• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

الثابت والمتحول في شعررزوقة التونسي وأحمد البوق السعودي

منذر بشير

عضو جديد
إنضم
12 جوان 2009
المشاركات
15
مستوى التفاعل
28
أنسجة الحلم
بين
أحمد إبراهيم البوق-يوسف رزوقة


في البدء تكون القراءة للنص الشعري توقا للنشيد ثم التأمل والتفكر. فحين نتأمل الأصول الشعرية نرى حقا عربة الشعراء:

« يرى هولدرلين أن الشعر أكثر المشاغل براءة ويقول هيدغر يبدو الشعر لعبا ولكنه ليس كذلك، فاللعب يجمع الناس جيدا ولكن بطريقة ينسى فيها كل واحد نفسه بالتحديد، بينما في الشعر ينهمك الإنسان في موجودة.
هكذا يعلن الشاعر أن الشعر شاغل، ويعلن الفيلسوف أنه منهمك في الشعر أن العلاقة بينهما قديمة تعود على الأقـل إلى اسخيلوس وأرسطو إن لم تكن أبعد. » [1]

يخلق الشعر كيانا من التسلط على الذات فلا يقترح للوهلة الأولى مضامين تعقل وفهم. إنه خيال آبق لا يدرج في منظومة البحث عن حلول أو نقد لواقع أو ترجمة لمفهوم للحب أو الكره. أنه صنو القدر وصورة لبلاد يسكنها غير الباحثين عن منابع التأمل والتوق للفناء في فلوات الروح.
لقد كانت في تجارب أحمد إبراهيم البوق شاعر المدينة المنورة ويوسف رزوقة الشاعر التائق للعالمية عبر اللغة ولذة النص قواسم تنافر وتقارب وحوار لا تعرف حدوده. نلحظ في مجموعة البوق"منكسر باعتداد" كسرا للنموذج وبعدا عن المألوف ونجد أيضا في المجموعة المكتوبة بالفرنسية ليوسف رزوقة إعادة صلب للمفاهيم. كلا التجربتين مركبتان ومحلقتان في فضاء للجنون والسكون إلى موج الحركة والفيض. هكذا يكون إيراد صورة للكائن المحكوم بالمرة الفجئي والبحث عن اللحظة الإنخطاف والانجراف بحبل الشنق وهو في كل أن مسلوب الخيال تنعطف مسارات الجذب والتسريح.
لدى أحمد إبراهيم البوق شكل دقيق لمسألة النفس والنبش في ذكريات نقلت ما بين الأصابع. الوحدة في شعره لا تنفى الآخرين بل تحاول أن تنحت كواكبها وعالمها في محايثة لفضاء الرمز. قد يتسم شعـر البوق بشيء من الرومنسية الحديثة والإحالة إلى وطن الجزيرة ولكن سلاسة الكتابة لديه جعلته يدخل عالم الواقعية بأسلوب التقية التي لا تخص الغصب الباطني والثورة الهادئة.
تدخل الشاعر أحمد إبراهيم البوق عوالم الود في مجموعته "منكسر باعتداد" ويضم الموطن للوطن والتاريخ معا وكأنه يشرع لأصول المتلفظ:

« وأنا ملي ارتعشت
بهذا الكوكب الفضي
وانتفضت مكامن لذتي الخضراء
لاشيء إلا ما احتوته أصابعي
وأقول: سبحان الذي سواك ئيء
باسمي سأبدأ
والآخرين في سبات في سبات
من نهر رمل في الجزيرة
مورق بالشيح
حتى آخر القطرات في صحو الفرات
وقوافل الأعراب قد سالت على وادي العصا زمرا
وأدركها الشتات » [2]

لم ينخرط معجم البوق في المسار القرآني و لا التراث الجاهلي مثلما ذهب أمثال جيله من الشعراء بل شق طريق السير الهادي في أكوان الوجد. ما الوجد سوى تماهي الذات؟
المربك في هذا الشعر هو النفاذ إلى بنية الوقت و فضاء الرغبة ضمن شعر يومي على الطريقة القبانية أي محادثة هذا اليومي و تحديثه داخل كوامن النفس.
هي ذي أنسجة العلم تحدد كالعنكبوت مواطن الرصد داخل النسج والجملة تعبر طقوس الكتابة وجمر التقية. يتحدث الشعر في هذه الدائرة عن ولع بتصفح التاريخ الوجداني وحاجة الانتماء. هل تكفي العمائم لإعلان هذا التشبث ببصمة الوجود؟ بذكرنا البوق بمسار الشاعر التونسي يوسف رزوقة في كتابه الذي سرده بلغة المستعمر السابق لعله يظفرنا بالمروق زمن العولمة:
يهتمّ الكيان الشعري لدى البوق بلحظات التأمل والتوق إلى هذا الحلم الأبدي في رمل البادية:
في قصيده "في البدء":

« هي الطرقات حين يغرّد "الأسفـلت"
تشتعل الحمائم
تمرّ عن عبق المباخر للمباخر
حمرُ من جاؤوا ودخان التمائم
هي لحظة البدء التي ذبحت ليوم العيد
والكـلّ في الآتي ولائم
عربٌ لنا وجه التتار
ولنا انتصاب الليل في كفّ الغنائم
"كافور" في كلّ الطرق
بالأمس كان
واليوم يعتمر العمائم. »[3]

هل للغنيمة من وجه؟ لا شيء يكفي البوق غير البوح بإثم الأوّلين وحاضر الغادين إلى مدن التيه. لم يتخذ شعر البوق مسار الالتزام العلني المباشر ولكنه تسلط على رمزية شعره وتقدم في هذه الصحراء الكلامية الممتدة معلنا رفضه لكل الضاربين في هذا الأسفلت المربك والمخيف.
هكذا ينوع البوق استراتيجية جموحه للوصف فالحوار في القصيد الحواري "الطرفان" نجده يسائل الآخر:

« - كم عمُـرك الآن؟
- ألف عام!
- لماذا يداك لم تزل غضة؟
- لآتي كقطرة ماء على جدْول تستقرّ بقاع المحيط مساء.»[4]

قد يكون الآخر هو الأنا ذاته ولكن الأهمّ في كل ذلك هو ترديد هذا البيت السلس المهيب والذي تتشكل فيه الصورة مع بدء الخلق:

« لآتي كقطرة ماء على جدول تستقرّ
بقاع المحيط مساء »

هي قمة العود على أصول الكينونة وهي ارتداد صوفي شرقي إلى الخلق الأول وكأن النفس تضيق بالجسم فيتحدث الآخر عن قطرة الماء التي هي صنو الحياة ورمز الاغتسال.
تنسدل الثورة كتبانا من التحرر والانعتاق لدى البوق نجد هذا النفس في قصيدة "التيه":

« أيها الراحلون إلى رمل
وصحراء ظمأ
وتفاصيل على جسد الموت
لا يعرّ بها سيكون الريح في الطرفات
أو صوت الملأ
ألف لا، أن تكون الآن نبراسا على كي
وعيني تشرب الزيت
إذا الضوء انطفأ » [5]

يأخذ المعجم اللغوي لدى البوق أبعاده الأولى حيث ترتبك القصيدة وتعيد نشوة النشيد والحنين إلى صلوات الحب الأول. ففي قصيدة "تشابه" نقرأ:

« ليس للبحر إلا الشواطئ
كي تكتب تاريخه الليلكي
ليس لهذي المعاني
التي يطاردُ بعضها بعضا كخيل السّباق
إلا القصيدة
كي تستريح
ليس لصوت المغني
إلا الغناء
لأعرف أن البلاد بعيدة
وأن السماء... سماء »[6]

هنا تقع الكتابة الميتالقوي أي الكلام على الكلام وتستعيد نبرات الأنا في نفس الوتيرة وعلى نفس النسق الشعري.

لقد كانت الكتابة الشعرية لدى يوسف رزوقة ضاربة في مسارات التيه و أبعاد التجريب و نراه قي هذه المجموعة المتميزة "باكرا على الأرض" يقدر حقائق الأشياء وتذهب في كل اتجاه ميثولوجي لعله يظفر بصوت متعدد مخترق لحدود الإنسانية.
نجد المتلفظ في هذه المجموعة قد أعاد ترتيب بيته و صاغها على نفس الوتيرة حاملا لواء التحدي و الثورة على الآخر.
للشاعر يوسف رزوقة جنون يخلط فيه التيه اللغوي بمساراته اليومي فنلحظه في هذه المجموعة التائفة إلى الإنسانية "باكرا على الأرض" يصدح بكل ما في النشيد من جرأة و قوة كما سبق و أن وقعت ذلك الناقدة أود رشا ديانو Aude Richeux Diano:

« شعر يوسف رزوقة جزيرة عنق بين بحرين، بين صوتين، جسر التواصل بين الشرق و الغرب و هذه الأستاذة القصيدة تمثل أكسيجين لأفق فرنسي إسباني. »

« فلاش – باك
عصا رقص يوروبا
تضرب الشرق و الغرب
تتسلق رأس أرلكان المهرج
هو أرلكان الزمن البائد،يكشف أخيرا عن قناعه،ليقدس عصا رقصة يوروبا
وتقلع عن القيء من فرحة لكل العالم. »[7]

إن للفرحة وجوه مسار تحاول أن تساءل العالم عن خيبة أزفت و نفس ارتقت إلى مسارات الحلم.

الكتابة هنا معاناة و بحث عن الذات وذئب ورق يساءل الغادين إلى طرق لا تؤدي إلا للعلم الأول وللصوت المنادي:
في قصيد صوتيات تقرأ لرزوقة:

« لا شيء يجدي
أن تكتب دون أن نصبح ذئب الورق
أو حصان حبر لكل بوم
أن نعيد هنا والآن
نفس الطريق المسار لنفس النهج...
أن نكتب دون العودة للأنا
إلى النبع النادر ليتيم الورق... »[8]

الحبر مادة تحوي الفكرة وترحل بها بعيد عن كل الثنايا إنها جنون راسخ ومارد كل الفضاءات. لا شيء يمكنه مجارات نسق الكتابة غير الشعور بالانتماء للكتابة ذاتها والذوبان في حبرها المقدس، الكتابة بالتالي ضرب من العبادة.
فصول المحو حلم الوصول إلى آفاق الأنسقة الجميلة التي صاغها الشاعر فأضحت رؤيا من جمال وتفوق كل ظروف المحو وإعادة الكتابة.
الكتابة في فلك يوسف رزوقة ضرب من المغامرة ومخاتلة النفس حتى تصبح تحرّرا محضا وسكونا إلى كيمياء الشعر السحرية.
وفي فصل الطاولة الممحوّة: الأنا الآخر يفاجئنا الشاعر بهذا الربح الآخر المستعاد والثورة الباطنة:

« الأنا الآخر
ليس مسافة منعدمة
تتورّد تحت السنابك
لأطفال الغد، هكذا...
أحبه... أحبّه.
كيف نهوّأ اللوحة بشكل مختلف؟
هذا يتطلب الابتسامة... ويشرع لنظرة ما... »[9]

هكذا الأنا يعود إلى قاعدة الشاعر آرثر رانبو Arthur Rinbaud. " الأنا هو الآخر" Je est un autre حيث الغربة عن الذات والعود إليها دون موعد ودون حساب.
يتحدث الشاعر يوسف رزوقة في ديوانه المكتوب باللغة الفرنسية عن رؤى للحلم وشطآن لضياء الكلمات وفيه من اللاعبية Ludique ما يخرجها عن دائرة الكلاسيكيات:
الرقص مع الزرافة:
« الهايكو على الطريقة التونسية
ابتسامة تخفي شجرة
تمطر تحت جلدي
فستان يعرّي الظهر
ويحمرّ وجه الشحرور.
في منتصف الليل هناك القمر
والصرار ينز بقطرات مثخنة
يحلم بالسفر مغنيا
على طول الكثبان
على طول حياته ( دموعه لا تنضب أبدًا ) »[10]

يكسر يوسف رزوقة في قصيده هذا القدسية الجامدة المرتكزة على المؤثر Le pathétique ويحاول محاورة الواقع بلذة النص. القصيد الواقعي واليومي يحيلنا إلى سلاسة المسار القباني ولكنه يشرّع لحياة أخرى في الكتابة بفرنسية سلسة تسهل ترجمتها ولكنها لا تجد بالضرورة في العربية مرادفات إبداعية بنفس التلقي لدى القارئ الذي ينخرط في منظومته العربية الإسلامية آليّـا. كان أحمد إبراهيم البوق ممتعا ومربكا في آن لأنه يجاهر ببنية لغوية تعيد إلى الأذهان الرومنسية العربية ذات الإحالات المضمرة لاتجاهات الغزل في القرنين الثالث والثاني مع دفق شعري شديد التوق للتفرد.







[1] محمد بن صالح – الشعراء على اليمين واليسار الشعراء – سراس – 1994 – ص.20.​

[2] أحمد فؤاد البوق – منكسر باعتداد – دار شرقيات – ص.10-11.​

[3] أحمد إبراهيم البوق – منكسر باعتداد – دار شرقيات – ص.25.​

[4] نفس المصدر – ص.65.​

[5] نفس المصدر – ص.43.​

[6] نفس المصدر – ص.98.​

[7] يوسف رزوقة – باكرا على الأرض Tôt sur la terre Imagine 3D – ص.22.​

[8] نفس المصدر – ص.39.​

[9] يوسف رزوقة – باركا على الأرض – 3D – ص.55. 2006.​

[10] يوسف رزوقة – باركا على الأرض – 3D – ص.83. 2006.​
 
" الكتابة ضرب من العبادة ."

هذا دوري ، ان أتعبد داخل محراب الكلمة أنشُد " فهما و إفهاما " أما دورك فهو شدّ أزري ، الأخذ بيدي

و التربيت على كتف لي مضرَّج أعيته أعباء الدنيا و انهالت عليه...فهل أنت فاعل ؟

ذاك مبلغ أملي و دمت وفيرا ...
 
دمتم للثقافة والأدب فهل لنا من قبس من شعرك تتحفنا به حتى يتسنى لناقد مثلي النظر فيه فالقيروان ولادة أدباء...
 
:besmellah2:

ان هي الا بضع محاولات لا ترتقي الى صنف الشعر و لا تدعي انتماء اليه ...هي على الاقرب

ضرب من الترويح يخوض غمار الحرف يركبه ثم يُركّبه ليصنع مشهدا يراه جميلا..ذلك

المشهد-الولادة تناثرت آثاره على صفحات منتدانا هذا الذي نحن بصدده...

أراهن على تشريحك ليَ فافعل انني لا أتألم..
 
أعلى