• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

الثورةُ و معاناةُ التغيير

عبد الله منصور

عضو مميز بالمنتدى العام
عضو قيم
إنضم
17 ديسمبر 2016
المشاركات
308
مستوى التفاعل
1.006
الثّورةُ و معاناةُ التغيير

التاريخ و إن كان -عموما – بطيئا في حركته،إلّا أنّه أحيانا يُسرعُ في فعالياته،و يُغيّرُ الواقع...و يُشبّهُه البعض بالبيضة التي تتهيّأ للتّفقيس،فهى تمرّ عليها الايّام و اللّيالى دون أن تتغيّر، و لا يشعر أحد بما يجول داخلها فهو مخفىٌّ عن العيون المجرّدة..و لكن ما إن تتهيّأ الظروفُ الدّاخلية،و يكتمل بناء الفرخ الجسدى لاستقبال الحياة الجديدة حتّى تبدأ البيضة في التشقّق و تتّسعُ فتْحةُ القشرة الكلسية تدريجيّا، و ما هي الّا لحظاتٌ حتّى يخرج المخلوقُ الجديدُ مُكابدا مُتعثّرا ثمّ بعد مدة وجيزة ينتصب قائما لينطلق فيما بعد يخوض تجربة الحياة.. كذلك الثورةُ في أيّ مكان و أيّ زمان..لا بُدّ لها من مرحلة التخمّر التي قد تستغرق مسافةً زمنية بعيدة.و ينتقل التذمّرُ و الكبتُ من فرد الى فرد، و من جيل الى جيل ثمّ لمّا ترتفع درجة الحرارة الى مستوى الانفجار..تتشقّق الحصون المانعة و تتداعى تدريجيّا و تكون الهبّات الجماهيرية من كلّ حدب وصوب، و يختلط -في أغلب الأحيان- الحابل بالنابل، وتتداخل الاتجاهاتُ،و تشتدُّ النزاعاتُ، و ينعدم الامن او يكاد، وتأخذ مرحلة الجنون الثورى مداها الزمنى.ثمّ يخفت لهيب العاصفة تدريجيا.. و تستقرّالاوضاعُ لترتقى الثورةُ بأبنائها الى درجة أعلى في سلّم ما كانوا يحلمون به...هذا هو منطق التاريخ كما يبدو...ولكنّ الرّمالَ المتحرّكةَ قبل الهدوء قد تُغري بعض الرافضين لها فيستجمعوا قواهم و ينقضُّواعليها تشكيكا و هدما و نسفا لإنجازاتها الأولى المتعثّرة ، وقد تستشكل على البعض الآخر ممن يتعجّلون النّتائجَ، فيصبحون وقودا للثورة المضادّة،و قد تتدخّل بعض القوى الاقليمية و العالمية و تدسّ شراكها لتحُوز نصيبا من المُتاح ...و هكذا يُصبح المشهد العام فُرجويّا.. يُمسى المرء مُحتارا، و ينام مرعوبا، و يُصبح موتورا...الّا أنّها مرحلة مُؤقّتة سرعان ما تنزاح و تتلاشى لتنطوي عليها كتب التاريخ و تصبح "ارثا انسانيّا"...سنة بعد سنة ..و سفينة تونس لا زالت في الأعماق تُكابد و تُناور..تتأرجحُ و تهتزُّ..ترتفعُ و تنخفضُ.. تهوي حتّى تكاد تختفي و ترتفع حتّى تكاد تطيرُ.. وهي تميل ذات اليمين و ذات الشمال...و لكنّها صامدةٌ مُصرّةٌ على إكمال الطريق.. تقترب من شاطئ السّلامة شيئا فشيئا اقتراب النّهر الملتوي من مصبّه... و من سنة الى سنة تقطع مسافة...و من سنة الى سنة ينمو جنينُها تحميه الأخشاب ..و حين يزفّ موعد الولادة تتشقّقُ الألواحُ و يخرجُ "الكتكوت" ليخوض تجربةَ الحياة الجديدة في معاناة مُضنية تبتسمُ أيّامُها حينا لتعبس لياليها أحيانا أُخرى..و لكنّها بكلّ المقاييس تجربةٌ واعدة بحياة أفضل ... ...
عبدالله منصور
 
أعلى