• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

الدّمار

عبد الله منصور

عضو مميز بالمنتدى العام
عضو قيم
إنضم
17 ديسمبر 2016
المشاركات
308
مستوى التفاعل
1.006
الدّمار

فرغ من صلاة العشاء...اتّكأ على الحائط...واستعان بعصاه..ثمّ انتصب قائما محدودب الظهر، و لُهاثه لا ينقطع كصوت من يهوي بفأسه على الأرض يفلحها و يُخصبها..و قفل راجعا الى البيت ليجلس في مكانه ذاك مُسندا ظهره إلى الجدار و يتناول –سبحته- و ينصرف الى عادته لا تسمعه و لكنك ترى شفتيه لا تتوقفان عن الحركة...ثبّت نظره على شاشة التلفاز..ثمّ ها هو يسبح فوق مدينة "حلب" إنّها تنسحب من تحته وهي كأعجاز نخل خاوية... طرقات تمتدّ و تتفرّع عنها أخرى شبكات في كلّ الاتجاهات وهي كالشّرايين المسدودة لا دم يسيل و لا هواء يهفو..دمار من ورائه دمار و أمامه دمار و على جانبيه دمار..مدينة كانت ...ترفل في عزّ.. عُروقها نابتة كالتّاريخ..ووجهُها صبُوح كشروق جديد..وشذاها يتضوّعُ.. يملأ الأرجاء..و يضُخّ رُوح الرضى و الاستبشار...لقد أصبحت أثرا بعد عين بما كسبت أيدي أبنائها...هكذا مع كلّ تسبيحة كان العمّ "صابر" يُردّدُ بينه و بين نفسه..التفت إلى حفيدته وهي في كامل زينتها تتهيّأ للخروج، و تُمسك بيُسراها –هاتفها- و تقول .."تجدني كالعادة أمام البيت...فلا تتأخّر"..ثمّ تُرسلها ضحكة تغشى القاعة و تحجُب صوت التلفاز...ثمّ تلتفت الى جدّها..و تقول "لا تبخل لي بالدّعاء...آه لو تملك غيره.." ثمّ انصرفت تذرُوها عاصفة الشباب...بقي عم "صابر" يتضخّم كديك رومي..تتراصّى في جوفه مكبوتات السّنين العجاف...إنّه كالحامل التي زفّ موعدها...دخل ابنُه ..أسكت الجهاز..اقترب منه..قال..: تعال أساعدْك الى فراشك...فردّ وهو يُغالب عجزه...:ليتك اعتبرت من الغُراب وواريت سوْأة الجميع... ألم تُشاهد –حلب- .. جُثّةً مُتشظية تخترقها ظلال الكواسر تُريدُ أن تنقضّ تُطهّر المكان من بقايا أشلائها المُتناثرة..."حلب" يا بُنيّ تسترحم ربّها أن يجعل سافلها عاليها لتغيب في أعماق الأرض.. إنّ حجارةَ سجّيلِ تحملها النُّذُر ستنهمر على الجميع لا تُخطئ و لا تذر...تلك هي الخاتمةُ ليقضي ربّك أمرا كان مفعولا...

عبدالله منصور
 
أعلى