رخص شرعية للطواقم الطبية

Najm3

عضو ممّيز بالمنتدى العام
عضو قيم
إنضم
13 نوفمبر 2009
المشاركات
4.258
مستوى التفاعل
13.122
في الوقت الذي لا يزال فيه وباء كورونا يحصد مئات الأرواح في العالم ، دون تفريق بين كبير ولا صغير ، ولا شيخ ولا شاب ، ولا مؤمن ولا كافر ، بقي جدل إغلاق المساجد وتعليق الجماعات والجمعات ، بين كثير من فقهاء وأساتذة الشريعة قائما بل ومحتدّا في بعض الأحيان وقد شغل هؤلاء جميعا مع الأسف عمّا هو أهم و أعظم وأخطر ، فلا يُتباحث في ما يصاحب هذه الأزمة الخانقة من أحكام فقهية ضرورية ، كحالة قلة المعدات ، خاصة أجهزة التنفس الاصطناعي و كثرة المصابين ،هل يقدم الصغير على الكبير ، و صالح الحال ظاهرا على غيره ، أم ماذا ؟
ولا يُتباحث في مسألة إخراج الزكاة للمستشفيات الخاصة والعامة ، هل تدفع أم لا تدفع ؟
ولا يُتباحث في كيفية الخروج من الأزمة من الناحية الاقتصادية ، وما ذا يقول الاسلام في ذلك بعد المسائل الروحانية المعروفة من الدعاء والضراعة إلى الله ، و حسن الظن به .
وارتأيت في هذا المقال أن أتكلم عن رجال ونساء سخروا حياتهم لإنقاذ الناس ، والقيام على معالجتهم و مداواتهم ،إنهم الذين يقفون على خط النار كما يقال ، إنهم الطقوم الطبية ، سواء كانوا من الأطباء أم من الممرضين ، فهؤلاء يحتاجون إلى مجموعة من الأحكام الشرعية التي تتوافق مع ما هم فيه من هذه المحنة العظيمة وبالله التوفيق :

1 – أرى أن الحكومات يجب عليها أن تكفي هذه الطقوم ماديا ومعنويا ، برفع أجورهم لكفايتهم همّ الحياة بما يخول لهم القيام بهذه المهمة في أحسن الظروف .

2 – يجب على الحكومات توفير كل وسائل الوقاية من الكمّامات ، والجال المطهّر ، و الملابس الوقائية ، لأنهم أكثر الناس عرضة للعدوى .

3 – ينبغي على الجمعيات الخيرية ، و ذوي المال ، أن يقدموا المساعدات المالية والمعنوية لكل هذه الطقوم ، كما يجوز دفع الزكاة المفروضة للمستشفيات والمصحات في هذا الظرف ، ولو بتقديمها عن وقتها ، لأن إنقاذ حياة الإنسان من الضروريات التي اعتبرها الشرع ، وأولاها اهتماما أوّليا ، وإذا كانت الزكاة تعطى للفقير الذي لا يجد حاجياته من طعام و شراب وثياب فكيف بانقاذ الناس من الموت ؟؟
وتقديم الزكاة عن وقتها اذا اكتمل النصاب ، هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد تعجل زكاة عمه العباس بن عبد المطلب) والحديث في الصحيحين .

4 – ينبغي على جيران هؤلاء الأطباء والممرضين، أن يكونوا بجانب أهاليهم ، بالتفقد و مدّ يد المساعدة ، وكذلك مع أهالي المرضى ، فالمسلمون كالجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، و لذا لما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم ) حديث صحيح .
وهذا يقاس عليه كل ما يشغل أهالي المصابين أو المنشغلين بهم .

5 – يجوز للطقوم الطبية والتمريضية الجمع بين الصلاتين ، بين الظهر والعصر ، في وقت إحديهما ، وبين المغرب والعشاء في وقت إحديهما بل الى طلوع الفجر كما هو قول جمهور العلماء ، و الجمع لا علاقة له بالقصر ، لأن قصر الصلاة شرع في السفر ، فمن كان منهم مسافرا جاز له الأمران .

6 – الأصل أن الإنسان يجب عليه أن يتوضأ باستعمال الماء ، فإذا شق على هذه الطقوم الأمر ، كما لو شق نزع تلك الثياب الواقية كل مرة ، وربما خطورة العدوى بسبب أو بآخر ، جاز لهم التيمم ، لأن الله تعالى أجاز التيمم للمريض ، في الأصل ، ويلحق به من يمرضه عند الضرورة ،
فلو قويت العدوى ، جاز التيمم بالإشارة إلى الصعيد ،( ترابا أم حجرا ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالاشارة الى الحجر الأسود بدلا عن استلامه ، في الطواف ، وقد أفتى الإمام أبو جمعة الوهراني رحمه الله أهل الأندلس لما كانوا تحت إكراه النصارى وعجزوا عن إظهار شعيرة الوضوء والتيمم أفتاهم بجواز الإشارة إلى الصعيد والصلاة بعدها !
وكل ذلك عند الضرورة .

7 – اذا قام أحد هؤلاء الطقوم على المريض و عجز عن مفارقته ، وحضر وقت الصلاة حتى ضاق ، و عجز عن استقبال القبلة، سقط عنه ذلك وصلى الى أي جهة كان ، لعموم قول الله تعالى ( ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثمّ وجه الله ) ولقوله سبحانه ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين * فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) ومعلوم أن ساحة القتال لا يمكن أن يلتزم الإنسان فيها بجهة القبلة ، خاصة إذا كان راكبا ودابته تتحرك ، ومن ذلك أيضا ما يسمى في الفقه الإسلامي بصلاة الطالب والمطلوب ، أي الهارب أو الذي يجري خلف العدو ، فإنهم يسقط عنهم استقبال القبلة .

وهذه الرخص الشرعية للطقوم الطبية في هذا الظرف الاستثنائي الحرج ، تدل عليها مجموعة من الأدلة العامة والخاصة ، وتؤكدها قواعد الشرع وأصوله ،من ذلك :

قوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم( إذا امرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم )
وقوله سبحانه ( وما جعل عليكم في الدين من حرج )
وقوله( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ( بعثت بالحنيفية السمحة )
أما القواعد الفقهية فمنها :

أ- المشقة تجلب التيسير .

ب- الواجب يسقط بالعجز .

ج – لا ضرر ولا ضرار .

د – إذا ضاق الأمر اتسع .

أما الأصول المقاصدية ،فمنها :

حفظ النفس مقدم على حفظ الدين .

ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما .

اعتبار تفاوت الواجبات .

وأخيرا ، أقول لهؤلاء الجنود ، إنكم على ثغر عظيم ، حيث أنكم تنقذون أرواح الناس ، وتسهرون على علاجهم ، فهنيئا لكم قول ربكم ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )

بشير بن حسن
مفكر إسلامي.
(ملاحظة: المقال منقول من رسالة بوست بالتصرف وارجو الابقاء عليه لما فيه من فائدة للطواقم الطبية العاملين في هذه الظروف الطارئة)
 
أعلى