• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

الرجاء المساعدة تعريف للاديب "محمود عبد الحليم عبد الله"

gem1

عضو مميز
إنضم
16 فيفري 2008
المشاركات
706
مستوى التفاعل
147
:besmellah1::besmellah1::besmellah1:

بربي يا لولاد تعريف لمحمود عبد الحليم عبد الله الاديب المصري
مع الشكر
 
فى أحد الأيام ، منذ سنوات عديدة ، حينما أتتنى الرغبة فى الزواج ، تقدمت لخطبة الابنة الكبرى لمحمود البدوى ، لم أكن أعلم أى شىء عن هذه الأسرة سوى أن الابنة تعمل ببنك الإسكندرية ووالدها متوفى وكان أديبا كبيرا وأنها تسكن فى عمارة آسيا بميدان تريومف ، وأخبرنى زوج شقيقتى الصغرى ــ وكان له تعاملات بفرع البنك الذى تعمل فيه ــ بأنها على مستوى عال من الأدب والخلق وسيرتها فى العمل حسنة .
وذهبت إليها فى البيت ــ بميعاد سابق ــ وكنت أقدم رجلاً وأؤخر أخرى خوفا مما يخبئه لى القدر بهذه الزيجة ، وتشجعت وأقدمت على هذه الخطوة وتركت أمرى إلى الله ، إن عشت معها سعيدا فحمدًا لله ، وإن كان غير ذلك ، فهذا قدرى وعلىَّ أن أكيف أمورى على هذا الوضع إلى أن يقضى الله أمرا .
وفى أحد الأيام وكنت بحجرة مكتبى بالتليفزيون وتتصارع هذه الأفكار فى رأسى ، تصادف أن مرت الزميلة نهى إبنة الأديب الكبير يحيى حقى ، فكانت فرصة لى لأقوم بعمل تحرياتى حول عروس المستقبل ، ولكى يطمئن قلبى ، سألتها :
ــ أتعرفين الأديب محمود البدوى .
ــ طبعا أعرفه .. ده صديق أبويا .
ــ خطبت إبنته الكبرى ليلى .
ــ ألف مبروك .. إختيار موفق إن شاء الله .
وانصرفت الزميلة .. وبعد فترة قصيرة جاءت مسرعة .
وقالت .. تعالى كلم بابا .. بابا على التليفون فى مكتبى .. ودخلت مكتبها ورفعت سماعة التليفون وقلت للمتحدث .
ــ صباح الخير يا أستاذ يحيى .
ــ مبروك .. مبروك .. مبروك .. مبروك .. ألف مبروك .. حتناسب أسرة عظيمة .. محمود البدوى صديق عمرى .. دول ناس من الصعيد .. بيت كله كرم وشهامة وأخلاق .
واستمرت المكالمة بضع دقائق ، وسعدت بها ، ورقص قلبى من الفرح ، وشعرت بأنه لا يوجد أحد على الأرض ينافسنى سعادتى وهنائى ، فقد أزالت المكالمة كل ما إعترانى من هم وخوف مما يخبئه لى القدر ، واكتفيت بهذا ، ولم أتحر عن العروس بعد الكلمة الطيبة الحلوة الجميلة التى شرحت قلبى وأفرحته.
قلت فى نفسى ، لعله من المستحسن قراءة بعض أدب محمود البدوى لأجد مجالاً خصبا للحديث مع العروس وأختها وأمها وأبين لهم أنى قارئ وأفهم فى الأدب وفى مستواهم الفكرى .
وذهبت أبحث فى المكتبات عن مؤلفات لمحمود البدوى فوجدت فى الأسواق كتابين عن الأعمال الكاملة صدرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1986 ، ويشمل كل واحد منهما على ثلاث مجموعات قصصية ، وحملت الكتابين إلى البيت ، وجلست أتصفح ما كتب فيهما .
وقعت عيناى على أول قصة وكانت بعنوان "الذئاب الجائعة" والتهمت سطورها الأولى ، وتوقفت عن القراءة واشتدت دقات قلبى .. كان يقول "خرجنا فى الهزيع الأخير من الليل ، نزحف نحو المزرعة ، كالذئاب الجائعة ، ومع أننا كنا مسلحين بأحسن طراز من البنادق فقد كنا نتجنب الحراس ونراوغ كالثعالب " وغاص قلبى بين ضلوعى ، فالبين أنه يحكى ذكرياته مع رجال الليل ، ولكنى تحاملت وتابعت وأكملت القراءة ، فوجدته يقول " وكنا قد درنا حول المزرعة فى الليالى السابقة وعرفنا كل شىء فيها ، ورأينا خير ما نفعله لنتقى كلابها ، هو أن نرسل واحدًا منا يناوش كلاب مزرعة مجاورة ، فتخرج إليها كلاب المزرعة التى نقصدها ، وفى تلك الساعة نتقدم نحو الحظيرة ونخرج بالغنم إلى بطن الوادى" تعجبت فإن التخطيط للسرقة بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب لا يتأتى إلا من عتاة المجرمين " شيخ منسر " وفكرت فى لحظتها أن أخلع من هذه الزيجة وأنفد بجلدى وأهرب بأى طريقة، ولكن .. كيف الوصول إلى هذا السبيل ، وقد تورطت وأعطيت كلمة ، وقلبت الكتاب ، فكانت القصة التالية بعنوان "ساعات الهول" يقول فيها "فتحت عينى فى ثقل شديد ، وحركت ساقى ، حركت فخذى الأيمن ، وتحسست بيدى موضع الجرح ، يا لله !.. لم يكن هناك جرح ولا قدم ولا ساق ، لقد ذهب ذلك كله فى غير رجعة " توقفت وتأملت ، ففى هذه القصة قطعت ساقه ، وإندهشت ، وعادت ذاكرتى إلى منزل العروس ، ففى مسكنها رأيت صورة لوالدها وهو يسير فى أحد شوارع القاهرة بلا عصا وبدون عكاز ، وكتب عليها يوم من أيام البدوى عام 1982 وتوحى الصورة للناظر إليها أنه غير مصاب بأى عاهة وهو فى هذه السن الكبيرة .


%D9%8A%D9%88%D9%85+%D9%85%D9%86+%D8%A3%D9%8A%D8%A7%D9%85+%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%89.jpg
 
ثمة مقولة شائعة أخذت تتردد بعد حرب أكتوبر حول الإبداع الروائي وعلاقته بحرب أكتوبر ، وهي مقولة تصاغ بأكثر من عبارة ، غير أنها في النهاية تخلص إلي أن الرواية والقصة القصيرة لم يكونا علي مستوى الحدث الكبير ـ حرب أكتوبر ـ وأن ما انتج من أعمال لا يرقى إلي مستوى الفن الحقيقي ، وعند ذلك تقام مقارنة ظالمة بين هذه الأعمال والأعمال الكبرى في الآداب الأجنبية كـ " الحرب والسلام " لتولستوي و " وداعاً للسلاح " لهمنجواي و " والدون الهادئ " لشولوخوف و" الأمل " لمارلو و" أفول القمر " لشتاينبك وغيرها .
وهكذا علي حد زعم هذه المقولة لم تخرج لنا حرب أكتوبر روائييها الكبار كتولستوي وهمنجواي الذين يمكن أن يعبروا تعبيراً فنياً وإنسانياً كبيراً عن هذه الحرب .
والواقع أن جزءاً من هذه المقولة حقيقة ولكن الصورة ليست قاتمة إلي هذه الدرجة ، لقد جاءت بعض الأعمال علي مستوى الحدث الكبير أي حرب أكتوبر التي أعدها أول انتصار حقيقي للعرب بعد أربع هزائم متوالية ، غير أن ثمة ملابسات وأسباب كانت وراء عدم استغلال الحرب الاستغلال الذي تستحقه في الأعمال الروائية ، أذكر علي رأسها :
(1) أن كبار كتابنا كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس لم يكتبوا عن هذه الحرب سوى ردود أفعال وقتية ظهرت في صورة مقالات قصيرة ، وبهذه المناسبة كان توفيق الحكيم صاحب مصطلح " عبرنا الهزيمة " الذي استغله الفنانون من المطربين والممثلين استغلالاً جيداً .
(2) أن معظم من كتبوا عن حرب أكتوبر كان الجيل الجديد في الكتابة ، أقول معظم لأن الكتاب المتحققين في الساحة الأدبية كجمال الغيطاني والقعيد كتبوا فلم يعطهم النقاد اهتماماً كبيراً ولم يوجهوهم التوجيه الصحيح .
(3) أن النقد الموجه لهذه الأعمال كان نقداً تشجيعياً في الغالب فلم يستفيد الكاتب منه .
(4) تدخل المؤسسة الرسمية بدعمها لهذه الأعمال عبر تقديم جوائز ونشر هذه العمال في سلسلة " أدب الحرب " ، إن تدخل المؤسسة الرسمية أو الحكومية جعل الكتابة عن أكتوبر كتابة مناسبات ، تعلن مسابقة في القصة القصيرة مثلا ،موضوعها حرب أكتوبر وشروطها كذا وكذا ، وكلكم يعلم ما يحدث في هذه المسابقات من مجاملات ومصالح ومنافع وغيرها من أشياء تعلمونها أكثر مني ، لذلك لا داع لذكرها هنا ، لكن المحصلة كتابة هزيلة .
(5) أخيراً اللغط الذي أثير حول حرب أكتوبر نفسها ، وقد كثُر هذا اللغط بعد معاهدة السلام مع إسرائيل ، فقيل أن الحرب أجهضت وأن النصر منقوص ، لكل هذا التبس علي المبدعين العرب والمصريين تقويم ما حدث في أكتوبر ، ومن ثم أحجموا عن الكتابة ، لهذا سيلاحظ أن ما كتب عن حرب أكتوبر في السنوات العشر الأولى بعدها أكثر بكثير مما كتب في السنوات العشرين الأخيرة ، ونحن الآن بعد ثلاثين عاماً من الحرب نجد أيضاً أن معظم الأعمال كتب في السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
المفارقة أن ما كتب من مذكرات عن حرب أكتوبر ، وقبل ذلك ما كتبه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فاق أحياناً في مستواه الفني أعمالاً روائية وقصصية لكتاب معروفين ، ولا يعني قولي هذا أنني أردد ما قيل حول ضعف الأعمال الروائية عن حرب أكتوبر ، فثمة أعمال نقف أمامها احتراماً وتقديراً وستبقى علامة في الأدب العربي ، ومع ذلك ما زلنا ننتظر أعمالاً أخرى علي مستوى هذا الحدث الكبير تهزنا من الأعماق وتبرز الجوانب الإنسانية والقيم الإنسانية الكبرى والبطولات الصادقة عند المواطن العربي ، لعله يفيق من جديد ، ليمارس حياته بصورة أفضل .
إن الرواية هي أكبر الفنون الأدبية عمقاً واتساعاً ، لأن معمارها الفني الكبير يشمل أساليب التعبير الشعرية والقصصية والدرامية ويتعداها لتصوير المجتمعات والجموع واستيعاب الأزمنة والتنبؤ باتجاهات المستقبل والتعجيل بها ، لهذا خلدت الرواية العالمية نضال الشعوب والجماعات والأفراد في الحروب الكبرى وحروب التحرير الإنسانية ، فهل فعلت الرواية العربية ذلك فيما يخص حرب أكتوبر وتصويرها ذلك التصوير الفني الخالد ؟ ، إن الإجابة علي هذا السؤال لم تحسم بعد ، نعم ثمة أعمال جيدة ومعبرة مثل " الرفاعي " لجمال الغيطاني ، و" الحرب في بر مصر " ليوسف القعيد و" نوبة رجوع " لمحمود الورداني و " أنشودة الأيام الآتية " لمحمد عبد الله الهادي و" السمان يهاجر شرقاً " للسيد نجم ، ومن الكتاب العرب " المرصد " لحنا مينا و" رفقة السلاح والقدر " لمبارك ربيع وغيرها ، لكن هل جاء هذا العمل الذي يمكن أن نعده علامة في الرواية العربية ، لا أقول كالحرب والسلام لتولستوي ، ولكن علي الأقل في مستوى عودة الروح لتوفيق الحكيم والثلاثية لنجيب محفوظ، من أسف لم يأت بعد ، وربما كان موجوداً ذلك العمل لأحد شباب الكتاب أو لأحد كتاب الأقاليم الذين لا يعرف عنهم النقاد الكبار شيئاً ، إنني من هذا المكان أدعو كتابنا المبدعين الحقيقيين أن يكتبوا دون أية حسابات والتاريخ كفيل بفرز الأعمال الجيدة فكما أن هناك مبدعون حقيقيون وصادقون ، هناك أيضاً نقاد حقيقيون يكتبون في صدق ونزاهة فلا يخشى المبدع شيئاً ، المهم أن يكتب .
إن حرب أكتوبر لهي من أعظم الحروب العربية الحديثة تحقيقاً لقدرات الإنسان العربي في اقتحام حصون العدوان وتحديه وقهره ، لهذا تستحق أن يكتب عنها ، ولا يشترط أن أكون مشاركاً في هذه الحرب لكي أكتب عنها ، فالجيل الجديد الذي لم يشاهد هذه الحرب وربما لم يتأثر بها بشكل مباشر من حقه أيضاً أن يكتب عن هذه الحرب ، بل نود أن يكتب لنقرأ وجهة نظر أخرى في الحرب ، ولعلي أشير هنا إلي أمر خطير في مفهوم أدب الحرب ، إذ يظن البعض أنه لن يكتب عن حرب أكتوبر بصدق وعمق إلاَّ من شارك في هذه الحرب وهي مقولة خاطئة لعل السبب في شيوعها أن معظم من كتبوا عن هذه الحرب ( أكتوبر ) وقبل ذلك حرب الاستنزاف ( السنوات الست قبل أكتوبر ) كانوا من المشاركين في الأحداث ، فقاموا بأعمال بطولية في الحرب وربما غير ذلك ـ الله أعلم ـ ولكنهم علي الأقل شاهدوا ومارسوا الحرب بشكل عملي وربما يجرنا ذلك إلي الحديث عن السمة الفنية في هذه الأعمال ، ألا وهي الاعتماد علي طابع التسجيل الوثائقي للأحداث ، وهي ثمة فنية إذا لم تستغل استغلالاً جيداً ، تنحدر بمستوى العمل إلي الطابع التقريري ، حتى أنه ليفقد العمل الفني أدبيته أي خصائصه الفنية التي تميزه كعمل فني روائي .
أشرت منذ قليل إلي بعض الأعمال الروائية التي اتخذت من حرب أكتوبر موضوعاً لها ، وهي كلها أعمال مشهورة وكتب عنها العديد من المقالات وسيكون من الإطالة تكرار ما قيل عنها هنا .
لذلك انتهز هذه الفرصة وأحدثكم عن عمل جديد ربما لم يعرفه أحد من نقادنا ، وبالتالي لم يكتب عنه شيئاً من قبل ، العمل الذي أود أن أحدثكم عنه اليوم هو رواية " أنشودة الأيام الآتية "(1) للروائي " محمد عبد الله الهادي ".
كتب " محمد عبد الله الهادي " رواية " أنشودة الأيام الآتية " عام 1988 كما تشير الأحداث الداخلية في العمل ، إلي جانب ما كتبه مقدم الرواية من أن هذه الرواية هي الفائزة بالمركز الثالث مناصفة في مسابقة د . سعاد الصباح للعام 1989 ، ولم تكن المسابقة مخصصة لأدب أكتوبر ، لقد تقدم الروائي بعمله بوصفه عملاً فنياً روائياً إنسانياً بقطع النظر عن موضوع الرواية .
لا أعرف إذا كانت هذه الرواية هي الولى لمحمد عبد الله الهادي أم لا ؟ ، لكن بدا لي أنها تحمل بعض إرهاصات البدايات خاصة في الأخطاء اللغوية أو التقنيات الفنية ، هل أبدأ بالحديث عن سلبيات العمل ؟ ، الواقع أنها سلبيات لا تستحق الذكر ، فمعظمها يرجع إلي العجلة أو أخطاء الطباعة وتقنية النشر ، لذلك أقترح علي المؤلف أن يعيد نشر هذا العمل في طباعة جيدة تليق بمستواه الفني المتميز .
يقسم المؤلف روايته إلي أثنى عشر فصلاً ، يأخذ كل فصل عنواناً يشير في الغالب إلي مضمونه ، والفصول لا تخضع للترتيب الزمني للأحداث ، لكنها تخضع للتداعي الذهني للراوي ، وهو راوٍ مشارك في الأحداث ، ولكنه يقوم بدور الراوي العليم واسع المعرفة ، المستبد والمسيطر علي كل شيْ وهذا حقه .
فيبدأ الفصل الأول " ربَّ صدفة " ثم بين قوسين كبيرين ( عندما التقى الأستاذ عبد الهادي بفتحي النجار الابن في فناء المدرسة ) وينتهي الفصل الأخير والرواية به أيضاً ( الأستاذ عبد الهادي يزور جزيرة مطاوع مع فتحي الابن ) .
لا يأخذنا الراوي عبر الفصول الأثني عشر إلي جبهة القتال إلاَّ في الفصل الثامن ( الميلاد ) وهو أقصر الفصول ، يقع في أربع صفحات ونصف وقد وضع له عنواناً ذكياً هو الميلاد ، فعبورنا هو الميلاد واستشهاد فتحي النجار الأب ميلاد أيضاً ففي الوقت الذي استشهد فيه كانت زوجته فوزية قد أنجبت بديلاً له أسمته فتحي على اسم أبيه
" ركضت الشمس بعد الثانية من ظهر السادس من أكتوبر .. العاشر من رمضان مع أسراب طائرات تعبر .. مدافع تدوي .. حصون تدك .. أسرى .. انتصارات .. عبرنا مع الأفواج الأولى .. قبلنا تراب سيناء .. " ربما كان الاقتباس الذي أتيت به هنا تقريرياً ، نعم ، إن الكاتب هنا وهو ما يميز عمله لا يكتب عن أثر هذه الحرب ، إنه يكتب بعد خمس عشرة عاماً من الحرب بعد استشهاد فتحي النجار صديقه الحميم . يكتب الروائي / الراوي عندما يرى طالباً في فناء المدرسة يشبه تماماً صديقه الحميم الذي استشهد في الحرب ، فيتقدم منه سائلاً :
ـ ما هو اسمك ؟ .
ـ أنا يا أستاذ .
ـ نعم .
ـ فتحي .
ـ بالكامل .
ـ فتحي إبراهيم النجار من جزيرة مطاوع .
ـ جزيرة مطاوع .. ابن فتحي النجار .. أمك فوزية ؟ .
ـ نعم .. كيف عرفت يا أستاذ ؟ . ص19 .
أمَّا كيف عرف الأستاذ ؟ ، فأحداث الرواية عبر الفصول التالية هي التي تجيبنا من خلال ذاكرة قوية للراوي أو المؤلف لا فرق ، يحدثنا فيها عن هؤلاء الذين صنعوا نصر أكتوبر ، إنهم فقراء هذه الأرض وملحها ، فيأخذنا إلي شخصيات تفترش الرمل والتلال وتتظلل بشجر التوت في جزيرة مطاوع ، شخصيات من صعيد مصر كيوسف الصعيدي ، ومن القاهرة كان الدكتور عزّت الحاصل علي الدكتوراه في الهندسة الإنشائية ويحلم بمستقبل كبير لمصر يرى فيه الشوارع منظمة تحيط بها الأشجار من الجانبين ، والراوي نفسه المعلم الذي يقدس مهنته فيرفض العمل مع المعلم أبو الفتوح صهره ، ولنلاحظ دلالة الاسم ، إذ هو أحد رجال الانفتاح الاقتصادي الذين استفادوا - بانتهازية -من حرب أكتوبر ، يرفض المعلم عبد الهادي العمل في هذا المجال ، رافضاً الثراء السريع والانتقال من خانة الفقر إلي خانة الغنى والترف .
إن مثل هؤلاء الشخصيات جديرة بتحقيق النصر علي العدو المغرور ، كفيلة ببناء مصر من جديد ، وتوفير مستقبل آمن لها ، ولعل المؤلف كان واعياً لهذه الفكرة المحورية في الرواية ، لذلك كان الإهداء في مقدمة الرواية :
" إلي الأمة ..
قطرة من بحر النضال ..
الناس والأرض .. "
وقد فرض هذا المحتوى للرواية علي الكاتب أسلوبه الفني ، فقد اهتم المؤلف بذكر التفاصيل الصغيرة والدقيقة للشخصيات والمكان ، فهو في طريقه إلي جزيرة مطاوع لا يكاد يترك شيئاً دون أن يصفه ، فالوصف في هذا العمل يعد أبرز التقنيات الأسلوبية المهيمنة في الرواية ، ومع الاهتمام بالوصف ودقته لا تأخذنا الرواية كما أشرت إلي جبهة القتال بقدر ما تأخذنا إلى دواخل الشخصيات التي صنعت النصر في هذه الجبهة الداخلية المدنية ، كشخصية أحمد أبو عيسى المسحراتي الذي فقد ابنه في حرب 67 ، وإبراهيم النجار الأب لفتحي الذي استشهد في حرب 73 ، ومحمد خفير الآثار حامي كنوز مصر وحضارتها في جزيرة مطاوع ، وأخيراً الأستاذ عبد الهادي وقصة حبه الجميلة لزميلته سناء ابنة المعلم أبو الفتوح المقاول الكبير ، وسناء نفسها تعد نموذجاً للمرأة المصرية الواعية ، فهي رغم ثرائها انحازت إلي قيم النصر والمروءة ، انحازت إلي الأستاذ عبد الهادي وتزوجته رغم أنف أبيها ، وفوزية زوجة فتحي وإن جاء دورها محدوداً فهي أيضاً نموذجاً للمرأة الريفية الجميلة ، إنها رمز للنقاء والصفاء .
لقد كون الروائي محمد عبد الله الهادي من هذه الشخوص الجميلة جبهة داخلية تعادل المقاتلين في جبهة القتال ، بل تتضافر معهم ليكون ذلك الإنسان المصري النبيل الذي حقق نصر أكتوبر فأعاد للعرب والمصريين كرامتهم المهدرة قبل أكتوبر 1973 .
وبعد فهذه قراءة أولى لأنشودة الأيام الآتية ، وهي حق أنشودة جميلة ارتفعت بالواقع إلي أفق الرومانسية ، ومع ذلك يظل واقعاً وتاريخاً حقيقياً يستحق أن تنشده الأجيال القادمة .
تحية للكاتب وتحية للعمل الجميل .
ـــــــــــــــــ
21 / 10 / 2003 م .
(1) أنشودة الأيام الآتية ـ رواية ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة أولى 1990 ، طبعة ثانية مكتبة الأسرة " كتابات شابة " 1996
 
مشكور ياغالي لكني اريد تعريفا


مشكووووور
 
أعلى