• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

أبو القاسم الشابي ... حياته وآثاره

سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ





سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ
سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ
فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ
فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ
وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ
فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ
لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ
فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ
كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ
لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ
فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ
 
أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ






أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ تُحَطِّمُهَا مِثْلَ الغُصُونِ المَصَائِبُ
سألتُ الدَّياجي عن أماني شبيبَتي فَقَالَتْ: «تَرَامَتْهَا الرِّياحُ الجَوَائِبُ»
وَلَمَّا سَأَلْتُ الرِّيحَ عَنْها أَجَابَنِي: "تلقَّفها سَيْلُ القَضا، والنَّوائبُ
فصارَت عفاءً، واضمحلَّت كذرَّة ٍ عَلى الشَّاطِىء المَحْمُومِ، وَالمَوْجُ صَاخِبُ»
 
في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً




في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً متأجَّجَ الآلام والآراب
"الحقلُ يملكه جبابرة ُ الدّجى والروضُ يسكنه بنو الأرباب
«والنَّهرُ، للغُول المقدّسة التي لا ترتوي، والغابُ للحَطّابِ»
«وعرائسُ الغابِ الجميلِ، هزيلة ٌ ظمأى لِكُلِّ جَنى ً، وَكُلِّ شَرابِ»
ما هذه الدنيا الكريهة ُ؟ ويلَها! حَقّتْ عليها لَعْنَة ُ الأَحْقابِ!»
الكونُ مُصغٍ، ياكواكبُ، خاشعٌ طال انتظاري، فانطقي بِجواب"!
فسمعتُ صوتاً ساحراً، متموجاً فوق المروجِ الفيحِ، والأَعْشابِ
وَحَفيفَ أجنحة ٍ ترفرف في الفضا وصدى ً يَرنُّ على سُكون الغابِ:
الفجرُ يولدُ باسماً، مُتَهَلِّلاً في الكونِ، بين دُحنِّة ٍ وضباب
 
فلسفة الثعبان المقدس





كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ
والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ
والكون من مظهرِ الحياة كأنما هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ
بُغتَ الشقيُّ، فصاح من هول القضا متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، إلا أنني متغزلٌ بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»
فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ الثلاّبِ»
والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي»
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي»
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ»
«وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ»
«فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً، قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي»
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
«وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي..؟
إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً في روحي الباقي على الأحقابِ..
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي»
فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا رأي للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ، الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
«فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها وارحم جلالَكَ من سماع خطابي"
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ
 
إني ارى َ..، فَأرَى جُمُوعاً جَمَّة




إني ارى َ..، فَأرَى جُمُوعاً جَمَّة ً لكنّها تحيا بِلاَ ألْبابِ
يَدْوِي حوالَيْها الزَّمانُ، كأنَّما يدوي حوالَي جندلٍ وترابِ
وإذا استجَابُوا للزمانِ تَنَاكروا وَتَرَاشَقُوا بالشَّوكِ والأحْصَابِ
وقضَوا على رُوح الأخوَّة ِ بينهم جَهلاً وعاشُوا عِشية َ الأَغرابِ
فرِحتْ بهم غولُ التّعاسة ِ والفَنَا وَمَطَامِعُ السّلاَّب والغَلاّبِ
لُعَبٌ، تُحرِّكُها المَطامعُ، واللّهى وصَغائِرُ الأحقادِ والآرابِ
وأرى نفوساً، مِنْ دُخانٍ، جامدٍ مَيْتٍ، كأشباحٍ، وراءَ ضَبَابِ
مَوتى ، نَسُوا شَوقَ الحياة ِ وعزمَها وتحرَّوا كتحرُّكِ الأنصابِ
وخبَا بهمْ لَهَبُ الوجودِ، فما بقُوا إلاَّ كمحترِقٍ من الأخشابِ
لا قلبَ يقتحمُ الحياة َ، ولا حِجَى ً يسمُو سُمُوَّ الطَّائر الجوَّابِ
بلْ في اليرابِ المَيتِ، في حَزن الثَّرى تنمو مَشَاعِرُهُمْ مع الأَعشابِ
وتموتُ خاملة ً، كَزَهرٍ بائسٍ ينمو ويذبُل في ظَلامِ الغَابِ
أبداً تُحدِّقُ في التراب..، ولا تَرَى نورَ السماءِ..، فروحُها كتُرابِ..!
الشَّاعرُ الموهوبُ يَهْرِق فنَّه هدراً على الأَقْدامِ والأَعْتابِ
ويعيشُ في كونٍ، عقيمٍ، ميِّتٍ قَدْ شيَّدتْهُ غباوة ُ الأَحقَابِ
والعاِلِمُ النِّحريرُ يُنفقُ عُمره في فهمِ ألفاظٍ، ودرسٍ كيابٍ
يَحيا على رِمَمِ القديم المُجتَوَى كالدُّود في حِمَمِ الرَّماد الخابي
والشَّعبُ بينهما قطيعٌ، ضَائعٌ دُنياه دنيا مأكلٍ وشرابِ
الوَيلُ للحسَّاسِ في دُنياهمُ ماذا يُلاقي من أَسَى ّ وعَذِابِ!
 
ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ .......... حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيف ........ وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ ........ وتبدرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ ........ وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام ......... وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ .......... ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ ......... رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ ......... وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ
سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء ......... ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ
 
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ




أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ لِ،! ياهيكلَ الحَياة ِ الرَّهيبِ!
فِيكَ تَجْثُو عرائسُ الأَمَلِ العذْ بِ، تُصلَّي بصَوتِها المحبوبَ
فَيُثيرُ النَّشِيدُ ذكرى حياة ٍ حَجَبَتها غيومُ دَهر كَئيبِ
وَتَرُفُّ الشُّجونُ مِنْ حول قلبي بسُكُونٍ، وَهَيْبَة ٍ، وَقُطُوبِ
أنتَ ياليلُ! ذرَّة ٌ، صعدت للكونِ، من موطئ الجحيمِ الغَضوبِ
أيُّها الليلُ! أنت نَغْمٌ شَجِيُّ في شفاهِ الدُّهورِ، بين النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكُونِ، التي ترتجّ في صدرك الرّكود، الرحيب
تُسْمِعُ النَّفْسَ، في هدوء الأماني رنة َ الحقَّ، والجمال الخلوبِ
فَتَصوغُ القلوبُ، منها أَغَارِيداً، تَهُزُّ الحياة َ هَزَّ الخُطُوبِ
تتلوّى الحياة ُ، مِنْ أَلَم البؤْ فتبكي، بلوعوٍ ونحيبِ
وَعَلى مَسْمَعيكَ، تَنْهلُّ نوحاً وعويلاً مُراً، شجون القلوبِ
فأرى بُرقعاً شفيفاً، من الأو جاع، يُلقي عليك شجوَ الكئيبِ
وأرى في السُّكون أجنحة الجبَّـ ـبارِ، مخلصة ً بدمعِ القُلوبِ
فَلَكَ اللَّهُ! مِنْ فؤادٍ رَحيمٍ ولكَ الله! من فؤادٍ كئيب
يهجع الكونُ، في مابيبة ِ العصفور طفلاً، بصدركَ الغربيب
وبأحضانك الرحيمة ِ يستيقظُ، في نضرة الضَّحُوكِ، الطَّرُوبِ
شَادياً، كالطُّيوبِ بالأَملِ العَذْ بِ، جميلاً، كَبَهْجَة ِ الشُّؤْبُوبِ
ياظلام الحياة !يا روعة الحزنِ! ن! وَيَا مِعْزَفَ التَّعِيس الغَرِيبِ

وبقيثارة السّكنة ، في كفَّيـ
فَيكَ تنمُو زَنَابِقُ الحُلُمِ العذْ، بِ، وتذوِي لدَى لهيبِ الخُطوبِ
أَمْ قُلُوبٌ مُحِطَّاتٌ عَلَى سَا بُ ظِلالُ الدُّهورِ، ذَاتَ قُطوبِ

لبناتِ الشعر..، لكن قوَّضتهُ الحادثات
وَبِفَوْديكَ، فِي ضَفَائِرِكَ ـودِ، تدَّب الأيامُ أيَّ دَبيبِ
صَاحِ! إنَّ الحياة َ أنشودة ُ الحُزْ نِ، فرتِّلْ عَلَى الحياة ِ نَحِيبي
إنَّ كأسَ الحياة ِ مُتْرَعَة ٌ بالذَّمْـ مْعِ، فاسْكُبْ على الصَّبَاحِ حَبيبي
إنّ وادِي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ لِ، فما أبعد ابتسام القلوبِ!
لا يُغرّنَّك ابتسامُ بني الأر ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهِيبِ
أنتَ تدري أنَّ الحياة َ قطو بٌ وَخُطُوبٌ، فَما حَيَاة ُ القُطُوبِ؟
إنّ في غيبة ِ الليالي، تِباعاً لخَطيبٌ يمرُّ إثر خطوبِ
سَدَّدَتْ في سكينة ِ الكونِ، للأعما قِ، نفْسي لخطأ بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرة ٌ مَزَّقَتْ شِغَافَ اللَّيالي لي فرأتْ مهجة َ الظْلام الهيوبِ
ورأتْ في صميمِها، لوعة َ الحزْ نِ، وأَصْغَتْ إلى صُراخِ القُلُوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ، إنّي قد خبرتُ الحياة َ خُبرَ لبيبِ
فتبرمتُ بالسّكينة والضجّـ ـة ، بل فد كرهتُ فيها نصيبي...
كنْ كما شاءَت السماءُ كئيباً أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأَريبِ؟
أنفوسٌ تموتُ، شاخِصَة ً بالهو لِ، في ظلمة ِ القُنوطِ العَصيبِ؟
حلِ لُجِّ الأَسَى ، ـجِّ الأَسى ، بموْجِ الخُطوبِ؟
إنما النّاسُ في الحياة طيورٌ قد رَمَاهَا القَضَا بِوادٍ رَهِيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جَوَانبه السو دِ فيقْضي على صَدَى العندليبِ
قَدْ سَألتُ الحياة َ عَنْ نغمة ِ الفَجْـ ـرِ، وَعَنْ وَجْمة المساءِ القَطُوبِ
فسمعتُ الحياة َ، في هيكلِ الأحزا نِ، تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ:
مَا سُكوتُ السَّماءِ إلا وُجُومٌ مَا نشيدُ الصَّبَاحِ غيرُ نحيبِ
لَيْسَ في الدَّهْرِ طَائرٌ يتغنّى في ضِفَافِ الحياة ِ غَيْرَ كَئيبِ
خضَّبَ الإكتئابُ أجنحة َ الأيّا مِ، بِالدَّمْعِ، والدَّم المَسْكُوب
وَعَجيبٌ أنْ يفرحَ النّاسُ في كَهْـ ـفِ اللَّيالي، بِحُزْنِهَا المَشْبُوبِ!»
كنتُ أَرْنو إلى الحياة ِ بِلَحْظٍ باسمٍ، والرّجاءُ دونَ لغوبِ
ذَاكَ عَهْدٌ حَسِبْتُهُ بَسْمَة َ الـ ـفَجْر، ولكنَّه شُعاع الغُروبِ
ذَاكَ عَهْدٌ، كَأَنَّه رَنَّة ُ الأفرا ح، تَنْسَابُ منْ فَمِ العَنْدَليبِ
خُفِّفَتْ ـ رَيْثَما أَصَخْتُ لَهَا بالقَلْـ ـبِ، حيناً ـ وَبُدِّلَتْ بَنَحيبِ
إن خمر الحياة وردية ُ اللونِ ولكنَّها سِمامُ القُلوبِ
جرفتْ من قرارة ِ القلبِ أحْلا مي، إلى اللَّحْدَ، جَائِراتُ الخُطُوبِ
فَتَلاشَتْ عَلَى تُخُومِ الليالي وتهاوَت إلى الجحيم الغضوبِ
وسوى في دُجنّة النّفس، ومضٌ لم يزل بين جيئَة ٍ، وذُهوبِ
ذكرياتٌ تميسُ في ظلمة ُ النَّفـ ـسِ، ضئالاً كرائعاتِ المشيبِ
يَا لِقَلْبٍ تَجَرّعَ اللَّوعة َ المُرَّ ة َ منْ جدولِ الزَّمانِ الرَّهيبِ!
وَمَضَتْ في صَمِيمِهِ شُعْلَة ُ الحُزْ ن، فَعَشَّتْهُ مِنْ شُعَاعِ اللَّهيبِ..
 
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ، وفي غدٍ




ضحِكْنا على الماضي البعيدِ، وفي غدٍ ستجعلُنا الأيامُ أضحوكة َ الآتي
وتلكَ هِيَ الدُّنيا، رِوَايَة ُ ساحرٍ عظيمٍ، غريب الفّن، مبدعِ آياتِ
يمثلها الأحياءُ في مسرح الأسى ووسط ضبابِ الهّم، تمثيلَ أمواتِ
ليشهدَ مَنْ خَلْفَ الضَّبابِ فصولَها وَيَضْحَكَ منها مَنْ يمثِّلُ ما ياتي
وكلٌّ يؤدِّي دَوْرَهُ..، وهو ضَاحكٌ على الغيرِ، مُضْحُوكٌ على دوره العاتي
 
لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ،




لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ، أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ
إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ، قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ
كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ، مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ
ألبسُ روحَهُ قميصَ اضطهادٍ فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ
وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْ هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ
أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ
شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ
لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مـ ـتُّ وقامتْ على شبابي المناحَة ْ
لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ
وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ
إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّي مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ
ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ
 
يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ،





يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ، بَلْ يَا بَهَاءَ هذا الوُجُودِ
قد رأَيْنا الشُّعُورَ مُنْسَدِلاتٍ كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ
ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ..، أو تَحْلُمُ بالنُّورِ، بالهوى ، بِالنّشيدِ
وَرَأينا الخُدودَ، ضرّجَها السِّحْرُ، فآهاً مِنْ سِحْرِ تلكَ الخُدود
ورأينا الشِّفاه تبسمُ عن دنيا من الورد غضّة ٍ أملُود
ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ، كالأزهارِ في نشوة الشباب السعيدِ
فتنة ٌ، توقظ الغرام، وتذكيه وَلكنْ مَاذا وراءَ النُّهُودِ
ما الذي خلف سحرها الحالي، السكران، في ذلك القرارِ البعيدِ..؟
أنفوسٌ جميلة ٌ، كطيور الغابِ تشدوُ بساحر التغريدِ
طاهراتٌ، كأَنَّها أَرَجُ الأَزَهارِ في مَوْلِدِ الرّبيعِ الجَديد؟
وقلوبٌ مُضيئة ٌ، كنجوم الليل ضَوَاعة ٌ، كغضِّ الورودِ؟
أم ظلامٌ، كأنهُ قِطَعُ الليل، وهولٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ
وخِضَمُّ، يَمُوج بالإثْمِ والنُّكْ رِ، والشَّرِّ، والظِّلالِ المَديدِ؟
لستُ أدري، فرُبّ زهرٍ شذيِّ قاتل رغمَ حسنه المشهودِ
صانَكنَّ الإلهُ من ظُلمة ِ الرّوحِ وَمِنْ ضَلّة الضّميرِ المُرِيدِ
إن ليلَ النّفوسِ ليلٌ مُريِعٌ سرمديُّ الأسى ، شنيع الخلودِ
يرزَحُ القَلْبُ فيه بالأَلَم المرّ، ويشقي بعِيشة المنكودِ
وَربيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدُّهْرُ، ويمضي بِحُسْنِهِ المَعْبُودِ
غيرَ باقٍ في الكونِ إلا جمالُ الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأَبيدِ
 
أعلى