علوم القرآن العام والخاص

وما خُص بالقياس آية الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1, خُص منها العبد بالقياس على الأمة التي نص على تخصيصها عموم الآية في قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} 2. 1 النور: 2. 2 النساء: 25.
 
تخصيص السٌّنَّة بالقرآن: وقد يخصص القرآن السٌّنَّة، ويمثلون لذلك بما رُوي عن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: قال النبي, صلى الله عليه وسلم: "ما قُطِع من البهيمة وهي حية فهو ميت" 1 فهذا الحديث خُص بقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} 2. 1 أخرجه أبو داود، والترمذي، وحسنه واللفظ له. 2 النحل: 80.
 
صحة الاحتجاج بالعام بعد تخصيصه فيما بقي: اختلف العلماء في صحة الاحتجاج بالعام بعد تخصيصه فيما بقي، والمختار عند المحققين صحة الاحتجاج به فيما وراء صور التخصيص1. واستدلوا على ذلك بأدلة إجماعية، وأدلة عقلية. أ- فمن أدلة الإجماع: أن فاطمة -رضي الله عنها- احتجت على أبي بكر -رضي الله عنه- في ميراثها من أبيها بعموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 2, مع أنه مخصص بالكافر والقاتل، 1 أنكر الاحتجاج به عيسى بن أبان وأبو ثور مطلقًا، وقال البلخي: إن خُص بدليل متصل كالشرط والصفة والاستثناء فهو حجة، وإن خُص بدليل منفصل فليس بحجة - انظر الآمدي، جـ2 ص213. 2 النساء: 11.
 
ولم ينكر أحد من الصحابة صحة احتجاجها مع ظهوره وشهرته، فكان إجماعًا على صحة احتجاجها، ولذا عدل أبو بكر -رضي الله عنه- في حرمانها إلى الاحتجاج بقوله, صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء لا نُورَّث ... ما تركناه صدقة"1. ب- ومن الأدلة العقلية: أن العام قبل التخصيص حُجة في كل واحد من أقسامه إجماعًا، والأصل بقاء ما كان قبل التخصيص بعده، إلا أن يوجد له معارض، وليس هناك معارض فيما وراء صور التخصيص، فيظل العام بعد التخصيص حُجة فيما بقي. 1 الحديث في الصحيحين وغيرهما.
 
ما يشمله الخطاب: اختُلِف في الخطاب الخاص بالرسول -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} 1. وقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر} 2, هل يشمل الأمة أم لا يشملها؟ أ- فذهب قوم إلى أنه يشملها باعتباره قدوة لها. ب- وذهب آخرون إلى أنه لا يشملها؛ لأن الصيغة تدل على اختصاصه بها. واختلفوا أيضًا في الخطاب من الله تعالى بـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 3, هل يشمل الرسول أم لا؟ والصحيح في ذلك أنه يشمله لعمومه وإن كان الخطاب قد ورد على لسانه ليُبلِّغ غيره. 1 الأحزاب: 1. 2 المائدة: 41. 3 النساء: 1.
 
وقد فصل بعضهم فقال: إن اقترن الخطاب بـ "قل" لم يشمله لأن ظاهره البلاغ كقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} 1, وإلا شمله. وما ورد في الخطاب مضافًا إلى الناس أو المؤمنين كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} 2، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 3. فالمختار في الأول: أنه يشمل الكافر والعبد والأنثى. والمختار في الثاني: أنه يشمل الأخيرين فقط لمراعاة التكليف بالنسبة إلى الجميع، وخروج العبد عن بعض الأحكام كوجوب الحج والجهاد إنما هو لأمر عارض كفقره واشتغاله بخدمة سيده. ومتى اجتمع المذكر والمؤنث غلب التذكير. وأكثر خطاب الله تعالى في القرآن بلفظ التذكير، والنساء يدخلن في جملته. وقد يأتي ذكرهن بلفظ مفرد تبيينًا وإيضاحًا. وهذا لا يمنع دخولهن في اللفظ العام الصالح لهن، كما جاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} 4. 1 الأعراف: 158. 2 الحجرات: 13. 3 المائدة: 90. 4 النساء: 124.
 
أعلى