cortex
كبار الشخصيات
- إنضم
- 11 نوفمبر 2006
- المشاركات
- 7.362
- مستوى التفاعل
- 5.252
المدن كــمـا النــساء لـكــلّ سحـــرها وغموضها، ولكلّ سيرتها الذاتية والمعالم التي تصنع تميزها. وقطعا تتشابه المدن والنساء في الأقدار المرسومة التي تجعل لكل منها حياة مختلفة ودربا مختلفا، وعندما تريد مشيئة التاريخ ان تتقاطع السبل بين النساء والمدن فان الامر يصبح لافتا وينبغي التيقظ له والتقاط ما يحف به من جزئيات وتفاصيل.
ومن هذا المنطلق اتخذت بعض المدن توهجها في الذاكرة وذلك هو قدر عليسة وقرطاج، المرأة والمدينة، قدر تلتبس فيه الحقائق بالأساطير ويتخذ التاريخ من الفنطازيا جلبابا له، ليعلن ان ميلاد مدينة قرطاج سنة 814 ق.م. تم على يد الاميرة الفينيفية عليسة او آليسار او آليسا، وفق منطوق كل شعب وهو اسم ابنة صور التي فرت من بطش شقيقها بغماليون قاتل زوجها، وبعد استراحة في قبرص تتوقف الأسرة الفينيقية على ربوة فيستهويها العلوّ وزرقة الأبيض المتوسط لتؤسس المدينة الحلم قرطاج التي كانت بحجم جلد ثور، لكن هذه المدينة الصغيرة سرعان ما توسعت وثارت على معطيات الجغرافيا لتصبح منارة حقيقية يهتدي بها التاريخ، ورغم الهزات التي عصفت بها الا انها ظلت مثل طائر الفينق تنهض من رماد احتراقها اكثر فتوة ونضارة وتتحدى اعداءها كما كانت عليسة، فهي ام قرطاج ومنها اتخذت معالمها وطبائعها وقد انجبت هذه الاميرة مدينتها من رحم المعاناة وأحدبت عليها ومنحتها من جمالها الفينيقي الاخاذ ما جعلها فتنة لكل من زارها.
وقرطاج ابنة عليسة الخالدة اصبحت اليوم اثرا عالميا يصنع توهج تونس الجميلة ويجسم عراقتها ويحيل قطعا على الانفتاح الذي ميزها وجعلها ارضا للقاء والتسامح.
ولأنّ أمومة عليسة لقرطاج كانت استثناء في التاريخ البشري فهو ما خلق الاستثناء في علاقة بلادنا بالمرأة التي توالى حضورها على صفحات تاريخنا المشرق، الذي يحفل «بنماذج مثالية» لنساء شكلن «الرمز» من ذلك ان أسماء بنت أسد بن الفرات كانت مثلا للحكمة والعقل وحصافة الرأي، اما اروى القيروانية فهي أول امرأة في التاريخ العربي الاسلامي ترفض تعدد الزوجات.
وتماما مثلما تزهو المدن بحالات الازدهار والنماء الاقتصادي والثقافية فان اوج التوهج للمرأة التونسية كان مع الدولة الوطنية وريثة قرطاج القديمة وحامية الارث التاريخي متسلحة بنخبة مستنيرة، قادت لواء النضال الوطني ودافعت عن ابناء البلد رجالا ونساء وهو ما قاد الى فعل المساواة والشراكة بين كل المواطنين.