• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

قصّة شكري عبد الرحمن.

southdream

نجم المنتدى
عضو قيم
إنضم
1 نوفمبر 2011
المشاركات
11.786
مستوى التفاعل
43.234
جحظت عينا شكري عبد الرحمن وهو يصغي إلى والده العجوز وقد نزف دمعا حتى احمرّت مقلتاه "يا بُني ارحم شيبتي ولا تريني فيك ما يؤذيني وما يؤذي والدتك" ..خاطبه والده المسنّ بصوت منكسر... ليردف "أصحابك اعتقلهم 'الحاكم' وقد أخبرني 'التّيجاني الرادار' بأنّهم معلقون في أقبية المعتقل كالأضاحي يُضربون بالسّياط وبقضبان الحديد وتُنتهك رُجولتهم... أتريد أن تلقى مصيرهم؟"

- يا والدي أنت تعلم أني لست "إخوانجي" وإن تعاطفت معهم لفترة... 'الحاكم' يعلم قطعا أنّي لست منهم...

-بُنيّ "الحاكم" يعلم أنّك كنت "ملاحظا" في الانتخابات الماضية تابعا لهم..

- نعم ولكن كنت مستقلاّ... لم أكن أنشط في صفوفهم وإن تعاطفت مع مظلوميّتهم وطرحهم..

- لقد أخبرني التيجاني الرادار "واشي القرية" بأنّك في القائمة السّوداء ويجب أن تتدارك الأمر فاسمع منّي...ستشترك في شعبة الحزب وسأشترى لك "انخراطا"...

- وهل سيرضون بي في صفوفهم؟

- لقد طلبوا رشوة كبيرة وسأضطر لتدبّر الأمر... لا تقلق...

- أنذال... أيصل الأمر بأن أشتري حريّتي بهكذا ثمن؟

- بُنيّ دفع الرّشوة لن يكون كافيا... ولكن يجب أن تثبت لهم بأنّك "تُبت"...

- فهمت...فهمت... وامتلأت عينا شكري بالدّموع وانسحب في هدوء إلى غرفته يستعيد ما مضى من عمره تلميذا ثمّ طالبا في الجامعة التونسيّة... تذكّر السّجالات الإيديولوجيّة في ساحات الجامعة وتردّده الدائم في خوض تجربة "التأدلج"... كان يضمر بين جوانحه إعجابا بالشق الإسلامي... التيّار الجديد الذي اكتسح الجامعة أنذاك.. كان حذرا وتجنّب ارتداء العباءة الإخوانيّة ... لم يمتلك شجاعة الإلتزام ربّما...أو لعلّه لم "يهضم" الفكر الإخواني جملة رغم إعجابه به تفصيلا...

تمدّد على فراشه وتأمّل سقف غرفته باهت الألوان، خّيّل إليه أتّه يرى صورتها تتراقص أمام ناظريه...شعرها الأصفر القصير وضحكتها السّاحرة وبشرتها البيضاء النّاعمة... لم تمنعه كراهيّته لأفكارها من نسج علاقة حبّ عنيفة ومكتومة مع فتاة "وطديّة" من أقسى اليسار التّونسيّ.. كان دوما جامعا للمتناقضات ... صلاة وتديّن قلبيّ و علاقات محرّمة سرّا... كان زبونا لمحلاّت البغاء العلنيّ وفي الآن ذاته صديقا للإسلاميين.... عاشقا لوطديّة ونافرا من أفكارها... فتنه جمالها الغربي و تحرّرها فارتدى قناع "الحياد" حتى لا يُحرم ودّها... كان عنيف التّناقض...لعلّه رأى في الإسلاميين وسيلة لإطفاء سعير ضميره الدّيني الملتهب أو هكذا تصوّر..

لا يزال يحمل بين طيّات فؤاده جرح نهاية تلك العلاقة العاطفيّة المستعرة... يوم اكتشفت تديّنه وما رأت أنه نفاق يستحق عليه الطرد من فردوسها.

شكري عبد الرحمن كان دوما شخصيّة رماديّة حذرة متعددة الأقنعة ...نهاية الثمانينات من القرن الماضي قرّر إطلاق العنان ولو بحذر لتديّنه القلبي وإراحة ضميره الأخلاقي المستعر... في تلك الفترة حدث تغيير صادم في الحياة السّياسيّة التونسية وطُويت صفحة بورقيبة الرّجل العجوز وبدأ عهد جديد بشّر به القادم من ثكنات الجيش... جنرال قاد انقلابا "طبّيا" فريدا لتبدأ "سنوات بن علي" أو ما سُمّي آنذاك بالعهد الجديد...


* يتبع

 
التعديل الأخير:
أعلى