"الخالة تولا" رواية عن العفة ونبذ القيم الحسية




637407.jpg

غلاف الرواية







في مواجهة أخلاقيات العصر الحديث، تأخذ رواية ميجيل دي أونامونامو "الخالة تولا"، الصادرة عن دار "المدى" ترجمة صالح علماني، صبغة توجيهية ذات أخلاقيات دينية متزمّتة متّصلة بقيم أوروبية قديمة كانت تقاليد الكنيسة هي المهيمنة فيها.
وهي رواية من نسج أوهام الكاتب المتأثّر بشدة بحياة الرهبان والنساك، وربما كتبها آملاً بالتأثير في البعض.
تزخر الرواية بمواعظ تعلي من شأن العفة حتى ولو كانت في إطار الزوجية، وتزدري القضايا الحسية وتغلب منطق مقاومتها والابتعاد عنها تحت حجج وأخلاقيات لا منطق لها.
نقرأ في الرواية تزويج البطلة أختها بعريس أحبته هي كما نعلم في ما بعد، وتقوم بدور الأم لأولاد شقيقتها، فتتعرّف إلى معنى الحياة الحقيقي، فليس الزواج، بحسب الرواية، سوى لإنجاب الأولاد والعناية بأبناء السماء وتأسيس الأسرة.
ليس من غاية أخرى نرجوها عبر زواجنا، كما تقول البطلة، وليس ثمة من متع خارج إطار تلك المذكورة آنفاً.
أثناء ولادة طفلها الثالث والأخير تفارق شقيقة البطلة الحياة، وقبل ذلك يدور بينهما حديث تتمنى فيه الشقيقة من البطلة الاعتناء بالأولاد والزواج من صهرها.
يبدأ الأخير وفق صحيفة "الجريدة" الكويتية بالتودد للبطلة، فتدفعه عنها دائماً وتواجهه بالصد وبتذكيره بشقيقتها وبضرورة تربية الأطفال تربية حسنة، مانعة إياه من إبداء بعض التلميحات أو التحدّث في أسباب تودّده لها أو حتى من رفع الكلفة بينهما أمام الأطفال.
تبوء محاولات الصهر الخاضع لرغبة البطلة دوماً بالفشل، وبعد يأسه مع شقيقة زوجته سرعان ما يقع ضحية غرائزه عبر إغواء الخادمة، وتؤدي مغامرته معها إلى حملها منه، وينكشف أمرهما أمام البطلة التي تدفع صهرها للتكفير فوراً عن خطئه بالزواج من الخادمة ولو على مضض.
تنجب الخادمة من الصهر طفلين، وسرعان ما تموت أيضاً أثناء ولادتها الثاني. فتبادر البطلة أو "الخالة تولا" إلى تربيتهما مع أولاد أختها كما لو أنهما ولداها تحت حجج وأفكار غريبة عجيبة. وتصر على رفض الزواج مجدداً من زوج شقيقتها الذي توافيه المنية بعد التهاب رئوي، فتنهار أمامه وتبوح له باعتراف خارج على المألوف: وهي تكره الرجال، لكنها تحب الأطفال.
تبذل البطلة جهدها بعد رحيل صهرها للبقاء على طهارتها، فترفض كثيرين طلبوا الارتباط بها، ناذرة نفسها لخدمة الأولاد.
وتسارع إلى اختيار زوجة لابن شقيقتها فور إحساسها ببلوغه، وتأتي بها للعيش معهم في البيت. وبجهدها ومحبتها تستطيع البطلة الحفاظ على تكاتف العائلة، فترحل وهي مطمئنة وما زالت عذراء، مخلّفة وراءها خالة أخرى للأولاد وجدتها في ابنة الخادمة التي بذلت من روحها وجسدها الكثير لتبقى على قيد الحياة من دون أن يراودها أي تفكير ينغّص عليها إرادتها أو عملها هذا.
 
451p.jpg
المسرحي التونسي معز حمزة

معز حمزة يُعيد كتابة «شُرفات» كاسونا


تونس : يسعى المسرحي التونسي معز حمزة حاليا على إعادة كتابة مسرحية "المنزل ذو الشرفات السبع" للإسباني أليخندرو كاسونا.

وعن المسرحيّة يقول معز حمزة مخرج العمل: "كلّ أحداث المسرحية، أو معظمها، تتمّ داخل فضاء مغلق.. داخل منزل يجمع ما بقي من شتات شخصيات في صراع دائم من أجل البقاء.. بقية الفضاءات يتمّ وصفها من قبل الشخصيات بحسب حاجتها إليها وبحسب رغبتها في الإنعتاق.

هذا الإنعتاق لا يمكن أن يتمّ بأي شكل من الأشكال قبل تصفية حساب أخير.. بقي مسكوتا عنه لفترات طويلة.. وهو مسار كاسونا الكاتب الاصلي للمسرحية الذي يعتمد أساسا في جلّ أعماله طريق الفنتازيا الساحرة وعدم الإمتثال لواقعية صرفة، وخلق "لا واقع" ممكن منطقيا، بل خاضع "لعدم الواقع".

والمعروف عن كاسونا في هذا الخصوص أنّه لا يسمي كلّ ما تزخر به أعماله -من المدهشات– باللاّواقع، إنما يسميه واقعا خارقا للعادة، أو فائقا. على إعتبار أن
"المخيلة الإسبانية تنزع نزوعا جوهريا إلى معالجة المدهش – لا على أنه فنتازي خالص-، على أساس أنه واقع خارق، بل واقع ثان".

وعن شخصيات المسرحية قال حمزة: "كلّ شخصية من شخصيات المسرحية، تفتقد إلى جانب أساسي غير معلوم؟ حيث تحمل في طياتها نقصا ما. أي أنّ كلاّ منها يحتاج إلى الآخر ليكتمل النّقص.. ممّا يحيلنا على شكل من العلاقات العنكبوتية، بمعنى أنّ كلّ شخصية، في صراعها مع بقية الشخصيات تجد نفسها محتاجة إليها بحثا عمّا ينقصها، حتّى وإن كان بعضها في تنافر تام.

وهو منهاج كاسونا في تعبيره عن واقعي الإنسان في تناقضهما المفرط: الواقع الأسير العادي والواقع الحر الفائق، محققا الإنسجام بينهما. ليكون الواقع الحر هو واقع الحلم، لا بالمعنى السريالي، إنما بمعنى الكشف عن عالمنا الآخر، عن الحياة الملتصقة بنا أشد الإلتصاق والتي لا تخضع للمحاكمات العقلية أو المعايير الإجتماعية، والتي نصونها عن عيون الآخرين، ولا نكشف عنها".

المسرحية في سطور تندرج جماليات عرضها المزمع إنجازه قريبا ضمن تفسير الأحداث وتشكيلها عبر طرح تساؤلات حول المعاني المطروحة ودلالاتها، وعبر تفكيك وحدات المشاهد المتعاقبة بطريقة راقية متجددة، هذه المشاهد الجامعة لمجموعة من المشاعر المتناقضة إلى حد الجنون والهذيان، تحيل على الجمود العاطفي وتبلّد الإحساس بالمعنى الواقعي، وتجعل الرقيب يتساءل عن المعنى والمكان والزمان؟

أليس الفن الأصيل المعبّر عن الوجود الإنساني، ينثر على شرفات هذا العالم روح الجنون من أجل البقاء؟ أليس الجنون ينطوي أصلا على نوع من العقلانية؟ أليست العقلانية بدورها نوعا من الجنون؟

عن هذه الأسئلة يقول حمزة: "سنسعى في تناولنا للعملية الإخراجية إلى تعميق هذه الأبعاد عبر خلق سينوغرافيا تمزج بين كل المترادفات، وتعكس تضارب الشخصيات في صراعها وانسجامها، وفي تطور أفعالها.. لتكون المسرحية في النهاية جمعا بين الواقع واللاواقع.. الحقيقة والوهم.. أسوة بمقولة كاسونا نفسه في هذا الصدد "هناك الكثير من المصحات التي تعالج جسد الإنسان، ولكن هل فكّر أحدهم بمعالجة هؤلاء الذين يموتون دون أن يحققوا ذكرى جميلة، فمصحتنا هي لشفاء الروح"".

وعليه يمكن لنا أن نتسائل بعد كل ما تقدّم هل تكون مسرحية "خيوط العشقة" المزمع إنجازها من المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف التونسية بلسما لجراح الإنسان من أخيه الإنسان؟ سؤال ينتطر شفاء بعد المشاهدة!
 
صحفي أمريكي يصدر كتابه حول مخاوف الطاقة العالمية




637946.jpg

غلاف الكتاب







صدر للكاتب الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان كتابا جديدا «ساخن، مسطّح ومزدحم: لماذا يحتاج العالم إلى ثورة خضراء، وكيف نستطيع أن نجدد مستقبل كوكبنا» . وفي الكتاب يؤكد المؤلف أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت "قوة مترنحة" ولذا فإن ردود الأفعال العالمية إزاء التغييرات المناخية ومشاكل الطاقة لا تشكلها أميركا، بل الأمم الناهضة وفي مقدمتها الصين.
معروف أن فريدمان حقق من خلال كتبه شهرة واسعة إلى جانب شهرته كصحافي يعني بشكل خاص بشؤون الشرق الأوسط والسياسات الأميركية الجديدة منذ عهد الرئيس بوش الأب وحتى الآن.
وإحدى أهم رسائل الكتاب - وفق عرض نامق كامل بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية - هي أن الولايات المتحدة الأميركية بحاجة إلى تقليص اعتمادها على النفط المستورد، وأن "استقلال الطاقة" الأميركي سيجعل الولايات المتحدة الأميركية تنفصل عن السوق العالمية.
ومن جانب آخر فإن المؤيدين للحرب اعتقدوا أنه حالما تتم السيطرة الأمريكية على نفط العراق وخصخصته، فإن أسعاره ستنخفض، فيما كان مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق بول ولفوويتس يحاجج بأن عملية اجتياح العراق ستمول ذاتيا، وستعود على الاقتصاد بالتطور والازدهار. لكن إخضاع استثمار النفط العراقي "برهن على صعوبات جمة، وإنتاجه أصبح أقل مما كان أثناء الحكم السابق، وارتفع سعره بشكل جنوني جراء ذلك".
من وجهة نظر فريدمان، أن لأميركا الآن اهتمامات أخرى. الإثارات البيئية التي تلت «كارثة العراق» أخذت تخفت في مركز السياسات الأميركية، سوية مع الحرب نفسها. عوضا عن ذلك احتلت مسألة تفادي كسادا اقتصادي كارثي، أولويات السياسة الأميركية، لأن "السيكولوجية الأميركية تتصل بالخوف المتأصل من انهيار اقتصادي".
 
428p.jpg
تأجيل احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية الى آذار/مارس المقبل

اسرائيل تحرم القدس من الاحتفال بتتويجها عاصمة للثقافة العربية


القدس- وكالات: ارجأ القائمون على احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية التي كان يفترض ان تنطلق الخميس الى اذار/مارس بسبب الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة.

وقال احمد داري مدير احتفالية القدس "كان يجب اطلاق فعاليات احتفالية الخميس اليوم لكن بسبب الهجمة والاحداث على قطاع غزة وما ألحقه من دمار ارجئت انطلاقة الحدث حتى اذار/مارس المقبل".

وكان يفترض ان تبدأ نشاطات القدس عاصمة للثقافة العربية في الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير على ان تنتهي بحلول كانون الاول/ديسمبر 2009.

واوضح داري "ندعو الفنانين الى تكريس جزء من الحدث للتضامن مع غزة واهلنا هناك" معتبرا ان "ضرب غزة هو ايضا ضرب للحدث الذي كان سينطلق منها ايضا وضرب لمدينة القدس التي تتعرض لهجوم من نوع اخر". وتتعرض مدينة القدس الشرقية المحتلة الى حملة تهويد مكثفة.

واشار احمد داري الى ان الاحتفالية كانت ستنطلق اليوم من عدة مدن هي القدس وغزة و بيت لحم والناصرة ومخيم الرشيدية في لبنان ومن مدينة القاهرة مقر الجامعة العربية في وقت واحد.

واختتمت دمشق احتفاليتها كعاصمة للثقافة العربية 2008 بحفل احياه الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة مع الاوركسترا الوطنية السورية في دار الاوبرا السورية.





 
425p.jpg
الكاتب الجزائري المقيم بإيطاليا عمارة لخوص

الكاتب عمارة لخوص: «الكتابةُ ليست إلهاما»


الجزائر ـ يُُعد الكاتب الجزائري، عمارة لخوص، أحد الأصوات الروائية الجديدة والقوية في الغرب، فروايته "صراع الحضارات من أجل مصعد في ساحة "فتوريو" التي اعتبرها النقاد نقلة في الأدب العربي من الكتابة عن الذات إلى الكتابة عن الآخر، تُرجمت للغات كثيرة، وحصدت عديد الجوائز في إيطاليا والعالم، آخرها جائزة المكتبيين في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر نهاية السنة الماضية، وهي المناسبة التي التقينا فيها بالروائي وأجرينا معه هذا الحوار:

* تتويجُ روايتك "صدام الحضارات من أجل مصعد في ساحة فتوريو" بجائزة المكتبيين في الصالون الدولي للكتاب، مؤخرا، يأتي بعد خمس سنوات من صدورها باللغة العربية في الجزائر، أي بعد إعادة كتابتها بلغة أخرى ونجاحها اللافت في إيطاليا وأوروبا. هل تعتقد أن روايتك المكتوبة بالعربية ظُلمت في بلدها الأم؟

- ثمّةَ جانب سجالي في الموضوع، ولئن كان البعض يعتقد أن هناك نظرة للرواية المعربة والكتاب المعربين على أنهم من الدرجة الثانية، وأن المكتبيين لا يعطنوهم قيمتهم الحقيقية، عكس ما يحظى به الكتاب المفرنسون؛ فإن رأيي هو أن الأدب وحده يدافع عن نفسه. إن كانت الرواية قيمة فستُثبت ذلك لا محالة، خصوصا إذا تُرجمت إلى لغات أخرى، فالأدب لا يعترف بالحدود الجغرافية، وكلما تجاوز حدود وجنسية كاتبه، اتّضح وزنه وقيمته الحقيقيان. المهم في النقاش الجزائري هو ضرورة الخروج من هذا الصراع بين المعربين والمفرنسين وكذا الكتاب بالأمازيغية، وهو ما أسميه "حربا أهلية ثقافية". قطعا إنه سياقٌ غير صحي، فمن خلال متابعتي للصحف والحوارات مع الكتاب الجزائريين، أتأسف للصراعات الدائرة بين المثقفين، والمؤسف أنها لا تدور حول الأدب والثقافة، وإنما هي صراعات خارجهم ولا تخدمهما البتة. الأدب بحاجة إلى تعدد المنابع، فكلما كانت المنابع كثيرة؛ كان الأدب ذا مستوى راق. أما بخصوص روايتي فقد صدرت عام 2003 بالجزائر، أي أنها وُلدت هنا وسافرت إلى لغات أخرى عبر العالم ثم عادت، وهذا لا يسبّب لي شخصيا أية مشكلة.

* حقّقت الرواية نجاحا كبيرا ونالت جوائز وتكريمات في إيطاليا وأوربا بعد ان اعدت كتابتها بالإيطالية، هل يعني ذلك أنها كانت موجهةً أصلا للقارئ الإيطالي؟

- أنت تذكّرني بشاب إيطالي قال لي أثناء تقديم الرواية في إيطاليا: "حاولتُ إقناع نفسي بصعوبة بأن كاتبها ليس إيطاليًّا". أجيب بأنها ليست رواية إيطالية والدليل هو جائزة المكتبيين نفسُها، والتي أعتز بها لهذا السبب. لو كتبتُ روايةً للقارئ الإيطالي لما تُرجمت إلى الفرنسية والانجليزية والألمانية وغيرها من اللغات. أعتقد أن على الكاتب أن يكون صادقا مع نفسه أولا، وصادقا مع القراء دون تمييز بين جنسياتهم.

* البناء المتقن للرواية يوحي بأنك اعتمدت على تصوّر هندسي مُعيّن ودقيق في الاشتغال على عملك الروائي، بالإضافة إلى اهتمامك بالبعد المعرفي. هل أنا على صواب؟

- أهتم كثيرا بالرواية ولا أدّخر جهدا في حشد مجموعة من العناصر التي تعمل على إنجاحها. وبالنسبة لي؛ العمل الروائي يقوم على ثلاثة أسس: الأول هو ما أشرتَ إليه، أي البنية، فالرواية تقوم على بنية هندسية هي أقرب الى الهندسة المعمارية، الأمر أشبه ببناء منزل، فحين أشرع في كتابة رواية، يكون لدي تصورٌ قبلي وتقسيم جيّد للشخصيات والأحداث. من ناحية أخرى؛ أؤثر استعمال ضمير المتكلم، فعلى عكس ضمير الغائب الذي يجعل الكاتب يتصرف مع شخصياته بتعسف وتسلط، يمنحك ضمير المتكلم إمكانية تجريب أساليب جديدة. يجب أن تكون لديك قدرات أدبية كبيرة لتتقمص شخصيات مختلفة عن ثقافتك الأصلية أو جنسك، ففي الرواية مثلا، يتحدث الإيراني والبنغالي والبيروفي، وكل منهم يكشف عن شخصيته وثقافته وهويته.
الأساس الثاني هو الاشتغال على اللغة، وهو أمر من الأهمية بمكان، وكلما تعلمت لغة أخرى؛ اكتسبت القدرة على رؤية أشياء جديدة لا يراها أحاديو اللغة.
الأساس الثالث هو المعرفة. لا أؤمن بالنظرية التي تتصور الكتابة الأدبية إلهاما، أنا متأكد من أنها فعل واع لأنها تقوم على البحث، كتابة رواية تستغرق مني شهورا، فحين أكتب عن طبيب مثلا، أجري حوارات مع أطباء، يحدثونني عن مشاكلهم وتصوراتهم ما يعطيني إمكانية الاقتراب من الشخصية بشكل جيد، وهذا ما فعلته مع "كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك"، إذ أجريت، مثلا، بعض البحوث عن الأمثال الشعبية في نابولي، لأن شخصية البوابة من نابولي وهي تستخدم الأمثال، حيث تتحول الرواية إلى أداة للضحك، يجب أن يمتلك الروائي أدوات لقراءة الواقع.

* هذا يحيلني إلى تخصّصك في الفلسفة ثم الانتروبولوجيا فيما بعد. إلى أي مدى ساهم تكوينك الانتروبولوجي في مساعدتك على سبر أغوار المجتمعين الجزائري والإيطالي في عمليك الروائيين؟

- درستُ الفلسفة في الجزائر وتخرجت عام 1994. أردتُ في البداية التعمق في دراسة المشكلات الكبرى كالحرية والديمقراطية، لكن في الوقت ذاته أردت الاقتراب أكثر من الواقع. أعتقد أن الانتروبولوجيا أتاحت لي ذلك، عبر دراسة الإنسان ومحيطه الثقافي، وقد كان ذلك أولوية بالنسبةالي. أزعم أن الانتروبولوجيا أعطتني أدوات لفهم الواقع، أعطتني نظارات من نوع خاص تجعلني أرصد تفاصيل التفاصيل، وأرى الأشياء بطريقة لا يملك آخرون الفرصة ليروها بذلك الشكل.

* وماذا عن تأثير تجربة الهجرة؟

- الهجرة أيضا تجربة مهمة. في إيطاليا تعرفتُ على أشخاص من مختلف أنحاء العالم، وهذه الأشياء لا تتاح حتى للسائح الذي يزور بلدا بغرض المتعة، لأنه يرى الأشياء التي يريد هو أن يراها فقط، لكن أن تعيش مع أشخاص آخرين فتلك فرصة رائعة أكسبتني كثيرا من المعارف والتجارب.

* تبرزُ في الرواية ثنائية الهوية والذاكرة، ويبدو أنها تضع خيارين اثنين أمام المهاجر، الاندماج، أي التخلي عن الهوية الأصلية، أو العزلة؟

- مشكلة الهوية عشتُها شخصيا كمهاجر، ثم درستها وتعمقت فيها فيما بعد. أعتقد أن الهوية مشروع مفتوح رغم أننا نتصور أنها سجن، قضبانه لغوية أو دينية أو غير ذلك، لكن الحقيقة مختلفة، فحين تعيش في مجتمع غير مجتمعك، سيكون هناك تفاعل مع الواقع الجديد، تبادل، أخذ وعطاء، إذا تعرفت على أشخاص من ثقافات أخرى فسيؤثرون فيك وتؤثر فيهم، حتى إن كانت النتائج غير مرئية فإنك ستكتشف تغير أشياء كثيرة فيك مع مرور الوقت، وإذا اكتسبت لغة جديدة فإن هويتك ستختلف، لأن اللغة ليست أداة فقط، بل هي رؤية للعالم. الهوية ليست كيانا كاملا ومحددا، بل شيء مفتوح، وهذا شيء إيجابي لأنه يساهم في إثراء الثقافات من خلال التعدد.
أما بالنسبة الى موضوع الذاكرة، فقد طرحته في الرواية، وأيضا في الرواية السابقة. لدينا في الجزائر مشكلة عويصة في التعامل مع الذاكرة، مثلا، لم نستطع لحد الآن، للأسف، مراجعة تاريخ الثورة، فإذا كانت القوة والشجاعة تحولان دون التعامل مع هذه الذاكرة التي مرت عليها أكثر من خمسين سنة، فكيف سنتعامل مع الذاكرة القريبة الأكثر إيلاما؟.
تطرح الرواية قضية الذاكرة من خلال بطلها الذي يتعامل مع الذاكرة القريبة، خلال سنوات الإرهاب في التسعينات، وهو يقول في النهاية: "ذاكرتي كمعدة السكير"، وهو ما يجعله يتقيأ في لحظة من اللحظات. إذا لم نتعامل مع الماضي بشكل جيد يصبح هدا الماضي مشكلة.

* اعتبر بعض النقاد الرواية نقلة في الأدب العربي من الكتابة عن الذات إلى الكتابة عن الآخر، ماذا عن روايتك الأولى "البق والقرصان"؟

- في روايتي الأولى "البق والقرصان"؛ كان هاجس "حسنيو"، بطل الرواية، هو فضح المجتمع الجزائري المبني على التناقضات. ففي تعامل الذكر مع المرأة مثلا؛ هناك أمه وأخته خطوط حمراء والأخريات قد يفعل بهن ما يشاء، بالإضافة إلى قمع المرأة باسم الدين، العرف المبني على عقلية متخلفة، الرجل هو المركز والمرأة هي الأطراف، المجتمع تغير. المجتمع الجزائري، للأسف، مبني على التناقضات، وهي تناقضات دينية في الغالب، فكيف نقول أن الجنة تحت أقدام الأمهات ونقول في الوقت ذاته إن المرأة شيطان ونمنعها من حقها في الميراث في بعض المناطق رغم أن الإسلام أقره لها؟ أنا متأكد من أن الدين الحق بريء من هذه الممارسات، لكن الأسوأ أننا نسبنا الى الدين ما هو في العرف.

* في أية ظروف كتبت باكورتك الروائية، هذه؟

- كان المجتمع الجزائري مقبلا على تحولات كثيرة، وكنت أستشعر ذلك أثناء دراستي بالجامعة التي دخلتها عام 1989م، فخلال حديثي مع الإسلاميين كنت اسألهم عن مشروعهم السياسي فينزعجون ويقولون إن مشروعهم هو الكتاب والسنة. وحين أسألهم عن حلولهم لمشكلة البطالة، مثلا، يجيبونني بأن الحل يكمن في توقف النساء عن العمل والقضاء على الاختلاط. لقد استشعرت مستقبلا مظلما بسبب تلك الأفكار التي انتشرت في الجامعة والمجتمع بشكل كبير، أصبت بالإحباط وكتبت رواية "البق والقرصان" في هذه الظروف، ولكن كانت فيها لمسة من السخرية، هناك صديق جزائري مقيم في إيطاليا حين قرأ الرواية اتصل بي وقال لي جملة أثرت في كثيرا: "روايتك أضحكتني وأبكتني في الوقت ذاته" فالسخرية بالنسبة الي مهمة جدا.

* لكن الرواية لم تنل النجاح والانتشار اللذين حظيت بهما روايتك الثانية، ما هي أسباب ذلك في اعتقادك؟

- الرواية لم تُوزّع في الجزائر، كتبتها عام 1993م ونشرت في ايطاليا عام 1994 بالعربية والايطالية، لكنها نالت اهتماما نقديا جيدا، كبعض القراءات النقدية القيمة في تونس. على صعيد اللغة؛ وظفت في "البق والقرصان" مفردات فرنسية ودارجة، وأخرى يمكن أن نتفق على تسميتها بـ"السوقية"، هل كنت تنشد ما يسمى "الواقعية اللغوية"؟
وضعت في هذه الرواية كل ما تعلمته وقرأته في ذلك الوقت، وقد حاولت تجريب ما يمكن أن نسميه عربية جزائرية. أتصور أننا نملك خصوصية لغوية ذات مصادر مختلفة، ولو بقيتُ في الجزائر ولم أسافر عام 1995 لواصلت الكتابة بتلك الطريقة، فهي تجربة واعدة بالمعنى الأدبي. الهجرة تسببت في قطيعة، لذلك، لا أستطيع اليوم الكتابة عن الجزائر من الخارج، أرفض الكتابة عن واقع لا أعرفه، وأحتاج الى وقت لمعرفة هذا المجتمع الجديد، وأنا أيضا تغيرت.. لقد فضلتُ أخذ مسافة والتعمق في اللغة الايطالية التي أعطتني رؤية جديدة ومختلفة كمبدأ.

* دعني أسألك هنا عن رأيك فيما يكتبه الأدباء الجزائريون الموجودون في الخارج عن الجزائر؟

- لا أحب تطبيق منطق التخوين، الكاتب حر في الكتابة، والقارئ أيضا حر في الانتقاد. لدي علاقة شخصية مع آسيا جبار، وهي تكتب عن الذاكرة، هي مؤرخة على مستوى عال ولديها قراءة مدهشة للأشياء، وقد تعمقت في قضايا المرأة بحساسية مرهفة، لكن بعض الكتاب لا يكتبون لأغراض أدبية بحتة، بل لأغراض سياسية ايضا. ومن المؤسف أن البعض استغل الأزمة الأمنية التي ألمّت بالجزائر ليجد فرصة لنشر أعماله في الغرب.

* خلال ملتقى أدباء المهجر العام الماضي، شبّهت غيرة الكتاب العرب على كتاباتهم بغيرتهم على زوجاتهم، أتعتقد أن طريقة تصور الأدباء العرب للأدب والكتابة في الأساس هو ما يحول دون إنتاجهم أدبا عالميا؟

- ما تعلمته في تجربتي بإيطاليا والغرب عموما، هو الاحترافية في الأدب. أصدقائي من الكتاب الجزائريين يقولون لي إنهم يكتبون أعمالهم ويوجهونها الى المطبعة رأسا، ويقول لي الناشرون: لدينا صعوبة في التعامل مع كتابنا، فإذا قلت لأحدهم إن هذا الفصل طويل أو يستحسن صياغة تلك الجملة، فكأنك شتمته، الشيء الذي لم يستوعبه أدباؤنا هو أن العمل الأدبي عمل جماعي يتدخل فيه الناشر والمكتبي والإعلام، فكلهم وسطاء لإيصال الكتاب الى القارئ بشكل جيد، فإذا كان العمل مطبوعا بشكل سيء تنقص من قيمته، وإذا لم تعلن وسائل الإعلام عن صدوره لن يأخذ نصيبه من الرواج.

* اقتحمت مؤخرا تجربة النشر مع دار "شرق غرب"، التي تهدف الى ربط جسور بين الأدب العربي و الادب الايطالي، هل تعتقد أن هذه الأهداف ممكنة؟

- أؤمن بالوساطة الثقافية، ومشروع دار نشر إيطالية تنشر بالعربية يأتي من باب تشجيع الأدب العربي عموما عن طريق الترجمة. لطالما تساءلت لماذا لا توجد رواية بوليسية عربية؟ وقد قرأت في جريدة "الوطن" الجزائرية أن روايتي هي أول رواية عربية في قالب بوليسي، لا يمكن ذلك إذا لم تكن هناك ترجمات، إن لم تكن للكتاب إمكانية للقراءة بلغات أخرى، فكيف سيعرفون تقنيات الكتابة الروائية، باعتبار الرواية تقنية. "شرق غرب" تحاول ربط الأدب العربي بالآداب الأجنبية عن طريق الترجمة المباشرة، هي حاليا تترجم للايطالية والانجليزية في نفس الوقت. وفي مرحلة لاحقة ستنفتح على الكتاب الذين يكتبون بالعربية مباشرة لتترجم أعمالهم للغات مختلفة.

* هل بدأ المشروع عمليا؟

- أصدرنا الرواية الأولى "أيام الهجران" للكاتبة الايطالية إيلينا فرانتي، العام الماضي، وقد تُرجم هذا العمل لـ15 لغة، وحول الى السينما. أعجبتني الرواية وأحسست أنها قريبة من الواقع العربي، وهي تروي قصة امرأة يهجرها زوجها دون أسباب واضحة، فتدخل في أزمة تحاول فهم وضعيتها كامرأة ، وقد بدأنا في التوزيع.. شاركنا في معرض الجزائر السنة الماضية، والدار البيضاء وسنشارك في القاهرة وأبوظبي لاحقا.

* ما تقييمك للجهود التي تبذلها الدول العربية بشكل عام من اجل إيصال أدبها إلى لغات أخرى؟

- الترجمة في كل دول العالم تقوم على مؤسسات، ولكن ما تصرفه السفارات والملاحق الثقافية العربية التي سنحت لي فرصة لمعرفتها في إيطاليا على الحفلات والاستقبالات التي حضرت بعضا منها وندمت، لو صرف جزء بسيط منه لترجمة أعمال أدباء جزائريين وعرب لكان وضع الأدب العربي الآن في أوروبا والغرب أفضل بكثير، ما ترجم لحد الآن هو مبادرات لمترجمين محبين للثقافة العربية، كثير منهم من الجيل الجديد، أعرف ناشرا إيطاليا شابا نشر كثيرا من الروايات العربية، وقد أخبرني أنه خسر 200 ألف يورو، وقد كان ينتظر من السفارات العربية شراء بعض النسخ منه لتعيد توزيعها، لكن ولا واحدة منها فعلت.

* لماذا شاركت في معرض الكتاب الدولي بتورينو، في الوقت الذي قاطعته الدول العربية لأن إسرائيل كانت ضيف شرف فيه؟

- كنتُ ضد المقاطعة لسبب بسيط، وهو أن المعرض كان أيضا فرصة للحديث عن القضية الفلسطينية. فحين تقاطع؛ تضيّعُ هذه الفرصة. لقد شاركت وأكدت أنني مع القضية الفلسطينية وضد استغلال الثقافة لأغراض سياسية، المقاطعة ليست سوى موقف سلبي ينم عن العجز. بالنسبة إلى الدورة المقبلة في 2009، ستكون مصر ضيف شرف المعرض، ونحن كمثقفين عرب في إيطاليا، متخوّفون من أن يكون الكتاب المصريون الذين يشاركون في المعرض هم مثقفو السلطة، في حين يهمش الكتاب المعارضون ويمنعون من المشاركة، وإن حدث ذلك فستكون مصيبة.. هناك كتاب مصريون معروفون في إيطاليا مثل علاء الأسواني و نصرحامد أبو زيد، وهما معارضان للنظام المصري، وثمة توجه الآن لاستضافة هؤلاء بشكل مستقل.

* كنت قد أعلنت اعتزالك الكتابة باللغة العربية، ما هي أسباب هذه الخطوة؟ وماذا يضيف عمارة لخوص الى الأدب الإيطالي؟

- أنا أكتب بالعربية وأكتب بالايطالية. كل ما في الأمر أنه في ملتقى المهجر بالمكتبة الوطنية؛ سئلت عن روايتي القادمة فقلت أنني سأكتبها بالايطالية، ولكني وعدتُ، في الوقت نفسه، بإعادة كتابتها باللغة العربية. لا استطيع أن أعيش في لغة واحدة، لقد ولدت في بيت نتحدث فيه الأمازيغية، في الشارع بحسين داي تعلمت العربية في المدرسة القرآنية، ثم تعلمت الفرنسية من أولاد العم المهاجرين.. حياتي مبنية على التعدد اللغوي والثقافي، حتى في الكتابة وجدت نوعا من التوازن بين اللغة العربية والايطالية. الرواية القادمة تدور أحداثها في روما، وشخصياتها ايطالية لذلك فضلت أن أكتبتها بالايطالية، وإذا كان ثمة مشاريع في الجزائر فستكون حتما بالعربية.

* ما هي ملامح روايتك المقبلة؟

- أخوض تجربة جديدة، إذ فضلت الدخول في لعبة التسويق الأدبي، مستغلا في ذلك نجاح روايتي الأولى. أنا أحب المغامرة لذلك فكرتُ في شخصية متسلسلة، أو ما يسمى بالشخصية "النهرية"، ستكون في روايات عديدة، وهذا يُعطي فرصة لخلق علاقة مع القراء، ستكون شخصية مختلفة وجديدة تفاعلية فهذه تجربة أيضا جديدة أن تخلق هذا النوع من النفس الطويل.

* هل هي شخصية إيطالية؟

- نعم، هي شخصية إيطالية، لكن جذورها عربية، فهي من صقلية، وهي منطقة كانت الثقافة العربية ثقافتها الرسمية لأكثر من قرنين، ولحد الآن تجد هناك تشابها في الأسماء والأماكن وحتى الملامح، وفي هذه الرواية أحاول أن أعيد اكتشاف هذا الموروث الثقافي المشترك. وقد سافرت إلى صقلية وأجريت أبحاثا هناك.

* أهي رواية بوليسية؟ وإن كان الأمر كذلك، لمادا اخترت هذا القالب بالتحديد؟

- نعم، ولكن ينبغي التمييز بين مدرستين في الرواية البوليسية: مدرسة أجاثا كريستي، والرواية البوليسية على الطريقة الايطالية الآن، أو ما يسمى بالرواية السوداء. في الرواية البوليسية الكلاسيكية؛ هناك نوع من التقديس للعدالة ففي النهاية يُلقى القبض على المجرم، لكنني أعتقد حسب ما عشناه في الجزائر أن العدالة لا تنتصر دائما، وهذه الفكرة تتجلى في الرواية البوليسية الايطالية المعاصرة بشكل واضح، فنحو 80 إلى 90 بالمائة من الجُنح تُسجّل ضد مجهول، وحقيقة ما حدث من مجازر واغتيالات بقيت غير معروفة لحد اليوم. ونفس الأمر أيضا ينطبق على الجزائر، في التسعينات مات حوالي 150 ألفا إلى 200 ألف شخص، ولا أحد يعرف من قتلهم، لذلك فإن انتصار العدالة على طريقة أجاثا كريستي أمرٌ غير واقعي. هذا من جهة. ومن جهة ثانية؛ القالب البوليسي الكلاسيكي هو لعبة بين القارئ والكاتب، إذ على القارئ أن يكتشف من هو المجرم، أما بالنسبة الي فإن القالب البوليسي هو فقط ذريعة للاقتراب من المجتمع. والشيء الثالث والأهم، سواء في المجتمع الجزائري أو في المجتمع الايطالي؛ هو أننا دخلنا في مرحلة أسميها مرحلة المجتمع الإجرامي، والدليل هو ظاهرة الاختطاف، وهذه الظاهرة التي عاشتها إيطاليا في السنوات الماضية، نراها في الجزائر اليوم للأسف الشديد، ولما كان الأدب الرفيع هو القادر على استشراف المستقبل ؛ فأنا أعتقد أنني قادر، على استشراف مستقبل الجزائر.

* ألا أتخشى أن تضع نفسك في إطار ضيق، هو الرواية البوليسية؟

- قطعا لا. فالرواية البوليسية عندي تقوم على مجموع ما ذكرته سابقا، وليست للمتعة فقط. هاجسي في اللغة مثلا في الرواية القادمة سأشتغل على اللغة الصقلية التي تحوي كثيرا من المفردات العربية. في الأدب الايطالي هناك اهتمام أيضا بهذا المشروع، أنا أقرب إلى محاكاة المجتمع المتوسطي، ولكن يمكن أن أجرب مستويات عديدة لأن الكتابة عملية تجريب بالدرجة الأولى.

* تناولت ظاهرة الإسلاموفوبيا في مقال صدر مؤخرا، هل تعاني الجاليات المسلمة من التمييز؟، وهل زادت حدة العداء للمسلمين في إيطاليا بعد أحداث سبتمبر 2001؟

- بعد أحداث 11 سبتمبر وقعت مجزرة إعلامية في حق المسلمين، بعض الأصوليين من أصول عربية انتهزوا الفرصة وأصبحوا وسطاء مع المجتمع الايطالي والمجتمع الأوروبي واستغلوا ذلك لصالحهم، فانتشرت في المجتمعات ظاهرة سيئة للأسف الشديد هي الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام، وهذه الظاهرة قامت أيضا على أسس غير معرفية، قامت على التعميم فإذا ارتكب أحدهم عملا إجراميا من الخطأ أن يعمم على كل الذين ينتمون إلى ثقافته أو ديانته، أيضا قانون التبسيط الشديد ساهم في ترويج أفكار خاطئة ولقيت رواجا كبيرا في وسائل الإعلام. لقد حاولت أن افهم المجتمع الايطالي على خصوصياته، ففي إيطاليا توجد إيطاليات.. الشمال مختلف عن الجنوب وفي الجنوب اختلافات أيضا من مدينة إلى أخرى، لذلك حاولت في روايتي وكتاباتي أن أنبه لعقم الأفكار المسبقة والسخرية منها.

* هل أتت الرواية بنتائج من هذا الجانب؟

- بالنسبة إلي؛ الردود إيجابية، فهي الآن في الطبعة 11 والفيلم انتهى تصويره ليعرض سنة 2009 من إخراج السيدة إيزوتا توزا، مع منتج إيطالي وممثلين عالميين إيطاليين وأجانب، أما الدور الرئيسي فأسند الى ممثل تونسي موهوب جدا اسمه أحمد حفيان.
* هل أشرفت على العمل؟
- لا للأسف، فالمنتج اتخذ قرارا، لأنه في بعض الأحيان يكون وجود المؤلف في التصوير أمرا غير مرغوب فيه.. وبالتأكيد هناك تصرف كبير في النص، فالرواية شيء والفيلم شيء آخر.

* أتجدُ نفسك مسؤولا عن تحسين صورة العرب والمسلمين في الغرب؟

- لكل شخص دوره ومهامه، وأنا لست سفيرا في إيطاليا، أنا أديب وكاتب، وقبل كل شيء أنا متمسك بحريتي. في بعض الأحيان الوطنية تستخدم كابتزاز، إذا أراد أحد ما أن يتهمني بالخيانة فليفعل، أعتقد أن الوطنية مثل الإيمان ، لا يوجد جهاز لقياسها، ولا نحتاج الى شهادات في الوطنية. الحمد لله أنا كاتب حر ومستقل، فمشكلة المثقف العربي عموما تكمن في كونه موظفا عند السلطة، فانتقادها من الداخل سيكون من الصعوبة بمكان.
* أنت متفرغ للكتابة الأدبية إذن؟

- كنت أعمل بوكالة خاصة، والآن أنا كاتب حر، أتعامل مع بعض المجلات والصحف.
* هل تملك الجنسية الإيطالية؟

- نعم ولكنني لم أحصل على الجنسية الايطالية لأسباب سياسية بل لاسباب ثقافية، على اعتبار أنني كتبت رواية دخلت إلى الأدب الايطالي.

* هل سنراك مستقبلا في منصب سياسي على خطى عزوز بقاق؟

- في إيطاليا؟ إنه أمر وارد مستقبلا.

* لماذا اخترت ايطاليا بالتحديد للهجرة والاستقرار؟

- تلقيت دعوة من صديق ايطالي للمشاركة في ملتقى بالجامعة، وكان عندي اهتمام أصلا بالسينما الايطالية، وقد فضلت الاستقرار هناك للعمل ومواصلة الدراسة.


 
427p.jpg
يثير ديوان "الربيع في رام الله وبغداد" سؤال القضية الفلسطينية وقضية العراق

الربيع يخاصم رام الله وبغداد


نور الدين البكراوي

لا مراء في أن التجربة الشعرية المغربية المكتوبة باللغة الإسبانية تستدعي وقفات نقدية عديدة من أجل إخضاعها للنظر النقدي من لدن الباحثين في الأدب الإسباني الثري.

إن ما راكمته هذه التجربة من نتاج إبداعي مهم، استطاع أن يحجز له مكانا في رفوف أرقى المكتبات الإسبانية، ويبقى السؤال من قبيل لماذا لا نهتم بالأدب المغربي المكتوب بالإسبانية مفتوحا عل أكثر من إجابة.
يحضر عبد الرحمان الفتحي كأحد الأسماء التي تتأثر ضمن هذه التجربة الشعرية المغربية، والتي استطاع من خلالها أن يراكم خمسة دواوين شعرية: "ثلاثية الصور والكلمات" 1998، "الرسو" 2000 الذي نال به جائزة رفاييل ألبرتي للشعر، و"إفريقيا في أبيات مبللة" 2002، "الربيع في رام الله وبغداد" 2003، و"من الضفة الأخرى" 2006.

فلا غرو أن يثير ديوان "الربيع في رام الله وبغداد" سؤال القضية الفلسطينية وقضية العراق العادلتين في كل مرة، في ظل الاستعمار والاحتلال. فالعنوان يطرح إشكالات الربيع في هاتين البقعتين؛ ليتضح لنا أنه يخفي دلالات ومعان عميقة تجعل هذا الديوان يتجدد باستمرار بخاصة حينما نرى أبشع المجازر في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي قدر له أن يقاطع الربيع وألوانه في كل عام.

هذا الربيع الذي يقف من خلاله الشاعر عبد الرحمان الفتحي:
مشيت لأنال الربيع
البعيد المظلم الذي يشبه نظرتك
الوديع، الحلو كشتائك
ليلامسني صيفك
البعيد المفجع كخريفك "ص:30"

إن هذه الأبيات تترجم إحساسا ما بالفصول الأربعة، التي لم تعد تدور دورتها الطبيعية. يفتح الشاعر ديوانه بقصة نثرية "أحلام شادي" وهي بمثابة قنطرة للتواصل مع نصوص الديوان، وهي تتخطي معاناة الأم الفلسطينية التي تفقد في كل يوم ربيع فلذات أكبادها، لتتحول بعدها سماء القدس ورام الله وغزة... إلى جحيم يقتات من أرواح الأطفال الذين لا يحملون من الطفولة إلا هذا الإثم اليتيم. "أحلام شادي" هي قصة كل ثكلى انتزع الموت منها أطفالها ليتحول الربيع في عينيها إلى رمز للحداد الأبدي.

تنقسم قصائد الديوان إلى أربع نصوص كبرى جامعة : "الفراشات في رام الله"،" الربيع في بغداد"، "أضيع في أجوائك"، "وأبيات ملونة"، وما يميز هذه النصوص أنها قابلة للقراءة كل واحدة على حدة، فهي لوحات فنية تتدفق لتصب في المحور "فراشات في رام الله" يقول الشاعر:

ها أنت تنكرين موتك
ستدفعين الثمن بهذا الصمت
بعد أن تحيي أية ليلة
موتك في صمت "ص:63"
...
لن أنادي عليك باسمك
لان ألمك صعب المنال
لكي أضمه إلى ألمي "ص:68"

هذا الألم هو الذي يدفع الشاعر إلى مكابدة المعاناة مع فراشات رام الله. ولعل الشاعر عبد الرحمان فتحي اختيار للفراشات بوصفها رمزا للتجدد، والجمال، والإبداع والاحتراق، يجعل صورة المرأة الفلسطينية مثل طائر الفنيق فهي تحترق ألما تحت نيران الغارات الغاشمة، تكابد موت الزوج والابن بكل بطولة، وتصر على المقاومة؛ الشاعر هنا يقارن الفراشة بأطفال فلسطين الذين لا يهنئون بطفولتهم؛ يموتون وهم يحملون أحلامهم الصامتة بالحق في اللعب، والاستمتاع بالربيع والاستقلال، وهنا لا يمكننا إلا أن نستحضر أثر "الفراشة" للشاعر العربي الراحل محمود درويش الذي يقول:

أثر الفراشة لا يرى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبية غامض
يستدرج المعنى.

وهذا المعنى هو ما حاول أن يترجمه الشاعر حينما عمد إلى تشبيه الطفل الفلسطيني بالفراشة. إن المتتبع لأعمال عبد الرحمان فتحي يجد صعوبة لاستعاب صوره الشعرية المستمدة من الثقافة الإسبانية الأصيلة فهو يفتح حوارا شعريا متميزا مع لوركا، ثيرنودا ومونطويا، لينقل الأحداث من بيت لحم الوحيدة إلى العالم بأسره، ليتضح لنا أن الشاعر يدين كل أشكال التقتيل والإبادة.

وحدة لوركا
ونفسها لمونطويا
نعم هي نفس معاناة
مرسومة في كل سطر
ويا لها من حسرة
بازغة من شوارع بيت لحم "ص:55"

يتبين لنا من خلال هذه الأبيات أنه لا يمكن لأي كان أن يقتحم مجرة عبد الرحمان الفتحي ما لم يكن محصنا بثقافة إسبانية تسمح له بذلك.

أما قصيدة "الربيع في بغداد" تنحو منحى خاصا إذ تصور الألم في أقصى درجاته:
في داوجونس يرتفع ثمنك
في واشنطن في مزاد علني
يباع شرفك
وحصرتي قد أدانتني
في مقهى العذاب في بغداد "ص: 72"

لقد استطاعت فراشات عبد الرحمان الفتحي أن تعبر عن قضية الطفل الفلسطيني المقاوم الذي إذا هز جناحه في أي بقعة من فلسطين، فإنه قد يتسبب في زلازل تحرك العالم الحر الذي يرفض الإبادة الجماعية تحت أية ذريعة.



 
الرأسمالية.. الأكاذيب والحروب واستعباد الشعوب




638096.jpg
غلاف الكتاب







صدر مؤخرا كتاب "أزمة نظام.. الرأسمالية والعولمة في مأزق" للدكتور عبدالحي زلوم، يستعرض فيه سلسلة من المقالات والأبحاث التي أعدها لتبيان أن الرأسمالية ومنذ نشأتها قبل 500 سنة عاشت على الأكاذيب والحروب والعبودية واستعباد الشعوب، تديرها فئة قليلة جدا من بارونات المال العالميين، حيث وظف هؤلاء في خدمتهم الإعلام على مدى القرون فملكوه وأداروه.
ووفقا لصحيفة "الرأي" الأردنية يحاول المؤلف تفسير ما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط إلى عدة عوامل من أبرزها العولمة حيث يعرفها بأنها العملية التي تسعى لتحويل دول العالم إلى جمهوريات موز في خدمة الإمبراطورية الأمريكية، وذلك عن طريق المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة الحرة، والأمم المتحدة إن أمكن، وعن طريق القوة العسكرية عند اللزوم.
وتطرق إلى مفهوم العولمة الاقتصادي مبينا أنها تطور حتمي لطبيعة النظام الرأسمالي الغربي الذي تطور من اقتصاد محلي الى اقتصاد إقليمي، فاقتصاد وطني، وأخيرا إلى اقتصاد العولمة هذه الأيام، ذلك لان عماد هذا النظام هو النمو الدائم وما يتبع ذلك من التوسع بسائر الوسائل، فعند استقلالها كانت الولايات المتحدة تتكون من 13 ولاية في القسم الشرقي من القارة الأمريكية الشمالية، إلا أنها ما لبثت بالتوسع بحروب إبادة على السكان الأصليين ممن أسموهم بالهنود الحمر، ثم بالحروب على الجوار حتى امتدت الولايات المتحدة لتشمل الأراضي الممتدة ما بين المحيطين الأطلسي والباسيفيكي.
في الفصل الثاني يتطرق الباحث إلى الاقتصاد الرأسمالي الغربي الذي قام على مؤسسة العبودية، بالإضافة إلى استعراض أسباب الثورة الأمريكية ، والاضطراب الاقتصادي والسياسي في القرن التاسع عشر، وقوانين نظام الاحتياط الفدرالي والبورصات.
يتناول الفصل الثالث دور الإمبراطورية الأميركية من كولومبس حتى الرئيس الأمريكي الحالي الجديد باراك اوباما، من خلال استعراض إجراءات روزفلت للخروج من الكساد الكبير في عهده وطباعة أمريكا لدولارات أكثر من تعهدها، وإلغاء التزاماتها في هذا الشأن، وسياسة إنتاج المستهلكين عبر ثقافة استهلاك جديدة.
وفي الفصل الرابع يشير الباحث الى موضوع نذر العولمة بعد عشر سنين، مبينا أن موضوع ازدهار اقتصاد الكذب كان مؤشرا واضحا على تفشي العولمة، إضافة إلى أحداث سبتمبر وديون الإمبراطورية الأميركية.
أما الفصل الخامس فخصص لموضوع احتلال العراق والسيطرة الأميركية على النفط، ويقول المؤلف إن حجم إنتاج دول الخليج من النفط لعام 2001 ، طبقا للتقارير، كان يمثل 29% من إجمالي الإنتاج العالمي، في حين أن التوقعات تشير إلى أن حصة دول الخليج سترتفع إلى 60% من الإنتاج العالمي بحلول عام 2025، مما يعني بأن الحياة الاقتصادية للولايات المتحدة ستعتمد وبشكل كبير على الشرق الأوسط، وكذلك الأمر بالنسبة لنجاح أجندتها الخاصة بالرأسمالية والعولمة والإمبراطورية، ولهذا لم تعد الهيمنة على المنطقة بالوكالة بواسطة الأصدقاء أو العملاء كافية بحد ذاتها، بل حان وقت الاحتلال المباشر، وقد وقع الاختيار على العراق لتوافر ظروف مواتية جعلت من هذا البلد الضحية الأولى والأسهل للمخطط الأمريكي الكبير.
وفي الفصلين السادس والسابع أنهى زلوم بحثه بالقول إن الأمير كيين أصبحوا ضحايا نظامهم ، مستشهدا بحادثة بيرل هاربر التي تعد الوجه الآخر للحكاية الأمريكية الكاذبة، فيما أشار إلى دور أمريكا الآن في العالم ، مبينا أن بوش هرب من فقاعة إلى أخرى اكبر منها، ولعل قصة سيتي غروب هي القصة الأمريكية الدالة على هذا الهروب.
 
426p.jpg
هل يساعد الفشل السابق على منع الفشل المستقبلي؟

باحث: الفلسطينيون أضعف بكثير من أن يحققوا دولة مستقلة


بيروت - من جورج جحا: يتناول الباحث الاكاديمي الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة رشيد الخالدي موضوع الاخفاق في اقامة دولة فلسطينية من خلال قراءة للتاريخ والحاضر تبدو مختلفة عن كثير مما يطرح ويتناوله البحث في موضوع دولة الفلسطينيين.

يقول رشيد الخالدي في مقدمة كتابه انه يبحث في فشل الفلسطينيين في اقامة دولة قبل انشاء دولة اسرائيل عام 1948 وما كان لهذا الفشل من تاثير في السنوات التي تلت ذلك.

عمل الخالدي وعنوانه "القفص الحديدي.. قصة الصراع الفلسطيني لاقامة دولة" صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وجاء في 325 صفحة كبيرة القطع كانت حصة "الكتاب" منها 260 صفحة اما البقية فراوحت بين هوامش ومصادر ومراجع. وكان الكتاب قد صدر بالانجليزية سنة 2006 ثم صدر بالعربية بترجمة قام بها هشام عبد الله يمكن تلافي بعض اخطائها اللغوية.

قال المؤلف "يبحث هذا الكتاب في فشل الفلسطينيين في اقامة دولة مستقلة قبل العام 1948 وهو عام انشاء دولة اسرائيل على حطام فلسطين العربية ".." وتأثير ذلك الفشل في السنوات التي تلت".

"يثير مثل هذا الموضوع سلسلة من الاسئلة ترتبط بالحاضر بقدر ما ترتبط بالماضي. ما الفائدة من هذه الدراسة اذا كانت الدولة الفلسطينية المستقلة -وفق اي معنى حقيقي لكلمة \\\'مستقلة\\\' وبعد ما يقارب ستة عقود منذ العام 1948- لم تقم بعد، كما ان انشاءها ما زال يواجه عقبات هائلة".

اضاف ان العقبات امام الدولة الفلسطينية "بدت وكأنها تنمو مع تصاعد العنف في قطاع غزة ولبنان صيف العام 2006".

والكتاب الذي كان في طور الكتابة في يوليو/تموز 2006 خلال حرب اسرائيل على لبنان وطبعا قبل الحرب الاخيرة على غزة في ديسمبر/كانون الاول المنصرم كما قال عنه رشيد الخالدي "لا يتحدث عن النزاع بل عن طرفه الفلسطيني وتحديدا عن الجهود التي يبذلها الفلسطينيون لتحصيل الاستقلال في وطنهم".

"وتوضح الحرب المستمرة في غزة ولبنان -مرة اخرى- كيف تتشابك هذه الجهود مع العناصر الاقليمية والدولية. وتوضح ايضا الاهمية البالغة لقراءة متأنية للتاريخ الفلسطيني الحديث من اجل الحصول على فهم للنزاع الشرق اوسطي".

ورأى ان السعي الفلسطيني للاستقلال "هو مجرد عنصر من عناصر عدة لابد من الاحاطة بها لفهم اسباب النزاع في الشرق الاوسط. لكن لان هذا السعي كان شديد المركزية -بالنسبة للاحداث هناك- لما يقارب قرنا من الزمان فقد قاد تجاهله المتعمد الى ذلك النوع من التفكير التبسيطي والمنحاز والمضلل لدى المسؤولين الأميركيين مما ساعد على توليد المشاكل العميقة التي تعاني منها المنطقة".

والكتاب كما يقول الخالدي "يثير مسائل اخرى ايضا: هل الدراسة التاريخية حول سبب حدوث امر ما -او عدم حدوثه كما في هذه الحالة- مبررة لانها تلقي الضوء على بعض انواع التشابه مع احداث جارية حاليا؟ ام ان هاتين المحاولتين الفاشلتين في بناء الدولة -واحدة في الماضي واخرى جارية حاليا- منفصلتان تماما بعضهما عن بعض؟ وهل اي محاولة لدراستهما من منطلق علاقة كل منهما بالاخرى خطأ تاريخي كي لا نقول انها تحريف للتاريخ؟".

وقال الخالدي "وقد يسألني البعض لماذا وصفت الفشل في تحقيق دولة فلسطينية مستقلة على انه فشل فلسطيني، وتحديدا لماذا التركيز على دور الفلسطينيين في هزائمهم السابقة في حين انهم الطرف الاضعف من بين جميع الاطراف الذين شاركوا في الصراع الطويل لتقرير مصير فلسطين والذي بلغ ذروته في العام 1948".

وتوصل الى القول"ان الفلسطينيين وحتى اليوم ما زالوا اضعف بكثير -حسب كافة المقاييس- من القوى التي تقف في طريق تحقيقهم دولة مستقلة. ويبدو واضحا انه في العقود التي تلت 1948 ابتلي الفلسطينيون ببعض المشاكل التي اصابتهم قبل ذلك التاريخ. السؤال الذي يبقى دون جواب مسألة ما اذا كان الفشل السابق قد يساعد على منع الفشل المستقبلي".

وتحت عنوان فرعي هو "اعادة النظر في التاريخ" كتب الخالدي يقول "هذه ليست مراجعة تاريخية حسب خطوط المؤرخين الذين ظهروا في اسرائيل في السنوات الاخيرة. فالمراجعة التاريخية تتطلب للمقارنة رواية رئيسية موثوقة وراسخة قائمة على اسس قد تكون معيبة بطريقة ما".

"ووفق هذا المعنى فان المراجعة التي كتبها عدد من المؤرخين وعلماء الاجتماع الاسرائيليين -امثال افي شلايم، ايلان بابيه، وتوم سيجيف وبني موريس واخرون- تقع بالكامل ضمن هذا التقليد لان ما يجادلون لتفنيده هو الاساطير القومية لدولة اسرائيل التي شكلت وصاغت روايات اسرائيل عن تاريخ البلد. تلك الاساطير هي -علاوة على ذلك- العمود الفقري للنسخة التي تلقاها الغرب عن تاريخ النزاع في المنطقة".

ومن بين اهم تلك الاساطير عن دولة اسرائيل الوليدة القول ان عدد الجيوش التي "غزت اسرائيل بعد انشائها حسب وصف تشكيلة الروايات القياسية يتراوح بين خمسة وعشرة. الا انه لم يكن هناك سوى سبع دول عربية مستقلة في العام 1948 "بعضها يصعب القول انه مستقل حسب المعنى الحقيقي للكلمة" اثنتان منها -السعودية واليمن- لم يكن لديهما جيش نظامي ولا تملكان وسيلة لارسال قوات مسلحة الى فلسطين".

"اضف الى ذلك.. من الجيوش الخمسة الباقية لم يعبر احدها "الجيش اللبناني" قط الحدود الدولية مع فلسطين."وجيشان "هما جيش شرق الاردن والعراق" امتنعا تماما عن عبور حدود الدولة العبرية حسب التقسيم الذي وضعته الامم المتحدة بناء على تفاهم سري اردني مع بريطانيا والقيادة الصهيونية.. وواحد "الجيش السوري" قام باختراق بسيط عبر حدود دولة اسرائيل الجديدة. الاختراق الجدي الوحيد والذي دام لفترة طويلة في اراضي الدولة اليهودية التي تقررت حسب خطة التقسيم الجديدة هو اختراق الجيش المصري.

"في تلك الاثناء جرت اشرس المعارك في العام 1948 مع الجيش الاردني خلال الهجمات الاسرائيلية المتعددة لاجتياح المناطق التي خصصتها الامم المتحدة للدولة العربية او المنطقة التي وصفتها الام المتحدة بالمنطقة العازلة المحيطة بالقدس. وهذه القصة عن غزو كاسح قامت به عدة جيوش عربية واساطير اخرى ليست مجرد عنصر مهم في اصل الاسطورة الاسرائيلية. فهي تكاد تكون اسطورة عالمية. وبقبول المراجعين الاسرائيليين او المؤرخين الجدد كما يطلق عليهم في بلدهم لها؛ فانهم يدعمون مهمة مثبطة للهمة بقدر مزدوج".


 
432p.jpg
توسيع مدى جائزة «مصطفى عزوز» لأدب الطفل لتصبح عربية

جائزة «مصطفى عزوز» التونسية لأدب الطفل.. عربية عام 2009


تونس – العرب أونلاين: ايمانا من تونس بحق الطفل في ثقافة موسوعية وأدب راق ينهلان من الخصوصية المحلية خاصة والعربية عامة في انفتاح على ثقافات الآخر.

سيتم في غضون السنة الجارية "2009" توسيع مدى جائزة "مصطفى عزوز" لأدب الطفل لتصبح عربية، بعد أن انطلقت الجائزة سنة 2003 محليّا ببادرة من اللجنة الثقافية بالمنازه التابعة لمحافظة أريانة التونسية.

وجائزة مصطفى عزوز لأدب الطفل هي جائزة تونسية تعنى بأدب الطفل في شتى ضروب الكتابة الأدبية كالقصة والرواية والقصيدة والأنشودة والخاطرة والمسرحية والشريط المصوّر باللغات العربية والفرنسية والأنجليزية في تشجيع للناشئة للكتابة في هذا الخصوص.

وهي جائزة أحدثت كما أسلفنا سنة 2003 سمّيت باسم أحد أكبر كتاب أدب الطفل في تونس الراحل مصطفى عزوز الذي اختص لسنوات طويلة في الكتابة للأطفال، فكانت له "الحديقة" و"ليس لها عنوان" و"زخارف" و"براعم الأدب" و"مسرح الصغار" و"العصافير" والعديد من المؤلفات والروايات القصصية الموجهة للطفل أينما كان.

هذا وعلمت "العرب العالمية" أن جوائز عام 2008 سيتم تسليمها مساء الجمعة 30 يناير/ كانون الثاني الجاري ببئر بلحسن بمدينة أريانة التونسية، حيث ستذهب الجائزة الأولى مناصفة لكل من نورة قريع عن مجموعتها القصصية "مغامرت باسم وبسيم" ومحمود مليكة عن "البحر في القارب" كما ستذهب الجائزة الثانية، أيضا، مناصفة بين سعدية بن سالم لمجموعتها القصصية "حكايات" وجلال بن ميلود التليلي عن روايته "شبشوب وفأرة الحاسوب" في حين ذهبت الجائزة الثالثة لياسين الليل عن شريطه المصوّر "المعزة المعروزية".



 
431p.jpg
تمثال لدافيد هيوم

هيوم: قواعد السلوك الانساني ليست ناتجا عقليا


نبيل نائف حاجي*: ينظر هيوم إلى السلوك الإنساني على أنه مشروط بالطبيعة الإنسانية، ولأنه ينظر إلى هذه الطبيعة الإنسانية على أنها طبيعة انفعالية في الأساس ولا يحتل فيها العقل إلا دوراً ضعيفاً، فهو يذهب إلى أن كل سلوك إنساني صادر عن الانفعالات.

وهذه الانفعالات تشكل أسباباً ودوافع للفعل، تماماً مثلما أن كل حادثة في الطبيعة تسبقها حادثة أخرى تسببها.

ولا يعطي هيوم شأناً كبيراً بالحرية أو الإرادة في مجال السلوك الإنساني، فهو عنده مقيد بما لدى الإنسان من أحاسيس وعواطف وانفعالات تحدد رغباته وأهدافه وتوجهاته، وهي تضم السعي نحو اللذة وتجنب الألم والحصول على المنفعة. والأهداف الإنسانية كلها ليست أهدافاً عقلية أو صادرة عن مبادئ عقلية، ولا يسلك الإنسان سلوكه اليومي بناء على قواعد العقل، بل بناء على طبيعته الانفعالية.

إن ما يجعلنا نصدر أحكاماً أخلاقية حول ما إذا كان فعل ما فضيلة أو رذيلة، صحيحا أو خطأ، مستحق الثناء والمديح أو اللوم والذم، لا يعتمد على فكرة مجردة أو قيمة عقلية نتوصل إليها باستدلال أو برهان، بل يعتمد على ما لدينا من رغبات وانفعالات وأهواء.

فإصدار حكم أخلاقي يعتمد على انطباع ما، وهذا الانطباع يأخذ صورة إحساس أو انفعال، فالبشر يجدون أنفسهم مدفوعين نحو القيام بفعل ما لأنهم يعتقدون أنه خيِّر أو صحيح، أو لأنهم يعتقدون أنه لن يؤدي إلى الخطأ أو إلى نتائج سلبية وخيمة.

إن قواعد الأخلاق ليست ناتجا استدلاليا عقليا، بل نتاج اعتياد الناس على جني المنافع وتجنب الضرر، والسعي نحو المنافع وتجنب الأضرار شيء خاص بالانفعال لا العقل، وما يجعل فعلا ما فضيلة أو رذيلة ليس أي مبدأ عقلي أو قيمة أخلاقية بل الدوافع الانفعالية التي أدت إلى هذا الفعل والظروف المحيطة بالفعل.

ولأن هذه الظروف المحيطة معطاة سلفاً ويجد الفاعل نفسه محاطاً بها، فإن أي سلوك إنساني يصدر وفقها لن يكون صادراً عن الاحتكام للعقل بل سيكون مجرد رد فعل عليها أو استجابة لها. ودائماً ما يكون الفعل الصادر عن الظروف المحيطة مجرد رد فعل، تنتفي فيه الإرادة العقلانية وتتحكم فيه الأهواء والمصالح الذاتية.

ويميل هيوم إلى اعتبار أن الفضيلة والرذيلة ليستا إلا وجهة نظر إنسانية بحتة صادرة عن الطبيعة البشرية وليس لهما وجود موضوعي في العالم، ذلك لأنهما مؤسسان على فكرتي الخير والشر.

والخير والشر عنده مجرد انطباع انفعالي. فالفيضانات والبراكين والزلازل ليست إلا ظواهر طبيعية، أما في نظر الإنسان فتصبح شراً أو عقاباً، وذلك لما لها من آثار سلبية على الحياة الإنسانية.

وكذلك الحال بالنسبة للأفعال الإنسانية التي توصف بالفضيلة أو الرذيلة، أو الخير أو الشر، فهذه الأشياء ليست قيماً مطلقة وليس لها وجود واقعي مستقل عن انفعالات البشر، لكن يستخدمها الناس باعتبارها مبادئ أخلاقية بالنظر إلى ما يعود عليهم من نفع أو ضرر.

واستقر الرأي في عامة الغرب ـ منذ دافيد هيوم ـ على التفرقة والفصل الحاسم بين أحكام الواقع وأحكام القيمة، بين العلم الواقع من جهة، وبين الأخلاق والقيم من جهة أخرى.

وبين الموجود والواجب. فالواجبات الأخلاقية ليست قضايا تحكي عن واقع موضوعي، يمكننا مراجعته لاكتشاف تطابق هذه القضايا مع ذلك الواقع، بل هي من *** آخر غير *** الطبيعة وعالم التكوين.

ومن أهم ما جاء به هيوم هو تفسيره للسببية، إذ يذهب إلى أن ما يجعلنا ندرك أن شيئاً ما سبب لشيء آخر هو قدرة الذهن على الربط بينهما وملاحظة أن الأول سبب أو مؤثر والثاني مسبب أو أثر، فاستخدام السببية في التفكير إذن هو عادة ذهنية .

إن كل الفلاسفة السابقين قد أسسوا السببية على الضرورة، حيث اعتقدوا أن هذا المفهوم قائم على ما في الطبيعة من ضرورة وكذلك على القوانين المنطقية والطابع المنطقي للتفكير. لا ينكر هيوم هذه الوجهة في النظر، ويذهب إلى أن السببية ليست إلا انتظاماً معيناً لتسلسل ما، وعلى هذا الأساس فلا يمكننا تقديم تبرير عقلي لسبب باعتباره قادراً على إحداث نتيجة ما، لأن السببية بذلك سوف تكون مجرد تتابع لأحداث، وليس في هذا التتابع أي ضرورة طبيعية أو منطقية.

وكل ما تؤكده الخبرة هو ارتباط سبب بنتيجة في الماضي، أما الانتقال إلى حتمية هذا الارتباط في المستقبل فلا يمكن تبريره، فبناءً على أحداث الماضي لا يمكن التنبؤ بأحداث المستقبل، وما كان منتظماً في الماضي يمكن ألا يكون منتظماً في المستقبل دون الوقوع في أين تناقض عقلي.يقول هيوم في ذلك: "إذا طرأ أي شك حول امكان تغير نظام الطبيعة، وأن الماضي يمكن ألا يكون قاعدة للمستقبل، فسوف تصبح كل الخبرة بدون فائدة، ولن تؤدي بذلك إلى أي استدلال أو نتيجة.

من المستحيل أذن أن تكون أي حجة من الخبرة قادرة على ذلك التضامن بين الماضي والمستقبل، بما أن هذه الحجج مقامة على أساس هذا التطابق"، و يتابع فيقول: " وإذا لم يكن من الممكن تقديم حجة من الخبرة على ضرورة السببية، فإن هذا يفسر على أنها نتيجة استعداد ما في العقل البشري، وهذا الاستعداد هو العرف والعادة ، طالما أنتج كل تكرار لفعل أو عملية نفس النتيجة، دون تدخل من استدلال أو عملية تخيلية يقوم بها الفهم، فنحن نقول أن هذا التوجه هو أثر للعادة. وباستخدامنا لهذا المصطلح لا نهدف تقديم سبب نهائي لهذا التوجه".

فالسببية لا يمكن ملاحظتها لكن فقط تصدق على أساس العادات السببية هي حالة أو موقف تحدث تأثيراً معيناً، إنها تتعامل مع العلاقة ما بين السبب وتأثيراته، إنه باستثناء الخبرة، لا يمكن لنا أن نستدل على صلة ما بين السبب وتأثيره:عندما نتمعن في مسألة معينة ونأخذ في اعتبارنا فقط أي هدف أو سبب، كما تبدو للذهن، مستقلة عن كل الملاحظات، فإنها لا يمكن أن تدلنا على فكرة أو رأي واضح، مثل تأثيراتها".

ويستنتج هيوم: لأننا لا يمكن أن نعرف، مثلاً "كافة" أسباب سقوط صخرة من أعلى، وأيضًا لا يمكن لنا نعرف أسباب العالم .

ومبدأ السببية طبقًا لهيوم، ليس سوى ربط ما بين تأثيرات متتالية، فمن خلال العادة والعرف نتوقع أن يحدث هذا التتابع؛ ولكن في عالم الواقع لا يوجد ارتباطات ضرورية حتمية بل احتمالية، ويمكن أن تكون عالية الدقة جداً كالقوانين الفيزيائية، وهيوم لم يرفض أبداً مبدأ السببية. لقد اعترف بأنه سوف يكون الأمر سخيفاً إذا تمسكنا بأن الأشياء تقوم وتحدث دون أسباب.

ما حاول أن ينكره هو تواجد طريقة فلسفية لتكوين مبدأ السببية، إذ أن مبدأ السببية ليس سوى مجرد علاقة تحليلية من الآراء، فهو اعتقاد مؤسس على ارتباط اعتيادي لأحداث روتينية .

نحن فقط نشير إلى مبدأ في الطبيعة الإنسانية، متعارف عليه عموماً، ومعروف جيداً عن طريق آثاره. وبهذه الطريقة فإن العادة هي التي تمكننا من التنبؤ بالمستقبل بناء على الماضي، وبالتالي نستطيع بها الحصول على أهدافنا، ونحدث انسجاماً بين نظام الطبيعة وتتابع أفكارنا، أما الاعتقاد في وجود أسباب نهائية أو علل أولى كما يعتقد أصحاب المذاهب الميتافيزيقية فلا مبرر له، وهو مجرد وهم وخرافة .

وليس هناك وجود لأي ضرورة في مفهوم السببية الذي يعتمد على العادة، ذلك لأن المستقبل يمكن ألا يكون على شاكلة الماضي، وكل ما نستطيع أن نؤكده بناء على هذا المفهوم للسببية هو أن الانتظام الذي اكتشفته الخبرة في الماضي يمكن أن يحدث ويمكن ألا يحدث في المستقبل، بمعنى أن هذا الانتظام، وذلك الاتفاق بين الماضي والمستقبل يدخل في مجال الاحتمال وليس له أي علاقة بالضرورة .

والاحتمال هو المفهوم الوحيد الذي يمكن التوصل إليه من الخبرة السابقة بناء على استدلال عقلي. ولا يمكن التوصل إلى أي ضرورة باستدلال عقلي، لأن هذا الاستدلال ليس سوى الاعتقاد في أن المستقبل سوف يكون على شاكلة الماضي، الاستدلال إذن قائم على اعتقاد وتوقع لا على أي ضرورة منطقية أو حتمية.

غير أن الفكر الإنساني لا يقتصر فقط على الآثار الحسية بل هناك أعمال عقلية ترجع إلى تداعي المعاني أي إلى ترابطها بعضها ببعض مثل فكرة العلية التي قال عنها العقليون إنها من الأفكار الفطرية في حين أنها راجعة فقط إلى التجاوز في المكان والتعاقب في الزمان، وإلى العادة كذلك.

فالأصل في فكرة العلية هو ما نشأ من تجاور الظواهر وتعاقبها مما يحملنا على الاعتقاد بأنه كل ما حدث شيء نتج عنه شيء آخر فنسمي الأول علة و الثاني معلول. والواقع انه ليست العلّية خارجة عن التجاور والتعاقب والعادة.

فأنا حينما أرى كرة البلياردو تتحرك فتصادف كرة أخرى فتتحرك هذه أيضا فليس في الحركة الأولى ما يظهر على الحركة الثانية وإنما مرجع الأمر في ذلك إنني اعتدت أن أتوقع حركة الكرة الثانية كل ما تحركت الأولى التي تجاورها".

يتساءل هيوم عن أصل اعتقادنا في وجود موضوعات العالم، وما إذا كان مؤسساً على الحس أو على العقل، ويرى بأن الاعتقاد في الوجود المستقل للموضوعات "أي الوجود الموضوعي للأشياء" عن العقل الإنساني، واستمرارها في هذا الوجود لا يعتمد بشكل مباشر على الحس أو العقل، فالحواس غير قادرة على تأكيد الوجود المستمر للموضوعات في حالة غيابها عن أعضاء الحس.

وإذا كان للحواس دور في إدراك الموضوعات، فإن هذا الدور يتمثل في إدراكها للاختلاف والتمايز بين هذه الموضوعات، لا إدراكها لاستمرارها في الوجود. فكل انطباع للحواس هو إدراك لشيء واحد بسيط ليس فيه أي استمرار، فإذا كانت الحواس قادرة على إدراك الأشياء وإدراك شيء آخر غيرها وهو النفس الإنسانية، إلا أنها ليست قادرة على التمييز بينهما، ذلك لأن الحواس لا تدرك إلا الجسد الإنساني باعتباره شيئاً مادياً مثله مثل أي شيء مادي آخر في هذا العالم، لكنها لا تستطيع أن تدرك النفس ولا أن تميز بين النفس والجسد.

الهوية "الشخصية"
ليست أشياء العالم الخارجي وحدها هي التي نعتقد في وجودها واستمرارها عبر الزمان، فهناك أيضاً الأشخاص، وأولهم الذات أو المرء باعتباره شخصاً، لكن كيف نحصل على فكرة عن الهوية الشخصية، أو وعي المرء بذاته باعتباره موجوداً ومستمراً عبر الزمان؟.

ذهب هيوم إلى أن الذي يجعلنا نقطع بوجود شيء واستمراره عبر الزمان هو استقبالنا المستمر والدائم لانطباعات من هذا الشيء، لكن النفس الإنسانية ليست كذلك، فنحن لا نتلقى منها انطباعات مستمرة عبر حياتنا، وإذا كنا نحصل على انطباع عن أنفسنا، فإن هذا الانطباع يحدث في زمن محدد ولا يتكرر دائماَ، وبالتالي يصل هيوم إلى القول إن فكرة النفس لا ترجع إلى الحواس، ويقول في ذلك: "عندما أتأمل في ذاتي دائماً ما أقف عند إدراك معين أو آخر، عن الحرارة أو البرودة، الضوء أو الظل، الحب أو الكره، الألم أو اللذة، لكنني لا أستطيع أن أمسك بذاتي في أي وقت دون إدراك ما.

وبغض النظر عما إذا كانت الهوية جوهرا قائما بذاته أو تعاقبا لحالات شعورية متباينة، فإن الهوية ليست كيانا ميتافيزيقيا مكتمل التكوين منذ البدء، إنها سيرورة سيكولوجية تجد سندها المادي في الذاكرة، وعملية تطورية تنشأ تدريجيا بفضل تفاعل الفرد مع الغير.

إن فعل التذكر هو الذي يمنح الفرد شعورا بهويته وأناه وبثباتها. ويتجلى هذا واضحا في شعور الفرد داخلياً وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بها، كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبرة الماضية التي كان يمر بها.

إذا كانت الذاكرة هي ما يعطي لشعور الشخص بأناه وبهويته مادتهما الخام، فإن امتداد هذه الهوية في الزمان، مرهون باتساع أو تقلص مدى الذكريات التي يستطيع الفكر أن يطالها الآن، وبعبارة أخرى إن الشخص الآن هو نفسه الذي كان ماضيا وصاحب هذا الفعل الماضي هو نفس الشخص الذي يستحضره الآن في ذاكرته، فالوعي بالأنا أو الذات يعتمد على الذاكرة، يوجد بوجودها ويتلف بتلفها.

إن الوعي بالذات ، هو مسلسل تدريجي بطيء يمر أولا عبر إدراك وحدة الجسم الذي ينفصل به الكائن عما عداه وعبر العلاقة مع الغير، فالحياة الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية تفرض توحيد الذات وثبات الهوية، لعوامل وأسباب ضرورية .

إن ما يجعل الشخص "هو نفسه" عبر أمكنة وأزمنة مختلفة، هو ذلك الوعي أو المعرفة التي تصاحب مختلف أفعاله وحالاته الشعورية من شم وتذوق وسمع وإحساس وإرادة، تضاف إليها الذاكرة التي تربط الخبرات الشعورية الماضية بالخبرة الحالية، مما يعطي لهذا الوعي استمرارية في الزمان.

والواقع أن " الجوهر المفكر" كينونة ميتافيزيقية لا يمكن قبولها انسجاما مع نزعته التجريبية التي لا تقر لشيء بصفة الواقعية والحقيقة ما لم يكن إحساسا أو مستنبطا من إحساس، وباختصار فالهوية الشخصية تكمن في فعل الوعي، وعندما يتعلق الأمر بالماضي يصبح الوعي ذاكرة بكل بساطة، أي أن الهوية لا تقوم في أي جوهر مادي كان أو عقليا، ولا تستمر - إلا - مادام هذا الوعي مستمرا ، يقول هيوم: "هناك بعض الفلاسفة الذين يعتقدون بأننا نكون في كل لحظة على وعي حميمي بما نسميه ذواتنا؛ وبأننا نشعر بوجودها وباستمرارها في الوجود؛ وبأننا متيقنون يقينا لا يحتاج إلى برهان بهويتها الخالصة وبساطتها.

ويقولون إن أكثر الأحاسيس قوة وأكثر الانفعالات عنفا إنما تُثَبِّتُ تلك الهوية أكثر، بدل أن تصرفنا عن نظرتنا تلك إليها، وتجعلنا نعتبر تأثيرها في الذات من خلال ما تحدثه من ألم أو لذة.

أما وأن نبحث عن مزيد من الأدلة لإثباتها، فإن من شأن ذلك أن يقلل من بداهة وجودها، وذلك لأنه ليس هناك من دليل يمكن أن يشتق من أية واقعة من الوقائع التي نكون واعين بها بشكل حميمي؛ كما أنه لن يكون هناك شيء يمكن معرفته معرفة يقينية إن خامرنا الشك في حقيقة وجودها".

لقد شك دافيد هيوم في بداهة المصادرات التي تنبني عليها الأطروحة القائلة بوجود هوية شخصية ثابتة والتي دافع عنها كل من ديكارت وجون لوك وغيرهم؛ وبشكه في المصادرة التي تقول بأن فكرة "الأنا أفكر" يمكن إدراكها عن طريق الحدس العقلي نظرا لبساطتها ووضوحها وتميزها يكون قد قوض أركان اليقين الديكارتي.

إن القول بأن ما يميز الهوية الشخصية هو بساطتها ووضوحها وثباتها عبر الزمن هو قول غير بديهي وغير مقبول في نظر دافيد هيوم، ذلك لأن تشكيل فكرة عن الذات أو الهوية الشخصية يستلزم توفر انطباعات وأحاسيس تكون على درجة من الثبات والاستقرار اللذان يمثلان الشرط الضروري لبروز هوية شخصية.

والحال أن جميع أحاسيسنا، كالإحساس بالألم أو اللذة والشعور بالحزن أو الفرح الخ، مؤقتة وعابرة لا تستقر على قرار؛ يقول بهذا الصدد: "من جهتي، عندما أتوغل في الأعماق الحميمة لما أسميه أناي ، لا أعثر فيها سوى على بعض المدركات الخاصة أو شيء آخر، كالحرارة والبرودة، والنور والظل، والحب والكراهية، والألم واللذة؛ ولا يمكنني الإمساك بذاتي في أية لحظة بدون إدراك، كما لا يمكنني أبدا ملاحظة شيء آخر غير الإدراك...

وإذا وضعنا بعض الميتافيزيقيين جانبا أمكنني أن أجازف بالقول إن بقية أفراد النوع البشري لا يمثلون سوى مجموعة من المدركات المختلفة والمتعاقبة بسرعة مذهلة، والتي هي دائمة التدفق والحركة".

ولما كانت الانطباعات والأحاسيس غير ثابتة وغير متزامنة فإنه لا يمكن أن تشكل أساسا لقيام الهوية الشخصية الثابتة؛ هذا بالإضافة إلى أن أي انطباع أو إحساس يوجد بمعزل عن غيره، يقول بهذا الصدد:" "مدركاتنا" مختلفة عن بعضها البعض وقابلة للتمييز بينها وفصل بعضها عن بعض، بحيث يمكن فحص كل انطباع على حده، كما يمكن " لكل انطباع" أن يوجد منفصلا عن غيره، ولا يحتاج لغيره كدعامة لوجوده".

إن تنوع مدركاتنا، واختلاف تجاربنا الشعورية وانفصال بعضها عن بعض، وافتقارها جميعا إلى دعامة ترتكز عليها وتسند إليها مثلما تسند الصفات إلى الكائن، كل ذلك يدل على أن وجودها لا يرتبط بوجود ذات لها ماهية ثابتة مثلما يعتقد ديكارت وجون لوك وغيرهما؛ إن وجود تلك المدركات والانطباعات والأحاسيس لا يحتاج إلى وجود ذات أو جوهر ثابت. وهل بإمكاننا أن نلاحظ وجود هكذا جوهر؟

كل ما يمكن ملاحظته وإدراكه هو تلك الانطباعات والأحاسيس مجردة أو منفصلة عن أي أساس أو وعاء أنطلوجي ، وعندما نفكر في أنفسنا لا نعثر فيها عن شيء آخر غير تلك المدركات والأحاسيس، ولا يمكننا تشكيل أية فكرة عن "الأنا" أو الشخص ما دمنا لا نتوفر بشأنه عن "انطباع خاص" يكون مطابقا لفكرة الأنا أو يقدم نفسه كنسخة مطابقة لتلك الفكرة.

ومن هذه الملاحظات استنتج دافيد هيوم تعريفه للشخص، وحدده بأنه مجموع المدركات والمشاعر و الإحساسات التي يعقب بعضها بعضا باستمرار وبدون توقف.

إن هذه الوقائع الذهنية والنفسية المتدفقة بلا انقطاع هي التي تشكل مضمون الأنا، حيث يمكن القول إن الأنا أو الشخص هو عبارة عن ديمومة من التجارب الشعورية المتنوعة.

لا وجود إذن لهوية ثابتة، كل شيء في تغير مستمر، ولعل ذلك هو ما عبر عنه هيوم بقوله: "إن الهوية التي تنسب إلى العقل البشري ليست سوى وهم من الأوهام". فلما كانت وقائع الحياة الداخلية في حركة وتغير مستمرين فإنه لا يمكن الحديث عن هوية ثابتة.

وأما الاعتقاد بوجود مثل هذه الهوية فهو خدعة ماكرة من مخادعات العقل البشري: فقد يحصل لدينا الانطباع باستمرارية شيء ما في الوجود عبر الزمن، ولا ننتبه إلى أن ما يوجد في الواقع ليس نفس الشيء بل سلسلة من الأشياء المتعاقبة؛ فعندما يتعرض ذلك الشيء لأي تغير تدريجي يحدث بكميات طفيفة لا ننتبه إلى أننا أمام سلسلة من الأشياء المختلفة التي يعقب بعضها بعضا عبر الزمن، بل نعتقد أننا لازلنا أمام نفس الشيء، ويحصل الاعتقاد بوجود هوية ثابتة.

وأما الاعتقاد بوجود هوية شخصية فينشأ عن الانطباع بأن مدركاتنا وأحاسيسنا مترابطة فيما بينها وبأنها تشكل وحدة متكاملة، وهي في الواقع منفصلة عن بعضها البعض لا تربط بينها أية علاقة تجعل منها تركيبة ذات هوية متميزة.

والحقيقة أن ما يرفضه هيوم هو القول بأن الهوية الشخصية تتحدد بوجود جوهر أو ذات أو روح أو "شيء مفكر" مثلما يعتقد ديكارت، وبأنها تظل ثابتة مهما تعرض الجسد والخصائص السيكولوجية للتغير؛ ويعتقد على العكس من ذلك بأن الحياة الداخلية هي عبارة عن مجموعة من التجارب الشعورية المتنوعة التي لا يمكن اختزالها في تركيبة واحدة موحدة.

ومعنى ذلك أيضا أنه لا يمكن إدراك الذات في وحدتها؛ إن كل ما يمكن إدراكه هو تلك السلسلة المتعاقبة من الانطباعات و الإحساسات والتجارب الشعورية المختلفة، فالأنا في نظره ليست شيئا من الأشياء التي يمكن إدراكها أو الوعي بها، إنها ليست شيئا آخر غير "مجموعة من المدركات"، وهذه المدركات هي قوام الهوية الشخصية عنده.

ونظرا لأن هيوم رفض نظرية ديكارت التي تقول بأن الأنا جوهر قائم بذاته، ظلت الوقائع الذهنية والعاطفية الوجدانية معلقة دون فاعل. ولعل ذلك هو ما جعل هيوم يعرف الشخص فيما بعد بأنه الفاعل الذي تصدر عنه الأفعال الذهنية والعاطفية-الوجدانية، ولكنه اكتفى بإرجاع تلك الأفعال إلى نشاط الدماغ، وظل متشبثا بالتعريف الوارد في الفقرة السابقة، والذي نص على أن الشخص هو "مجموعة من المدركات المختلفة" التي تشمل "الأفكار" و"الانطباعات".

أما عن حرية الفعل الإنساني فإن لهيوم رأي خاص فيها، يُعتقد دائماً أن الحرية الإنسانية تتمثل في القدرة على القيام بأفعال بناء على الإرادة الحرة، ويُنظر إلى هذه الإرادة الحرة على أنها الإرادة العقلانية التي تؤدي إلى سلوك عقلاني سليم متفق مع قواعد العقل.

لكن هيوم ينظر إلى الحرية الإنسانية على أنها صادرة عن إمكانية تغيير الإنسان لسلوكه بناء على رغباته وأهدافه.

ليست الحرية الإنسانية عند هيوم مفهومة في إطار العقل والمنطق، بل مفهومة في إطار الطبيعة الانفعالية المتغيرة للبشر. فهو ينظر إلى تقلب السلوك البشري على أنه هو هذه الحرية الإنسانية ذاتها. فليس العقل هو ما يجعل الإنسان حراً، بل طبيعته المتغيرة المتقلبة المشروطة بالانفعالات.

فلا يمكن أن يكون العقل مصدراً للحرية، لأن إتباع العقل هو الضرورة وهو الحتمية بعينها، ويستطيع الإنسان الانفلات من الضرورة والحتمية بناء على طبيعته المضادة للعقل.

ولا يعني خروج السلوك الإنساني عن العقل أن هذا السلوك غير منتظم ودون أسباب، بل على العكس، إذ يعني أن السلوك الإنساني مبدأه الأساسي العاطفة والانفعال والرغبات والأهواء. هذه هي القواعد اللاعقلانية للسلوك الإنساني. ويجب أن نتنبه هنا إلى أن هيوم بعكس معظم الفلاسفة السابقين عليه لا يصف السلوك الإنساني كما يجب أن يكون، بل يصف السلوك الإنساني كما هو قائم بالفعل.

لقد درج الفلاسفة دائماً على الربط بين السلوك الإنساني والعقل والحرية، هادفين بذلك إثبات أن الحرية الإنسانية لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار العقل، لكنهم بذلك لم يكونوا يصفون ما هو قائم بل ما يجب أن يكون، ولقد آثر هيوم أن يصف السلوك الإنساني كما هو حادث بالفعل، كجزء من منهجه التجريبي الذي لا يقحم أي معيار خارجي يراد للسلوك الإنساني أن يتوافق معه، بل الذي يبحث في السلوك القائم بالفعل كما يوجهه.
___________
* كاتب من سوريا


 
أعلى