الدعوى أبقى من الداعية

lokman elhakim

نجم المنتدى
إنضم
17 جانفي 2008
المشاركات
4.216
مستوى التفاعل
12.394








الدعوى أبقى من الداعية


نعم إن البشر جميعا إلى فناء والعقيدةَ والدعوةَ إلى بقاء، منهج الله فى ذاته مستقلا عن الذين يحملونه ويؤدونه إلى الناس من الرسل والدعاة على مدار التاريخ كله، فالدعوة يا أحبتى فى الله أكبر من الداعية وأبقى من كل داعية فدعاتها يجيئون ويذهبون، وتبقى الدعوة على مر الأجيال والقرون، ويبقى اتباعها لمصدرها الأول وهو الحى الباقى الذى لا يموت.
إن الدعاة إلى فناء وزوال، ودعوة الله باقية لأن مصدر الدعوة باق وهو الله جل وعلا؛ ولذلك يا أحبتى فى الله أراد الله تبارك وتعالى أن يربى أصحاب النبى على هذا الدرس وأن يعلمهم أن الدعاة ولو كانوا من الأنبياء والمرسلين إلى زوال وإلى فناء، وأن يعلمهم أنه ينبغى أن يرتبط الناس بدين الله لا بأشخاص الدعاة !! أراد الله أن يعلم الصحابةَ هذا الدرس فى حياته ووجوده فلما هتف الهاتف فى غزوة أحد: إن محمدا قد مات، إن محمداً قد قتل، وما أن وصلت هذه الكلمات إلى اسماع الصحابة رضى الله عنهم إلا وانقلب البعض منهم على عقبيه !! فأراد الله أن يربيهم بهذه الحادثة، وأن يعلمهم أن دين الله مسؤولية يجب تحملها بعد موت رسول الله فنزل قول الله جل وعلا فى أرض المعركة فى غزوة أحد: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]

محمدٌ رسولٌ
من عند الله جاء ليبلغ الناسَ دعوة الله ودين الله – عز وجل - وما ينبغى لكل من آمن بالله أن يرتد على عقبيه بعد موت أو قتل رسول الله الذى ما جاء إلى الناس إلا ليبلغ دعوة الله عز وجل.
أحبتى فى الله وكأنما أراد الله سبحانه وتعالى بهذه الحادثة أن يربط المسلمين بالإسلام مباشرة حتى إذا مات النبى أو قتل يبقى المسلمون وعهدهم مع الله عز وجل، وكأنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يربط المسلمين وأن يصل أيديهم بالعروة الوثقى التى ما عقدها محمد ، بل ما جاء محمد إلا ليعقد بها أيدى البشر ثم يدعهم عليها وهم بها مستمسكون ووعى أصحاب الرسول الدرس جيدا فهل سنعى الدرس يا عباد الله ؟

وعى أصحاب النبى الدرس فهذا أنس بن النضر - رضى الله عنه - يمر على بعض الناس فى ارض المعركة فيرى أنهم قد ألقوا ما بأيديهم من السلاح فيقول : ما تصنعون ؟ فيقولون: مات رسول الله . فقال لهم أنس بن النضر: فماذا تصنعون بالحياة بعد رسول الله قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله
وينطلق أنس بن النضر - رضى الله عنه - ويلقى سعد بن معاذ فيقول له أنس : يا سعد والله إنى لأجد ريح الجنة دون أحد .. وينطلق أنس يقاتل فيقتل وما يعرفه أحد بعد موته ما عرفته إلا أخته ببنائه وبه ثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم.

ولو توقفت الدعوة بموت دعاتها لماتت دعوة الإسلام بموت سيد الدعاة. ماذا قال صديق الأمة يوم أن جاء من منزله بالسنح، ورأى الجموع الملتهبة تصرخ في مسجد النبي
وحول حجراته الطاهرات، فكشف الغطاء والبردة عن وجه الحبيب الأزهر الأنور، وقبل الحبيب بين عينيه، وبكى وقال له: طبت حياً وميتا ًيا رسول الله! أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ولا ألم عليك بعد اليوم، وخرج الصديق لينادي في تلك الجموع: على رسلك يا عمر! والتف الناس حول صديق الأمة، وأعلنها مدوية: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

هؤلاء هم الأبطال، هؤلاء هم الرجال وعوا الدرس جيدا وعلموا علم اليقين أن منهج الله وأن دين الله وأن دعوة الله تستقل فى ذاتها عن الذين يحملونها ويؤدنها إلى الناس فهل سنعى الدرس أحبتى فى الله؟ هل سنعلم علم اليقين أن منهج الله باق وأن دعوة الله باقية وأن دين الله باق وأن الدعاة إلى زوال وفناء؟ ولن تتوقف الدعوة بسبب انصراف دعاتها أو موت دعاتها.

كم توقفت دعوات بسبب موت دعاتها، وانصراف دعاتها عن حقل دعوتهم لسبب أو لأخر، لماذا؟ لأن أفراد الدعوة قد ارتبطوا بشخص الداعية لا بدعوته فتوقفت الدعوة بموت هذا الداعية أو بسفره ، توقفت الدعوة لأن أفراد الدعوة لم يجعلوا ولاءهم لله وإنما جعلوا ولاءهم لشخص الداعية الفقير !!



مقتبس من خطبتين للشيخ محمد حسان
بعنوان
"الإسلام منهج حياة" و "أدب الإختلاف"



 
أعلى