مشروعية الأذان في الإسلام

AlHawa

نجم المنتدى
إنضم
31 ديسمبر 2006
المشاركات
5.429
مستوى التفاعل
10.744
مشروعية الأذان في الإسلام



على محمد محمود



الأذان لغة:
الإعلام؛ قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ** [التوبة: 3]؛ وقال عزَّ من قائل: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ** [الأعراف: 44]؛ ويقال له: أذان، تأذين، وأذين.

وهو شرعًا:
الإعلام بوقت الصلاة، بألفاظ مخصوصة، والرَّاجح: أنَّ الأذان لم يكن مشروعًا في مكَّة قبل الهجرة؛ وإنَّما شرع في السنة الأولى من الهجرة، كما يدلُّ على ذلك حديث ابن عمر الذي نفى النِّداء بالصلاة قبل الهجرة مطلقًا، وحديث ابن عمر - كما رواه البخاري -: "كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون فيتحينون الصَّلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا، مثل ناقوس النَّصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود"؛ فهذا يفيد أنَّ الصَّحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يتحيَّنون الصلاة.

قال القاضي عياض: "يعني: يقدرون حينها؛ ليأتوا إليها فيه، وهذا يدلُّ على: أنَّ الأذان لم يكن قد شرع في مكَّة قبل الهجرة؛ لأنَّه لو كان مشروعًا، ما فعل الصحابة ذلك، وتذكر كُتُب السُّنة: أنَّه لَمَّا كَثُر الناس، ذكروا أنْ يعلِّموا وقت الصلاة بشيء يجمعهم لها، فقالوا: لو اتَّخذنا ناقوسًا؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ذلك للنَّصارى))، فقالوا: لو اتخذنا بوقًا؟ قال: ((ذلك لليهود))، فقالوا: لو رفعنا نارًا؟ قال: ((ذلك للمجوس))، فافترقوا، فرأى عبدالله بن زيد رؤيا، فجاء إلى النَّبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فقال: طاف بي وأنا نائم رجل، يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبدالله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى، فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر... فذكر الأذان، فلمَّا أصبحت، أتيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فقال: ((إنَّها لرؤيا حق))، ثُمَّ قال الرَّسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - لعبد الله بن يزيد -: ألقه على بلال، فإنَّه أندى صوتًا منك، وعلى هذا يكون ابتداءُ مشروعية الأذان بالمدينة.

وقد ذكر بعض المفسرين: أنَّ اليهود لمَّا سمعوا الأذان قالوا: لقد ابتدعتَ - يا محمد - شيئًا لم نسمع به فيما مضى من الأمم؛ فنزل قول الله – تعالى -: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا** [المائدة: 58]، وقد جزم ابنُ المنذر بأنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - كان يصلي بغير أذان، مُنذ فرضت الصَّلاة بمكَّة إلى أن هاجر إلى المدينة، وإلى أنْ وقع التشاور في ذلك؛ على ما في حديث عبدالله بن عمر، ثُمَّ حديث عبدالله بن زيد؛ (سبل السلام).

مسائل العقيدة في الأذان:
والأذان على قلَّة ألفاظه - كما يقول القرطبي - مشتمل على مسائل العقيدة؛ لأنَّه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنَّى بالتوحيد ونَفْي الشِّرك، ثُمَّ بإثبات الرِّسالة لمحمد - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ثم دعا إلى الطَّاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرِّسالة؛ لأنَّها لا تعرف إلاَّ من جهة الرَّسول، ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدًا.

حكمة مشروعية الأذان:
ومن ثم؛ ذكر أهل العلم لحكمة مشروعيَّة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام، وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة ومكانها، والدُّعاء إلى الجماعة.

الحكمة في اختيار القول:
ويستطيع المتأمل أنْ يدرك الحكمة البالغة في اختيار القول للأذان دون الفعل؛ وذلك لسهولة القول، وتيسره لِكُلِّ أحد، في كل زمان ومكان، ويروى أن أوَّل من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدُّنيا، فسمعه عمر وبلال؛ فسبق عمر بلالاً، فأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ثم جاء بلال، فقال له: سبقك بها عمر؛ (فتح الباري).

هذه هي قصَّة الأذان بالنِّسبة للصَّلاة المفروضة على وجه العُمُوم؛ حيثُ يكون الأذان للإعلام بدخول وقت الصَّلاة بهذه الألفاظ المخصوصة، التي ينطلقُ بها صوت المؤذن خمس مرَّات في اليوم واللَّيلة، حتَّى إنَّه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلاَّ شهد له يوم القيامة؛ كما صرَّح بذلك المعصوم - عليه الصلاة والسلام.

الأذان في صلاة الجمعة:
وإذا كانت الجمعة تختصُّ بأنَّها تسبق بخطبتين، فمتى يكون الأذان؟ هل يكون عند ابتداء الخطبتين، وجلوس الإمام على المنبر؟ أم يكون قبل ذلك؟

يروي البخاري عن الزهري قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: إن الأذان يوم الجمعة، كان أوَّله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر، على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما - فلما كان في خلافة عثمان - رضي الله عنه – وكثروا، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثَّالث؛ فأذَّن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك؛ (البخاري).

كما يروي البخاري عن السائب بن يزيد: أنَّ الذي زاد التأذين الثَّالث يوم الجمعة عثمان ابن عفان - رضي الله عنه - حين كَثُر أهل المدينة، وكان التأذينُ يوم الجمعة حين يجلس الإمام، يعني: على المنبر؛ (البخاري)، كما يروي - أيضًا - عن ابن شهاب: أنَّ السائب بن يزيد أخبره: أنَّ التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان حين كَثُر أهل المسجد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام؛ (البخاري).

فأذان الجمعة إنَّما كان بين يدي الخطيب، طيلة عهد النَّبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - قال المُهلب: الحِكْمة في جعل الأذان في هذا الحل؛ ليعرف النَّاس بجلوس الإمام على المنبر؛ فينصتوا له إذا خطب، قال الحافظ ابن حجر: "وفيه نظر؛ فإنَّ في سياق ابن إسحاق عند الطَّبراني وغيره عن الزهري: أنَّ بلالاً كان يُؤذن على باب المسجد؛ فالظاهر أنَّ هذا الأذان كان لمطلق الإعلام، لا لخصوص الإنصات، نعم، لما زيد الأذان الأوَّل كان للإعلام، وكان الذي بين يدي الخطيب للإنصات؛ (فتح الباري)".

الأذان في عهد عثمان:
ولمَّا تولى عثمان الخلافة، ووُلِّي أمر المسلمين، وكثر الناس بحيث أصبح الأذان الذي يقع بين يدي الخطيب غَيْرَ كافٍ في الإعلام - أحدث عثمان أذانًا يعلم النَّاس بدخول وقت الصلاة؛ وذلك غير الأذان الذي اعتاد النَّاس سماعه عند جلوس الإمام على المِنبر، وعثمان - رضي الله عنه - لم يأمر بذلك الأذان عقب مباشرته لأمور الخلافة وتوليه الحكم، وإنَّما سار على طريقة من سبقوه، ثُمَّ لما رأى كَثرة النَّاس زاد هذا النِّداء؛ ليكون إعلامًا للنَّاس بدخول الوقت، ويؤكد هذا ما روي من أنَّ الأذان كان على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأبي بكر وعمر يوم الجمعة أذانين، وقد فسر ذلك بالأذان والإقامة، وعلى هذا فإنَّ الذي أحدثه عُثمان يوم الجمعة هو النِّداء للصَّلاة، حيث أمر بالنِّداء لها في مَحل يقالُ له: "الزوراء"؛ ليجتمع النَّاس للصلاة، وكان يُنادي لها بألفاظ الأذان المشروع، والزَّوراء: موضع بسوق المدينة؛ كما صرح بذلك البخاري في صحيحه.

قال الحافظ ابن حجر: "وهو المعتمد"، وقال ابن بطَّال: "هو حجر كبير عند باب المسجد"؛ وهذا مردود بما روي عند ابن خزيمة وابن ماجه عن الزهري: إنَّها دار بالسوق، يقال لها: "الزوراء"، وعند الطبراني: فأمر بالنِّداء الأوَّل على دار يقال لها: الزوراء.

وقفة تأمل:
والمتأمل في ذلك كلِّه يستطيع أنْ يدرك أنَّ ما زاده عُثمان قد ورد في عبارات، قد تُوحي لأوَّل وهله بأنَّها مُتناقضة؛ وذلك لأنَّها جاءت على النَّحو التالي، على هذه الصورة:"فأمر عثمان بالنِّداء الأول"، "التأذين الثاني أمر به عثمان"، "أمر عثمان بالأذان الثالث".

والواقع: أنَّه لا مُنافاة بين ذلك كلِّه، ولا تناقض بين هذه العبارات؛ لأنَّ ما زاده عثمان يعتبر أوَّلاً باعتبار أنَّه يسبق الأذان الذي بين يدي الخطيب والإقامة للصلاة، ويعتبر ثانيًا باعتبار كونه مزيدًا على الأذان بين يدي الخطيب والإقامة للصلاة؛ قال الحافظ ابن حجر: "والذي يظهر: أنَّ النَّاس أخذوا بفعل عُثمان في جميع البلاد إذ ذاك؛ لكونه خليفةً مطاعَ الأمر؛ (نيل الأوطار).

الأذان بعد زيادة عثمان:
وهكذا يتبيَّن لنا أنَّ صلاة الجمعة تسبق بما يأتي:
- الأذان الذي يعلم النَّاس بدخول وقت الصَّلاة، وهو الذي أحدثه عثمان، ولم يكن معمولاً به قبل ذلك.
- الأذان الذي بين يدي الخطيب، والذي يفعله المسلمون الآن، وهو ما كان موجودًا من عهد الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - حتَّى أحدث عثمان الأذان الذي يعلم الناس بدخول الوقت.
- الإقامة للصَّلاة، وهي التي تكون عقب انتهاء الخطيب من إلقاء خطبتي الجمعة.

عمل الناس وسلوكهم:
وأمام هذا الذي حدث، واستقر منذ عهد عثمان - رضي الله عنه - فإنَّ عمل الناس وسلوكهم مُختلف في ذلك:
فمنهم من يلتزم ما كان سائدًا، ومعمولاً به في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ويكتفي بالأذان بين يدي الخطيب، والإقامة للصَّلاة، ولا يلقي بالاً لِمَا زاده عثمان؛ وبالتالي لا يفعلون ما فعله؛ يقول ابن حجر: "بلغني أن أهل المغرب الأدنى لا تَأْذين عندهم سوى مرة".

والغالبية العظمى من المسلمين ينظرون إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - نظرة احترام وتقدير؛ فهو صحابي جليل؛ وبالتالي يقلدونه في فعله، ويسيرون على منهجه.

ابن عمر والأذان الأول:
وإذا كان ابن أبي شيبة قد روى من طريق ابن عمر أنَّه قال: "الأذان الأوَّل يوم الجمعة بدعة"؛ فإنَّ هذا لا يصلحُ دليلاً للمانعين، أو سندًا لهم، يعتمدون عليه؛ لأنَّه لم يثبت عن ابن عمر أنَّه قال ذلك على سبيلِ الإنْكار، وإنَّما كلام ابن عمر - رضي الله عنهما -:يحتملُ أنْ يكون قد صدر منه على سبيل الإنكار، كما يحتمل أنَّه يريد بذلك أن هذا الأذان لم يكن في زمن النَّبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وكل ما لم يكن في زمنه - عليه الصلاة والسلام - يسمَّى بدعة.

وإذا كان الناس لا يقتدون بعثمان - رضي الله عنه - الذي تبعه صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ولم يخالفوه في ذلك، فبمن يقتدون؟

إن بعض هؤلاء المخالفين قد يدَّعي أنَّه يتبع رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وهذا حق أريد به باطل، فلو أنَّهم أرادوا فعلاً اتِّباع رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - لساروا على نَهج صحابته من بعده، ولكنَّهم يُخالفون جماعة المسلمين؛ ليلفتوا الأنظار إليهم، ويصفوا أنفسهم بالاتباع، ويصموا غيرهم بالابتداع، وهكذا يتبيَّن لنا بوضوح: أنَّ عثمان - رضوان الله عليه - قد أحدث الأذان الأوَّل؛ لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة؛ قياسًا على بقيَّة الصَّلوات، وإلحاق الجمعة بها، وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب؛ (فتح الباري).

وبالتالي تشترك صلاةُ الجمعة مع بقيَّة الصلوات المفروضة في الأذان الأوَّل الذي يعلم الناس بدخول الوقت، ثُم تنفرد صلاة الجمعة بالخصوصية التي أثبتها النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - لها، وهي الأذان بين يدي الخطيب أثناء جلوسه على المنبر.

وفَّقنا الله لما يُحبُّه ويرضاه، والله الموفق والمعين، والهادي إلى سواء السبيل.
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيرا أخي مجدي على هذا النقل القيم فالكثير يجهل هذه المعلومات عن الأذان ذلك النداء الذي تسمو فيه أرواحنا الى الجنة
فما أجمله .. و ما أروعه عندما نسمعه بقلوبنا عندما نسمعه بآذان واعية
ما أروعه عندما نعيه و نفهمه و نلبيه باقامة الصلاة فى أول وقتها
 
بارك الله فيك على الموضوع
أسأل ربي أن يرفع من مكانتك لأعلى الدرجات
شكرا لك اخي
 
أعلى