كشف الغَمامة عن حكم لُبس الكِمَامة :

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

julien977

نجم المنتدى
إنضم
1 أوت 2008
المشاركات
6.730
مستوى التفاعل
14.805
كشف الغَمامة عن حكم لُبس الكِمَامة :
منذ ظهور فيروس كورونا الذي تسبب في عشرات الآلاف من الوفايات في العالم ، والأقوال تتضارب عن مدى تأثيره وعدواه ، وذلك لأنه فيروس مستجدّ لم يسبق ظهور مثله بهذا الشكل وهذه الحدّة في ما مضى ، وقد سمعنا بعض الأطباء والعلماء المتخصصين في هذا المجال حين أثبتوا تنقل الفيروس في الهواء وإمكانية الإصابة به عن طريق التنفس ولو عن بُعد إذا قابل الإنسان شخصا مصابا به ، ومع مرور الأيام تقوى هذه الفرضية وهذا الإحتمال الذي يرتقي إلى درجة المؤكد ، وعليه ، فقد كثرت أيضا الدعوات الداعية إلى ضرورة لُبس الكِمامات ، تجنبا للعدوى نقلا أو إصابة ، و تسابقت الدول إلى تصنيعها تارة ، أو استيرادها تارة أخرى ، حتى لكأنما باتت سلعة عزيزة المنال ، وقد سمعنا بحادثة استيلاء تشيكوزلوفاكيا على طائرة محمّلة بالكِمامات كانت متوجهة إلى إيطاليا ، وأخرى استولت عليها أمريكا كانت متوجهة إلى فرنسا ، مما يؤكّد أهمّية هذه الكمامات ، بل حتى أن الدول الأوروبية التي تشهد الآن الحجر الصحي ، و تنوي رفعه تدريجيا و الخروج منه ، ها هي تتجه إلى فرض لُبسها في الأماكن العمومية كلها و تغريم من لم يلتزم بذلك !!
وإنني أتسائل ماذا ينتظر الفقهاء لإبداء رأيهم في هذا الموضوع ؟ أم ينتظرون أن يفرض الحاكم لبس الكمامات ليقولوا بعد ذلك بوجوب لبسها طاعة لولي الأمر ؟؟ كما هي عادة الكثير منهم ،لا يتكلم في المسائل ألا آخر الناس ، مع أن واجب الفقهاء أن يكونوا في مقدمة البيان والإرشاد والتوجيه لا في مؤخرة القافلة ، والله المستعان ،
ومن هنا أجد نفسي مضطرّا إلى أن أبين حكم لبس الكمامات في هذه الآونة سواء للخروج من البيت بقصد العمل أو اشتراء مستلزمات البيت ، أو في صورة ما إذا رفع الحجر الصحي، فأقول وبالله التوفيق .
أن لبس الكِمامات سيكون واجبا شرعيا ، تدلّ عليه الكثير من الأدلة السمعية والفقهية والمقاصدية ، حتى ولو لم يفرض ذلك الحاكم والسلطان ، وإليكم هذه الأدلة :
1 - قال الله جلّ شأنه ، ( ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة ) وقال أيضا ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )
فههنا قد نهى الله عن قتل الإنسان نفسه أو أن يعرض نفسه لإتلافها بأي صورة من الصور ، ومن ذلك مخالطة المريض مرضا معديا ، والعدوى بلا شك موجودة وثابتة بما لا مجال للشك فيه ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يوردنّ مُمرض على مصحّ) رواه أحمد ، وهذا نهي صريح مؤكد بنون التوكيد المشدّدة ، والأصل في النهي التحريم عند جمهور العلماء ، كما أنه عليه الصلاة والسلام قال في الطاعون ( من سمع به في بلد فلا يدخله ومن كان به وهو فيه فلا يخرج منه ) رواه البخاري ومسلم .
وعلى ذلك ، إذا تقرّر أنّ تجنبَ العدوى واجبٌ شرعي ، وأنّ من التوقي من هذا الوباء لُبس الكمامة فكما هو معلوم في أصول الفقه : ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب !!
2 - أوجب الله عز وجل على النساء لبس الحجاب والخمار حفظا لهنّ من كل أنواع المضايقات و المعاكسات والتغزل والتحرش ، وحفظا للمجتمع كله من الفتنة وإثارة الشهوات ، ووقاية له من الفواحش ، فكيف بكِمامة تحفظ النفس والغير من انتقال العدوى ، و الإصابة بهذا الوباء الخطير ، وكما هو معلوم حفظ النفس مقدم على حفظ الدين والعِرض .
3 - عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) وهذا يشمل النهي عن ما يضرّ الإنسان به نفسه أو يضرّ به غيره ، فإذا كانت هذه الكمامة تدفع الضرر أو تقلّله تعيّن وجوبها ، لأن الضرر مدفوع وجوبا .
4 - وجوب الأخذ بالأسباب ، الذي هو من صميم العقيدة الإسلامية ، فإن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله تعالى ، بل هو مكمّل له ، ولذا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب الوقائية من الضرر والأذى والموت ، (فقد ظاهر يوم أُحد بين درعين ) رواه البخاري ، أي لبس درعين من حديد ليواجه العدو ، توقّيا من السلاح ، كما أنه لبس الخوذة الحديدية، وهي ما تسمى بالبيضة ، من حديد أيضا ،وقاية من ضربات السيوف وطعنات الرماح ،
بل إن ملابسه العادية في غير الحرب ، راعى فيها الحاجة و دفع الأذى والضرر ، وهي الملابس العربية ، فلُبس العمامة إنما كان من أجل التوقي من حرّ الشمس ، و لبس القميص والملابس الفظفاظة من أجل طبيعة المناخ أيضا ، وليس ذلك تدينا في ذاته كما يعتقد بعض الناس ، أو لخصوصية دينية في تلك الأنواع من الملابس وفي ذلك يقول الله تعالى ممتناّ علينا بنعمة اللباس ومبينا بعض مقاصده ( و وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم )، والوقاية من مقاصد اللباس !! وليس فقط ستر العورة أو التجمّل ، وعليه كيف بالوقاية من العدوى؟ يكون ذلك من باب أولى .
4 - أن هذه الكمامة مقدور عليها ، سواء كانت كِمامة جراحية( masque chirurgical )
أو الكمامة المصفائية ( FFP2) .
أو الكمامة التي يمكن صنعها حتى صنعا منزليا محلّيا ، والتي لا تكلف شيئا .
وعلى هذا فإن لبسها واجب مقدور عليه وليس معحوزا عنه بل حتى ولو بالتلثّم ، حفظا للنفس والغير .
فإذا اتّظح ذلك ، فإنه يتعين لبسها أيضا في الصلوات داخل المساجد عندما ستفتح بإذن الله عز وجل ، و لو كان ذلك بتباعد المصلّين بعضهم عن بعض ، فذلك جائز عند الأئمة الأربعة .
وإن كان عامة العلماء على كراهة التلثم في الصلاة للرجل والمرأة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة. رواه أبو داود وابن ماجه. فقد اختلفوا في معنى التلثم وحدّه ،
فالتلثم عند الشافعية هو تغطية الفم، وقال الحنفية والحنابلة: هو تغطية الفم والأنف، وهو عند المالكية ما يصل لآخر الشفة السفلى، وعليه فصلاة الرجل أو المرأة باللثام مكروهة، والقول بأن صلاة المرأة المتلثمة لا تجوز غير صحيح؛ بل هي مكروهة كما سبق، قال خليل في مختصره: وهو يعد مكروهات الصلاة (وانتقاب المرأة).
وقال صاحب التاج والإكليل: يكرهان -أي انتقابها وتلثمها- وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل -أي أجنبي-.
وقال الخطيب الشربيني: وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة متنقبة -أي يكره ذلك- ونص النووي في المجموع: أنها كراهة تنزيهيه لا تمنع صحة الصلاة. انتهى.
إلا إذا كان يسجد بجبهته على الثوب المغطي به وجهه فتبطل عند الشافعية، وقال البهوتي في كشاف القناع:ويكره أن تصلي في نقاب وبرقع بلا حاجة.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام، ولأن ستر الوجه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف ويغطي الفم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عنه، فإن كان لحاجة كحضور أجانب فلا كراهة، وكذلك الرجل تزول الكراهة في حقه إذا احتاج إلى ذلك
لأن القاعدة الأصولية في ذلك : أن المكروه يزول بالحاجة !
وهذه لا شك حاجة بل هي ضرورة عند التحقيق ،
ومقام الضرورة آكد وألحّ من مقام الحاجة كما هو معلوم عند أهل العلم .
ولذا أرى بوجوب لبس الكِمامة في هذه الأزمة وتحريم التهاون بذلك ، و منع التصرّف الاّمسؤول حتى يرفع الله تبارك وتعالى عناّ هذا الوباء .
والله ولي التوفيق .

لا يتوفر وصف للصورة.


منقول لمزيد النقاش و تعميم الفائدة
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى