الملكية الفكرية ...حق ضائع على الإنترن


تمثل حماية حقوق الملكية الفكرية والبيانات المتداولة على الإنترنت، صداعا مزمنا في رؤوس الدول والحكومات، عقب الثورة التكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم، ولرأب الصدع سارعت المزيد من الدول بسن القوانين الرادعة لحماية هذه البيانات من السطو الإلكتروني، بينما اكتفت دول أخرى بغرس القيم النبيلة التي تلعب دورا كبيرا في منع المتطفلين من التدخل في خصوصيات الآخرين. ومع تزايد التقنيات الحديثة وتطورها المستمر، زادت المخاطر على الخصوصية، حيث كثرت الابداعات والاختراعات، وزادت المؤلفات والوثائق،







وأصبح الوصول إليها سيئا سهلا في ظل التطور التكنولوجي الرهيب، وصارت هذه المحاولات تمثل تهديدا مباشرا وجديدا على الحياة الخاصة والحريات الفردية، لا سيما إذا استغلت لأغراض مختلفة بدون رضا أصحابها الذين قد لا يكونون أصلا على علم بوجودها.

وقد ناقش المؤتمر في إحدى جلساته هذه المشكلة الخطيرة، وشارك فيها مجموعة من الخبراء والأكادميين المتخصصين في هذا المجال، لطرح تجارب بعض الدول في سن قوانين لمعالجة الخصوصية وحماية الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت ومحاولة الاستفادة منها وتطبيقها.

من جانبه، أكد عبد الرحمن ألطاف عضو الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الانترنت و المعلوماتية أن قضية حماية الملكية الفكرية لمصنف الرقمى تعتبر من أهم التحديات التي تواجهها التشريعات فى الوقت الحاضر و التي تتطلب إيجاد حلول لها قابلة للتنفيذ، أهمها إصدار تشريعات جديدة لحماية المصنفات الرقمية, ثم التنسيق بين المهتمين لتعزيز المكانة الثقافية

وعن موقف مصر في هذا الشأن، أعتبر الطاف أن المشرع المصري تبنى في قانون الملكية الفكرية الجديد رقم 82 لسنة 2002 من حيث المبدأ المفاهيم و المعايير الدولية الكفيلة بحماية حق المؤلف و الحقوق المجاورة في ظل التقدم التقني وفي المحيط الرقمي، حيث عرف النسخ بأنه : " استحداث صورة أو أكثر مطابقة للأصل من مصنف أو تسجيل صوتي بأية طريقة أو في أي شكل بما في ذلك التخزين الإلكتروني الدائم أو الوقتي للمصنف أو للتسجيل الصوتي .

واعتبر ألطاف أن المشرع المصري قد حسم المشكلات التي تتعلق بمدى اعتبار التخزين على الدعامات الإلكترونية من قبيل النسخ من عدمه, كما حسم الأمر بالنسبة إلى المدى الزمني المتعلق بالتخزين الوقتي للمصنف الإلكتروني أو التسجيل الصوتي و معطيا ذات الحكم للمصنفات محل حق المؤلف و للأداء و التسجيل الصوتي محل الحقوق المجاورة لحق المؤلف .


وقد رسخ المشرع المصري هذا المفهوم في النصوص التي تنبأ من خلالها بالحالات التي يمكن أن يكون المحيط الرقمي والتقنيات الحديثة سببا في تراجع الحماية عن الحقوق محل الحماية القانونية, وفي هذه النصوص واجه المشرع المصري بتقرير الحماية لحق المؤلف و للحقوق المجاورة .

وأشار الطاف – الذي يعمل رئيس محكمة- إلى أن نص المادة 147 ورد صريحا في تحقيق الحماية للمصنفات و تقرير كافة الحقوق المقررة عليها في المحيط التقليدى، وذلك أيضا في الحالات التي يتم التعامل عليها أو تثبيتها أو تخزينها أو نسخها أو إتاحتها في المحيط الإلكتروني أو الرقمي .

وأضاف أن المشرع المصري كرس تلك الحماية لأنظمة حماية حق المؤلف و الحقوق المجاورة و لزم إدارة هذه الحماية حينما ورد نص المادة 181 متضمنا نصوصا عقابية تجرم الاعتداء على نظم إدارة الحماية و على وسائل هذه الحماية التقنية، حيث يعاقب من يقوم ببيع أو نشر أو تأجير مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي أو محتوى رقمي عبر أجهزة الحاسب الآلى أو شبكة الإنترنت دون إذن مسبق من المؤلف، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر و بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه و لا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .

527773.jpg

الملكية الفكرية حق ضائع


ونصح ألطاف الشركات والأشخاص بضرورة اتباع أساليب للحماية التقنية الالكترونية كالتشفير و كلمات المرور و غيرها بهدف منع جرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للمصنف الرقمى، وحث على ضرورة تفعيل دور شرطة حماية المصنفات لردع الجناة .

من جهة أخرى، أكد الدكتور فؤاد جمال عبد القادر الأمين العام لمركز دراسات الملكية الفكرية المصري أن مصر حرصت مصر على الإسراع بالانضمام الى الاتفاقات والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الملكية الفكرية، اقتناعاً منها بأهمية حقوق الملكية الفكرية فى حفز الإبداع والابتكار، فقد انضمت مصر الى العديد من الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن من ، معاهدة باريس لحماية حقوق الملكية الصناعية لعام 1883، ومعاهدة برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية لعام ، ومعاهدة واشنطن بشأن الملكية الفكرية فيما يختص بالدوائر المتكاملة لعام 1989، وغيرها .

وأضاف جمال – الذي يرأس البرنامج القومى لدعم الإصلاح التشريعى بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء - أن مصر انضمت مؤخرا لاتفاقية جوانب التجارة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية trips الملحقة باتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية، وهى الاتفاقية التى تلزم أعضائها بتطبيق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية والمعاملة الوطنية، وبالتالى اصبح لكل أجنبى الحق فى أن يعامل فى مصر معاملة الوطنى بغض النظر عن معاملة دولته لرعاياها، كذلك اصبح من حق أى دولة عضو من الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية الاستفادة من أى مزايا تحصل عليها أى دولة من مصر وفى المقابل يتمتع رعايا مصر والدولة المصرية بذات الحقوق فى مواجهة الدول الأعضاء فى المنظمة .

وأشار إلى أن التشريع المصرى لم يكن غائبا عن الساحة أو عن متابعة الاهتمام بهذا الموضوع، فقد كان القضاء المصرى الأهلى والمختلط، يحمى حقوق المؤلف استنادا إلى مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة اللتين يلتزم القاضى بإعمالهما فى حالة عدم وجود نص تشريعى .

وبموجب هذه القوانين جرى تعويض المؤلف الذى تنتهك حقوقه، على أساس من قواعد المسئولية التقصيرية وأعمل نصوص قانون العقوبات دون انتظار لصدور تشريع خاص بتنظيم الملكية الأدبية والفنية، وحماية حقوق مؤلفي برامج الحاسات الآلية .

تجربة عمانية رائدة

من جهة أخرى تحدث الدكتور حسين بن سعيد الجافري عضو مجلس إدارة الاتحاد العربي للتحكيم الإلكتروني عن تجربة سلطنة عمان الرائدة في إنشاء مشروع قانون للمعاملات الإلكترونية في عمان وذلك لتحويل سلطنة عُمان إلى مجتمع معرفي، عن طريق تفعيل تقنيات المعلومات والإتصال وتعزيز الخدمات الحكومية وإثراء قطاع الأعمال و تمكين الأفراد من التعامل الرقمي، ولزيادة الثقة لدى المواطنين والشركات التجارية في المعاملات الإلكترونية.

وأضاف الجافري أن القانون الجديد يعتبر أول تشريع عماني لتنظيم التعاملات الالكترونية، وذلك ليعالج العديد من القضايا الأساسية مثل صلاحيات المعاملات الإلكترونية، وحماية البيانات، والاعتماد القانوني للتواقيع الإلكترونية، الاعتراف والقيمة الاثباتية لبيانات الرسائل، وصلاحية الدفع الالكتروني، المسائل القانونية وإصدار الرسائل الإلكترونية، وحماية الخصوصية والأمن ، ومواجهة بعض الجرائم المعلوماتية سيما تلك التي من الممكن أن تقع قي نطاق التعاملات الإلكترونية.

480602.jpg





ويمكن من خلال هذا التشريع استخدام الوسائل الإلكترونية في تحرير وتبادل وحفظ المستندات، بما يحفظ حقوق المتعاملين ويضمن مصداقية وقانونية المعاملات الإلكترونية في آن واحد، إذ أنه وحتى الآن لا توجد أي حجة للكتابة الإلكترونية وللتوقيع الإلكتروني في الإثبات أمام القضاء.

وقد استغرق العمل في إعداد هذا المشروع حوالي ثلاث سنوات، بمشاركة العديد من الجهات والوحدات الحكومية بالتنسيق مع مؤسسة قانونية متخصصة وقد تم وضع المشروع، بعد دراسة ومقارنة لأهم التجارب العالمية التي شملت قوانين التجارة الإلكترونية والتوقيعات الإلكترونية الصادرة من الأمم المتحدة ، والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وايرلندا وماليزيا وتونس، وقرارات الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول المتقدمة والنامية.

وعن أهم ملامح القانون العماني الجديد، أكد الجافري أن هذا القانون يضفى حجية الإثبات القانونية للكتابة الإلكترونية وللتوقيع الإلكتروني في نطاق المعاملات المدنية والإدارية، ليكون لهما نفس الحجة القانونية في الإثبات للكتابة العادية وللتوقيع العادي، حيث يمكن إنشاء ما يسمى بالمحرر الإلكتروني وتعريفه وإعطاؤه نفس مفهوم المحرر الكتابي سواء من جواز اعتباره محرراً الكترونياً عرفياً أو محرراً إلكترونياً رسمياً .

ويحرص القانون على إلزام الجهات التي ستقدم خدمات التصديق الإلكتروني أو الخدمات المتعلقة بالتوقيعات الإلكترونية بالحصول على التراخيص اللازمة لهذا النشاط من هيئة تقنية المعلومات بصفتها الجهة المختصة ، وبما يضمن توافر الثقة والرقابة اللازمة لصحة وسلامة المعاملات الإلكترونية.

وأبرز مميزات هذا القانون أنه يتعامل مع بعض الجرائم المعلوماتية التي من الممكن أن تقع في مجال المعاملات الإلكترونية ، وذلك تحقيقاً لمبدأ الردع العام والخاص في هذا المجال، وبقصد دعم الثقة فى التعامل الرقمي واستخدام تكنولوجيا المعلومات وتشجيع التعامل بها دون تخوف من أي فعل إجرامي قد يكون من شأنه حصوله هدم التعامل الإلكتروني بصفة عامة
 
أعلى