سؤال الزكاة و الضرائب هام جدا رجاءًا .. نقاش فقهي

woodi

كبار الشخصيات
إنضم
27 نوفمبر 2007
المشاركات
7.609
مستوى التفاعل
29.461
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،

طرح علي سؤال أرقني و حيرني و رأيت فيه رأيا و لكني مازلت أحترز أن أصرح به .. و لهذا آثرت أن أطرحه عليكم و خاصة إخوتي مشرفي المنتدى limem2007, s.sabry , bayern, levieux و الأخ أبو سجدة abu sajda (و ما ينفعنا به معلم ، جعله الله في ميزان حسناته) و الأخ أحمد القروي rafaiel و إبن الهيثم بارك الله فيهما و في كل من رأى في نفسه القدرة على الإجابة و لكني خصصت تلك الأسماء لعلمي بما تكتنزه من معرفة و لا أزكيم على الله ..

الموضوع هو إحتساب الضرائب و تحديدا الأداء البلدي المتوجب على الإنسان من جملة الزكاة ..
الزكاة كما تعلمون مصارفها معلومة و قد توسع العلماء في باب "و في سبيل الله" و أنكر البعض الآخر هذا التوسع و حددوه بالجهاد ..
و الضرائب و تحديدا الأداء البلدي الذي يذهب مباشرة لخلاص أعوان البلدية (أجورهم تخصم من ميزانية البلدية ) هو ضريبة يفرضها الحاكم على الناس و توسع الإمام الجويني في الحديث عنها و في جوازها بشروط ..

ما قيل لي في السؤال هو الآتي : تونس اليوم تعيش حالة إقتصادية صعبة و خاصة البلديات ، و عدم دفع الناس للأداء البلدي يجعلها تعاني من نقص فادح ما يوجب تدخل وزارة الإشراف بهبات و إعانات تقتطع من الميزانية العامة للدولة و بالتالي تضعف جهد التنمية العامة و تلزم الدولة بالإقتراض و تأخير مشاريع التنمية بالمناطق المحرومة ..
الزكاة كمفهوم يوجد و لكن تأثير المباشر على المجتمع ضعيف لعدم تنظيمه و تشتته ..
و قد إحتج السائل بأن مناعة دولة الاسلام هي من مقاصد الشريعة كي لا تخضع لغيرها و هذه الفتوى ستساعد البلديات في تعبئة مواردها مما يجعلها تقوم بواجباتها و تصرف الفائض ( و هذا ممكن) في مشاريع تنموية و خيرية و في إعانة الجمعيات و المعوزين .. يعني فيما فيه مناعة البلاد و هذا ما ينقص الكاهل على الميزانية العامة للدولة و ينقص بالتالي التبعية للخارج ..

المشكل طبعا أن الناس لا تريد دفع الزكاة و الضرائب معا ، و تتهرب من الأداء البلدي بما أنه لا صبغة دينية فيه و لا تعرف مصاريف الزكاة ..

فسادتي الكرام :
هل يجوز أن تعتبر الضرائب جزءًا من الزكاة و تحستب من قيمتها من باب أن هذا في سبيل الله و في الصالح العام ؟ و هل يمكن إعتبار هذا الظرف الدقيق للبلاد و المقصد العام للشريعة للجوء لهذه "الفتوى الظرفية" و هل يمكن إعتبار قاعدة : أقل الضررين لتحصيل منفعة ؟

و بارك الله فيكم أجمعين
 
شكرا لك على طرح هذا الموضوع الهام جدا للنقاش.
قبل الحديث في الموضوع لا بد من توضيح بعض المسائل الهامة.
هل نحن الآن نعيش في ظل دولة إسلامية تطبق شرع الله في جميع مناح الحياة أو على الأقل في ما أمكنها من مناح الحياة وبالتالي نفصل الحديث في النظام الضريبي الإسلامي الذي هو جزء من النظام الإقتصادي الإسلامي المتكامل ... أم أننا نعيش في ظل دولة علمانية نظامها ليبرالي رأسمالي ؟؟؟
بما أننا نعيش في ظل دولة علمانية لا علاقة لها بالنظام الإسلامي من قريب أو بعيد فما الفائدة في طرح موضوع النظام الضريبي الإسلامي أو بعض جزئياته في هذا الوضع. هل جعلت الأحكام الشرعية لترقيع النظام الرأسمالي الفاسد الظالم المتهالك ؟؟؟ عن اي زكاة نتحدث وهل يدفع المسلم زكاته لدولة علمانية ؟؟؟ علما وأنه من أهم مصارف الزكاة كما ذكرت هو الصرف على الجهاد في سبيل الله. فهل هذه الدولة العلمانية سوف تقوم بالجهاد مثلا ؟؟؟
إذا لا بد ان يطرح الموضوع بشكل صحيح من ناحيتين: الناحية الأولى ماذا يفعل المسلم في ظل دولة علمانية. والثاني ما هو النظام الضريبي الإسلامي وكيف يطبق على الواقع الحالي وكيف يعالج مشاكل الناس.
هناك سؤال مهم طرحه الأخ وهو لماذا يعزف الناس عن دفع الضرائب؟
والجواب حسب رأيي أن الناس يدفعون الضرائب للدولة بقدر ما يشاهدونه من رعايتها لشؤونهم. وبما ان الناس يرون ويلمسون بان أموالهم لا تذهب لرعاية شؤونهم وأنها تذهب في صفقات عمومية فاسدة لصالح مجموعة معينة فكيف يراد منهم الإندفاع لدفع الضرائب المستحقة عليهم. فالاداء البلدي مثلا لا يصرف فقط على اجور عملة البلدية بل يصرف ايضا على كل المشاريع الأخرى المتعلقة بالبنى الاساسية والخدمات البلدية. فاين هي تلك الخدمات على مدى عشرات السنين بالمقارنة مع ما دفع من ضرائب. والجميع يشاهد الرشاوي والمحسوبية في إعطاء صفقات المشاريع البلدية.
فالحل العملي الصحيح بالنسبة للاداء البلدي هو انتخاب الناس لمجموعة تمثلهم حقيقة وتكون قريبة منهم ومن اهتماماتهم وتطلعاتهم وتشركهم في اتخاذ القرارات وتحسسهم كونها تسعى بجد لرعاية شؤونهم. حينئذ سوف يبدا الناس بدفع الضريبة البلدية.
النقطة الاخرى التي يجب لفت النظر إليها هي أن أكبر المتهربين من دفع الضرائب هم الأغنياء وليس الفقراء ومتوسطو الحال. لذلك يجب عدم حل مشكل دفع الضرائب بإثقال كاهل الفئة المتوسطة والفقيرة تحت اي دعوى مدنية وخاصة دينية.
المسلم الذي يعيش في ظل دولة علمانية يجب عليه التقيد بقوانينها بما لا يخالف شرع الله. وبالتالي يجب عليه دفع الضرائب والمكوس التي تحددها ولكن لا يجب عليه دفع الزكاة التي هي عبادة شرعية لتلك الدولة.
نأتي الآن للنظام الضريبي الإسلامي الذي هو جزء من النظام الإقتصادي الإسلامي. والنظام الإسلامي نظام متكامل تتكامل جزئياته وتعالج مشاكل الحياة. فالنظر إليه نظرة تجزيئية كأحكام متنافرة هي نظرة خاطئة ولا تحقق المقصود الشرعي ولا الثمرة الواقعية. المشكل أن الكثير من الناس لا يتصورون ذلك النظام ولا تطبيقه ككل متكامل. مما يدفعهم لطرح بعض الأحكام الشرعية كترقيع للنظام الراسمالي.
النظام الإقتصادي الإسلامي يختلف في أسسه مع النظام الليبرالي الراسمالي. وبالتالي فإن الموارد المالية للدولة مختلفة بين هذا وذاك. فبينما تمثل الضرائب والمكوس موردا اساسيا في الدولة الراسمالية. فإنها لا تعتبر كذلك في الدولة الإسلامية. فالإسلام قد حدد ضرائب شرعية مثل الزكاة والخراج والعشر. وقد حرم يشكل جازم للدولة ان تأخذ مكوسا غيرها وسماها مظلمة من المظالم الكبيرة بل وجعل إثمها اكبر من الزنى كما جاء في حديث الزانية التي رجمت في عهد رسول الله حيث قال رسول الله بانها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له.
أما المورد الاساسي للدولة الإسلامية الذي تصرف منه على رعاية شؤون الناس وتوفير الحد الأدنى من الخدمات العامة لهم من مأكل وملبس ومسكن وصحة وتعليم فهو أموال الملكية العامة التي حددها الشرع في حديثي ( المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار ) وحديث الماء العد ( عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ ، " أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْطِعُهُ الْمَلْحَ فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ إِنَّمَا الْمَاءَ الْعَدَّ فَرَجَّعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ ) وبينها في غيرها من الأحاديث. فالنظام الراسمالي يملك تلك الموارد العامة ملكية فردية لبعض الناس تستاثرون بها ويثرون بسببها الثراء الفاحش. وذلك من باب حرية الملكية. اما في الإسلام فإنها ملكية عامة ( الطاقة والمعادن ) والدولة دورها هو الإشراف عليها والصرف من مواردها على رعاية شؤون الناس ومنها ما يتعلق بالخدمات البلدية من توفير البنية الأساسية وصيانتها ورفع الفضلات. فلا حاجة لنا للمكوس المسماة الأداء البلدي وهي مظلمة من مظالم النظام الرأسمالي يجب رفعها عن كاهل الناس تماما مثل المكوس المسماة ضريبة الدخل وضريبة الإستهلاك TVA. ولا حاجة لنا لتطويع نظام الزكاة للصرف على تلك الاشياء فالزكاة مورد مالي محدد ويصرف منه على مصارف محددة شرعا. وكذلك الأمر بالنسبة للملكية العامة.
أما حين ننظر للنظام الإسلامي نظرة تجزيئية وتكون الدولة مطبقة للنظام الرأسمالي الذي يعطي حرية الملكية ولا يقر بالملكية العامة الشرعية ولكنه يسمح بإضافة ضريبة جديدة تحت مسمى الزكاة فإننا نضطر حينئذ لنقحم كل الموارد وكل المصارف تحت ذلك البند وذلك المسمى.
قبل أن ندعو الناس لدفع زكاة اموالهم وهو امر واجب شرعا لا لبس فيه ... فلندع أولا إلى رفع المظالم الشنيعة التي ترهق كاهلهم وهي المكوس سواء المكوس على الدخل أو الإستهلاك أو المكوس البلدية التي يسلطها عليهم النظام الرأسمالي. أما أن نسوغ له إحداث ضريبة جديدة تحت دعوى دينية يسمونها "زكاة" تدفع للدولة العلمانية تصرف منها على الشان العام فهو حسب رأيي مخالف للشرع الإسلامي إضافة لكونه خطأ على مستوى معالجة الواقع.
 
قد لا ارقى الى مستوى الاخوة الذين ذكرت و قد اصبت في ذكرهم و لكني سادلي براي
اعتقد ان لا جواز في ذلك
بل اعتقده تلاعبا بالفرض
كمن يقول اقتطع من صلاة فرض لاصيب نافلة
او جزءا من الحج لاصيب امرا اخر من عمرة او تجارة
 
الضرائب ممنوعة شرعا ولا يمكن أن يُخصم مقدارها من الزكاة بحال أولا لأن هذه الضرائب ليست من مصارف الزكاة الثمانية وثانيا لأن الضرائب ممنوعة وهن من الأموال التي يقتطعها السلطان ظلما وعدوانا.

فموارد الدولة قد حددها الشارع فلا مجال لجبر ما خلفته معصية الابتعاد عن شرع الله بمعصية الضرائب و لعله معلوم قول فقهائنا في الضرائب وفي التعامل معها إذا فرضت.

 
السلام عليكم

مصارف الضرائب أحيانا لا تكون في صالح المواطن بل تكون وبالا عليه.
طيب لو سلمنا جدلا أنها من الزكاة "مع أنها كم أسلف الإخوة لا تذهب الى مصارف الزكاة التي حددها الشرع" الفقير الذي لم يبلغ النصاب كيف يدفع الضريبة؟؟
 
أوافق أخي ابن الهيثم في كون الضرائب لا تُعوّض الزّكاة،
وأخالفه في إطلاقه القول بأنّها ممنوعة شرعا،
نعم، هي ممنوعة إن كانت مكسا، وذلك في حال أن يأخذها وليّ الأمر دون مقابل من خدمة للرعيّة تكافئ قيمتها،
أمّا إن أخذ ضرائب ، وأعطى رعيّته مقابلها خدمات كالأمن والتعليم المجاني وتعبيد الطرقات ، فليست من المكوس، وليست ممنوعة، والله أعلم​
 
وأخالفه في إطلاقه القول بأنّها ممنوعة شرعا،
نعم، هي ممنوعة إن كانت مكسا، وذلك في حال أن يأخذها وليّ الأمر دون مقابل من خدمة للرعيّة تكافئ قيمتها،
لا يا أخي ما هذا بتعريف الضريبة
المكس يؤخذ على التجار والباعة بمقابل توفير سوق التجارة وتنظيمه و حمايته وتنظيفه من الأوساخ ومع كل هذا يبقى اسمه مكس أو ضريبة وهما منهي عنهما.

أمّا إن أخذ ضرائب ، وأعطى رعيّته مقابلها خدمات كالأمن والتعليم المجاني وتعبيد الطرقات ، فليست من المكوس، وليست ممنوعة، والله أعلم
هذه الخدمات مطالب بتوفيرها إلا التعليم وقد فعل ذلك الخلفاء الراشدون بلا ضرائب ولا مكوس , وأما من أراد أن يتعلم فعليه أن يدفع القيمة الحقيقة تحت غطاء التعليم وليس تحت غطاء الضريبة.

فالضريبة ممنوعة وليست بحال من موارد الدولة المشروعة
 
إبن الهيثـــم;1042839416 قال:


فالضريبة ممنوعة وليست بحال من موارد الدولة المشروعة

:satelite::satelite::satelite:

وموارد الدولة الاسلامية المطبقة للنظام الاقتصادي الاسلامي كافية والحمد لله لرعاية كل الشؤون العامة وتوفير الحد الادنى من العيش الكريم للجميع. اما النظام الاقتصادي الرأسمالي العفن المتهالك والذي يصور نفسه على انه الواقع الوحيد الممكن فيعطي ثروة الامة احتكارا لبعض الافراد يثرون بفضلها الثراء الفاحش فيستاثر 1 بالمائة بـ99 بالمائة من الثروة.
 
سُئِل أبو عبد المعز محمد علي الفركوس حفظه الله ما نصُّهُ:
"إلى الشيخ الفاضل، إنّي تحصلت على شهادة في الجباية ( الضرائب ) وأنا أريد أن أوجه لك بعض الأسئلة على حكم العمل في مصالح الضرائب.
السؤال الأول: هل يجوز لي العمل في مصالح الضرائب وهل يعتبر حلالا شرعا؟
السؤال الثاني: هل يجوز فرض الضرائب إلى جانب الزكاة في الدولة الإسلامية ؟
السؤال الثالث: إذا كان العمل جائزا في هذه المصالح كيف يمكن تفسير أو تأويل حديث ذم المكس والمكاسين والعشارين ؟
أرجو أن تشفي غليلي في هذه المسألة وجزاك الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
فأجاب حفظه الله:
"الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فينبغي -قبل الشروع في الإجابة- التفريق بين نوعين من الضرائب التي يسمّيها بعض الفقهاء من المالكية بـ " الوظائف " أو بـ " الخراج " وسمّاها بعض الأحناف بـ "النوائب" أي نيابة الفرد عن السلطان وعند بعض الحنابلة بـ: " الكلف السلطانية ".
- ضرائب مأخوذة بحق على سبيل العدل وبشرطها.
- ضرائب تؤخذ على سبيل الظلم والتعدي.
فالضرائب التي يفرضها الحاكم المسلم لضرورة قاضية أو لسدّ حاجة داعية أو لدرء خطر داهم أو متوقع، ومصدر الخزينة العامة للدولة لا يفي بالحاجيات ولا تغطيها بالنفقات، فإنّ العلماء أفتوا بتجويز فرضها على الأغنياء عملا بالمصالح المرسلة وتأسيسا لقاعدة: " تفويت أدنى المصلحتين تحصيلا لأعلاهما " وقاعدة: " يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام " وبه قال أبو حامد الغزالي في " المستصفى " والشاطبي في " الاعتصام " حيث نصّ على أنّه إذا خلا بيت المال وزادت حاجة الجند فللإمام أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا لهم في الحال، ولا يخفى أنّ الجهاد بالمال مفروض على المسلمين وهو واجب آخر غير فريضة الزكاة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الُمؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلئَِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[الحجرات 15] وقوله تعالى: ﴿انفِرُوا خفافا ًوَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ﴾[التوبة 41] وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلقُوا بِأَيِْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[البقرة 195]وقوله عزّ وجلّ:﴿تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولهِ ِوَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ﴾[الصف 11]، فيكون من حق أولي أمر المسلمين أن يحددوا نصيب كلّ فرد قادر على عبء الجهاد بالمال على ما قرره صاحب "غياث الأمم " ورجح النووي وغيره من أئمة الشافعية أنّه يلزم أغنياء المسلمين إعانتهم من غير مال الزكاة، ويدخل ضمن ما ذكرنا سائر المرافق العامة العائدة على أفراد المجتمع كافة سواء كانت مصلحة الجماعة وتأمينها عسكريا أو اقتصاديا تحتاج إلى مال لتحقيقها ولم تكفهم الزكاة بل حتى إذا كانت الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته تتطلب ذلك إذ أنّ تحقيقها حتم لازم على ساسة المسلمين ، وفرض الزكاة لا يفي بما هو لازم وإنّما يتمّ الواجب بفرض مال ضريبة غير الزكاة، فيقرر الوجوب عندئذ بناء على قاعدة: " ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب " .
ثمّ إنّ الفرد يغنم من تلك المرافق العامة التي هيأتها الدولة المسلمة لمصلحته وفائدته ، فإنّه عليه بالمقابل أن يدفع ما هو داخل في التزامه عملا بمبدأ: " الغرم بالغنم " .
غير أنّ هذا التشريع مقيّد بجملة من الشروط منها:
1_ خلو بيت المال وحاجة الدولة إليه حقيقية وانعدام الموارد المالية الأخرى لها.
2_ وجوب إنفاقها في مصالح الأمة على سبيل العدل.
3_ التماس مشورة أهل الرأي ورجال الشورى في تقدير حاجات الدولة العاجلة إلى المال ، ومدى كفاية الموارد عن عجزها، مع مراقبة جمعها وتوزيعها بالصورة المطلوبة شرعا.
هذا النوع من الضرائب الذي يقسم بالعدل والقسط بحق قد أقره فقهاء المذاهب الأربعة تحت تسميات مختلفة كما يؤيد ذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء خلافته أنّه كان يفرض على تجار أهل الحرب العشر، ويأخذ من تجار أهل الذمّة نصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر.
أمّا النوع الثاني من الضرائب المجحفة والجائرة فليست سوى مصادرة لجزء من المال يؤخذ من أصحابه قسرا وجبرا وكرها من غير طيب نفس منهم، مخالفين في ذلك المبدأ الشرعي العام في الأموال وهو أنّ الأصل فيها التحريم استنادا إلى نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفس منه"(١) وقوله عليه الصلاة والسلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد"(٢) وقوله :" ألا إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... "(٣) الحديث .
وعليه فإنّ ما ورد ثابتا أو غير ثابت من أحاديث ذمّ المكاس والعشار واقترانها بالوعيد الشديد إنّما هي محمولة على الجبايات والضرائب الجائرة والقاسطة التي تؤخذ بغير حق وتنفق في غير حق ومن غير توجيه، بمعنى أنّ الموظف العامل على جبايتها يستخدمه الملوك والحكام وأتباعهم لقضاء مصالحهم وشهواتهم على حساب فقراء ومظلومي مجتمعاتهم من شعوبهم، وضمن هذا المنظور والمحتوى يقول الذهبي في الكبائر: "المكاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم، فإنّه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق".
هذا هو حال التعامل الذي ساد العالم عند ظهور الإسلام ولا تزال هذه الضرائب المجحفة تفرضها الحكومات اليوم على أوساط الناس وفقرائهم من مجتمعاتهم وبالخصوص الشعوب الإسلامية، وتُرَدُّ على الرؤساء والأقوياء والأغنياء، وتصرف غالبا في شهواتهم وملذاتهم المتمثلة في البروتوكولات الرسمية في استقبال الزائرين من ملوك ورؤساء، وفي ولائمهم ومهرجاناتهم التي يأخذ فيها الفجور والخمور وإظهار الخصور نصيب الأسد فضلا عن أنواع الموسيقى وألوان الرقص والدعايات الباطلة وغيرها من شتى المجالات الأخرى المعلومة والمشاهدة عيانا باهضة التكاليف المالية فكانت هذه الضريبة فعلا - كما عبّر عنها بعض أهل العلم- بأنّها: تؤخذ من فقرائهم وتردّ على أغنيائهم، خلافا لمعنى الزكاة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "تؤخذ من أغنيائهم و ترد على فقرائهم"(٤).
وبناء على ما تقدم فإنّه يجب على المسلم الحريص على دينه أن يتجنب المحرمات والمعاصي وأن يبتعد عن كلّ عمل يلوثه بالآثام والذنوب وينجس أمواله ويقذرها، كما ينبغي عليه أن لا يكون آلة ظلم ووسيلة قهر يستخدمه الظلمة سوط عذاب لإرهاق النّاس بالتكاليف المالية بل قد يكون من الظلمة أنفسهم لأنّه غالبا ما يشارك الظالمين ظلمهم ويقاسمهم الأموال المحرمة، على أنّ الشرع إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه قال عليه الصلاة والسلام: "قاتل الله اليهود إنّ الله عزّ وجلّ لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه"(٥).
أمّا فرض الضرائب إلى جانب الزكاة إذا لم يوجد المورد لسدّ هذه الحاجة إلاّ بالضرائب فيجوز أخذها بل يجب أخذها عند خلو بيت المال وإنفاقها في حقها وتوزيع أعبائها بالعدل والمساواة على ما تقدم في الضرائب العادلة وما تأيّد به من فعل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
هذا ما بدا لي في هذه المسألة فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي، والله نسأل أن يسدد خطانا ويبعدنا من الزلل ويوفقنا لما فيه خير الدنيا والآخرة، ويجعلنا عونا في إصلاح العباد والبلاد إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين؛ وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في : 12 جمادى الأول 1417هـ.الموافق لـ : 26 سبتمبـر 1996م."
المصدر
------------------
١- أخرجه الدارقطني (300 ) وأحمد (5/72) وأبو يعلى والبيهقي (6/100)، والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/279) رقم (1459)، وفي صحيح الجامع (7539)
٢- رواه البخاري كتاب المظالم، باب من قاتل دون ماله، ومسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق.. والترمذي كتاب الديات باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، والنسائي: كتاب تحريم الدم باب من قتل دون ماله، وأحمد (2/348) رقم (6486) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وأبو داود كتاب السنة باب في قتال اللصوص وابن ماجه: كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.

٣- رواه البخاري كتاب العلم باب قول النبي ربّ مبلغ أوعى من سامع ومسلم كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال عن ابي بكرة والترمذي كتاب الفتن باب ما جاء في دماءكم وأموالكم عليكم حرام وابن ماجه كتاب المناسك باب الخطبة يوم النحر وأحمد(5/443) رقم (18487) واللفظ له من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه.

٤- رواه البخاري كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ومسلم كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام وأبو داود كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة والترمذي كتاب الزكاة باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة والنسائي كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة وابن ماجه كتاب الزكاة باب فرض الزكاة وأحمد (1/386) رقم (2072) من حديث ابن عباس .
٥- رواه البخاري كتاب البيوع باب بيع الميتة والأصنام ومسلم كتاب المساقاة باب تحريم الخمر والميتة والخنزير والأصنام وأبو داود كتاب الإجارة باب في ثمن الخمر والميتة والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام,والنسائي كتاب الفرع والعتيرة باب النهي عن الانتفاع بشحوم الميتة وابن ماجه كتاب التجارات باب ما لا يحل بيعه وأحمد (4/270) رقم (14063) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
 
أعلى