علوم القرآن قصص القرآن

إسماعيل بوزيد Ismail Bouzid

نجم المنتدى
عضو قيم
إنضم
25 مارس 2011
المشاركات
29.491
مستوى التفاعل
99.130
قصص القرآن مدخل ... 21- قصص القرآن: الحادثة المرتبطة بالأسباب والنتائج يهفو إليها السمع، فإذا تخللتها مواطن العبرة في أخبار الماضين كان حب الاستطلاع لمعرفتها من أقوى العوامل على رسوخ عبرتها في النفس، والموعظة الخطابية تسرد سردًا لا يجمع العقل أطرافها ولا يعي جميع ما يلقى فيها، ولكنها حين تأخذ صورة من واقع الحياة في أحداثها تتضح أهدافها، ويرتاح المرء لسماعها، ويصغي إليها بشوق ولهفة، ويتأثر بما فيها من عبر وعظات، وقد أصبح أدب القصة اليوم فنًّا خاصًّا من فنون اللغة وآدابها، والقصص الصادق يمثل هذا الدور في الأسلوب العربي أقوى تمثيل، ويصوره في أبلغ صورة: قصص القرآن الكريم.
 
معنى القصص: القص: تتبع الأثر. يقال: قصصت أثره: أي تتبعته، والقصص مصدر، قال تعالى: {ارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} 1, أي رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به. وقال على لسان أم موسى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} 2, أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه. والقصص كذلك: الأخبار المتتبعة, قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} 3، وقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 4, والقصة: الأمر, والخبر، والشأن، والحال. وقصص القرآن: أخباره عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة - وقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ 1 الكهف: 64. 2 القصص: 11. 3 آل عمران: 62. 4 يوسف: 111.
 
أنواع القصص في القرآن: والقصص في القرآن ثلاثة أنواع: النوع الأول: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين، كقصص نوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمد، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام. النوع الثاني: قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت ثبوتهم، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. وطالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت، ومريم، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل ونحوهم. النوع الثالث: قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كغزوة بدر وأحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب، والهجرة، والإسراء، ونحو ذلك.
 
فوائد قصص القرآن: وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي: 1- إيضاح أسس الدعوة إلى الله، وبيان أصول الشرائع التي بعث بها كل نبي: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 1. 1 الأنبياء: 25.
 
2- تثبيت قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنُصرة الحق وجنده، وخذلان الباطل وأهله: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} 1. 3- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم. 4- إظهار صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال. 5- مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهُدى، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل، كقوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 2. 6- والقصص ضرب من ضروب الأدب، يصغي إليه السمع، وترسخ عبره في النفس: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 3. 1 هود: 120. 2 آل عمران: 93. 3 يوسف: 111.
 
تكرار القصص وحكمته: يشتمل القرآن الكريم على كثير من القصص الذي تكرر في غير موضع، فالقصة الواحدة يتعدد ذكرها في القرآن , وتُعرض في صور مختلفة في التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب، وما شابه ذلك. ومن حكمة هذا: 1- بيان بلاغة القرآن في أعلى مراتبها. فمن خصائص البلاغة إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة، والقصة المتكررة ترد في كل موضع بأسلوب يتمايز عن الآخر، وتُصاغ في قالب غير القالب، ولا يمل الإنسان من تكرارها، بل تتجدد في نفسه معان لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى.
 
2- قوة الإعجاز: فإيراد المعنى الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة منها أبلغ في التحدي. 3- الاهتمام بشأن القصة لتمكين عبرها في النفس، فإن التكرار من طرق التأكيد وأمارات الاهتمام. كما هو الحال في قصة موسى مع فرعون؛ لأنها تمثل الصراع بين الحق والباطل أتم تمثيل مع أن القصة لا تكرر في السورة الواحدة مهما كثر تكرارها. 4- اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة فتذكر بعض معانيها الوافية بالغرض في مقام، وتبرز معان أخرى في سائر المقامات حسب اختلاف مقتضيات الأحوال.
 
أسوق بعض أمثلة، توضح مرامي كاتب هذه الرسالة وكيفية بنائها" ثم أورد الأستاذ "أحمد أمين" أمثلة منتزعة من الرسالة تشهد بما وصفها به من هذه العبارة المجملة1. كادعاء صاحب الرسالة أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي. وإنما تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادثة تصويرًا فنيًّا، وزعمه أن القرآن يختلق بعض القصص وأن الأقدمين أخطئوا في عد القصص القرآني تاريخًَا يعتمد عليه. والمسلم الحق هو الذي يؤمن بأن القرآن كلام الله، وأنه منزه عن ذلك التصوير الفني الذي لا يعنى فيه بالواقع التاريخي، وليس قصص القرآن إلا الحقائق التاريخية تصاغ في صور بديعة من الألفاظ المنتقاة، والأساليب الرائعة. ولعل صاحب الرسالة درس فن القصة في الأدب, وأدرك من عناصرها الأساسية الخيال الذي يعتمد على التصور، وأنه كلما ارتقى خيالها ونأى عن الواقع كثر الشوق إليها، ورغبت النفس فيها، واستمتعت بقراءتها، ثم قاس القصص القرآني على القصة الأدبية. وليس القرآن كذلك، فإنه تنزيل من عليم حكيم، ولا يرد في أخباره إلا ما يكون موافقًا للواقع، وإذا كان الفضلاء من الناس يتورعون من أن يقولوا زورًا ويعدونه من أقبح الرذائل المزرية بالإنسانية، فكيف يسوغ لعاقل أن يلصق الزور بكلام ذي العزة والجلال؟ والله تعالى هو الحق: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} 2. وأرسل رسوله بالحق: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} 3. 1 انظر نقد كتاب "الفن القصصي في القرآن" - للأستاذ محمد الخضر حسين- بلاغة القرآن ص94. 2 الحج: 62. 3 فاطر: 24.
 
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ} 1. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} 2. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} 3. {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} 4. وما قصه الله تعالى في القرآن هو الحق: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} 5. {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} 6. 1 فاطر: 31. 2 النساء: 170. 3 المائدة: 48. 4 الرعد: 1. 5 الكهف: 13. 6 القصص: 3.
 
أعلى