• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

“الشاشية” التونسية… تعاني من ويلات الإرهاب أيضا

greenpeace

نجم المنتدى
إنضم
16 أوت 2014
المشاركات
3.409
مستوى التفاعل
5.575
132.jpg
“الشاشية” أو هذا الطربوش الصوفي الأحمر الذي لا تعرف سر صناعته إلا تونس، يمر في السنوات الأخيرة بصعوبات على مستوى التسويق المحلي والتصدير، خصوصا عقب تنامي التهديدات الإرهابية في بلدان غرب إفريقيا، والتي تعتبر أبرز زبائن المنتج التونسي.

ووجدت “الشاشية”، القادمة أصلا قبل قرون من بلاد الأندلس، موطأ قدم في تونس على يد المورسكيين (مسلمو الأندلس) الذين أجبرهم الأسبان على مغادرة البلاد بعد سقوط الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر، لكن جذورها تعود إلى منطقة القوقاز، والشيشان على وجه التحديد، والتي اتّخذت منها تسميتها، إلا أنّ روايات أخرى تقول إن بعض السلاطين العثمانيين ساهموا في انتشار “الشاشية” في ربوع السلطنة العثمانية وفي إفريقيا وآسيا لتصبح رمزا يتباهى به الأعيان.

وتحظى “الشاشية” بشعبية بارزة في العديد من بلدان غرب إفريقيا، سيّما في نيجيريا والنيجر، وفي مقدمتهم قادتهم السياسيين. فالقبعة التونسية التقليدية التي يطلق عليها “دارا” في لغة الهاوسا (اللغة المحلية الأكثر انتشارا في النيجر)، تعدّ رمزا للسلطة والنفوذ.

مصطفى زبيرو، أحد مستوردي “الشاشية” التونسية إلتقته الأناضول في السوق الكبيرة بالعاصمة النيجرية نيامي، قال معقّبا عن الموضوع، إنّ “الرئيس النيجري الحالي محمدو يوسوفو يضع الشاشية القادمة من تونس، علاوة على الرئيسين السابقين مامادو تاندجا وماهامان عثمان، واللذان لبسا “الشاشية” ولايزالان يفعلان ذلك إلى اليوم، والأمر سيّان بالنسبة للعديد من قادة الأحزاب السياسية في البلاد”.

رواج كبير كانت تلقاه “الشاشية” التونسية، قبل أن يتراجع إشعاعها الإقليمي تحت وطأة التهديدات الإرهابية التي ألقت بثقلها على منطقة غرب إفريقيا، جراء الهجمات المتكرّرة لـ “بوكو حرام”، وتداعيات التدهو الأمني الناجم عنها على الاقتصاد وسوق “الشاشية” على وجه الخصوص، ما تسبب في انخفاض صادرات الطربوش التونسي نحو بلدان القارة السمراء، بحسب عدد من الحرفيين التونسيين للأناضول.

وبحسب أحدث إحصائيات ديوان الصناعات التقليدية التونسية الصادرة في 2014، فإنّ قيمة صادرات الشاشية ناهزت الـ 617 ألف دينار تونسي (نحو 300 ألف دولار)، مسجلة بذلك تراجعا قدره 42.34 % مقارنة بعام 2013. انخفاض يعود إلى تأزم الوضع الأمني في ليبيا، والتي كانت أهم نقطة عبور للشاشية نحو بلدان غرب إفريقيا، وخصوصا حو كلّ من النيجر ونيجيريا، وفق المصدر نفسه.

حافظ بالعايش، حرفي تونسي يدير ورشة ورثها عن والده في سوق “الشواشين” الواقع في مدينة تونس العتيقة بقلب العاصمة، قال إن السوق المحلية تعاني من حالة ركود منذ سنوات (مردّه تراجع إقبال التونسيين على وضع الشاشية)، إلا أن تصدير المنتج إلى إفريقيا هو ما كان يمكّن بعض الحرفيين المتمسّكين بحرفة الأجداد من الاستمرار، مضيفا في حديث للأناضول، إنّ الوضع الراهن في هذه البلدان التي تعيش على وقع تهديدات “بوكو حرام” المسلحة، يجعل من تصدير الشاشية في الوقت الراهن أمرا شبه مستحيل..

تراجع قيمة العملات الإفريقية المحلية مقابل الدولار، إضافة إلى المخاطر المرتبطة بنقل الأموال، وعدم استقرار هذه الأسواق على خلفية الهجمات الإرهابية، تعدّ من العوامل الرئيسية لركود الصادرات، بحسب عائدة العباسي، الحرفية الوحيدة التي ورثت صناعة الشاشية عن والدها (حرفة يمتهنها الرجال بشكل حصري)، بعد أن تحصلت على تفويض من مجلس العشرة (لجنة متخصصة تتكون من قدماء الناشطين في هذا المجال وتسند التراخيص).

عائدة أضافت أن نيجيريا التي تعاني من تأثيرات تهديد “بوكو حرام” ليست الوحيدة التي تستورد الشاشية ولكن أيضا ليبيا المجاورة لتونس، والتي تعتبر أكبر مستورد للمنتج التقليدي، غير أنّ الأزمة التي تشهدها الأخيرة تجعل من أي تبادل تجاري بين البلدين شبه مستحيل وتكتنفه مخاطر عالية.

وضع يضاعف من مشاكل القطاع الذي يعاني، منذ سنوات، من نقص على مستوى التنظيم، ومن تخلي جيل الشباب عن مهنة الأجداد.. جملة من العوامل كان لا بدّ وأن تفقد سوق “الشواشين” بسببها بريقها المعتاد في الماضي، حيث أضحت حرفة صناعة الشاشية تقتصر على عدد قليل من الأشخاص ممن يحدوهم الإصرار على مقاومة الضغوطات، بحسب عائدة.

وبخصوص أصول الطربوش التونسي، أوضح المؤرخ التونسي عبد الستار عمامو، أن الشاشية كانت جزءا من الزي الشعبي قبل عام 1830 عندما قام السلطان العثماني محمود الثاني بجملة من الإصلاحات العسكرية، أهمها حل الجيش الانكشاري وتأسيس جيش عصري مستوحى من النموذج الأوروبي، ما استوجب تغيير اللباس العسكري ليصبح الطربوش أبرز عناصره، ومنذ ذلك الوقت بات رمزا للرقي والرفعة.

زي الجيش الجديد المستوحى من النموذج الأوروبي، يتابع المؤرخ التونسي في حديث للأناضول، لم يكن ليتماشى مع العمامة التقليدية التي كانت تلف رؤوس الجنود في ذلك الزمن، فكان أن اختار السلطان “الشاشية” والتي انتشرت بين سكان المناطق التي تخضع لحكم الإمبراطورية العثمانية، على غرار ألبانيا وليبيا ومالي واليونان والسنغال. ومنذ ذلك الوقت، أضحت الشاشية التونسية رمزا للرفعة الاجتماعية، واكسسوارا ترتديه الشخصيات صاحبة النفوذ.

وفي ذلك الوقت، شهدت الشاشية نموا غير مسبوق لتصل شهرتها الجزائر وليبيا والكاميرون ونيجيريا (خاصة) ومصر والسودان وتركيا وحتى اليونان. وفي هذه البلدان، مر الطربوش بعدة تحولات، من بينها ذاك الذي يصدّر إلى تركيا، والذي يسمى “الشاشية اسطنبولي” (في إشارة إلى مدينة اسطنبول التركية، والأخيرة تتميز بالارتفاع والاستقامة، وهناك أيضا الشاشية الموجّهة إلى البلدان الإفريقية وإلى ليبيا والذي يعرف بلونه الداكن (أحمر أرجواني أو أسود).

ورغم أن صناعة الشاشية الأصلية صعبة وتمر بكثير من المراحل، إلا أن سعرها لايزال “منخفضا”، بحسب الحرفيين التونسيين، حيث يتراوح من 5 إلى 7 دولارات، سواء عند عرضه للبيع محليل أو عند تصديره.

لسعد عزاوي حرفي يعمل منذ سنوات في ورشة “العباسي” الواقعة في سوق الشواشين، أوضح للأناضول أن صناعة الشاشية تمر بـ 6 مراحل تبدأ بعملية الحياكة (للحصول على “الكبوس″) من ثم الدعك (ليصبح الكبوس خشنا) والتمشيط والصباغة ووضعه في القالب وإضافة اللمسات الاخيرة.(الأناضول)
“الشاشية” التونسية… تعاني من ويلات الإرهاب أيضا
 
ذات يوم ستعود للشاشية بريقها الضائع
 
أعلى