- إنضم
- 15 جويلية 2008
- المشاركات
- 223
- مستوى التفاعل
- 3.373
أيها الآباء ... لستم رهبانا.
بقلم الياس القرقوري
يتحدث بعض الآباء عن الصّواب وكأنهم لم يعرفوا الخطأ يوما .. بل تراهم لايتوانون عن السّخط على أبناءهم كلّما أخطؤوا، وزجرهم بكلّ نعوت وكلمات التجريح واللّوم والتقريع.. ضف إلى ذلك جملة من الوعظ والإرشاد فيما يجب فعله وما يجب تركه .. وتلك الخلطة العجيبة الغريبة من افعال الأمر والنهي والتي ليس فيها طبعا أيّ مجال للإستماع وفهم الأسباب أو أيّ سعي لتفهم الدوافع والضّغوط ... وبكلّ ما في الموقف من مرارة يتساءل الأبناء.. ترى ألم يعرف آباءنا مرحلة الشباب بكل ما فيها من قوّة وطموح.. وطيش أيضا.. بكلّ ما فيها من تجارب صالحة وأخطاء فادحة ومشاعر جامحة..؟ لماذا يصرّون على أنّهم وحدهم من يملكون مفاتيح نجاحنا في الحياة..؟ ويضيف آخرون: لقد كان آباؤنا مثال القدوة وهم يحكون لنا عن ماضيهم المجيد وتاريخهم التليد ، الّذي ليس فيه أثر لأيّ خطإ او حتّى لظلّه.. ولكن عندما بدأنا نتوغل في أعماق الحياة .. إكتشفنا أنّه من المستحيل أن يشق المرء طريقه فيها دون أن يخطىء.. بل وتزداد الصورة في ذهننا تشتتا عندما يحدّثنا بعضهم عن هفوات وأخطاء آباءنا .. ونبحث .. فنجد أنّ لها موقعا تحت شمس الحقيقة .. عندها تتهاوى تلك الصورة الّتي رسموها لنا وكبرنا معها.. والّتي جعلت منهم وكأنّهم أولياء الله الصالحين.. وليصبح بذلك كلّ ما قالوه ويقولونه لنا عبارة عن كذبة كبرى.. والنتيجة .. إغلاق باب السمع والطاعة وفتح باب العقوق والعصيان.. وإضافة فصل جديد في باب صراع الأجيال..وهذا ما يدعوني لأسأل.. ألم يكن في الإمكان تفادي كلّ هذه المشاعر السلبية والمليئة بالإحباط والثورة لو أنّ آباءنا كانوا أكثر إعتدالا في تعاملهم مع أخطاءنا .. وأكثر صدقا في تعاملهم مع أخطاءهم..؟
أنا طبعا لاأطلب من الآباء أن ينشروا كلّ غسيلهم لأبنائهم.. ولكني أرفض أيضا أن يصوّروا أنفسهم وكأنهم ملائكة هبطوا على هذه الأرض بخطإ مطبعي..وأرى أنه مثلما يتحدّث الآباء عن بطولاتهم وإنجازاتهم للإقتداء بها.. فإنهم عليهم أن يعترفوا ببعض أخطاءهم للإتعاظ منها.. حتى يكون بالتالي للومهم ما يبرّره ولنصحهم مكانته..
إنّ آباءنا وإن كنّا نقدّر خوفهم علينا حقّ قدره ... إلاّ أنّه عليهم أن يفهموا أنّه من حقّنا أن نعيش تجربة الحياة.. وأنّ الخطأ هو جزء من هذه التجربة.. وأن يأخذوا بعين الإعتبار الفرق بين الوقوع في الخطإ وبين التمادي فيه.. والفرق بين الثورة لأتفه الأسباب وبين ما يستوجب أشد العقاب .. والأهم من كلّ هذا وذاك .. أن يراعوا الفرق بين قلب الأب المحنّك بالتجارب والمثقل بالأحداث والتقلّبات.. وبين دماء الشباب الحارة والمندفعة بكلّ توهّج وطموح إلى آفاق الحياة.