• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

كان يا ما كان ... السياحة

حسين بوستة

نجم المنتدى
إنضم
25 ماي 2011
المشاركات
3.640
مستوى التفاعل
7.943
بسم الله الرحمان الرحيم
لطالما ارتبطت في أذهاننا صورة السائح الأجنبي بذاك الرجل الأشقر الابيض البشرة الدائم الابتسام حتى يبدو كأنه غباء طفولي ، ينظر الى كل شيء يتوقف أحيانا لأخذ بعض الصور الفوتوغرافية يُسلّم على الأطفال الصغار و عندما يلتفون حوله مرددين " بونجور مسيو دون موا لارجون" يوزّع عليهم ما تيسّر من الدوروات و العشرينات و يتلطّف مع كبار السن يبدي إعجابه بلباسهم التقليدي المحلي ، تراه يتجوّل في الطرقات النائية و في الأزقة المظلمة و على الشطئان الخالية وربما ينام تحت زيتونة أو تحمله كريطة إلى النزل المتواضع في تلك البقعة النائية من ساحل البحر...
ثم تكاثر العمران و تناسلت النزل و تنوّعت نجومها و خدماتها و تغيّر مزاج أصحابها و طغت لغة المصالح و انحدرت القيم و الأخلاق و تضاعفت البنايات الفندقية و اختلطت جنسيات السوّاح و أصبحت البلاد نزلا عملاقا و جميع الناس عمّال فيه أو نزلاء فتراجعت الخدمات و اشتكى السوّاح و ملّ المواطن من السياحة و أصحابها و لم تتوقف عجلة التنمية السياحية ...
جاء الربيع العربي و انتفضت الشعوب على حكّامها المستبدين فهرب السائح خوفا على حياته و بقي أخرون عسى أن تشملهم بركة البوعزيزي و رفاقه و لكن ظهر الارهابيون و قتلوا و فجروا و فر من بقي من السوّاح و سكنت الأصوات في ربوع الفنادق و الشطئان و أصبحت النزل خاوية على عروشها ...
انتقلت عدوى الثورة إلى المشرق و تكلّمت الأسلحة النارية بأنواعها و ساد التقتيل و التهجير و عمّ الخراب بلدانا و مناطق سياحية أخرى فهرب مرتادوها من السوّاح و ولّوا وجوههم صوب وجهات سياحية أخرى ...
ذهبوا إلى افريقيا و لم يلبثوا أن فرّوا منها مذعورين بسبب إيبولا بعد أن تعوّدوا على الملاريا و أخوانها...
رجعوا إلى بلدانهم لفترة زمنية فلاحقهم الإرهاب و قتلهم و قتل أبناءهم و لم يستحي نساءهم و توعّدهم أبناؤهم المتحوّلين حديثا إلى آلات قتل صنعتها داعش ...
قصدوا أمريكا الجنوبية لعلهم يأمنون على أنفسهم من الإرهاب و الكوارث فطلع لهم غول إسمه 'زيكا" قضّ مضاجعهم و غادروا مكانهم لا يلوون على أحد...
اختاروا بعض البلدان البعيدة عن الحروب و الامراض و الكوارث و كل ما يُمكن ان يُنغّص عليهم عيشهم و استمتعوا بأسابيع معدودة لم يمسّهم نصب و لا مخمصة و لا أرق و لا ذلة...
عادوا إلى بيوتهم و إلى أعمالهم و لمّا فتحوا اليوتوب و أمثالها شاهدوا أنفسهم في فيديوهات مختلفة تروي للعالم زياراتهم و سكراتهم و خلواتهم في غرفهم المغلقة صوّرتها دون إذنهم آلاف الكاميرات المنتشرة في كل مكان مروا منه.

tourist.gif
 
أعلى