- إنضم
- 15 جويلية 2008
- المشاركات
- 223
- مستوى التفاعل
- 3.373
غير صالح للنشر 5
وراء كل بلاء عظيم إمرأة
بقلم الياس القرقوري
وراء كل بلاء عظيم إمرأة
بقلم الياس القرقوري
كان وقت الدوام الرسمي يشارف على الإنتهاء.. عندما إتّصل بي مديري المباشر طالبا منّي الإلتحاق بمكتبه.. فأسرعت إليه الخطى.. بعد أن مسحتُ حذائي ببعض الأوراق الرّسميّة وعدّلت من هندامي قدر المستطاع.. ودعوت الله أنْ يسّرْ لي أمري واحلل عقدة من لساني.. فقد شغر مكان وظيفي بالإدارة وكنت أنا ـ نظرا لأقدميّتي ـ المؤهّل للإلتحاق به..
المهم أنّ مديري المباشر بعد أن إستقبلني بإبتسامته البلاستيكيّة المعهودة.. جلس قبالتي في خطوة رأيتها تبشّر بالخير.. وبعد أن أشعل سيجارة وسحب منها نفسا كاد يسحب روحي معها.. قال لي بصوت هادىء خال من المشاعر.. لعلّك سمعت يا فلان بالمكان الوظيفي الّذي أصبح شاغرا في إدارتنا.. فقلت له وأنا أسعى لإخفاء مشاعر السعادة الغامرة في قلبي.. نعم علمت بالأمر يا سيّدي.. وأرجو أن أكون عند حسن ظنّك بي.. فواصل حضرة المدير كلامه وكأنّي لم أنطق حرفا قائلا.. لقد أردتُ أن أعلمك قبل الجميع ولأسباب عديدة بالإسم الّذي وقع إختياره لشغل هذا المنصب الهام.. فبقيتُ صامتا وقلبي يكاد يرقص رقصة السامبا من شدّة الفرح.. ثمّ إقترب منّي المدير قليلا وكأنّه يريد أن يُسرّ لي بأمر لن يعرفه سواي.. قائلا.. لقد وقع إختيارنا بعد أخذ وردّ وجدال طويل على زميلتك بسمة.. فردّدتُ ودون وعي منّي.. بسمة..؟ تلك الموظفة الّتي لم يمض على عملها بيننا أكثر من عامين..؟ فقال أصبتَ يا فلان.. لقد وجدنا أنها الشخص المناسب في المكان المناسب.. فقلت وأنا لم أستوعب بعد فداحة الصفعة الّتي تلقّيتها.. ولكن يا سيّدي المدير أنا الأولى بهذا المنصب.. لقد مضى عليّ ما يزيد عن العشرين سنة لم أتحوّل قيد أنملة عن الرّتبة الّتي عُيّنتُ بها.. ثمّ من تكون بسمة هذه حتى تنال هذا المنصب.. بشرفي إنّ الفترة الّتي أمضيتُها أنا في" تواليت " إدارتنا لهي أطول من الفترة الّتي أمضتها بسمة في العمل بيننا.. فهل يُعقل أن تحرموني أنا وتمنحوها هي..؟
فقال السيّد المدير بعد أن تحوّل للجلوس على كرسيّ مكتبه الوثير وقد إتّخذ صوته بعض الخشونة والصرامة..إسمع يا سيّد.. بصراحة المنصب بحاجة الى وجه صبوح.. وصورة أخّاذة.. وشكل جذّاب.. أنت تعلم ولا شك بأنّ من سيشغل هذا المنصب سيكون مكلّفا باستقبال المسؤولين والمديرين والمراقبين.. ومديرنا العام يريد شخصا يدفع به في وجوه هؤلاء.. شخصا يُلهيهم عن التنقيب في أخطائنا وإهمالنا وتقصيرنا.. بالإبتسامة الفاتنة الشهيّة.. والنظرات الرّقيقة وما تيسّر من القنابل الذكيّة.. فيصبح عندها التقريع، عتابا رقيقا.. والمحاسبة ، إجراء يمكن التّغاضي عنه.. والأخطاء الفادحة ، أمور من السّهل إصلاحها.. أفهمتَ ما أعني.. نحن بحاجة إلى واجهة تنبهر لها الأبصار والأفئدة.. وأنت بكل أسف لا تصلح أن تكون حتى واجهة محل لبيع الخردة.. أنظر الى نفسك قليلا.. ملابس مهترئة وكأنك ورثتها عن أجدادك.. وحذاء لا يرضى أن يحارب به جندي من القرون الوسطى.. ونظارات طبيّة شهدت على سقوط غرناطة.. وجسم مرّت عليه عجلات الطاعون والأوبئة..
فقلت له بصوت يكاد يختنق بغصّته.. ولكن أنا يا سيّدي رجل يصرف على الجميع.. أمّا بسمة الّتي تتحدّث عنها فالجميع يصرف عليها.. ولي زوجة وأطفال لا يُسكت حلوقهم العلقم.. وفواتير وأداءات ودفوعات، أشدّ ضراوة من نار جهنّم.. ولم أطمع في هذا المنصب إلاّ لكونه يضيف بعض الدنانير المعدودة الى جرايتي المعدومة..
فقاطعني حضرة المدير.. لقد قُضي الأمر.. وتمّت المصادقة على القرار بالإجماع.. هذا ما إقتضته المصلحة العليا للإدارة والوطن.. وعليك إلتزام الأوامر.. ولقد طلبتُ قدومك اليوم لأنبهك من أنّ أيّ إجراء أو تشويش أو معارضة تنوي إثارتها سيُعرّضك إلى ما لا تحمد عقباه.. أمّ الآن فيمكنك الإنصراف..
قالها... بكلّ برودة ملفوفة في ورق من الإحتقار الفاخر.. ربّما عليكم أن تعلموا أيضا بأنّ ترسيمي تأخر فيما مضى لسنتين والسبب إمرأة.. وبأنني حرمتُ من ثلاث ترقيات سابقة والسبب إمرأة.. وبأنني أنجبتُ ستة ملاعين والسبب كان أيضا إمرأة.. فهل بعد هذا البلاء بلاء..؟
بالمناسبة.. لولا رغبتي في أن أُمضي ما تبقى لي من العمر بين سارقي البقر.. ولولا خوفي من أن أجد نفسي بين سارقي الإبر لقلتُ.. بأنّ كوارث الحكام في هذا العالم وقراراتهم العمياء ، لا يقف وراءها إلاّ النساء إمّا إلتهاءً بهنّ.. وإماّ إنصياعا لتدبيرهنّ.. والنتائج في كلا الحالتين ليست بحاجة الى تعليق سخيف منّي..
على كلّ.. وقبل أن أقول لكم كلّ عام وأنتم بخير.. أريد أن أُوضّح بأنّي لست عدوّا للمرأة.. ولا أجرؤ أن أكون.. ولكنه إحساسي بالمقت والقهر والغبن يطفو على السّطح أحيانا فيفيض به لساني سهوا... غفر الله لي ولكم زلاّت اللّسان... وأبعد عنّي وعنكم أدوات الشّيطان..
وكلّ عام وأنتم بخير