المستشرقة الألمانية شيمّل: مرجعٌ غربي للجاهلين بدين الله

ابن الجنوب

عضو مميز بالمنتدى العام
إنضم
11 جوان 2007
المشاركات
2.174
مستوى التفاعل
1.505
المستشرقة الألمانية شيمّل: مرجعٌ غربي للجاهلين بدين الله

images


بقيت المستشرقة الألمانية الراحلة أنا ماري شيمّل إلى اليوم ظاهرة فريدة في تقربها من الإسلام وعشقها له، بطريقة فاقت أقرانها من المستشرقين الغربيين الذين درسوا الإسلام من وجهة أكاديمية بحتة. فهذه المستشرقة "الغارقة" في بحار دين الله قدمت نموذجاً مختلفاً في هذا المجال.
ولدت آنا ماري شيمّل في مدينة إرفورت في المانيا، في 7/4/1922 وبدأت تعلّم اللغة العربية في الخامسة عشرة من عمرها. وشيمّل، التي عانت من آلام في العظام لفترة غير قصيرة من غير أن تمس إبداعها الفكري، أنهت الدراسة الثانوية في السابعة عشرة، وبدأت دراستها الجامعية في مدينة برلين في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وحصلت على درجة الدكتوراه في الاستشراق في التاسعة عشرة من عمرها.
ولكي تكون في صلب الواقع الإسلامي، زارت شيمّل عدداً كبيراً من البلدان العربية والإسلامية، منها الهند، اليمن وتركيا، حيث عملت فيها أستاذة في العلوم الإسلامية واللغة العربية. وحلت في الولايات المتحدة وألقت في جامعاتها محاضرات، وكانت بناظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة إحدى طالباتها في جامعة هارفارد الأميركية.
شيمّل أخبرت ذات مرة أحد أصدقائها أن بوسعها "كتابة ثلاثين صفحة بالآلة الكاتبة يومياً، بل وأكثر من ذلك، إذا اقتضى الأمر".
اهتمامات ومؤلفات
شغفت الألمانية شيمّل بالأشعار الشرقية والعربية، وخاصة الشعر الصوفي الذي ألفت عنه كتباً عدة وترجمت قصائد منه إلى عدد من اللغات، ترجمة دقيقة. ومن المرجح انها قرأت في حياتها مئات الآلاف من ابيات الشعر، ونقلت مجموعة ضخمة من الأشعار الشرقية الى اللغتين الإنكليزية والألمانية. وجذب شيمّل الشعر الفارسي وأبقته في دائرة دراساتها الشعرية.
ولعل أكثر ما يميّز مستشرقة ألمانيا أنها ابتعدت عما يسمى بـ"الترويج الدعائي"، بل كانت أقرب إلى الذوبان في الإسلام لتعريف الغرب بما لا يعرفه عنه، حتى يصحّ وصفها بعميدة الاستشراق الغربي والألماني في القرن العشرين.
والجدية والاهتمام باللغة العربية وبالعلوم الإسلامية، وأيضاً امتلاكها خلفية اللغة الألمانية وهي لغة غير سهلة للتعلم، ساعدت تلك كلها "أنا" لامتلاك خلفية متينة في العربية أتاحت لها ترجمة مؤلفات وأشعار تَصعُب أحياناً على أصحاب اللغة الأم.
وكذلك ألفت أنا شيمّل حوالى مئة كتاب، وفي طليعتها كتاب "محمد رسول الله"، الذي ظهر بالألمانية سنة 1981 ثم بالإنكليزية سنة 1985.
وبدا اهتمامها بالتصوف والشعر الصوفي جلياً بتأليفها كتاب "أبعاد التصوف الإسلامي" نشر سنة 1974 باللغة الإنكليزية. ومن كتبها، "الشمس الظافرة" (1978) عن جلال الدين الرومي، "النجم والزهرة - عالم المجازات في الشعر الفارسي" (1984).
وأثارت الحروف العربية التي كان الشعر في العالم الإسلامي يُكتب بها اهتمام أنا شيمّل. ففي سنة 1970 ظهر كتيبها "فن الخط الإسلامي"، ضمن سلسلة "دور الرسوم في الأديان". ولم تُغفل دراسة أسرار الأعداد والأسماء وتفسير الأحلام في الإسلام.
مميزات وجوائز
طافت شيمل بعلومها واستشراقها جامعات عدة في تركيا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا والهند، ونالت عدداً من الأوسمة التكريمية لمؤلفاتها وعطاءاتها. وعالجت الفهم الغربي السيّئ لدور المرأة في بعض الدول العربية، مبتغية بذلك محو التشويه الذي تعرضت له صورة المرأة في هذه البلدان.
وجوائز المستشرقة الألمانية أتت من جامعات مختلفة ودول مثل مصر والأردن وتركيا وباكستان والكويت والنمسا والسويد والولايات المتحدة، وحازت جائزة "مجلس السلام" في ألمانيا.
وهي، أي شيمّل، نالت أيضاً الكثير من الجوائز وأوسمة التكريم لعل أهمها جائزة (فريدريش ركارت) الألمانية سنة 1965.
لكن في عام 1995 طلبت أجهزة الإعلام الألماني من رئيس ألمانيا عدم تسليمها جائزة السلام، التي كان اتحاد ناشري ألمانيا قد قرر منحها لها في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. وذريعة الإعلام الألماني كانت ما قالته شيمّل في مقابلة تلفزيونية، عندما انتقدت بشدة "إهانة أمة بكاملها" عبر سلمان رشدي وكتابه "آيات شيطانية".
"الحب المحمدي".. وأقوال
لم تسلم أنا شيمّل من الانتقادات لحبها النبي محمداً (ص)، وردت على النقد بتجديد حبها له (ص)، قائلة بحزم: "إنني أحبه". وأعجبها "ما يتميز به المسلمون من صفاء في الروح وسموِّ في العاطفة".
ومن جملة ما قالته عن الإسلام والشرق، "لقد جذبني عالم الشرق منذ كنت طفلة، بدأت أتعلم اللغة العربية وعمري خمسة عشر عاماً، وسأظل أحب العالم العربي والإسلامي حتى وفاتي".
ووصفت المستشرقة منهجها في الدراسة والبحث قائلة "إن طريقي ليس هو طريق التصريحات والبيانات، ولا هو طريق الإثارات والزوابع. إنني أؤمن أن الماء الصافي سوف ينتصر بحركته الدؤوبة على مر الزمن وعلى صمّ الحجر".
وفي خضم ذلك، لا يمكن المرور على تاريخ وتراث مثل هذه المستشرقة الكبيرة من دون التطرق إلى بقاء الجهل بالإسلام وتعمّد تسخيفه من قبل بعض الأنظمة الغربية. وآخر تجلياتها نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص) في صحف دانماركية ونرويجية وغيرها. وفي الفترة الأخيرة ظهر في هولندا فيلم يسيء إلى النبي محمد (ص) وزوجاته الكريمات.
والسؤال هو، لماذا لا تلجأ الدول الأوروبية التي تظهر فيها هذه الإساءات للدين الإسلامي، إلى تعريف عَلَمٍ من أعلام نخبة البيت الأوروبي وهو "أنا ماري شيمّل"، من أجل فهم حرية التعبير على حقيقتها، وتحقيق أقل قدر ممكن من النقد الذاتي؟


منقول
 
أعلى