• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

التلاعب الأميركي بالإعلام لخدمة الحملات على العرب

cortex

كبار الشخصيات
إنضم
11 نوفمبر 2006
المشاركات
7.362
مستوى التفاعل
5.252
في اليوم الأول من هذا الشهر تابعنا ذلك الخبر الذي نقلته الأنباء من واشنطن. صحف قليلة أبرزته في صفحاتها الأولى، لكن الغالبية إما نشرته في صفحاتها الداخلية أو لم تهتم به أساساً. فطوال سبع سنوات ظل موضوع الخبر يمثل لغزا هو بحد ذاته جزء من الجوانب الغامضة في الأحداث الإرهابية التي جرت في واشنطن ونيويورك يوم 11/9/2001.

ذلك اللغز الخطير كان عنوانه «القتل بالبريد». رسائل ارسلت بواسطة البريد العادي ابتداء من 18/9/2001 إلى شخصيات ومؤسسات أميركية مهمة تحمل في داخلها مادة قاتلة تبين لاحقاً أنها مسحوق «الأنثراكس» (الجمرة الخبيثة)، ما أدى فعلا إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة 18 آخرين قبل أن تدرك السلطات الأميركية هول ما يجري. وأدى تتابع الرسائل إلى إصابة خدمات البريد بالشلل وإخلاء مبانٍ عدة في واشنطن بما فيها مجلس الشيوخ والمحكمة العليا، فضلا عن إجبار 35 ألف شخص على تناول مضادات حيوية كإجراء وقائي. جرى في حينه تصوير حملة الرسائل تلك باعتبارها أول هجوم رئيسي تتعرض له الولايات المتحدة في تاريخها في إطار الإرهاب البيولوجي.

بالطبع أصيب ملايين الأميركيين بذعر آخر بعد اسبوع على الذعر الذي اصابهم بسبب هجمات 11/9، لكن اكثر من اصيبوا بالذعر كانوا المواطنين من أصل عربي أو إسلامي سواء في أميركا أو في أوروبا الذين شعروا بأنهم محل اشتباه مركز عليهم بأن هذا «الإرهاب البيولوجي» هو من فعل عرب، إن لم يكن العرب أنفسهم الذين خططوا لهجمات 11/9، خصوصا أن الرسائل القاتلة المتتابعة كانت تحمل تاريخ 11/9/2001 تحديداً وبعض الشعارات الإسلامية وهو ما وضع المحققين الفيدراليين أمام احتمال واحد من دون غيره: العرب. المسلمون. «القاعدة». أفغانستان.

في المقابل كانت هناك مؤشرات أخرى. فبتحليل المسحوق الذي تضمنته الرسائل المكتشفة تبيّن أنه «الأنثراكس»، وتحديداً في شكله الجاف وبدرجة تركيز لم تتوصل إليها أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة ضمن برنامج سري لبحوث الحرب البيولوجية. وهو برنامج لا يعرف به أو يعمل فيه سوى عدد محدود من العلماء المتخصصين الأميركيين تشرف عليهم وزارة الدفاع. لاحظ المحققون الأميركيون أيضا أن معظم الرسائل، خصوصا الموجهة إلى توم داشل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ وقتها وباتريك ليهي عضو المجلس وكذلك الرسالة الموجهة إلى شبكة «ان بي سي» التلفزيونية وجريدة «نيويورك تايمز» اليومية، كلها مكتوبة بخط اليد نفسه وتحمل خاتم البريد نفسه.

هذا دفع السيناتور توم داشل إلى أن يعلن في 9/12/2001 أن الرسالة التي تلقاها في 15/10/2001 وجرى تحليل محتواها داخل مختبر أبحاث الطب الإحيائي بولاية ماريلاند قد يكون مرسلها محليا وليس أجنبياً، كما أن المرجح أنه شخص سبق له العمل في القوات المسلحة الأميركية.

هذا جعل دائرة الشبهات محصورة في أقل من مئة شخص على هذا المستوى. وخرجت أليسا هاريس التي كانت حتى وقت سابق قريب المسؤولة في مجلس الأمن القومي الأميركي عن السياسة الأميركية بشأن الأسلحة البيولوجية تقول (حسب المنشور في «الهيرالد تريبيون» في 15/12/2001) إنه: «إذا تبين في نهاية المطاف أن هذه المادة - الأنثراكس - خرجت من داخل البرنامج الأميركي الخاص بالحرب البيولوجية فإن هذه ستكون نتيجة مرعبة... والنتيجة الأسوأ هي أن يوجد شخص لديه القدرة على تطعيم نفسه والحصول على تلك المادة والأجهزة المنتجة لها ثم إرسالها في خطابات بريدية».

نحو سبع سنوات مضت واللغز مستمر. يسخن مرة ويبرد مرات. إلى أن قرأنا ما نشرته «الحياة» على صفحتها الأولى في 1/8/2008 نقلاً عن وكالة «أسوشيتيد برس» من أنه جرى العثور على الباحث الأميركي البارز في مجال الأسلحة البيولوجية بروس إيفنز ميتا في ظروف تشير إلى انتحاره، في وقت كانت وزارة العدل الأميركية تحضر لتوجيه اتهامات إليه على خلفية قصة رسائل «الأنثراكس».

لكن هذا مجرد جانب واحد من ذلك اللغز الكبير في أحداث 11/9/2001 وتداعياتها المستمرة. ومن زاوية اهتمامنا هنا فإن جانباً آخر يتعلق بما سمي في حينه «مكتب التأثير الاستراتيجي»، وهو مكتب سري كان أنشأه دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي وقتها ضمن وزارة الدفاع منذ الأيام الأولى لتلك الأحداث الإرهابية. ضم المكتب خبراء في الدعاية والإعلام وعلم النفس والتاريخ والاستخبارات ومهمته كانت ابتكار وتوليف قصص إخبارية تخدم إعلاميا ما أعلنته أميركا من حرب عالمية على الإرهاب، على أن يتم «زرع» تلك القصص الإخبارية في وسائل إعلامية خارج أميركا ثم اعادة نقلها في الإعلام الأميركي منسوبة إلى مصادرها الأجنبية المفترضة، في تلاعب وتضليل متعمدين لا تتحمل المسؤولية عنهما وزارة الدفاع أو أي طرف آخر في الإدارة الأميركية. كل هذا لخدمة حالة التعبئة النفسية العامة التي ارادت الإدارة الاميركية نشرها لدى الرأي العام الأميركي وتوجيهه في اتجاهات محددة لتناسب سياساتها وبرامجها المعلنة.

من تلك القصص مثلاً ما بدأ بخبر صغير نشر في وسائل إعلام في جمهورية تشيكيا منسوبا إلى تقرير استخباراتي تشيكي بأن عراق صدام حسين كانت له علاقة وثيقة بأحداث 11/9/2001 بدليل أن محمد عطا - أحد البارزين في مجموعة التسعة عشر شخصاً الذين نفذوا الهجمات الإرهابية بالطائرات لحساب أسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة» - قام بزيارة براغ عاصمة تشيكيا في شهر نيسان (إبريل) 2001 واجتمع سراً مع ضابط استخبارات عراقي اسمه أحمد خليل إبراهيم العاني وهو يعمل تحت غطاء ديبلوماسي في السفارة العراقية في براغ. من بين موضوعات الاجتماع كان التخطيط والتآمر سرا لهجوم إرهابي على مكاتب «راديو أوروبا الحرة» في تشيكيا.

هذا الخبر الصغير اكتسب بعدا أكبر حينما عقد ستانسلاف غروس وزير داخلية تشيكيا مؤتمراً صحافياً في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2001 ليعلن فيه أن مقابلة سرية مثل تلك التي جرت في براغ بين محمد عطا ومندوب الاستخبارات العراقية كشفت للمرة الأولى عن علاقة مباشرة بين نظام صدام حسين ومخططي ومنفذي هجمات 11/9/2001. بالطبع جرى فورا تدوير تلك «المعلومات» حول العالم. وفي الشهر التالي كان ميلوس زيمان رئيس وزراء تشيكيا وقتها يقوم بزيارة واشنطن فنقل إلى وزير الخارجية الأميركي كولن باول «المعلومة» نفسها منسوبة إلى جهاز الاستخبارات التشيكي.

هكذا تصاعد الترويج لاجتماع براغ السري هذا بين محمد عطا ومندوب استخبارات صدام حسين حول العالم بما استفز تماما فاكلاف هافيل الذي كان رئيس جمهورية تشيكيا وجاء أصلا إلى السلطة بدعم أميركي، وكانت أجهزة الاستخبارات التشيكية في عهده وثيقة الصلة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. فكيف وتلك هي الحال، يتركه الجميع في الظلام ويحجبون عنه «معلومة» الاجتماع السري والدليل المستجد بينما يتسابق الجميع لإبلاغها لأميركا؟

من هنا أمر فاكلاف هافيل بتحقيق سري شامل عن أصل تلك القصة معتمدا في ذلك على رجاله هو داخل أجهزة الاستخبارات التشيكية. في النهاية تبين أن القصة ملفقة من الأساس. كل ما حدث أن مرشداً صغيراً مشكوكاً في علاقاته داخل الجالية العربية المحدودة في براغ اخترع تلك القصة، وهو لم يفعل ذلك إلا بعد وقوع أحداث 11/9/2001 في أميركا، وبعد أن نشرت أميركا حول العالم أسماء وصور التسعة عشر رجلاً الذين نسبت لهم القيام بتلك الهجمات. ولأن فاكلاف هافيل صديق لأميركا ولا يريد أن يتسبب لها بفضيحة فقد اختار الاتصال غير المعلن بالبيت الأبيض الأميركي وبوزير الخارجية كولن باول لينقل إليهم الحقيقة السافرة طالبا إبلاغ الرئيس جورج بوش شخصيا بها. ومع أن تلك المعلومات نشرتها «نيويورك تايمز» وكررتها «الهيرالد تريبيون» قبل ست سنوات إلا أنه سرعان ما جرى التعتيم عليها تالياً، خصوصاً بعد اختيار مبرر آخر لغزو العراق وهو حيازته أسلحة دمار شامل.

أميركا الرسمية تراجعت. لكن توابعها الإعلامية في منطقتنا مستمرة حتى الآن
 
:besmellah1:
كل شي يتراجع في دولنا العربيه ............:bang::bang:
 
أعلى