• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

أستاذ الرياضيات ...إنه نصر من الله وفتح مبين

charrada

عضو ذهبي بالمنتدى العام
إنضم
24 فيفري 2012
المشاركات
2.733
مستوى التفاعل
6.701


مذكرات من زمن الكورونا 5

العم حمادي أستاذ رياضيات يدرس الأقسام النهائية درس في فرنسا وعاش حقب سياسية مختلفة ولد زمن

الاستعمار وعاش في زمن بورقيبة وعاد ليستقر في المدينة الصغيرة زمن بن علي, عرف أيضا أحداث الثورة وزمن الترويكا مع المرزوقي وصولا لزمن وباء الكورونا .

دعاني للجلوس في سقيفة داره والعم حمادي يسكن في دار الوالد ,أبوه كان قاضيا ومن خريجي جامع الزيتونة المعمور أول جامعة في العالم الإسلامي ولكم أن تتصوروا كيف هي الدار كل شيئا فيها له حكاية وكل شيء ينضح فيه عبق التاريخ ...العم حمادي يساري قديم وكان في درس الرياضيات غالبا ما يتناول مسائل فلسفية ويبدع في تفصيلها خاصة التي تكون مرتبطة بالمادية التاريخية والمادية الجدلية يتقن هيجل وفيورباخ إلى جانب ماركس طبعا في رده على فلسفة البؤس لبرودون في كتاب بؤس الفلسفة . كان أستاذ الفلسفة في المعهد قد درس في سوريا , الدرس عنده مملا ورتيبا وقد يكون جبنه وخوفه هو الذي جعله يتقيد بالبرنامج مثل العسكري في نوبة حراسة .العم حمادي عبقري يمشي في السوق بين الناس ,كنا نجمع له التمارين الصعبة ونأتيه أخر الساعة فكان التمرين لا يجد الوقت حتى ينطق بالشهادتين بين يديه بالكاد يشعل سيجارته المعهودة ويعب منها نفسا طويلا وبعد أن ينفث دخانا كثيفا من مناخيره يكون الحل جاهزا ...إنه شيطان الرياضيات جن أرقط ...الجواب الشافي والوافي الذي يسقط الجميع بالضربة القاضية فنغادر نجر أذيال الخيبة والهزيمة المرة متى سنهزم هذا الوحش الكاسر ونمرغ كبرياؤه في التراب؟كان لا يحمل معه للقسم غير الطباشير والممسحة .لقد كان يعمل بتفاني وإتقان لا يضيع الوقت كتابة ومسح دون أن يكل أو يمل .



بقيت واجما عندما ناولني القهوة ثم ألحقها بسيجارة .قلت وبالكاد أستجمع الأحرف أنني انقطعت عن هذه الموبقة وطلقتها بالثلاث ..بدا على وجهه الامتعاض وعدم الرضا من الأخلاقويات التي رجمته بها في هذا الصباح الباكر إن أساتذة الرياضيات يختزنون في داخلهم روح الدكتاتورية والقمع قاطعين في خيارتهم مثل السكين الحاد , كالمادة التي يدرسونها متعالية متمشية بين العلوم مثل المختال الفخور .حاولت تلطيف الأمر فقلت يا أستاذ أبقاك الله إن الطبيب حرم عليا القهوة لضغط الدم والدخان لحساسية تنتابني عند تبدل الطقس .لم يكترث بما قلت لم يصدقني وهذا الأرجح , كلامي بنسبة إليه كمن يتبول في الصحراء لا يسمن ولا يغني من جوع ,رمقني بنصف عين ثم أشعل سيجارته وعب منها نفسا طويلا ثم نفث دخانه فملأ المكان برائحة سيجارته التي من النوع الرديء يا عيني إنك بين يدي خبير بعون الله نرعاكم لقد دخنت جميع الأنواع بدأت مع الحالوزي سجائر الخمسة فرنك الواحدة حتى ناب عليا الله فدخنت المستورد وكنت كلما احتج عليا البعض من الرفاق و نعتوني بالبرجوازي المتسلق كنت أرد ضاحكا إنني أقاوم الإمبريالية عبر حرقها .لقد كنت أمازح الأصدقاء قائلا عندما كنت أدخن سجائر 20 مارس ,إني معارض شرس وعنيد فاشهدوا يا أبناء قوم لوط يا حمير تركبها السلطة بمناسبة وبغير مناسبة, بماذا تستمر السلطة جاثمة فوق صدورنا لولا هذه الجحافل من الموظفين الحمقى اشهدوا يا بغال الدولة فقد يعطيني الحكام الجدد منحة فأنا أحرق السيجارة حتى تختفي ال20مارس إني أمحوها من الوجود إذا فأنا لا أعترف بهذا الاستقلال البغيض والمغشوش وبمنطق التناظر وفق قانون الرياضيات أنا مناضل جسور حتى وإن كنت أحرث البحر بدل الأرض البور .

أرجحني الخيال وذهب بي بعيدا تذكرت زمن الشقاوة والنضال وسنتي الأولى في الجامعة عندما كنت أتدرب على مسك الكلمة في التجمعات الطلابية ,أن تبقي الكلمة مسترسلة وتهمش كل من يقاطعك أو يستفزك يعتبر فنا ودربا من دروب النضال والحذلقة السياسية أيضا التي يجب إتقانها والتدرب عليها.تذكرت رفاق الطريق العدو والصديق انتابني شعور غريب يتعذر وصفه , اجتاحت مخيلتي صور كثيرة حتى بدا المشهد مشوشا وضبابيا كمن يتحسس طريقه في الظلام الدامس ..اجتاحني الشعور بالذنب وندمت أنني طاوعت العم حمادي ودخلت معه السقيفة .الرجل لم أجد منه غير التفاهم ومد يد المساعدة وكان يمدني بوثائق وتمارين أدرس بها ابني بل أنه كان رحمة لأبناء الحي الفقراء يقدم لهم العون ويساعدهم على تدارك ما فاتهم أو استعصى عنهم من دون مليم, منذ كان يدرس في المعهد لا يأخذ مليم مقابل معونة يقدمها لأخ أو رفيق كان لا يهتم بالألوان ولم تخطر له يوم على بال, كان يقول كلنا بناة لهذا الوطن تشتتنا السياسة وستجمعنا المحن .تذكرت ما كان يردده الأستاذ وقلت في داخلي هل تجد محنة أشد من هذه المحنة ؟أحس الأستاذ أنني في ورطة فبادرني بالحديث عن القرارات التي اتخذناها حتى نحمي سكان الحي قال بصوت فيه بحة من شدة التدخين لو لا تقدمي في العمر لكنت معكم إني معكم وإن احتجتم أي نصيحة أو مساعدة فأنا رهن الإشارة بإذن الله ..

فتكم بالحديث أن العم حمادي تبدلت أفكاره وموقفه من العالم من مدة وقد يكون تقدمه في العمر هو من دفعه لذلك .الأفكار تختمر وتفرز كيمياء خاصة وإلا الأغبياء يبقون ثابتين الأذكياء يتفاعلون مع الواقع بأكثر مرونة ويعدلون مواقفهم .قال إن الكورونا هي نصر من الله وفتح عظيم , استغربت مما قال وتصورت أنه يهذى وقد تكون ذاكرته أصبحت ضعيفة فلا يميز بين العير والنفير .أو ربما قد أثرت فيه الدعاية التي يقوم بها البعض ضنا منهم أنهم ينصرون الإسلام .هل يجب أن يرفع الأذان في إسبانيا حتى يترسخ عندنا الإيمان بالله أم يبكي رئيس إيطاليا طالبا من كل مؤمن الدعاء لأنه لم يبقى أمام الأطباء غير بركات السماء لندلل على وجد الموجود هل يجب أن تقرى الفاتحة في بداية كل اجتماعات قادة العالم حتى نؤكد على صدقية الرسول محمد , إن هؤلاء يتكلمون انطلاقا من أزمة شك يعيشونها في علاقاتهم بالله شعارهم المشنقة مع الجماعة خلاعة...إنهم يعيشون أزمة وجودية خانقة ...إن ما يقومون به محاولات للتنفيس عن كبت دفين يختمر من زمن طويل في ذواتهم الموبوءة إنهم أشد فتكا وخطرا من الوباء الأخذ في الانتشار حول العالم ...لقد أحس الأستاذ حمادي بحيرتي وقلقي مما قال ..رمقني جيدا ثم قال إن الأمر ليس كما يتصوره الدواعش إن ما تتداوله الشبكة لو كان الرسول بيننا لتبرأ منهم لكن الأمر يستوي وينضبط بشدة عندما يفهم بشروطه ..كيف نكره الشيء فنحوله لخير وفير ..إن أول هذا الخير ما هو بين ظاهر مثل الشمس عندما تتجلى الحقيقة بمنطقها الصارم في كبد السماء , إن كثيرا من الشعوب ستخسر جزء من سكانها وهذا سيفتح الباب لشبابنا للهجرة والعمل بكل كرامة بدل ركوب قوارب الموت التي تعصف بأحلامهم وأمالهم .إن الأزمات تبرز الخور كما أن الحاجة أم الاختراع وللضرورة أحكامها وقد يطول الحجر وانغلاق الشعوب عن بعضها البعض وهذا سيحول البلاد إلى ورشة لتصنيع حاجياتنا ستجبرنا الضروف الموبوءة أن نتحول إلى دولة مصنعة وهذا سيخلصنا من التبعية.أبهرني تفكير الأستاذ وما تصورت الأمر على هذه الشاكلة ثم إستسمحته في المغادرة ..

استغربت كثيرا مما قاله ..هناك نقلة نوعية في وعي الرجل ..ماركسي قديم يتخلى عن أفكاره ويصبح من رواد المساجد إنه دون شك لن يكون إلا أستاذ رياضيات ..الأدباء غاوون في كل بحر يهيمون وعلى قوالبهم محافظون ..الذين يتسلحون بالمنطق العلمي ومناهجه الصارمة هم وحدهم يضاجعون الحقيقة البكر ..تذكرت كتاب العالمية الإسلامية الثانية للكاتب السوداني أبو القاسم حاج حمد .إن السيد حمادي يتماهى معه .. فكره فيه نوع من لهوت التحرير الثوري والفريد, المستقل بذاته, يتحول معه الدين إلى محرك دافع للشعوب لا مخدر ..كلامه فيه الكثير من الواقعية الناس في هذه الأزمة تشبثوا بدينهم وجعلوه مخرجا لهم لكن كذلك بحثوا عن حاجياتهم في التوقي وعند الأطباء ..سلطة جديدة أخذة في البروز والتشكل ملامحها تظهر مع الوقت .الجيش الأبيض بدل رجال الدين , هذه المرة بارت تجارتهم لقد عراهم الوباء ..حتى هم لم يبحثوا عن النجاة في الدعاء ولكنهم مثلهم مثل غيرهم هرعوا نحو الأطباء. لقد كانت الأزمة السورية بمثابة المسمار الذي دق في نعش هؤلاء وجاء الوباء فشيعهم إلى مثواهم الأخير , إنهم يحاولون أن يتشبثوا بأي خيط قد يكون فيه مخرجا ونجاة فيخلقون الكثير من الحكايات التي لم يعد يصدقها أحد. كش مات لقد انتهيتم وبارت تجارتكم .ما بعد كورونا لن يكون رجل الدين على الشاكلة التي عرفناها من قبل مثله مثل كل العالم الذي سيعاد تشكيله بكل مواقع قوته التقليدية .
 
التعديل الأخير:
على كل فعلت الإدارة خيرا ولو أن الخير في ما اختاره الله. هذا نص للكل وليس لأحد على قول نيتشه وبما أن النص يتحدث من المستقبل فهو قد يكون متجاوزا للزمان والمكان.
 
هذا النص من صفحة الأخ نبيل بوزويته وهو خريج كلية الشريعة وكان خطيبا بجامعها عندما كان طالبا هذا النص يؤكد ويرسخ ويؤصل ما ذهبت إليه.

وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
الأنبياء رحمة السّماء للخلق، وأهل الطبّ رحمةالأرض للخلق.. أفلا يشبهون الأنبياء؟!
-" استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم"
النبوّة دعوة للحياة، والطبّ ومتعلّقاته إصرار على الحياة.. أليس الطبّ معنى من معاني النبوّة؟!
-"و جعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات.."
الأنبياء طلائع هداية وخير وإيثار، الأطبّاء ومن تبعهم بإحسان على خطّ النار، يحملون أكفانهم ويستودعون الحياة.. أفلا يشبهون الأنبياء؟!
-"إنّ ابراهيم كان أمّة"
هكذا النبيّ فردٌ في صيغة الجمع لأنّ قلبه وسع الوجود، وهؤلاء أصحاب البدلات البيضاء والخضراء والزرقاء وبكلّ الألوان يستوعبون النّاس كلّ الناس دون تردّد أو تحفّظ.. أفلا يشبهون الأنبياء؟!
-"يا أيها الناس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة.." النبوّة إعلان على وحدة العالم واجتماعه وتضامنه، الأطبّاء يرتقون اليوم بهذا العالم إلى صورة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى.. أفلا يشبهون الأنبياء؟!
-"يا محمّد، والله لا يخزيك الله أبدا، إنّك تحمل الكَّلّ وتُكسِب المعدوم وتعين على نوائب الدهر".. الأطبّاء في هذا الوباء يستبدلون الذي هو أدنى _حياتهم الخاصة_ بالّذي هو خير: حياة الناس.. أفلا يشبهون سيّد الأنبياء؟!
-"من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا"، وهؤلاء الأطبّاء ومن على صعيدهم نفروا خفافا وثقالا ولم يثّاقلوا إلى الأرض ولم يقعدوا مع الخوالف ولم يطبع الله على قلوبهم بل جاهدوا بأنفسهم في سبيل الحياة والإنسان والخير.. أليسوا أشبه بالأنبياء؟!
رحم الله الإمام الشافعي القائل: "لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطّب"
فإلى متى يواصل المتوهّمون بالقرب من الله الإستمتاعَ بدور حُجّابٍ لجنّته أو خَزنةٍ لناره؟!
نلتقي على محبة.
 
إلى متى يواصل المتوهمون أنهم أكثر تنورا و رحمة وفهما لحقيقة الدين و يتوقفوا عن لعب دور المتسامح الكيوت؟
ثقافة عدنان إبراهيم " كل رجال الدين أشرار ومتخلفون ولم يفهموا الدين بطريقة صحيحة إلا أنا "
 
ثقافة عدنان إبراهيم " كل رجال الدين أشرار ومتخلفون ولم يفهموا الدين بطريقة صحيحة إلا أنا "
ثم تتبين حقيقته بعد ذلك وزيف تسامحه...كما عدنان ابراهيم اللي يسب في الصحابة ويتهم فيهم بالظلم وبعد ولى يطبل لحكام الامارات.
 
التعديل الأخير:
أعلى