علوم الحديث والسنة موسوعة الأحاديث القدسية

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفيَّهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة) رواه البخاري وفي رواية للترمذي (فصبر واحتسب)، وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يقول الله سبحانه: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

معاني المفردات

قبضت صفيه: أي أمتُّ حبيبه وصديقه المصافي من ولد أو والد أو زوجة أو صديق أو نحو ذلك.
حبيبتيه: عينيه وسماهما حبيبتين لأنهما أحب الأعضاء إلى الإنسان.
فصبر واحتسب: أي صبر مستحضراً ما وعد الله به الصابرين من الأجر والثواب.

أنواع الصبر

والصبر أنواع ثلاثة: صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقضية والأقدار حتى لا يتسخطها، وهذه الأحاديث القدسية في النوع الثالث من أنواع الصبر، وهو الصبر على أقدار الله المؤلمة.

عند الصدمة الأولى

والصبر النافع الذي يترتب عليه الثواب والأجر ويؤتي ثماره وآثاره في نفس العبد - كما جاء مصرحاً به في الأحاديث - هو ما كان في أول وقوع البلاء، بأن يفوض المؤمن أمره ويسلمه إلى أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، ويستسلم لأمره وقضائه، فإن للمصيبة روعة تهز القلب، وتذهب باللُّب، فإذا صبر العبد عند الصدمة الأولى انكسرت حِدَّتها، وضعفت قوتها، وهان عليه بعد ذلك استدامة الصبر واستمراره، وقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال لها: (اتق الله واصبري، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى) رواه البخاري، قال بعض الحكماء: "العاقل يصنع في أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام".

وأما إذا تضجر وتبرم في أول الأمر، ثم لما يئس صبر لأنه لم يجد خياراً غيره، فإنه يكون بذلك قد حرم نفسه من أجر الصبر وثوابه، وأتى بما يشترك فيه جميع الناس، فلا فائدة من الصبر حينئذ.
 
التعديل الأخير:
وجبت محبتي للمتحابين فيَّ

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي) رواه مسلم، وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: (المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء).

معاني المفردات

بجلالي: بعظمتي وطاعتي لا لأجل الدنيا.
يغبطهم: الغبطة تمني مثل نعمة الغير دون تمني زوالها عنه.

فضل الحب في الله

الحب في الله رابطة من أعظم الروابط، وآصرة من آكد الأواصر، جعلها سبحانه أوثق عرى الإسلام والإيمان، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل) رواه الطبراني وصححه الألباني.

بل إن الإيمان لا يكمل إلا بصدق هذه العاطفة، وإخلاص هذه الرابطة قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود.

ومن أراد أن يشعر بحلاوة الإيمان، ولذة المجاهدة للهوى والشيطان فهذا هو السبيل، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)، والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه له من المحبة والمودة والإخاء، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه) رواه ابن حبان وصححه الألباني.

وأما الجزاء في الآخرة فهو ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) أخرجاه في الصحيحين.
 
التعديل الأخير:
إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قال الله: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه) رواه البخاري بهذا اللفظ، وروي بألفاظ مختلفة في البخاري ومسلم عن عائشة وعبادة بن الصامت وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين.

المراد بالحديث

فليس المقصود من الحديث إذاً حب الموت أو كراهيته، فإن حب الخلود والبقاء وكراهة الموت، أمر فطري لا يلام الإنسان عليه، ولا يستطيع دفعه عن نفسه، وإنما المقصود منه ما كان في ساعة محددة وذلك عند الاحتضار، ومعاينة الملائكة، وبلوغ الروح الحلقوم، وقد جاء تفسيره بذلك في الروايات الأخرى لهذا الحديث ففي البخاري أن عائشة رضي الله عنها أو بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ظنت أن المقصود منه كراهة الموت، فقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنا لنكره الموت فقال: (ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت، بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه).

وفي رواية مسلم قالت عائشة للذي سألها عن معنى هذا الحديث: "ليس بالذي تذهب إليه - تعني كراهية الموت - ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه".

وتبع عبد الرحمن بن أبي ليلى جنازة في يوم من الأيام فحدَّث بهذا الحديث، فأكب القوم يبكون، فقال: ما يبكيكم فقالوا: إنا نكره الموت، قال: "ليس ذلك، ولكنه إذا حَضَر {فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم} (الواقعة: 88-89) فإذا بُشِّر بذلك أحب لقاء الله، والله للقائه أحب، {وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم} (الواقعة: 92- 93)، فإذا بُشِّر بذلك يكره لقاء الله، والله للقائه أكره" رواه أحمد وحسنه الألباني.

ولذا فإن العبد الصالح إذا حُمِل فإنه يطالب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى ما أعده الله له من النعيم، وأما غير الصالح فينادي بالويل والثبور من المصير الذي سيقدم عليه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قَدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق) رواه البخاري.
 
من وصلكِ وصلته ومن قطعكِ قطعته

عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتَتُّه) رواه الترمذي وأبو داود وأحمد في المسند، وصححه الترمذي والألباني.

معاني المفردات

الرحم: القرابة من ذوي النسب والأصهار.
وصلها: الصلة البر وحسن المعاملة، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين والعطف عليهم، والرعاية لأحوالهم، وقَطْعُ الرحمِ ضد ذلك كله.
بتته: البت القطع.

فضل صلة الرحم

وردت أحاديث كثيرة ترغب في صلة الأرحام وتبين أجرها وثوابها، فصلة الرحم شعار المؤمنين بالله واليوم الآخر، وفي الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) رواه البخاري، وهي من أعظم أسباب زيادة الرزق والبركة في العمر، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري، وعند الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر).

وصلة الرحم توجب صلة الله للواصل، وتتابع إحسان الله وخيره وعطائه على العبد، كما دل ذلك الحديث القدسي الذي بدأنا به الموضوع، وهي من أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله وفي الحديث: (أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم...) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.

كما أن صلة الرحم من أسباب دخول الجنة وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه أحمد وابن ماجه.
 
تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدُّ فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك) رواه الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم، وحسنه الترمذي وصححه الألباني.

معاني المفردات

تفرغ لعبادتي: تفرغ من مهماتك وأشغالك الدنيوية لطاعتي والتقرب إلي بأنواع القرب.
أملأ صدرك: أي قلبك.

بين همَّيْن

وهذا الحديث العظيم يضع للعبد علاجاً عظيماً للهموم والغموم التي يتعرض لها في حياته الدنيا، هذا العلاج هو الاشتغال بما خلق له وهو عبادة الله عز وجل، والاهتمام بأمر الآخرة، فإن العبد إذا شغله همُّ الآخرة أزاح الله عن قلبه هموم الدنيا وغمومها، وخفف عنه أكدارها وأنكادها، فيصفو القلب ويتجرد من كل الأشغال والصوارف، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك) رواه ابن ماجه وغيره بسند حسن.

وفي حديث الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) صححه الألباني.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمَل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه...".

فعلى العبد أن يقنع بما قسم الله له، وأن يثق بوعد الله وحسن تدبيره له، وألا يكون شديد الاضطراب والخوف مما يستقبل، فالمستقبل بيد الله، وأن ينظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا، وليستعن على ذلك بقصر الأمل واليقين بأن الرزق الذي قُدِّر له لا بد وأن يأتيه وإن لم يشتد حرصه، فليست شدة الحرص هي السبب لوصول الأرزاق.
 
أَنْفِقْ يا ابن آدم أُنْفِق عليك

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قال الله: أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك) رواه البخاري ومسلم.

منزلة الحديث

هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي تحث على الصدقة والبذل والإنفاق في سبيل الله، وأنها من أعظم أسباب البركة في الرزق ومضاعفته، وإخلاف الله على العبد ما أنفقه في سبيله.

فضل الإنفاق

جاءت النصوص الكثيرة التي تبين فضائل الصدقة والإنفاق في سبيل الله، وتحث المسلم على البذل والعطاء ابتغاء الأجر الجزيل من الله سبحانه، فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم من أخص صفات عباد الله المحسنين، فقال عنهم: {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (الذاريات: 16-19) وضاعف العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} (البقرة: 245).

والصدقة من أبواب الخير العظيمة، ومن أنواع الجهاد المتعددة، بل إن الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الجهاد إلا في موضع واحد، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أبو داود.

وأحب الأعمال إلى الله كما جاء في الحديث (سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً)، رواه البيهقي، وحسنه الألباني.

والصدقة ترفع صاحبها حتى توصله أعلى المنازل، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل...) رواه الترمذي.

كما أنها تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا ، وتنجيه من الكروب والشدائد، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) رواه الحاكم وصححه الألباني، أضف إلى ذلك إطفاؤها للخطايا وتكفيرها للسيئات، ومضاعفتها عند الله إلى أضعاف كثيرة، ووقايتها من عذاب الله كما جاء في الحديث (اتقوا النار ولو بشق تمرة) رواه البخاري وغير ذلك من الفضائل.
 
أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر

عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلَّى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إِثْر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمَّا من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطِرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب) رواه البخاري ومسلم.

معاني المفردات

صلَّى لنا: أي صلَّى بنا.

الحديبية: اسم موضع قريب من مكة بعضه في الحل وبعضه في الحرم، سمي باسم بئر كانت هناك، وقيل باسم شجرة حدْباء.

على إثر سماء: عقب نزول مطر.

فلما انصرف: أي من صلاته.

نوء: مفرد أنواء وهي منازل القمر أو الكواكب والنجوم.
 
يؤذيني ابن آدم يسب الدهر

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار) رواه البخاري ومسلم، وجاء الحديث بألفاظ مختلفة منها رواية مسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما)، ومنها رواية للإمام أحمد: (لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك) وصححه الألباني.

معاني المفردات

السب: الشتم أو التقبيح والذم.

الدهر: الوقت والزمان.

يؤذيني: أي ينسب إليَّ ما لا يليق بي.

وأنا الدَّهر: أنا ملك الدهر ومصرفه ومقلبه.

معنى الحديث

أقسم الله تعالى بالعصر والزمان لعظمته وأهميته، فهو ظرف العمل ووعاؤه، وهو سبب الربح والخسارة في الدنيا والآخرة، وهو الحياة، فما الحياة إلا هذه الدقائق والثواني التي نعيشها لحظة بلحظة، ولهذا امتن الله به على عباده فقال: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا} (الفرقان: 62) فمن فاته عمل الليل قضاه بالنهار، ومن فاته عمل النهار قضاه بالليل.

وكان أهل الجاهلية إذا أصابتهم مصيبة، أو حُرِموا غرضاً معيناً أخذوا يسبون الدهر ويلعنون الزمان، فيقول أحدهم: "قبح الله الدهر الذي شتت شملنا"، و"لعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا"، وما أشبه ذلك من عبارات التقبيح والشتم، فجاء هذا الحديث لرد ما يقوله أهل الجاهلية ومن شابههم وسلك مسلكهم، فبيَّن أن ابن آدم حين يسب الدّهر والزمان، فإنما يسب - في الحقيقة - الذي فعل هذه الأمور وقدَّرها، حتى وإن أضاف الفعل إلى الدهر، فإن الدَّهر لا فعل له، وإنما الفاعل هو ربُّ الدهر المعطي المانع، الخافض الرافع، المعز المذل، وأما الدهر فليس له من الأمر شيء، فمسبتهم للدهر هي مسبة لله عز وجل، ولهذا كانت مؤذية للرب جل جلاله.

ومَثَلُ من يفعل ذلك كرجل قضى عليه قاض بحق أو أفتاه مفت بحق، فجعل يقول: "لعن الله من قضى بهذا أو أفتى بهذا"، ويكون ذلك من قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وفتياه فيقع السبُّ عليه في الحقيقة، وإن كان السابُّ لجهله أضاف الأمر إلى المبلِّغ، مع أن المبلِّغ هنا ناقل للحكم، فكيف بالدهر والزمان الذي هو مجرد وعاء، وطرف محايد لا له ولا عليه، والله تعالى هو الذي يقلبه ويصرفه كيف يشاء.

إذاً فالإنسان بسبِّه للدهر يرتكب جملة من المفاسد، منها أنه سبَّ من ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخَّر من خلق الله، منقاد لأمره متذلل لتسخيره، فسابُّه أولى بالذم والسب منه.

ومنها أن سبه قد يتضمن الإشراك بالله جل وعلا، إذا اعتقد أن الدّهر يضر وينفع، وأنه ظالم حين ضر من لا يستحق الضر، ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من ليس أهلاً للحرمان، وكثيراً ما جرى هذا المعنى في كلام الشعراء القدماء والمعاصرين، كقول بعضهم:

يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا وأنت والد سوء تأكل الولــــــدا

وقول المتنبي:

قبحا لوجـهك يـا زمان كـــــأنه وجـه لــه من كـل قـبح بــــرقع

وقال آخر:

إن تبتلى بلـئام الـنـاس يـرفـعـهـم عليك دهر لأهل الفضل قد خانا

فسابُّ الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما: إما مسبة الله، أو الشرك به، فإن اعتقد أن الدَّهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، فهو يسب الله تعالى.

ثم إن في النهي عن سب الدهر دعوة إلى اشتغال الإنسان بما يفيد ويجدي، والاهتمام بالأمور العملية، فما الذي سيستفيده الإنسان ويجنيه إذا ظل يلعن الدهر ويسبه صباح مساء، هل سيغير ذلك من حاله؟ هل سيرفع الألم والمعاناة التي يجدها؟ هل سيحصل ما كان يطمح إليه؟، إن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً، ولا بد أن يبدأ التغيير من النفس وأن نشتغل بالعمل المثمر بدل أن نلقي التبعة واللوم على الدهر والزمان الذي لا يملك من أمره شيئاً.

نعيب زماننا والعـيـــــب فينا ومـا لـزماننا عـيـب سـوانا

وقد نهجوا الزمان بغير جرم ولو نطق الزمان بنا هجانا

هل الدهر من أسماء الله؟

والدَّهر ليس من أسماء الله، وذلك لأن أسماءه سبحانه كلها حسنى، أي بالغة في الحسن أكمله، فلا بد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا يوجد في أسماء الله تعالى اسمٌ جامدٌ لا يدل على معنى، والدَّهرُ اسم جامد لا يحمل معنى سوى أنه اسم للوقت والزمن.

ثم إن سياق الحديث أيضاً يأبى أن يكون الدَّهر من أسماء الله لأنه قال: (وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، والليل والنهار هما الدهر، فكيف يمكن أن يكون المقلَّب بفتح اللام هو المقلِّب بكسر اللام؟! ولذلك يمتنع أن يكون الدَّهر اسماً لله جل وعلا.

الأذى والضرر

وقد ذكر الحديث أن في سب الدهر أذية لله جل وعلا، ولا يلزم من الأذية الضرر، فقد يتأذى الإنسان بسماع القبيح أو مشاهدته أو الرائحة الكريهة مثلاً، ولكنه لا يتضرر بذلك، ولله المثل الأعلى، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن فقال تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا} (الأحزاب: 57)، ونفى عن نفسه أن يضره شيء، فقال تعالى: {إنهم لن يضروا الله شيئا} (آل عمران: 176)، وقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) رواه مسلم.
 
IMG_20201102_182012.png


متابعي منتدانا الغالين سنعمل من خلال هذا الموضوع بإذن الله تعالى على جمع وبيان الأحاديث القدسية التي رواها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه جل في علاه

تابعونا
 
عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبريل ـ عليه السلام ـ من عند الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد إن الله عز وجل قال لك: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات، من وافاهن على وضوئهن ومواقيتهن، وسجودهن، فإن له عندي بهن عهد أن أدخله بهن الجنة، ومن لقيني قد انقص من ذلك شيئا ـ أو كلمة تشبهها ـ فليس له عندي عهد، إن شئت عذبته، وإن شئت رحمته".
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى