نساء.........من ذهب

**أم ذر**

رُوِى أن زوجها سُئِلَ عن بدء إسلامه، فقال: دخلت على صنم كان عندنا نقول له نُهُم، فأتيته فصببت له لبنًا ووليتُ، فإذا كلب يشرب ذلك اللبن، فلما فرغ رفع رجله، فبال على الصنم فأنشأت أقول:

ألا يا نُهْـمُ إنِّى قَدْ بَدَا لِـــى مدى شَرَفٍ يُبعّدُ مــنكِ قُـرْبًا
رأيتُ الكَلبَ سَامَكِ حَظَّ خَسْفٍ فَلَمْ يَمْـنَعْ قَـفَاكِ اليَــوْمَ كلبًا
فسمعتنى أم ذرّ فقالت:
لقدْ أتيتَ جُـرْمًا وأصَـبْتَ عظمًا حينَ هَجـَوتَ نُـهْمَــا
فأخبرتُها الخبرَ، فقالت:
ألا فـابغِنَا رَبّـا كَرِيــمًا جَوَادًا فِى الفَضَائِلِ يا بْنَ وَهْبٍ
فَمَا مَنْ سَامَهُ كَلْـــبٌ حَقِيرٌ فَلَـمْ يَمْـنَـعْ يَـدَاهُ لَنَا بِـرَبِّ
فَمَا عَبَدَ الْحِجَارَةَ غَـيْرُ غَـاوٍ رَكِيكُ العَقْلِ لَيْسَ بذِى لُــبِّ
فلما حكيت ذلك لرسول اللَّه تبسم وقال: "صدقَتْ أم ذر، فما عبد الحجارة غير غاوٍ" [ابن حجر فى الإصابة].
هذه أم ذر، أدركت قبل إسلامها أن الصنم لا ينفع ولا يضر، فإنه حجر أصم، وأنه لابد أن يكون لها رب كريم عظيم فى فضائله .
تركت دارها فى قبيلتها غفار، وسَعَتْ إلى المدينة مع زوجها، الذي أخلصت له، وتحملت المشقات والمتاعب التي فاقت طاقتها لأجله.
سمعت من زوجها ما تعلمه من رسول اللَّه ، وتعلما منه الحكمة والأخلاق الكريمة، وكان دائمًا يقول لها: علَّمَنِى خليلى رسولُ اللَّه أن أقول الحق ولو كان مرّا.
وقد تمسكت بالتعاليم النبوية الشريفة، وعضت عليها بنواجذها، ولم تضعف أمام ما تعرّض له زوجها، فَيُرْوَى أنه حين سافر إلى دمشق وجد الناس يميلون إلى الدنيا ميلا عظيمًا، ويركنون إليها، فذهب إلى معاوية بن أبى سفيان -رضى اللَّه عنه- والى دمشق يومئذ، ودخل معه فى حوار ساخن وعاصف، أدى إلى أن شكاه معاوية لدى الخليفة عثمان بن عفان - رضى اللَّه عنه - فقال زوجها لعثمان: أتأذن لى فى الخروج من المدينة، فأذن له، فنزل منطقة تسمى الربذة، وبنى بها مسجدًا، وأجرى عليه عثمان العطاء؛ وقد لحقت أم ذر بزوجها، وأقامت معه فيها، إلا أن صعوبة الحياة هنالك؛ أدت إلى أن مرض زوجها -وكان شيخًا لا يقدر على رمضاء هذا الجو - فقامت فى خدمته لا تمل ولا تتعب ولا تشتكي، بل ظلت وفيةً له ومخلصة فى إيمانها.
وفى يوم من الأيام، أدركت أن زوجها على أعتاب الموت فبكت، فقال لها زوجها: فيم البكاء والموت حق؟ فأجابته، بأنها تبكى لأنه يموت وليس عندها ثوب يسعه كفنًا. فيبتسم فى حنان وقال لها: اطمئني، لا تبكِ، فإنى سمعت النبي ذات يوم وأنا عنده فى نفر من أصحابه يقول: "ليموتَنَّ رجل منكم بفلاةٍ من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين" فرأيت كل من كان معى فى ذلك المجلس مات فى جماعة وقربة، ولم يبق منهم غيري، وها أنا ذا بالفلاة أموت، فراقبى الطريق، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فإنى واللَّه ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبْتُ. [ابن سعد والهيثمي]. ثم فاضت روحه إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وبينما هو مُسَجَّى على حِجْرِها إذ رأت قافلة من المؤمنين قد أخذت فى الظهور من جانب الصحراء، وكان بينهم عبد اللَّه بن مسعود صاحب رسول اللَّه .
فنزل عبد اللَّه -رضى اللَّه عنه- وقام بغسله وتكفينه ودفنه، ثم واسى أهله، وأخذهم معه إلى الخليفة عثمان فى المدينة.
هذه هي أم ذر، زوجة الصحابى الجليل أبى ذر الغفارى - رضى اللَّه عنهما - ما ماتت حتى تركت لنا مثالاً عظيمًا فى الوفاء لزوجها، والإخلاص له، والزهد فى الدنيا؛ فقد ظلت بجانبه إلى آخر حياته وأكرمته، وظلت تحرسه حتى بعد موته، وصبرت معه على شظف العيش ومجاهدة النفس وغوائل الشهوة، وهكذا تكون المرأة المؤمنة الصالحة؛ ترضى زوجها؛ كى تنال رضا ربها، فرضى اللَّه عن أم ذر وأرضاها
 
**آسِيَةُ بنتُ مُزاحمٍ.. الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ**

لم تكنْ هذه المرأةُ التي ترفُلُ في النعيمِ، وتتهادَى بين
أروقةِ قصرِهَا كالنسيم، لم تكن تعلمُ أنها على موعدٍ مع مفاجأةٍ عجيبةٍ، وهديَّةٍ طريفةٍ غريبةٍ، لم تُرسِل بها مَلِكَةٌ من الممالكِ البعيدةِ أو القريبة، إنما ساقتها الأقدارُ إليها:

مشيئةُ الخالقِ البارِي وحكمتُهُ *** وقدرةُ اللهِ فوقَ الشكِّ والتُّهَمِ
ولم تكن هذه الهديةُ عِقدًا ثمينًا أو رداءً فاخرا يليق بملكةٍ أو عطرًا فوَّاحًا تسكبُهُ بيدها الناعمةُ المخضَّبةُ على ثوبِهِا الأنيق، أو تمسحُ به جبينَها الذي يتلألأ كالبدرِ المنيرِ، ويفيضُ بالبشر والحنان، مع أنها امرأةُ مَن تجرَّد مِن كلِّ مشاعرِ الرحمةِ ومعانِي الإشفاقِ! امرأةُ من تخضبت يداهُ بدماءِ الأبرياءِ من بني إسرائيلِ! فقد استحيا نساءَهم للمذلة والهوان والشقاء والحرمان، وذبَّح أبناءهم حمايةً لعرشه وسلطانه، بعد أن رأى في المنام أن هلاكَه على يد رجلٍ من بني إسرائيل؛ فابتدع نهجا شيطانياً، وفرض سياسةً عجيبةً ورهيبةً، تلك السياسةُ التي ينتهجها في عصرنا وكلاءُ إبليس من شياطين الإنسِ، لا لمواجهة التطرف كما يدَّعون، ولا للتصدي للإرهاب كما يُروِّجون، ولكن لمحاصرة الصحوة الإسلامية والسعي إلى إخماد جذوتِها ووأدِ نبتَتِها، إنها سياسةُ تجفيف المنابعِ )يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ( (سورة الصف).

ابتدع فرعونُ هذا المسلكَ الشيطانيَّ، وارتكبَ جرائمَهُ البشعةَ حين أمر زبانيتَه بالتربصِ لكلِّ ذاتِ حملٍ، فلا تضعُ حملَها إلا والسِّكينُ الحادُّ في استقبالِ ولدِها، يحتفي بقدومِهِ ويُرحِّبُ بانتقاله من ظلماتِ الرَّحِمِ إلى ظلماتِ هذه الأرضِ التي ضاقتْ بما رَحُبَتْ، فلا يبقى من ذِكِرِهِ لتلك الأمِّ الثكلى إلا تلك الصرخةُ الأخيرةُ التي ودَّع بها دنيا الظلم، وكأنه يُعربُ بتلك الصرخةِ عن احتجاجِه ومعارضته لتلك السياسةِ الغاشمةِ والقوانين الجائرةِ التي لا تسعى إلا لحمايةِ الكرسيِّ مهما كان الثمنُ فادحًا، ويندِّدُ بعهدِ الظلمِ وعصر الاستبداد الذي أطلَّ عليه تلك الإطلالةَ السريعةَ، ويُعبِّرُ عن رثائه وتعاطفه، ويعلنُ تضامنَهُ مع أولئك المستضعفين من الأغلبيةِ الكادحةِ المقهورة، وأخيرا يودِّعُ بهذه الصرخةِ تلك الدنيا التي لا مكان فيها للعدالةِ والحريةِ ولا للطفولةِ البريئةِ، وما الشعاراتُ التي يطلِقُها سدنةُ الظلمِ وحماةُ الطغيان إلا بريقًا خادعًا وزخرفًا باطلا، قال تعالى )إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ( (سورة القصص 4).

يصرخ الوليدُ صرختَهُ الأخيرةَ في وجهِ هذا العالِمِ الحيرانِ الذي ما كاد يستنشقُ هواءه حتى غادره إلى العالَم الآخِرِ، يصرخ معربا عن فزعه من صروف الحياة وتقلباتِها:

لِمَا تُؤْذِنُ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ صُرُوفِهَا ... يَكُونُ بُكَاءُ الطَفْلِ سَاعَةَ يُولَدُ
وإلاَّ فما يُبكِيه منها وإنها ... لأفسَحُ ممّا كان فيه وأَرْغَدُ
إذا أبصر الدنيا استهلَّ كأنهُ ... بما سوفَ يَلْقَى من رداها يُهَدَّدُ

ولولا أن شفرةَ الطغاةِ عجَّلت بهِ وأخمدت روحه لحوسب في محاكم الطغاة عما وراء هذه الصرخة وماذا كان يعني بها؟ وماذا كان يقصد من ورائها! ومن الذي حرَّضه عليها؟ لَسُئِلَ عن ذلك كلِّه مِن قِبَلِ جندِ فرعون الذين يحاسبون الناس على نواياهم ويعدُّون عليهم أنفاسَهم.

ولكن ماذا ينقصُ صاحبةَ القصر، الرافلةَ في حلل النعيم، الآمرةَ المطاعةَ الفاتنةَ المدللةَ أيُّ نقصٍ وأيُّ قصورٍ يمكنَ أن يجبرَهُ هذا الصندوقُ الخشبيُّ! ما عسى تلك الهديةُ المجهولةُ الهويةُ أن تضيف لامرأةٍ تتيهِ بزينتِها، وتَدِلُّ بسلطان جمالها فيلين لها ذلك الحجرُ الصلدُ - أعني قلب فرعون وهو واللهِ أشد قسوةً من الحجارةِ الصمَّاء -.

إن الإجابة عن هذا التساؤل تكمنُ في تلك الطريقةِ العجيبة التي وصلت بها أجملُ هديةٍ يمكنُ أن تبتهجَ لها سيدةُ القصرِ وتقَرَّ بها عينًا - لَتَنُمُّ عما يطويه هذا الصندوقُ من أسرار وما تطويه الأيام القادمة من أقدار.

وقد قيل:

ستُبدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهِلاً ... وَيَأْتيكَ بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ ... بَتاتاً ولم تَضرِبْ لهُ وَقتَ مَوعِدِ

دعُونا نعودُ إلى تلك الهدية الغالية التي استقبلتها أيادٍ حانيةٍ وحملتها إلى سيدة القصر لتفتحها بنفسها، فما إن فتحتها حتى انطلق منها ذلك النورُ ليضيءَ ما حوله نورٌ يَشِعُّ من وجه ذلك الطفلُ الذي أحبته من أول نظرةٍ وملأ قلبَها أُنسًا، وابتهجتْ لمُحَياَّهُ، قال تعالى لموسى عليه السلام )وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) (. (طه 37-39 )

أمَّا عنْ فرعونَ فقد فَزِعَ من ذلك الصغيرِ فزعًا شديدًا وأمر بقتلِهِ في الحالِ دون محاكمةٍ لتلك البراءةِ التي شقَّت طريقَها لقلبِ امرأتِه! لكنَّ الله تعالى حماهُ بسلاحٍ خفِيٍّ يسرِي في القلوبِ وسلطانٍ قاهرٍ أقوى من أيِّ سلطانٍ، إنه سلاحُ الحبِّ وسلطانِه فمحبَّةُ آسيةَ له دفعتها إلى التدخل الحاسم والإصرار الجازمِ بإجارةِ هذا الصغيرِ وتخليصِهِ من أيدي الطغاةِِ، ومحبةِ فرعون لها هي التي شفعت لهذا الصغيرِ، قال تعالى )وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي( (طه 39).

وقال الحقُّ جلَّ وعلا )فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)( (القصص 8، 9).

ولقد تحقق لها ما أمَّلته في هذا الطفلِ الذي قَدَّرَ اللهُ تعالى لها أن تكون سببا في بقائه حيا فنفعها اللهُ به أيَّما نفعٍ، وأيُّ نفعٍ أكبر وأيُّ هدية أغلى من الهداية إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ.
 
:besmellah1:
الا يوجد احد مثلهم في زمانينا هذا
نعم يوجد وهم امهاتنا في فلسطين و العراق صابرين على حكم الله فيهم و ناصروا دينه
الهم ثبتهم على دينك
 
أعلى