كتاب الكبائر .... محمد بن عثمان الذهبي

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
القمار


قال الله تعالى يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون والميسر هو القمار بأي نوع كان نرد أو شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غيره وهو من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وداخل في قول النبي إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة وفي صحيح البخاري أن رسول الله قال من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل فصل اختلف العلماء في النرد والشطرنج إذا خليا عن رهن اتفقوا على تحريم اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله أنه قال من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه أخرجه مسلم وقال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله وقال ابن عمر رضي الله عنه اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير قال وأما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره أما بالرهن فهو قمار بلا خلاف وأما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضا قمار حرام عند أكثر العلماء وحكي إباحته في رواية عن الشافعي إذا كان في خلوة ولم يشغل عن واجب ولا عن صلاة في وقتها وسئل النووي رحمه الله عن اللعب بالشطرنج أحرام أم جائز فأجاب رحمه الله تعالى هو حرام عند أكثر أهل العلم وسئل أيضا رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا وهل يأثم اللاعب بها أم لا أجاب رحمه الله إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها على عوض فهو حرام وإلا فمكروه عند الشافعي وحرام عند غيره وهذا كلام النووي في فتاويه والدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير إلى قوله وأن تستقسموا بالأزلام قال سفيان ووكيع بن الجراح هي الشطرنج وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشطرنج ميسر الأعاجم ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون بها فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفى خير له من أن يمسسها ثم قال والله لغير هذا خلقتم وقال أيضا رضي الله عنه صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم قتلت وما قتل ومات وما مات وقال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ وقيل لإسحاق بن راهويه أترى في اللعب بالشطرنج بأس فقال البأس كله فيه فقيل له إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل الحرب فقال هو فجور وسئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم القيامة مع أصحاب الباطل وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج فقال هي أشر من النرد وتقدم الكلام عن تحريمه وسئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن الشطرنج فقال الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مالا ليتيم فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها ولو كان اللعب بها حلالا لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم ولكن لما كان اللعب بها حراما أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك الشطرنج وهذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه وقيل لإبراهيم النخعي ما تقول في اللعب بالشطرنج فقال إنها ملعونة وروى أبو بكر الأثرم في جامعه عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله قال إن لله في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه فيها نصيب يعني لاعب الشطرنج لأنه يقول شاه مات وروى أبو بكر الأجري بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد والشطرنج وما كان من اللهو فلا تسلموا عليهم فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده فلا يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملأت بطونها ثم تفرقت ولأنهم يكذبون عليها فيقولون شاه مات وروي عنه أنه قال أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه يعني صاحب الشطرنج ألا تراه يقول قتلته والله مات والله افترى وكذب على الله وقال مجاهد ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج فقيل له قل لا إله إلا الله فقال شاهك ثم مات فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب فقال عوض كلمة الإخلاص شاهك وهذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان يجالس شراب الخمر أنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له اشرب واسقني ثم مات فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا كما جاء في حديث مروي يموت كل إنسان على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه فنسأل الله المنان بفضله أن يتوفانا مسلمين لا مبدلين ولا مغيرين ولا ضالين ولا زائغين إنه جواد كريم
 
قذف المحصنات


قال الله تعالى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقال الله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا والفاحشة أنه ملعون في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم وعليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة وتسقط شهادته وإن كان عدلا وفي الصحيحين أن رسول الله قال اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات والقذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول لزوجها يا زوج القحبة أو يقول لولدها يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة لرجل أو لامرأة كمن قال لرجل يا زاني أو قال لصبي حر يا علق أو يا منكوح وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك والبينة كما قال الله أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه وكذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال لمملوكه يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال وكثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا والآخرة ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وفي الحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقال عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك وإن أبعد الناس إلى الله القلب القاسي وقال إن أبغض الناس إلى الله الفاحش البذي الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام وقانا الله وإياكم شر ألسنتنا بمنه وكرمه إنه جواد كريم
 
الغلول من الغنيمة


وهي من بيت المال ومن الزكاة قال الله تعالى إن الله لا يحب الخائنين وقال الله تعالى وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك أخرج هذا الحديث مسلم قوله على رقبته رقاع تخفق أي ثياب وقماش قوله على رقبته صامت أي من ذهب أو فضة فمن أخذ شيئا من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين أو من بيت المال بغير إذن الإمام أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حامله على رقبته كما ذكر الله تعالى في القرآن ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ولقول النبي أدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول بأنه عار على صاحبه يوم القيامة ولقول النبي لما استعمل ابن اللتبية على الصدقة وقدم وقال هذا لكم وهذا أهدي لي فصعد النبي المنبر وحمد الله وأثنى عليه إلى أن قال والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا جاء يوم القيامة يحمله فلا أعرف رجلا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده فقال اللهم هل بلغت وعن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع الطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي يعني وادي القرى ومع رسول الله عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزل الوادي قام عبد رسول الله يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له بالشهادة يا رسول الله فقال رسول الله كلا والذي نفسي بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبت يوم خيبر فقال رسول الله شراك أو شراكان من نار متفق عليه وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال كان على ثقل رسول الله رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها وعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا غل في غزوة خيبر فامتنع النبي من الصلاة عليه وقال إن صاحبكم غل في سبيل الله قال ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين قال الإمام أحمد رحمه الله ما نعلم أن النبي امتنع من الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه وجاء عن النبي أنه قال هدايا العمال غلول وفي الباب أحاديث كثيرة ويأتي بعضها في باب الظلم والظلم على ثلاثة أقسام أحدها أكل المال بالباطل وثانيها ظلم العباد بالقتل والضرب والكسر والجراح وثالثها ظلم العباد بالشتم واللعن والسب والقذف وقد خطب النبي بمنى فقال ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا متفق عليه وقال لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول فنسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى إنه جواد كريم
 
السرقة


قال الله تعالى السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم قال ابن شهاب نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس والله عزيز في إنتقامه من السارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده وقال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولكن التوبة معروضة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وفي رواية قال رسول الله لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة رضي الله عنها وما ثمن المجن قالت ربع دينار وفي رواية قال اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لعن الله السارق الذي يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم وعن عائشة رضي الله عنها قالت كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فيها فكلم النبي فقال له النبي يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام النبي خطيبا فقال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فقطع يد المخزومية وعن عبدالرحمن بن جرير قال سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة قال أتي النبي بسارق فقطع يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه قال العلماء ولا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه فإن كان مفلسا تحلل من صاحب المال والله أعلم
 
قطع الطريق


قال الله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم قال الواحدي رحمه الله معنى يحاربون الله ورسوله يعصونهما ولا يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك ويسعون في الأرض فسادا أي بالقتل والسرقة وأخذ الأموال وكل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله ورسوله وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي قوله تعالى أن يقتلوا إلى قوله أو ينفوا من الأرض قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أو أدخلت للتخيير ومعناها الإباحة إن شاء الإمام قتل وإن شاء صلب وإن شاء نفي وهذا قول الحسن وسعيد بن المسيب ومجاهد وقال في رواية عطية أو ليست للإباحة إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن أخذ المال ولم يقتل قطع ومن سفك الدماء وكف عن الأموال قتل ومن أخاف السبيل ولم يقتل نفي من الأرض وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه وقال الشافعي أيضا يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه ويصلب ثلاثا ثم ينزل ومن وجب عليه القتل دون الصلب قتل ودفع إلى أهله يدفنونه ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت فإن عاد وسرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإن عاد وسرق قطعت يده اليسرى لما روي عن النبي قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ولأنه فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا مخالف لهما من الصحابة ووجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل بعد اليد على أنها اليسرى وذلك معنى قوله تعالى من خلاف وقوله تعالى أو ينفوا من الأرض قال ابن عباس هو أن يهدر الإمام دمه فيقول من لقيه فليقتله هذا فيمن يقدر عليه فأما من قبض عليه فنفيه من الأرض الحبس والسجن لأنه إذا حبس ومنع من التقلب في البلاد فقد نفي منها أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين شعرا خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى إذا جاءنا السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا قال فبمجرد قطع الطريق وإخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ المال أو جرح أو قتل فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة وإنفاق ما يأخذونه في الخمر والزنا واللواطة وغير ذلك نسأل الله العافية من كل بلاء ومحنة إنه جواد كريم غفور رحيم
 
اليمين الغموس


قال الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال الواحدي نزلت في رجلين اختصما إلى النبي في ضيعة فهم المدعي عليه أن يحلف فأنزل الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين وأقر للمدعي بحقه وعن عبدالله قال قال رسول الله من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان فقال الأشعث في والله نزلت كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال ألك بينة قلت لا قال لليهودي إحلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أي عرضا يسيرا من الدنيا وهو ما يحلفون عليه كاذبين أولئك لا خلاق لهم في الآخرة أي لا نصيب لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله أي بكلام يسرهم ولا ينظر إليهم نظرا يسرهم يعني نظر الرحمة ولا يزكيهم ولا يزيدهم خيرا ولا يثني عليهم وعن عبدالله بن مسعود قال سمعت رسول الله يقول من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان قال عبدالله ثم قرأ علينا رسول الله تصديقه من كتاب الله إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين وعن أبي أمامة قال كنا عند رسول الله فقال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وإن كان يسيرا يا رسول الله قال وإن كان قضيبا من أراك أخرجه مسلم في صحيحه قال حفص بن ميسرة ما أشد هذا الحديث فقال أليس في كتاب الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية وعن أبي ذر عن النبي قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله ثلاث مرات فقال أبو ذر خابوا وخسروا يا رسول الله من هم قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب وقال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس أخرجه البخاري في صحيحه والعموس هي التي يتعمد الكذب فيها سميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم وقيل تغمسه في النار فصل ومن ذلك الحلف بغير الله عز وجل كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والماء والحياة والأمانة وهي من أشد ما هنا والروح والرأس وحياة السلطان ونعمة السلطان وتربة فلان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن حلف فليحلف بالله أو ليصمت وفي رواية في الصحيح فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت وعن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم رواه مسلم الطواغي جمع طاغية وهي الأصنام ومنه الحديث هذه طاغية دوس أي صنمهم ومعبودهم وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله من حلف بالأمانة فليس منا رواه أبو داود وغيره وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله من حلف فقال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول والكعبة فقال لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله يقول من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك رواه الترمذي وحسنه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهم قال وفسر بعض العلماء قوله كفر أو أشرك على التغليظ كما روي عن النبي أنه قال الرياء شرك وقال من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله وقد كان في الصحابة من هو حديث عهد بالحلف بها قبل إسلامه فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي أن يبادر بقول لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى لسانه وبالله التوفيق
 
الظلم


بأكل أموال الناس وأخذها ظلما وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء قال الله تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقال تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس وقال تعالى وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وقال إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد وقال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وقال عن ربه تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا وقال رسول الله أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج فيأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا ونبش عن عرض هذا وضرب هذا وسفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار وهذه الأحاديث كلها في الصحاح وتقدم حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة وتقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب وفي الصحيح من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وفي بعض الكتب يقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصرا غيري وأنشد بعضهم لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم يرجع عقباه إلى الندم تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم وكان بعض السلف يقول لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا من ظلم الظالم وقيل مكتوب في التوراة ينادي مناد من وراء الجسر يعني الصراط يا معشر الجبابرة الطغاة ويا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته وجلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله قال ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية كانوا منهم بلى يا رسول الله بينما نحن يوما جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الله الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري وأمرك عنده غدا قال فقال رسول الله صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم إذا ما الظلوم استوطأ الظلم مركبا ولج عتوا في قبيح اكتسابه فكله إلى صرف الزمان وعدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه وروي عن النبي أنه قال خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا وإلا أمر بهم في الآخرة إلى النار أمير قوم يأخذ حقه من رعيته ولا ينصفهم من نفسه ولا يدفع الظلم عنهم وزعيم قوم يطيعونه ولا يساوي بين القوي والضعيف ويتكلم بالهوى ورجل لا يأمر أهله وولده بطاعة الله ولا يعلمهم أمر دينهم ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجرته ورجل ظلم امرأة صداقها وعن عبدالله بن سلام قال إن الله تعالى لما خلق الخلق واستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء وقالوا يا رب مع من أنت قال مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه وعن وهب بن منبه قال بنى جبار من الجبابرة قصرا وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخا تأوي إليه فركب الجبار يوما وطاف حول القصر فرأى الكوخ فقال لمن هذا فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت من هدمه فقيل الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء وقالت يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت قال فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه وقيل لما حبس خالد بن برمك وولده قال يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس فقال يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها وكان يزيد بن حكيم يقول ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي حسبي الله الله بيني وبينك وحبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعرا أما والله إن الظلم شوم وما زال المسيء هو المظلوم ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غدا عند المليك من الملوم وعن أبي أمامة قال يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم وعرفه ما ظلمه به فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيدهم من الحسنات فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار وعن عبدالله بن أنيس قال سمعت رسول الله يقول يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غزلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة فما فوقها ولا يظلم ربك أحدا قلنا يا رسول الله كيف وإنما نأتي حفاة عراة فقال بالحسنات والسيئات جزاء ولا يظلم ربك أحدا وجاء عن النبي أنه قال من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة ومما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدبا لولده يعلمه ويؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل والأدب استحضره المؤدب يوما وضربه ضربا شديدا من غير جرم ولا سبب فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر ومات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم وقال له ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا وكذا ضربا وجيعا من غير جرم ولا سبب فقال المعلم اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل والأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك فأردت أن أذيقك ألم الضرب وألم الظلم حتى لا تظلم أحدا فقال جزاك الله خيرا ثم أمر له بجائزة وصرفه ومن الظلم أخذ مال اليتيم وتقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب وفي رواية إن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام ويقول الرب تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين وأنشدوا شعرا توق دعا المظلوم إن دعاءه ليرفع فوق السحب ثم يجاب توق دعا من ليس بين دعائه وبين إله العالمين حجاب ولا تحسبن الله مطرحا له ولا أنه يخفى عليه خطاب فقد صح أن الله قال وعزتي لأنصر المظلوم وهو مثاب فمن لم يصدق ذا الحديث فإنه جهول وإلا عقله فمصاب فصل ومن أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال مطل الغني ظلم وفي رواية لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته أي يحل شكايته وحبسه فصل ومن الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها وكسوتها وهو داخل في قوله لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادى به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله وفضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها وإن كان عبدا شقيا ولم يفضل له شيء فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته وبقي طالبوه فيقول الله خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صك له صكا إلى النار ويؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي أتدرون من المفلس فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فصل ومن الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل ولا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله قال يقول الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجرته وكذلك إذا ظلم يهوديا أونصرانيا أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى أنا حجيجه أو قال أنا خصمه يوم القيامة ومن ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذبا فاجرا لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة قيل يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال وإن قضيبا من أراك فخف القصاص غدا إذا وفيت ما كسبت يداك اليوم بالقسطاس في موقف ما فيه إلا شاخص أو مهطع أو مقنع للراس أعضاؤهم فيه الشهود وسجنهم نار وحاكمهم شديد البأس إن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى فغدا تؤديها مع الإفلاس وقد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء وقال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار وروى عبدالله بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها ورجلاها يشهدان عليها بما كانت تعنت لزوجها في الدنيا ويشهد على الرجل يده ورجله بما كان يولي زوجته من خير أو شر ثم يدعى بالرجل وخدمه مثل ذلك فما يؤخذ منهم دوانيق ولا قراريط ولكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم وسيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال سوقوهم إلى النار وكان شريح القاضي يقول سيعلم الظالمون حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب والمظلوم ينتظر النصر والثواب وروي أنه إذا أراد الله بعبده خيرا سلط الله عليه من يظلمه ودخل طاوس اليماني على هشام بن عبدالملك فقال له اتق الله يوم الأذان قال هشام وما يوم الأذان قال قال الله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاوس هذا ذل ذا الصفة فكيف بذل المعاينة يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم والحق الحاكم فصل في الحذر من الدخول على الظلمة ومخالطتهم ومعونتهم قال الله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار والركون ههنا السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تميلوا كل الميل في المحبة ولين الكلام والمودة وقال السدي وابن زيد لا تداهنوا الظلمة وقال عكرمة هو أن يطيعهم ويودهم وقال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم فتمسكم النار فيصيبكم لفحها وما لكم من دون الله من أولياء وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله ثم لا تنصرون لا تمنعون من عذابه وقال الله تعالى احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشباههم وأمثالهم وأتباعهم وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وعنه رضي الله عنه عن النبي من أعان ظالما سلط عليه وقال سعيد بن المسيب رحمه الله لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة وقال مكحول الدمشقي ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأعوانهم فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم وجاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط وقد روي عن النبي أنه قال أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال الجلاوزة والشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة وقد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني إسرائيل أن لا يتلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني وأن ذكري إياهم أن ألعنهم وفي رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة وجاء عن النبي أنه قال لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه وروي عن رسول الله أنه قال أتي رجل في قبره فقيل له إنا ضاربوك مائة ضربة فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه نارا فقال لم ضربتموني هذه الضربة فقالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت برجل مظلوم فلم تنصره فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على نصره فكيف حال الظالم وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما قال تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ومما حكي قال بعض العارفين رأيت في المنام رجلا ممن يخدم الظلمة والمكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما حالك قال شر حال فقلت إلى أين صرت قال إلى عذاب الله قلت فما حال الظلمة عنده قال شر حال أما سمعت قول الله عز وجل وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ومما حكي قال بعضهم رأيت رجلا مقطوع اليد من الكتف وهو ينادي من رآني فلا يظلمن أحدا فتقدمت إليه فقلت له يا أخي ما قصتك قال يا أخي قصة عجيبة وذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوما صيادا وقد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني فجئت إليه فقلت أعطني هذه السمكة فقال لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي فضربته وأخذتها منه قهرا ومضيت بها قال فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي وألقيتها من يدي ضربت على إبهامي وآلمتني ألما شديدا حتى لم أنم من شدة الوجه والألم وورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم فقال هذه بدء الآكلة أقطعها وإلا تقطع يدك فقطعت إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم فقيل لي إقطع كفك فقطعته وانتشر الألم إلى الساعد وآلمني ألما شديدا ولم أطق القرار وجعلت أستغيث من شدة الألم فقيل لي اقطعها إلى المرفق فقطعتها فانتشر الألم إلى العضد وضربت على عضدي أشد من الألم الأول فقيل اقطع يدك من كتفك وإلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس ما سبب ألمك فذكرت قصة السمكة فقال لي لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة واستحللت منه وأرضيته لما قطعت من أعضائك عضوا فاذهب الآن إليه واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أقبلها وأبكي وقلت له يا سيدي سألتك بالله ألا عفوت عني فقال لي ومن أنت قلت أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا وذكرت ما جرى وأريته يدي فبكى حين رآها ثم قال يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء فقلت يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها قال نعم قلت اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه فقلت يا سيدي قد أراك الله قدرته في وأنا تائب إلى الله عز وجل عما كنت عليه من خدمة الظلمة ولا عدت أقف لهم على باب ولا أكون من أعوانهم ما دمت حيا إن شاء الله وبالله التوفيق موعظة إخواني كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها وكم أنزل أجسادا بجارها لم يجارها وكم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها شعر يا معرضا بوصال عيش ناعم ستصد عنه طائعا أو كارها إن الحوادث تزعج الأحرار عن أوطانها والطير عن أوكارها أين من ملك المغارب والمشارق وعمر النواحي وغرس الحدائق ونال الأماني وركب العواتق صاح به من داره غراب بين ناعق وطرقه في لهوه أقطع طارق وزجرت عليه رعود وصواعق وحل به ما شيب بعض المفارق وقلاه الحبيب الذي لم يفارق وهجره الصديق والرفيق الصادق ونقل من جوار المخلوقين إلى جوار الخالق نازله والله الموت فلم يحاشه وأذله بالقهر بعد عز جاشه وأبدله خشن التراب بعد لين فراشه ومزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه وبقي في ضنك شديد من معاشه وبعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه والله الاحتراز ولا ردت عنه الركاز بل ضره من الزاد الإعواز وصار والله عبرة للمجتاز وقطع شاسعا من السبل الأوفاز وبقي رهينا لا يدري أهلك أم فاز وهذا لك بعد أيام وما أنت فيه الآن أحلام ودنياك لا تصلح وما سمعت ستراه غدا على التمام ويقع لي ولك ويحك أما يؤثر فيك هذا الكلام
 
المكاس


وهو داخل في قول الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم والمكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق ولهذا قال النبي المكاس لا يدخل الجنة وقال لا يدخل الجنة صاحب مكس رواه أبو داود وما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم إنما يأخذون من حسناته إن كان له حسنات وهو داخل في قول النبي أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وزكاة وصيام وحج ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار وفي حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت منه والمكاس من فيه شبه من قاطع الطريق وهو من اللصوص وجابي المكس وكاتبه وشاهده وآخذه من جندي وشيخ وصاحب رواية شركاء في الوزر آكلون للسحت والحرام وصح أن رسول الله قال لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به والسحت كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار وذكره الواحدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى قل لا يستوي الخبيث والطيب وعن جابر أن رجلا قال يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي وإني جمعت من بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى فقال رسول الله إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لقول رسول الله قل لايستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث قال عطاء والحسن الحلال والحرام فنسأل الله العفو والعافية موعظة أين من حصن الحصون المشيدة واحترس وعمر الحدائق فبالغ وغرس ونصب لنفسه سرير العز وجلس وبلغ المنتهى ورأى الملتمس وظن في نفسه البقاء ولكن خاب الظن في النفس أزعجه والله هازم اللذات واختلس ونازله بالقهر فأنزله عن الفرس ووجه به إلى دار البلاء فانطمس وتركه في ظلام ظلمة من الجهل والدنس فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر تبني وتجمع والآثار تندرس وتأمل اللبث والأعمار تختلس ذا اللب فكر فما في العيش من طمع لا بد ما ينتهي أمر وينعكس أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا ومن سيوفهم في كل معترك تخشى ودونهم الحجاب والحرس أضحكوا بمهلكة في وسط معركة صرعى وصاروا ببطن الأرض وانطمسوا وعمهم حدث وضمهم جدث باتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا كأنهم قط ما كانوا وما خلقوا ومات ذكرهم بين الورى ونسوا والله لو عاينت عيناك ما صنعت أيدي البلا بهم والدود يفترس لعاينت منظرا تشجى القلوب له وأبصرت منكرا من دونه البلس من أوجه ناضرات حار ناظرها في رونق الحسن منها كيف ينطمس وأعظم باليات ما بها رمق وليس تبقى لهذا وهي تنتهس وألسن ناطقات زانها أدب ما شأنها شأنها بالآفة الخرس حتام ياذا النهي لا ترعوى سفها ودمع عينيك لا يهمي وينبجس موعظة يا من يرحل في كل يوم مرحلة وكتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع بالنذير والنذر متصلة ولا يصغي إلى ناصح وقد عذله ودروعه مخرقة والسهام مرسله ونور الهدى قد بدا ولكن ما رآه ولا تأمله وهو يؤمل البقا ويرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة ووله كن كيف شئت فبين يديك الحساب والزلزلة ونعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء والمسألة استيقن من غرور وبله ويحك يا هذا من استدعاك وفتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من عمرك واستدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة
 
أكل الحرام وتناوله على أي وجه كان


قال الله عز وجل ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني باليمين الباطلة الكاذبة يقتطع بها الرجل مال أخيه بالباطل والأكل بالباطل على وجهين أحدهما أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب والخيانة والسرقة والثاني على جهة الهزل واللعب كالذي يؤخذ في القمار والملاهي ونحو ذلك وفي صحيح البخاري أن رسول الله قال إن رجالا يتخوضونن في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة وفي صحيح مسلم حين ذكر النبي الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك وعن أنس رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال يا أنس أطب كسبك تجب دعوتك فإن الرجل ليرفع اللقمة من الحرام إلى فيه فلا يستجاب له دعوة أربعين يوما وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله قال إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وأن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ولا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق منه فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله الدنيا حلوة خضرة من اكتسب فيها مالا من حله وأنفقه في حقه أثابه الله وأورثه جنته ومن اكتسب فيها مالا من غير حله وأنفقه في غير حقه أدخله الله تعالى دار الهوان ورب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة وجاء عنه أنه قال من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أي باب أدخله النار وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لأن يجعل أحدكم في فيه ترابا خير من أن يجعل في فيه حراما وقد روي عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال أن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعم سوء قال دعوه يتعب ويجتهد فقد كفاكم نفسه إن اجهاده مع أكل الحرام لا ينفعه ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيح من قوله عن الرجل الذي مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك وقد روي في حديث أن ملكا على بيت المقدس ينادي كل يوم وكل ليلة من أكل حراما لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا الصرف النافلة والعدل الفريضة وقال عبدالله بن المبارك لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة وجاء عن النبي أنه قال من حج بمال حرام فقال لبيك قال ملك لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك وروى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله أنه قال من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه وقال وهب بن الورد لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال أم حرام وقال ابن عباس رضي الله عنهما لا يقبل الله صلاة امرئ وفي جوفه حرام حتى يتوب إلى الله تعالى منه وقال سفيان الثوري من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول والثوب لا يطهره إلا الماء والذنب لا يكفره إلا الحلال وقال عمر رضي الله عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج أي قد كاتبه على مال وكان يجيئه كل يوم بخراجه فيسأله من أين أتيت بها فإن رضيه أكله وإلا تركه قال فجاءه ذات ليلة بطعام وكان أبو بكر صائما فأكل منه لقمة ونسي أن يسأله ثم قال له من أين جئت بهذا فقال كنت تكهنت لأناس بالجاهلية وما كنت أحسن الكهانة إلا أني خدعتهم فقال أبو بكر أف لك كدت تهلكني ثم أدخل يده في فيه فجعل يتقيأ ولا يخرج فقيل له إنها لا تخرج إلا بالماء فدعا بماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه فقيل له يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة فقال رضي الله عنه لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها إني سمعت رسول الله يقول كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي من هذه اللقمة وقد تقدم قوله لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام وإسناده صحيح قال العلماء رحمهم الله ويدخل في هذا الباب المكاس والخائن والزغلي والسارق والبطال وآكل الربا وموكله وآكل مال اليتيم وشاهد الزور ومن استعار شيئا فجحده وآكل الرشوة ومنقص الكيل والوزن ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر والساحر والمنجم والمصور والزانية والنائحة والعشرية والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع ومخبر المشتري بالزائد ومن باع حرا فأكل ثمنه فصل روي عن رسول الله أنه قال يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا ثم يقذف بهم في النار فقيل يا رسول الله كيف ذلك قال كانوا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم وعن بعض الصالحين أنه رؤي بعد موته في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال خيرا غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها فنسأل الله تعالى العفو والعافية والتوفيق لما يحب ويرضى إنه جواد كريم رؤوف رحيم موعظة عباد الله أما الليالي والأيام تهدم الاجال أما مآل المقيم في الدنيا إلى الزوال أما آخر الصحة يؤول إلى الاعتلال أما غاية السلامة نقصان الكمال أما بعد استقرار المنى هجوم الآجال أما أنبئتم عن الرحيل وقد قرب الانتقال أما بانت لكم العبر وضربت لكم الأمثال وعزيز ناعم ذل له كل صعب المرتقى وعر المرام فكساه بعد لين ملبس خشنا بالرغم منه في الرغام ووجوه ناضرات بدلت بعد لون الحسن لونا كالقتام وشموس طالعات أفلت بعد ذاك النور منها بالظلام ومنيف شامخ بنيانه لين الأعطاف مهتز القوام أف للدنيا فما شيمتها غير نقض العقد أو خفر الذمام فاستعدوا الزاد تنجوا واعملوا صالحا من قبل تقويض الخيام يا متعلقا بزخرف يروق بقاؤه كلمح البروق يا مضيعا في الهوى واجبات الحقوق تبارز الخالق وتستحي من المخلوق يا مؤثرا أعلى العلالي ساترا ذلك الفسوق ألا سترى ذلك الفسوق يا متولها مهاد الهوى وهو في سجن الردى مرموق إبك على نفسك العليلة فإنك بالبكاء محقوق عجبا لمن رأى فعل الموت لصحبه وأيقن بتلفه وما قضى نحبه وسكن الإيمان بالآخرة في قلبه ونام غافلا على جنبه ونسي جزءاه على جرمه وذنبه وأعرض إلى ريه من الهوى عن ربه كأني به وقد سقي كأس حمام يستغيث من شربه وأفرده الموت عن أهله وسربه ونقله إلى قبره ذل فيه بعد عجبه فياذا اللب جز على قبره وعج به لقد خرقت المواعظ المسامع وما أراه انتفع به السامع لقد بدا نور المطالع لكنه أعمى المطالع ولقد بانت العبر بآثار الغير لمن اغتر بالمصارع فما بالها لا تسكب المدامع يا عجبا لقلب عند ذكر الحق غير خاشع لقد نشبت فيه مخالب المطامع يا من شيبه قد أتى هل ترى ما مضى من العمر براجع انتبه لما بقي وانته وراجع فالهول عظيم والحساب شديد والطريق شاسع إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع
 
أن يقتل الإنسان نفسه


قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا قال الواحدي في تفسير هذه الآية ولاتقتلوا أنفسكم أي لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد فأنتم كنفس واحدة هذا قول ابن عباس والأكثرين وذهب قوم إلى أن هذا نهي عن قتل الإنسان نفسه ويدل على صحة هذا ما أخبرنا ابو منصور محمد بن محمد المنصوري بإسناده عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت فصليت بأصحابي الصبح فذكرت ذلك للنبي فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته الذي منعني من الاغتسال فقلت إني سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله ولم يقل شيئا فدل هذا الحديث على أن عمرو تأول هذه الآية هلاك نفسه لا نفس غيره ولم ينكر ذلك عليه النبي قوله ومن يفعل ذلك كان ابن عباس يقول الإشارة تعود إلى كل ما نهي عنه من أول السورة إلى هذا الموضع وقال قوم الوعيد راجع إلى أكل المال بالباطل وقتل النفس المحرمة وقوله تعالى عدوانا وظلما مع العدوان أن يعدو ما أمر الله به وكان ذلك على الله يسيرا أي أنه قادر على إيقاع ما توعد به من إدخال النار وعن جندب بن عبدالله عن النبي أنه قال كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحذ بها يده فما رقأالدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة مخرج في الصحيحين وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالدا فيها أبدا مخرج في الصحيحين وفي حديث ثابت بن الضحاك قال قال رسول الله لعن المؤمن كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة وفي الحديث الصحيح عن الرجل الذي آلمته الجراح فاستعجل الموت فقتل نفسه بذباب سيفه فقال رسول الله هو من أهل النار فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم غفور رحيم موعظة ابن آدم كيف تظن أعمالك مشيدة وأنت تعلم أنها مكيدة وكيف تترك معاملة المولى وتعلم أنها مفيدة وكيف تقصر في زادك وقد تحققت أن الطريق بعيدة يا معرضا عنا إلى متى هذا الجفا والإعراض يا غافلا عن الموت والعمر لا شك في انقراض يا مغترا في أمله وأيدي المنايا في أجله تقرضه بمقراض يا مغرورا بصحته وبدنه كل يوم في انتقاض يا من يفني كل يوم بعضه ستفنى والله الأبعاض يا غافلا عن الزاد وقد أنذره بعد السواد البياض يا قليل الاحتراس ونبل المنايا طوال عراض يا من يساق إلى موارد التلف وقد نزحت الحياض يا ضاحكا وعيون الفنا غير غماض لمن هذه الأوقات بين يديه كيف يقدر جفنه على الإغماض
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى