علوم الحديث والسنة موسوعة الأحاديث القدسية

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

إسماعيل بوزيد Ismail Bouzid

نجم المنتدى
عضو قيم
إنضم
25 مارس 2011
المشاركات
29.491
مستوى التفاعل
99.130
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة حول الأحاديث القدسية

الحديث القدسي هو الحديث الذي يسنده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل، والقدسي نسبة للقدس، وهي تحمل معنى التكريم والتعظيم والتنزيه، ولعل من مناسبة وصف هذا النوع من الأحاديث بهذا الوصف، أن الأحاديث القدسية تدور معانيها في الغالب على تقديس الله وتمجيده وتنزيهه عما لا يليق به من النقائص، وقليلاً ما تتعرض للأحكام التكليفية.

ويرد الحديث القدسي بصيغ عديدة كأن يقول الراوي مثلاً: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل: (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار...) رواه البخاري.

أو أن يقول الراوي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه...) رواه البخاري ومسلم.

ومما تجدر الإشارة إليه أن وصف الحديث بكونه قدسياً لا يعني بالضرورة ثبوته، فقد يكون الحديث صحيحاً وقد يكون ضعيفاً أو موضوعاً، إذ إن موضوع الصحة والضعف المدار فيه على السند وقواعد القبول والرد التي يذكرها المحدثون في هذا الباب، أمَّا هذا الوصف فيتعلق بنسبة الكلام إلى الله تبارك وتعالى.

هل الحديث القدسي كلام الله بلفظه أو بمعناه:

اختلف أهل العلم في الحديث القدسي هل هو من كلام الله تعالى بلفظه ومعناه، أم أن معانيه من عند الله وألفاظه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فذهب بعضهم إلى القول الأول وهو أن ألفاظه ومعانيه من الله تعالى، أوحى بها إلى رسوله - عليه الصلاة والسلام - بطريقة من طرق الوحي غير الجلي - أي من غير طريق جبريل عليه السلام -، إما بإلهام أو قذف في الروع أو حال المنام، إلا أنه لم يُرِد به التحدي والإعجاز، وليست له خصائص القرآن، وذهب البعض إلى القول الثاني وهو أن الحديث القدسي كلام الله بمعناه فقط، وأما اللفظ فهو لرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول هو الصحيح الراجح.

الفرق بين القرآن والحديث القدسي:

هناك عدة فروق بين القرآن الكريم والحديث القدسي، ومن أهم هذه الفروق:

1- أن القرآن الكريم كلام الله أوحى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه وتحدى به العرب - بل الإنس والجن - أن يأتوا بمثله، وأما الحديث القدسي فلم يقع به التحدي والإعجاز.

2- القرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر، فهو قطعي الثبوت، وأما الأحاديث القدسية فمعظمها أخبار آحاد، فهي ظنية الثبوت، ولذلك فإن فيها الصحيح والحسن والضعيف.

3- القرآن الكريم كلام الله بلفظه ومعناه، والحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، على الصحيح من أقوال أهل العلم.

4- القرآن الكريم متعبد بتلاوته، وهو الذي تتعين القراءة به في الصلاة، ومن قرأه كان له بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وأما الحديث القدسي فغير متعبد بتلاوته، ولا يجزئ في الصلاة، ولا يصدق عليه الثواب الوارد في قراءة القرآن.

عدد الأحاديث القدسية والمصنفات فيها:

ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن مجموع الأحاديث القدسية المروية يتجاوز المائة، وذكر أنه قد جمعها بعضهم في جزء كبير، والصحيح أن عددها - بغض النظر عن صحتها - أكثر من ذلك فهو يجاوز الثمانمائة، بل قد يقارب الألف، وقد أفرد العلماء هذا النوع من الأحاديث بالتصنيف ومنهم الشيخ المناوي رحمه الله في كتابه المسمى (الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية)، وللعلامة المدني أيضاً كتاب (الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية)، وكتاب (الأحاديث القدسية) لابن بلبان، وهناك كتب معاصرة أفردت في هذا النوع من الأحاديث، ومنها كتاب (الجامع في الأحاديث القدسية) لعبد السلام بن محمد علوش، وكتاب (الصحيح المسند من الأحاديث القدسية) لمصطفى العدوي، وسنعرض إن شاء الله لبعض هذه الأحاديث بشيء من التفصيل والشرح والبيان، والله الموفق وعليه التكلان.
 
التعديل الأخير:
أنا أغنى الشركاء عن الشرك

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) رواه مسلم، وفي رواية ابن ماجه: (فأنا منه بريء وهو للذي أشرك).

معنى الحديث:

أنا غني عن أن يشاركني غيري، فمن عمل عملاً لي ولغيري لم أقبله منه، بل أتركه لذلك الغير.
 
التعديل الأخير:
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي

عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) أخرجه مسلم في صحيحه.

غريب الحديث

الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويطلق على مجاوزة الحد، والتصرف في حق الغير بغير وجه حق.
فلا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضاً.
فاستهدوني: اطلبوا الهداية مني.
صعيد واحد: الصعيد الموضع المرتفع أو الواسع من الأرض، والمقصود في أرض واحدة ومكان واحد.
المِخْيط: بكسر الميم وسكون الخاء، ومعناه الإبرة.
أُحصيها لكم: أضبطها لكم بعلمي وملائكتي الحفظة.
أوفيكم إياها: أعطيكم جزاءها في الآخرة.

منزلة الحديث

اشتمل هذا الحديث على كثير من قواعد الدين وأصوله، فنص على تحريم الظلم بين العباد، وهو من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة بتقريرها، وجاء التأكيد فيه على أهمية الدعاء، وطلب الهداية من الله وحده، وسؤال العبد ربه كل ما يحتاجه من مصالح دينه ودنياه، والدعاء هو العبادة.

كما أنه تضمن تنزيه الله، وإثبات صفات الكمال ونعوت الجلال له سبحانه، وبيان غناه عن خلقه وأنه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، وفيه أيضاً التنبيه على محاسبة النفس، وتفقد الأعمال، والندم على الذنوب، ولذلك كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وكان الإمام أحمد يقول عنه: "هو أشرف حديث لأهل الشام".
 
التعديل الأخير:
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله قال (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.

غريب الحديث

عادى: آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل.
ولياً: أصل الموالاة القرب وأصل المعاداة البعد، والمراد بولي الله كما قال الحافظ ابن حجر: "العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته".
آذنته بالحرب: آذن بمعنى أعلم وأخبر، والمعنى أي أعلمته بأني محارب له حيث كان محاربا لي بمعاداته لأوليائي.
النوافل: ما زاد على الفرائض من العبادات.
استعاذني: أي طلب العوذ والالتجاء والاعتصام بي من كل ما يخاف منه.

منزلة الحديث

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: "هو أشرف حديث روي في صفة الأولياء"، وقال الشوكاني: "هذا الحديث قد اشتمل على فوائد كثيرة النفع، جليلة القدر لمن فهمها حق فهمها وتدبرها كما ينبغي".
 
التعديل الأخير:
أنا عند ظن عبدي بي

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري ومسلم.

منزلة الحديث

هذا الحديث من أحاديث الرجاء العظيمة التي تحث المسلم على حسن الظن بالله جل وعلا، والإكثار من ذكره، وبيان قرب الله من عبده إذا تقرب إليه العبد بأنواع الطاعات.

غريب الحديث

ملأ: المَلأ أشراف الناس ورؤَساؤهم ومقَدَّموهم الذين يُرجَع الى قولهم، والمقصود بهم في هذا الحديث الجماعة.
 
التعديل الأخير:
لو بلغت ذنوبك عنان السماء

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وصححه ابن القيم وحسنه الألباني.

غريب الحديث

عنان السماء: وهو السحاب وقيل ما انتهى إليه البصر منها.
قراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها.
إنك ما دعوتني ورجوتني: أي ما دمت تدعوني وترجوني.
ولا أبالي: أي إنه لا تعظم علي مغفرة ذنوبك وإن كانت كبيرة وكثيرة.

منزلة الحديث

هذا الحديث من أرجى الأحاديث في السنة، ففيه بيان سعة عفو الله تعالى ومغفرته لذنوب عباده، وهو يدل على عظم شأن التوحيد، والأجر الذي أعده الله للموحدين، كما أن فيه الحث والترغيب على الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
 
التعديل الأخير:
ارقبوه.. فإن عملها فاكتبوها له بمثلها

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله عز وجل: (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الملائكة: رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به، فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرَّاي) رواه الشيخان، وهذه رواية مسلم.

غريب الحديث

تحدث: أراد، وحدث نفسه.
من جرَّاي: من أجلي.

منزلة الحديث

هذا الحديث يبين عظيم فضل الله ورحمته بعباده، ويبعث الأمل في نفس المؤمن، ويدفعها للعمل الصالح وكسب الأجر والثواب، فما أعظمه من حديث لترغيب القانطين من رحمة الله.
 
التعديل الأخير:
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) وفي رواية: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

مفردات الحديث

مجدني عبدي: عظمني وشرفني.
فوض إلي عبدي: رد الأمر إلي.

منزلة الحديث

هذا الحديث يبين فضل سورة الفاتحة ومنزلتها من الدين، ولذا قال بعض السلف مبينا ما لهذه السورة من شأن عظيم عند الله: "أنزل الله عز وجل مائةً وأربعة كتب، جمع علمها في أربعة وهي: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وجمع علم الأربعة في القرآن، وعلم القرآن في المفصَّل، وعلم المفصَّل في الفاتحة، وعلم الفاتحة في قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} (الفاتحة: 5)".

معنى الحديث

وقوله في الحديث: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) يعني الفاتحة، وسميت صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها، كقوله - صلى الله عليه وسلم - الحج عرفة، فبين الحديث أن الله عز وجل قد قسم هذه السورة العظيمة بينه وبين عبده نصفين، فهو سبحانه له نصف الحمد والثناء والتمجيد، والعبد له نصف الدعاء والطلب والمسألة، فإن نصفها الأول من قوله سبحانه: {الحمد لله رب العالمين} إلى قوله: {إياك نعبد} تحميد لله تعالى، وتمجيد له، وثناء عليه، وتفويض للأمر إليه، ونصفها الثاني من قوله تعالى: {وإياك نستعين} إلى آخر السورة، سؤال وطلب وتضرع وافتقار إلى الله، ولهذا قال سبحانه بعد قوله {إياك نعبد وإياك نستعين} وهذه بيني وبين عبدي.

وبذلك يكشف لنا هذا الحديث الصحيح عن سر من أسرار اختيار الله لهذه السورة ليرددها المؤمن سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة أو ما شاء الله له أن يرددها، كلما قام يدعو ربه ويناجيه في صلاته ، فلا يقوم غيرها مقامها.
 
التعديل الأخير:
لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: (وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان وابن المبارك في كتاب الزهد وأبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار والشيخ الألباني في السلسلة.

حقيقة الخوف ودرجاته

والخوف ليس مقصودا لذاته، بل هو وسيلة لغيره، ولهذا يزول بزوال المخوف، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم: فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل، قال بعض الحكماء: "ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه"، ومنه قدر واجب ومستحب، فالواجب منه ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل، والبعد عن المكروهات، وعدم التوسع في فضول المباحات، كان ذلك مستحباً، فإن زاد على ذلك، بحيث أدى إلى اليأس والقنوط والمرض، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف المحُرَّم.
 
التعديل الأخير:
الكبرياء ردائي والعظمة إزاري

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)، وروي بألفاظ مختلفة منها (عذبته) و(وقصمته)، و(ألقيته في جهنم)، و(أدخلته جهنم)، و(ألقيته في النار) الحديث أصله في صحيح مسلم وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وغيرهم وصححه الألباني.

معاني المفردات

نازعني: المعنى اتصف بهذه الصفات وتخلق بها.
قذفته: أي رميته من غير مبالاة به.
قصمته: القصم الكسر، وكل شيء كسرته فقد قصمته.

معنى الحديث

هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر والاستعلاء على الخلق، ومعناه أن العظمة والكبرياء صفتان لله سبحانه، اختص بهما، لا يجوز أن يشاركه فيهما أحد، ولا ينبغي لمخلوق أن يتصف بشيء منهما، وضُرِب الرِّداءُ والإزارُ مثالاً على ذلك، فكما أن الرداء والإزار يلصقان بالإنسان ويلازمانه، ولا يقبل أن يشاركه أحد في ردائه وإزاره، فكذلك الخالق جل وعلا جعل هاتين الصفتين ملازمتين له ومن خصائص ربوبيته وألوهيته، فلا يقبل أن يشاركه فيهما أحد.

وإذا كان كذلك فإن كل من تعاظم وتكبر، ودعا الناس إلى تعظيمه وإطرائه والخضوع له، وتعليق القلب به محبة وخوفا ورجاء، فقد نازع الله في ربوبيته وألوهيته، وهو جدير بأن يهينه الله غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وإذا كان المصَوِّر الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة، لتشبهه بالخالق جل وعلا في مجرَّد الصنعة، فما الظن بالتشبه به في خصائص الربوبية والألوهية، وقل مثل ذلك فيمن تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له وحده، كمن تسمى بـ"ملك الملوك" و"حاكم الحكام" ونحو ذلك، وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك)، فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به في الإسم الذي لا ينبغي إلا له سبحانه فكيف بمن نازعه صفات ربوبيته وألوهيته.
 
التعديل الأخير:
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى