- إنضم
- 15 جويلية 2008
- المشاركات
- 223
- مستوى التفاعل
- 3.373
غير صالح للنشر 6
بقلم الياس القرقوري
مدرسة المنافـقـين
منذ ان كنت تلميذا على مقاعد الدراسة..الى ان اصبحت طالبا في اروقة الجامعة كنت كثيرا ما انتهز فرصة لقائي بالزملاء لأتحدث وباندفاع كبير عن القيم المثلى.. ومآثر الفضيلة..وقيمة الافعال الخيرة..عن مساوىء الجهل ووطأة الظلم وقسوة الغدر..عن كل ما يدور بخلدي كشاب يحلم بالمدينة الفاضلة..ويطمح ان يكون هذا العالم افضل..وهذا المجتمع اجمل.. وهؤلاء الناس اكمل..فينفض زملائي من حولي وكأني مصاب بالجدري..بعد ان يمنحني كل واحد منهم ما تيسر من نظرات الازدراء وتمتمات الشفقة وادعية العزاء في عقلي المتخلف...
ويشاء القدر بفضل قليل من الاجتهاد.. وقليل من الغش في الامتحانات.. وكثير من رضاء الوالدين ان اتخرج من الجامعة وبامتياز.. وان أُعيَن مسؤولا باحدى الشركات..ويشاء القدر ايضا بما انه هو ’صرف صرف’ ان يعين جملة من زملائي تحت اشرافي.. وسبحان مغير الاحوال فقد اصبحت كلماتي حكم..وقراراتي عين الصواب..وآرائي منتهى الفهم للظروف المحلية والاوضاع الاقليمية ..والعوامل الخارجية..انا طبعا لست بحاجة لأن اقول لكم بأن كل هذا الاستحسان ليس عن آرائي التي كنت أتشدق بها عندما كنت طالبا..فأنتم تعلمون بأن العمل وضغوطاته لا تترك مجالا للمرء ان يفكر..لا في الفضيلة و لا في المثل العليا او السفلى..وربما لهذا كانت المصيبة اعظم..فما اصبح زملائي يرونه عين الصواب..ورجاحة عقل..وسداد رأي..انما هو حول موضوعات اتفه من التفاهة اتعمد اثارتها..وأُمعن في الحديث عنها..حتى يرى مسؤول اليوم زملاء الأمس وهم ينتشون بسماعها وكأنهم سكارى وما هم بسكارى..ويسبغون عليها وعلى قائلها ما لذ وطاب من ولائم الإعجاب وموائد النفاق..بل وأذكر انه في إحدى المرات إعترضتني أبيات من الشعر أقسم لو أني قرأتها على الخرفان
لأصابتها بالإسهال.. فدونتها.. وناديت في الغد أحدهم عندي.. كان قد قدم لي مطلبا لراحة بأسبوع.. وقلت له بأني إستشعرت في نفسي موهبة لكتابة الشعر وقد رأيت ان اسمعه بعض الأبيات حتى يعطيني رأيه فيها.. واني إخترته هو لسماعها نظرا لتاريخ الزمالة الذي كان يجمعنا سابقا.. وقرات عليه تلك الابيات الرديئة قلبا وقالبا..فإذا به يهز رأسه طربا وكأني
قرأت عليه أجمل قصائد المتنبي ثم أضاف قائلا "مسؤول وشاعر" أقسم ثم أقسم بأن العالم لو بلغته كلماتك هذه لمنحك جائزة نوبل للآداب ولجعل منك سفيرا للنوايا الطيبة..فقلت له وانت لم تخيب ظني بك.. وبرهنتَ على حسن تذوقك للشعر وللأصيل من معانيه..وها أنذا أوافق على مطلبك الذي قدمته لي.. وستظل حوائجك مقضية بإذن الله تعالى ما بقيتَ على هذا الصدق و الإخلاص.. فلم يتوقف لسانه عن الثناء والإطراء الى ان غاب عن ناظري وانا متأكد طبعا بأنه يسخر مني في أعماق أعماقه مثلما سخرت أنا منه قبل قليل..
وهكذا إذن صرت انا واحد منهم.. ينافقونني وأرد على التحية بأحسن منها.. لم يكن هناك من خيار ثان.. فلقد كان على أحدنا أن يصبح مثل الآخر.. ولقد رأيت انه من الاسهل ومن الأفضل للجميع أن أتحول إلى منافق مثلهم.. فالنفاق لغة بسيطة ولا تتطلب الكثير من العناء لتعلمها.. من أقل الموظفين درجة الى أعلاهم منصبا.. ثم والحق يقال وجدت ان النفاق قد حقق لي ثلاثة مكاسب مهمة.. اولها المحافظة على سير العمل بالشركة.. ثانيها المحافظة على روح التعاون والتآخي بين جميع الموظفين ، ولا يهمني حتى و إن كانت مزيفة..أما المكسب الأهم من كل هذا وذاك والذي جعلني اؤمن بالنفاق و أتشبع به وأفضله.. فهو بطبيعة الحال محافظتي أنا على منصبي المرموق في المؤسسة التي أعمل بها.