعدة اسباب من بينها انتشار العلمانية في زمن المد اليساري أو الشيوعي، فان هذه الحملات التي تطل برأسها في الغرب وتستهدف الاسلام بدأت تعيده بقوة في الاعوام الاخيرة.

يظل لزاما علينا في الختام ان ندين بأقسي العبارات التعرض للكنائس مثلما حدث في مدينة نابلس، او الاعتداء علي اتباع الديانة المسيحية، مثل مقتل الراهبة المسيحية في الصومال، كرد فعل علي اساءات البابا هذه، لان الدين الاسلامي دين التسامح والتعايش واحترام عقيدة الآخر. ولنا في سيدنا عمر بن الخطاب الخليفة الثاني قدوة في عهدته العمرية الشهيرة ورفضه الصلاة داخل كنيسة القيامة في القدس حتي لا يتخذها اتباعه سنّة من بعده.

التعبير عن الغضب، والدفاع عن العقيدة، والتصدي للاساءات والمسيئين، كلها امور مشروعة، يجب ان تتم بطرق حضارية بعيدا عن القتل والحرق والانفعالات غير المسؤولة.

الحكومات الفاسدة الديكتاتورية في العالم الاسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص تتحمل الإثم الاكبر من جراء كل هذه التطاولات علي الاسلام، لانها تحولت الي ادوات مطيعة للولايات المتحدة وادارتها العنصرية الحالية، وحولت بلدانها وشعوبها الي حيطة واطية لتطاول الكبار والصغار، من البابا الي رسام كاريكاتير دنماركي جاهل حاقد، مرورا برئيس امريكي مريض في عنصريته وعدائه للاسلام والمسلمين.
 
بل أخطأ و عليه أن يتحمل نتيجة خطئه
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى