الإعجاز العلمي في القرآن و السنة "متجدد"

B.k.Hamza

كبار الشخصيات
إنضم
17 أوت 2008
المشاركات
5.283
مستوى التفاعل
28.928
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيد الخلق أجمعين
و على آله الطيبين الطاهرين
اخوتي الأعزاء سلام الله عليكم و رحمته و بركاته

إن المواضيع التي تناولت الإعجاز العلمي في القرآن و السنة في هذا القسم عديدة و متعددة
و لكن حسب ما رأيت طبقا كلها عبارة عن أخبار و معلومات متفرقة ينبهر بهى الأخوة الأعضاء فينقلونها و أنا منهم
و لأهمية هذا الموضوع و خاصةً اننا في عدر العلم و التكنولوجيا و المعلومات سأحاول أن اجماع كل مع استطيع من اكتشافات حول هذا الموضوع و اتمنى من جميع الأخوة أن يعينوني على هذا الموضوع مع التثبت من المصدر
أولاً سأبدأ ب-

ضوابط البحث في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

فبين يدي كلامنا عن القواعد والضوابط في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يطيب لي أن أذكر بعض ثمرات البحوث في هذا الميدان والتي منها:

1.

الأثر البالغ الذي تتركه في قلوب المسلمين، والذي يترجم بزيادة اليقين عندهم لدى رؤيتهم هذه الحقائق الباهرة؛ لأنها وردت على لســان النبي الأمي محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وهكذا فإنها خير محرض للتمسك بالقرآن والسنة والاهتداء بهما.
2.

الرد العلمي الدامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسالة المحمدية؛ حيث إن عرض تلك الحقائق التي أخبر عنها نبي أمي في زمن لا يوجد فيه تقدم علمي كما أنه لا توجد في المجتمع وكذا البيئة التي عاش فيها أية إثارة من علم في تلك الميادين الكونية؛ ولذلك فهذا الإعجاز يعتبر مجالاً خصباً لإقناع المنصفين من العلماء بربانية القرآن الكريم وصدق رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
3.

الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الدين الإسلامي هو دين العلم حقاً؛ فمع إشادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم ـ وترغيبه بتحصيله وتنويهه بفضل العلماء ـ قد ذكر كثيراً من الحقائق العلمية وأشار إلى كثير من الأسرار الكونية مما هو موضوع العديد من التخصصات في آفاق الكون ولم يستطع أحد إلى الآن أن يثبت وجود تعارض أي دلالة كونية واردة في حديث شريف صحيح مع ما استقر من الحقائق العلمية اليوم وأنى له ذلك.
4.

إن الإعجاز العلمي يعتبر خير محرض لهمم المسلمين كي يتابعوا مسيرة البحث والتجريب والمقارنة وغير ذلك من وسائل الكشوف العلمية والتقدم المعرفي، وفي الوقت نفسه فإن ذلك يفضي إلى توسيع دائرة شواهد الإعجاز العلمي.
5.

كما أن هذا الإعجاز العلمي يعتبر قناة آمنة ترفد بقية قنوات الدعوة إلى الله والذي يتتبع أسباب دخول كثير من الناس في الإسلام - ممن كانوا نصارى أو بوذيين أو يهود ـ يجد بحق أن فريقاً منهم قد ابتدأ سيره إلى الحق؛ والذي انتهى به لإعلان شهادة الحق؛ من خلال معاينة لطائف الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
6.

ولا شك أن ظاهرة الرجوع إلى دين الإسلام من قبل الذين كانوا قدماً من الشاردين الغافلين، وهكذا إسلام غير المسلمين؛ فإن ذلك كله أثمر مع ازدياد يقين المسلمين بدينهم رجوعاً لحالة العزة في نفوس أبناء الأمة الإسلامية بعد الكبوة التي حصلت لهم عقب سقوط الخلافة الإسلامية وهيمنة الدوائر الاستعمارية عليهم.
7.

وهذا كله يذكرنا بالحقيقة التي لا تتخلف أبداً؛ والتي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي أمر الله).

إن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يمثل شاهداً إضافياً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستوي في ذلك الحكم إن كان الإعجاز العلمي قرآنياً أم بالسنة، ومن هنا فإن الادعاء بوجود إعجاز علمي لا يسلم به إلا بعد ثبوت تحقيق مناطه والذي يتمثل بحقيقتين هما:

أولاً : ثبوت اكتشاف هذه الحقيقة من قبل العلماء بشكل مستقر وذلك بعد برهنة المتخصصين في مجالها على ثبوتها.

ثانياً : صحة الدلالة على تلك الحقيقة في نص من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وذلك دون تكلف أو اعتساف في الاستدلال؛ علماً بأن الرابط الذي يعطي هذا المناط قيمته هو عدم إمكانية إحاطة البشر بتلك الحقيقة وقت التنزيل ولذلك فإن خطوات إثبات شاهد من شواهد الإعجاز العلمي في النص الشريف تصبح خمسة وهي:

1.

إثبات وجود دلالة في النص على الحقيقة الكونية المراد إثبات وجود إعجاز علمي بصددها.
2.

ثبوت تلك الحقيقة الكونية علمياً بعد توفر الأدلة التي تحقق سلامة البرهنة عليها.
3.

ثبوت استحالة معرفة البشر بتلك الحقيقة الكونية وقت تنزيل القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي اكتشفت لاحقاً في الأزمنة المتأخرة.
4.

تحقق المطابقة بين دلالة النص من كتاب الله عز وجل أو من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبين تلك الحقيقة الكونية.
5.

ثبوت أن النص من السنة المطهرة الذي نستنبط منه الإعجاز العلمي المشار إليه هو صحيح أو حسن حيث لا تعتمد في هذا المجال الأحاديث الواهية أو الساقطة.

أهم معالم المنهج المقرر في تفسير نصوص الإعجاز العلمي

تعتبر الأسس والقواعد الواجب مراعاتها في تفسير القرآن الكريم هي النبراس في تفسير النصوص عموما؛ ونجملها فيما يلي:

أولاً: يلزم معرفة ما يتعلق بالنص من سبب الورود وهل هو خاص أو عام أو مطلق أو مقيد أو منسوخ أو غير ذلك.

ثانياً: يلزم الاطلاع هل ورد نص آخر يفسره؛ إذ تفسير النص من الوحي، _ والسنة من الوحي _ أولى بالاعتبار لذلك نقدم وجوه التفسير الواردة في السنةعلى ما دونها.

ثالثاً: مراعاة العرف اللغوي في زمن التنزيل دون المعاني التي كثر تداولها فيما بعد، مهما بلغ انتشارها فيما بعد.

رابعاً: مراعاة قواعد الإعراب والبلاغة وأساليب البيان المقررة ليتم فهم أبعاد معاني النصوص.

خامسا: ملاحظة سياق النص وسباقه ومقتضيات الحال وغير ذلك من القرائن.

سادساً: التأكد من وجود إشارة واضحة أو صحيح عبارة على ما ندعي بأنه من معاني النص الذي نحن بصدد بيانه وتفسيره وتحديد الإشارة العلمية بشكل صحيح.

سابعاً: مراعاة أوليات الاعتبار في الاحتجاج بالمعاني فالنص المحكم أولى من الظاهر وظاهر النص أولى من المعنى المستقى بطريق التأويل ومنطوق النص مقدم على مفهومه كما أن بعض المفاهيم مقدم في الاعتبار على بعض؛ ولذلك يلزم عدم التسرع في ترجيح وجه تفسيري دون مرجح معتبر.

ثامناً: ملاحظة أسلوب النص وصياغته هل هو عام ؟ وهل هو مطلق ؟ وهل هو مجمل ؟ وهل تشترك فيه معان عدة أم لا ؟ وهل يحتوي دلالة على حقيقة علمية لا يمكن تعارضها مع العرف اللغوي الذي قد يقدم في الاعتبار أم هناك احتمال آخر.

تاسعاً: عند التأويل للنص لا بد أن يكون هناك ما يقتضي ذلك ويلزم عندئذ إعمال القواعد المعتبره عند أئمة الأصول و التفسير من مثل قولهم:

· العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب.

· إعمال الكلام أولى من إهماله.

· لا عبرة بالظن غير الناشئ عن دليل.

عاشراً: اعتماد المعاني المقررة للحروف التي تسمى حروف المعاني كما قررها الأئمة الأعلام.

حادي عشر: البعد عن تأويل المتشابه وكذا الخوض في القضايا السمعية، مما لا يخضع للنشاط الذهني؛ بل يعتمد على النصوص الواردة بصددها من كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثاني عشر: ومن ذلك عدم الخوض في النصوص المتعلقة بالغيبيات التي استأثر الله بعلمها.

ثالث عشر: الحذر من الأخبار الإسرائيلية والآثار الواهية.

رابع عشر: التأدب مع علماء الأمة والحذر من تسفيه آرائهم فكم عاب إنسان آخر في اجتهاده فكان فيه العيب، إذ لم يحسن فهم مرامي الكلام أو مقتضيات الحال.

خامس عشر: يجب ألا يفارقنا اليقين بصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو بمثابة قول الله عز وجل لأنه وحي ووعد من الله ولذلك مهما رأينا وسمعنا في واقع حياتنا بأمور تتعلق بالكون فلا يسوغ أن نقدم ما قيل بصددها على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا يجب إعادة النظر عند وجود تعارض ظاهري بينهما لأنه لا يمكن أن يصادم مضمون نص صحيح حقيقة ثابتة أبداً حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى بل بوحي من الله خالق الكون.

بعض المحترزات البحثية في مجال الإعجاز العلمي

في القرآن الكريم والسنة المطهرة

1- إيثار أسلوب اليسر في بيان المراد ـ وكذا تدوين الأفكار أو التعليل في مجال بيان المطلوب ـ فاليسر من مبادئ الدين الإسلامي بشكل عام ويلزم عدم الغفلة عن ملاحظة إظهار هداية القرآن والسنة للتي هي أقوم؛ حيث هي الغاية من إنزال القرآن الكريم.

2- اختيار الطريقة المناسبة للتدليل والبرهنة فالموضوع التجريبي له طريقته والمنطقي له طريقته وبحوث المقارنات الميدانية لها أسلوب بيانها.. وهكذا.

3- الحذر من معارضة مبدأ شرعي أو قاعدة من قواعد الدين أو معلم من معالمه لأن اليقين العلمي متوافق مع الدين في كل الحقائق التي يستنبطها أهل الاختصاص في شتى المجالات الكونية ومنها الميدان الطبي.

4- اجتناب العبارات التي تشعر أن الباحث يدافع عن القرآن والسنة أو أنهما يحتويان ما يمكن أن يعبر عنه بالنقص أو أن العلماء السابقين قصروا في فهمها أو أنهم قد أخطؤا في فهم ما يشتملان عليه من حقائق.

5-الاعتدال في بيان الحقائق الكونية بعد التأكد من ثبوتها وعدم الاندفاع العاطفي الذي يترجم انبهاراً وعدم اتزان، وكما ذكرنا فإن على الباحث أن يحذر من التعجل والإسراع إلى فكرة لمجرد أنها أعجبته؛ بل عليه التزام الحيدة البحثية وعدم التحيز لما يعرضه بل يتوجب عليه كذلك عدم الركون للقناعات الشخصية جعل العلم الكوني بمثابة المرجع المرجح والملاذ الذي يركن إليه بإطلاق.

6- مراعاة التقاليد والأمور التي جرى عليها عرف الهيئة العالمية للإعجاز العلمي من عدم التجريح بالآخرين تقصد غبن الناس مقاديرهم مثل التقليل من شأن جهود السابقين.

7- لدى تحقيق مناط الإعجاز بشقيه الشرعي والكوني يلزم الإشارة للخلفية التاريخية التي توضح واقع المجتمع الإنساني من ناحية المعارف الكونية قبل إظهار المطابقة المطلوبة بين الدلالة النصية والحقيقة العلمية؛ وبالتالي تقرير النتيجة المفضية لوضوح الصورة الإعجازية حسب الخطوات الخمس المقررة.

8- ملاحظة الفرق بين بحث تمهيدي في مرحلة المطارحات والمناقشات ولكن يراد منه الوصول إلى نتيجة ـ ولو كانت غير مقطوع بها ـ ولا يدعي صاحبه أنه يقرر حقائق ثابتة ولا يدافع عن أفكار معينة، وبين بحث هادف لبيان الإعجاز العلمي فالأول يمكن التساهل في أسلوب عرضه لإثارة أفكار الآخرين وإثراء البحث (( ولكن في نطاق بحثي خاص )) أما الثاني فلابد فيه من التدقيق التام خاصة أثناء العرض، ولذلك ففي هذا المجال لا بد أن تضيق دائرة القبول وتحدد بحاله مقتضى الدعوى على وجه لا يحتمل أي شك.ونود أن نشير هنا إلى أن البحوث لدى الهيئة تمر بمراحل هي:

1) إثارة الفكرة ومناقشتها ومطارحتها حتى يتم الاتفاق عليها ثم الكتابة فيها:

2) إحالة البحث إلى محكمين شرعي وعلمي.

3) ثم عقد ندوة على نطاق أوسع يشترك فيها نخبة من المختصين الشرعيين والعلميين وعند إجازته بعد ذلك تتبنى الهيئة طباعته ونشره وتأذن لصاحبه بذلك.

9- ونؤكد هنا على عدم الخوض في الأمور السمعية التي استأثر الله بعلمها ولم يقدرنا على الإحاطة بها لان في مثل هذا الخوض تمحل وتكلف وتنطع؛ ونؤكد بأن الإعجاز العلمي يتعلق دائما بما وراء ذلك من القضايا حيث ينصب دائماً على القضايا الخاضعة للتجريب والمشاهدة والمقارنة.

10- مراعاة بقية القواعد المسلكية والمصطلحات المقررة من قبل الهيئة العالمية للإعجاز العلمي سابقا وما تقرره الجمعية العمومية حالياً ولاحقا إذ هي تمثل مرجعية إنجاز تلك الأبحاث وبذلك تنتفي التناقضات والسلبيات في ميدان بحوث الإعجاز العلمي؛ علما بان المرجعية الأساسية للإعجاز العلمي إنما هي كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

 
نماذج من الإعجاز العلمي في الطب


1- الإعجاز القرآني في جلد الإنسان


توجد في جلد الإنسان غدد عرقية تختص بتنظيم درجة الحرارة Eccrine Sweat Glands, وتوجد في جلد الكلب غدد تختص بالترطيب وتمييز رائحة الكلاب Apocrine Sweat Glands, لكنه لا يملك غدد تفرز عرق لتخفض درجة الحرارة الزائدة لذا لا يملك إلا اللهاث على كل حال سواء بذل جهدا أو سكن, واللهاث تسارع الأنفاس لتخرج معها الحرارة الزائدة وإذا اشتدت أخرج لسانه.

428.png

والعجيب أن يصور القرآن الكريم في مشاهد منوعة تجسد حال هالك لا محالة يفر أمام دلائل الوحي متجردا من فطرة الإيمان بمسلوخ فقد جلده الواقي ليصبح كالكلب خاصة؛ لا يملك إلا اللُهاث في كل الأحوال سواء بذل جهدا أو سكن فضلا عن كونه حيوانا بلا عقل؛ يقول العلي القدير: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ. سَآءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ. مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" الأعراف 175-178.

قال ابن القيم: "لما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته", وقال ابن عاشور: ”الانسلاخ حقيقته خروج جسد الحيوان من جلده حينما يسلخ عنه جلده والسلخ إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده“, وقال الكلبي: "(و)اللهث.. تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات مع الحر والتعب (لكنها).. حالة دائمة للكلب ومعنى (إن تحمل عليه) إن تفعل معه ما يشق عليه.. (أو تتركه).. فهو يلهث على كل حال", وقال أبو السعود: "تشبيه.. ما اعتراه بعد الانسلاخ.. بما ذُكر من حال الكلب", وقال الرازي: "عم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله.. لأنهم.. بقوا على الضلال في كل الأحوال مثل هذا الكلب الذي بقي على اللهث في كل الأحوال".



وفي الجلد تركيبات دقيقة تقوم بوظيفة الإحساس Sensation, وإذا تدمرت تلك التركيبات عند حريق شديد يلحق بالجلد يتعطل نقل الإحساس ولا سبيل لإعادته سوى بتجديد الجلد وتبديل التالف, وهو ما اشار إليه التعبير بلفظ التبديل في قول العلي القدير: "إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً" النساء 56.



وقد لوحظ أن ترتيب الأعضاء في نظم القرآن الكريم يتفق تماما مع الواقع فتعطى العناية الأكبر بتقديم الأهم وظيفةً والممنوح أكبر مساحة بالدماغ أو المتقدم وظيفيا وتشريحيا تبعا للمقام, وفي مقام بيان أهم مناطق الجلد إحساسا يكتفي النظم بالوجه واليد خاصة البنان أو الأنامل ويحفظ الترتيب وفق درجة الإحساس والمساحة الممنوحة في الدماغ فيقدم الجباه والجنوب على الظهور, ورغم أن آية الوضوء تختص بحكم تشريعي فقد جاء الترتيب فيها موافقا تماما لأهم أعضاء الجلد في المركز الحسي بالمخ وبنفس الترتيب, يقول العلي القدير: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" المائدة 6, وظاهرة الحفاظ على الرتبة في نظم الكتاب العزيز بما يتفق تماما مع أصل الخلقة السوية تكوينيا وتشريحيا ووظيفيا لا يمكن نسبتها للمصادفة خاصة مع التثنية والتكرير والحفاظ على المطابقة للواقع بلا استثناء رغم تباين المقامات واختلاف الوظائف والأعضاء, ولا توجد ظاهرة الحفاظ على الرتبة بما يوافق الحقائق الخفية قبل عصر العلم في أي كتاب يُنسب اليوم للوحي غير القرآن الكريم.



وتتصل بالشعرة عضلة مجهرية تسمى العضلة الناصبة للشعرة وهي عضلة لا إرادية تتقلص عند القشعريرة عند البرد أو الإثارة كالفزع والرعب والمفاجآت فيقشعر الجلد, والقرآن الكريم ينسب القشعريرة للجلد صراحة ويصفه باللين بعد تقبض فيثبت تكوينه العضلي في قوله تعالى: "اللّهُ نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" الزمر 23, وقبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر لا يتوقع أن يصف مصدر بشري تلك العضلات المجهرية التي تجعله يقشعر من الخشية والوجل ثم يلين بعد تقبض, وفي كتاب في القرن السابع تشابهت في الإحكام مبانيه وتأكدت بالتثنية معانيه لا تفسير سوى أنه كلام العليم الحكيم, يقول تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ" يونس38-39

 
عجب الذنب.. اكتشافات جديدة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما تنبت البقل وليس في الإنسان شيء إلا بلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب) أخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله قال: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب) أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد في المسند ومالك في الموطأ. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وإن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم يا رسول الله؟ قال عجب الذنب). رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجه واحمد في المسند وأخرجه مالك.

يُستنتج من الأحاديث الصحيحة الحقائق التالية:

1. أن عجب الذنب مكون أساس خلق منه الجنين في مراحله الأولية.

2. عجب الذنب لا يبلى.

3. فيه يركب الخلق يوم القيامة.

إن ثبوت الاستنتاج الأول علمياً (عجب الذنب مكون أساسي يتركب منه الجنين في مراحله الأولية) يكفى لقبول الاستنتاج الثالث (فيه يركب الخلق يوم القيامة) والذي هو قطعاً من الغيب الذي لا يمكن الخوض فيه، وفى ذلك أدلة على أمور عديدة منها:

1. دليل على أن البعث حق ومثال ذلك في القراَن الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)(الحج: 5). فلما ثبت ما أخبرت عنه الآيات من أمور كونية كانت غيباً في زمن التنزيل، لزم ثبوت ما أخبرت به من أمور ما زالت غيبياً من أمر الآخرة وبذلك ينتفي الشك في البعث.

2. الدليل على نبوة الرسول لما ثبت من صدق حديثه.

3. الدليل على سلامة منهج سلف هذه الأمة في سلامة النقل عن رسول الله حتى وصلت إلينا الأحاديث النبوية الشريفة كما أخبر عنها .

لقد بني علماء المسلمين في النصف الثاني من القرن العشرين فهمهم للإعجاز في هذا حديث عجب الذنب على قاعدتين علميتين أساسيتين هما:

1. أن العصعص هو ما تبقي من جزء أولى من الجنين يعرف باسم (the Primitive streak) وهو جزء محوري عرف بأنه يظهر في أوائل الأسبوع الثالث وتمر منه خلايا من طبقة الإكتوديرم لتكون طبقة الميزوديرم ثم يتقلص (the Primitive streak) وما يتبقي منه إلى أجزاء ضئيلة تكون ممثلة في الإنسان في فقرات العصعص (شكل1).

2. أن الدليل على أصل قدرة هذا الجزء على تكوين مختلف الأنسجة بالجسم هو أنه في حالة حدوث ورم في هذا الجزء لدى الطفل المولود (teratoma) فإن هذا الورم يحوى نماذج من جميع أنسجة الجسم المختلفة (شعر ـ أسنان ـ غدد ...) (شكل2). والنقطتين السابقتين سليمتين في مجملها ولكن ظهرت في السنوات الأخيرة دقائق مبهرة توضح تفاصيل هامة وتحمل دلائل إعجازي سنوجزها فيما يلي في صورة أربعة نقاط أساسية تمثل في مجملها الجديد في فهم تكون العصعص في المرحلة الجنينية:
النقطة الأولى:

أ‌) تبدأ البويضة المخصبة في انقسامات متتالية من بداية الإخصاب الذي يحدث في الطرف الخارجي لقناة فالوب مروراً بمراحل الخليتان والأربع والثمانية والستة عشر (بداية مرحلة التوتة التي تدخل إلى الرحم) ثم مرحلة البلاستوسست المكونة من طبقة خارجية من الخلايا (التي تكون الأغشية المحيطة بالجنين والتي ستشارك مع بعض أنسجة من الأم في تكوين المشيمة) وكتلة داخلية من الخلايا (والتي ستكون مسؤولة عن تكوين الجنين نفسه) (شكل4 و3).

ب‌) لم يعد الوصف القديم في تطور كتلة الخلايا الداخلية في مرحلة (Blastocyst) إلى طبقتي (Ectoderm& Endoderm) سارياً من الناحية العلمية. ولكن يتم التميز أولاً إلى طبقتين أوليتين عليا وسفلى تعرفان باسم (Epiblast & Hypoblast) وذلك في بداية الأسبوع الثاني (شكل ـ 5).

ج‌) في بداية الأسبوع الثالث يظهر في طبقة (The Epiblast) تكوين جديد هو ال Primitive streak (شكل ـ 6).

د‌) تتكاثر خلايا The Epiblast ويقل الترابط فيما بينها ثم تمر من خلال (The Primitive streak) لتحل أولا محل خلايا طبقة The Hypoblastوتكون نسيج (The Endoderm) ثم تنتشر خلايا بينية لتكون نسيج (The Mesoderm) ويطلق منذ هذا التوقيت على طبقة الإبيبلاست اسم الإكتوديرم The ectoderm وبذلك تتكون الطبقات الثلاث المعروفة للجنين وهي (Ectoderm, Mesoderm and Endoderm) من طبقة أولية واحدة هي طبقة (The Epiblast) ويكون الأساس في تكون خلايا الطبقات هو مرورها خلال (The Primitive streak). وهذا التوضيح الجديد يتوافق تماماً مع فهم الحديث الشريف أن الإنسان قد (خُلِقَ) من العصعص (او أصل العصعص) حيث أن الحديث في إطار مرحلة التكوين ويكون الأساس في تكون خلايا الطبقات هو مرورها خلال (The Primitive streak) (شكل 8, 97).

10-1.gif
10-2.gif
10-3.gif
شكل رقم (1) العصعص هو مجموعة من الفقرات الضامرة في نهاية العمود الفقري
شكل رقم (2) ورم خارج منطقة العصعص في طفلة ويحتوي على نماذج من جميع أنسجة الجسم المختلفة
شكل رقم (3) التطورات الحادثة خلال الأسبوع الأول من الإخصاب والتي تشمل الانقسامات المتتالية للبوضة المخصبة أثناء مرورها بقناة فالوب حتى المنطقة العليا من الرحم ويوضح أطوار البويضة المخصبة والخليتان والأربعة والثمانية والستة عشر (بداية مرحلة التوتة) التي تدخل الرحم من الانقسام المتكرر حتى طور (the blastocyst) الذي يقوم بالانغراس في بطانة الرحم. (Moore and Persaud 1998,P:44)



النقطة الثانية:

عند مرور الخلايا من خلال (The Primitive streak)، فإن كل خلية تمر من مكان معين منه أثناء عبورها لتكوين خلايا طبقة (The Mesoderm) تتجه إلى مكان محدد تماماً في هذه الطبقة الجديدة. وهو ما يمكن تفسيره بحدوث نوع من البرمجة للخلايا عند مرورها في (The Primitive streak) وهذا التقدير المسبق الدقيق مكن من رسم خريطة دقيقة لاتجاه الخلايا حسب مكان عبورها في (Primitive streak) وهي ما يعرف باسم خريطة المصير Fate map (Sadler,2000). شكل ـ 10 وهذا تأكيد آخر للحديث الشريف (منه خلق).


10-4.gif
10-5.gif
10-6.gif
شكل رقم(4) طور البلاستوسست المكون من طبقة خارجية من الخلايا
(لتكوين أغشية الجنين) وهو طور الإنغراس
(Moore and Persaud 1998,P:43)
شكل رقم(5) تميز الطبقة الداخلية من الخلايا الباستوسست إلى طبقتين أوليتين عليا وسفلا تعرفان باسم :
Epiblast and Hepobalast (Moore and Persaud 1998,P:43)
شكل رقم (6) صورة توضح تكون (The primitive streak) في طبقة الإبيبلاست في نهاية الأسبوع الثاني وبداية الأسبوع الثالث.
(Sadler,2000,P: 62)





النقطة الثالثة:


نقل (Blastopore) من جنين ضفدع إلى آخر، وهو تركيب مماثل لبعض أجزاء (Primitive streak) في الإنسان، ينتج عنه تكون جنين جديد آخر ملتصق مع الجنين الأول في صورة توأم سيامي (Complete Siamese). وهذا تأكيد ثالث للحديث الشريف (منه خلق). (شكل ـ 11).


10-7.gif
10-7.gif
10-7.gif
شكل رقم 7 هجرة خلايا طبقة الإبيبلاست من خلايا (The primitive)
حيث تحل خلايا ها أولا في اليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر محل خلايا (the hypoblast) مكنو نسيج جديد هو الإلكتوديريم ثم في اليوم السادس عشر تملأ هذه الخلايا المهاجرة ما بين طبقتي
(The epiblast and endodrem) مكونة نسيج جديد يعرف ب
اسم Intraembryonic mesoderm ـــ (Lason,1993P:50)
شكل رقم (8) الطبقات الجنينية الثلاثة بعد انتهاء مرحلة هجرة الخلايا من طبقة الإبيبلاست ، والطبقات الثلاث هي:
(Ectodern, Mesoderm and Endoderm) ويوم الأساس في تكوين الطبقات هو مرورها خلال (The primitive streak) ـــ (Sadler,2000, p: 91)
شكل رقم (9) يوضح الشكل الأنسجة الأساسية التي ستنتج عن انقسام وتمايز خلايا الطبقات الثلاث Ectodern, Mesoderm and Endoderm)






النقطة الرابعة:

عند الدراسة في عموم المراجع العالمية قد يصاب الباحث بالإحباط حين يرى إجماع هذه المراجع أن (Primitive streak) تختفي بنهاية الأسبوع الثالث أو منتصف الأسبوع الرابع لتطور الجنين مما يعنى نسف كل التصور الذي سبق. ولكن الحقيقة أن (Primitive streak) قبل اختفاءها تترك ابناً لها يعرف باسم (Caudal eminence) في منطقة (The Mesoderm) ثم تختفي Primitive streak نفسها كلياً وبقاء شيئ من (Primitive streak) في منطقة الإكتوديرم من الواضح أنه هو الذي يؤدى إلى تكون الورم الخبيث المعروف باسم (teratoma) والذي هو أشهر ورم خبيث في الأطفال على الإطلاق. وعلى عكس ما كان متعارف عليه سابقاً فإن هذا الجسم (Caudal eminence) هو المسؤول عن تكوين ليس فقط عجب الذنب ولكن أيضاً الأجزاء الأساسية للعمود الفقري والحبل الشوكي والأغشية المحيطة به تحت مستوىL2 . وهذا تأكيد رابع على صدق قوله صلى الله عليه وسلم (منه خلق). (شكل ـ 12). إن كل نقطة من النقاط الأربعة سابقة الذكر تحمل على حدة دليل صدق على الحديث المعجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بعجب الذنب، فما بالنا بها مجتمعة؟ ألا يحق لنا أن نقدم للعالم من خلال هذا الحديث دليلاً جديداً على صدق رسالته يقيم عليهم الحجة (ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينه)؟ ورغم ذلك ففي النفس شعور جارف بأن عجائب هذا الحديث لم تنتهي بعد، ولعل ما لم نعرفه أكثر بكثير مما عرفناه.


10-10.gif
10-11.gif
10-12.gif
شكل رقم (10) يوضح حتمية مسار خط هجرة الخلايا حسب نقطة عبورها من ( primitive streak) مما يوضح حدوث نوع من البرمجة أو تحديد المسار لكل خلية حسب حسب نقطة عبوها لتتوجه إلى مكان محدد من الجنين ولتنقسم كل خلية منها بعد ذلك وتتميز لنوع محدد من الخلايا
(Sadler,2000,P: 64)
شكل رقم (11) يوضح تكوين جنين كامل جديد ملتصق عند نقل منطقة Blastopore من جنين الضفدع إلى آخر.
(Larsen,1993,P:89)
شكل رقم (12) يوضح الشكل تكون بروز طرفي سفلي سيكون مسؤولا قبل نهاية الأسبوع السادس عن تكوين عظمة العجز والحبل الشوكي والأغشية المحيطة به تحت مستوى L2 ــــ (Larsen,1993,P: 76)






قد تم افتراض العديد من نقاط البحث المطلوب سبرها منها:

1. هل يبلى شيء من عظمة العصعص؟

2. هل تقاوم عظمة العصعص العوامل الفيزيائية بصورة تخالف باقي العظام؟

3. هل هناك فرق في التركيب على أي مستوى يميز هذه العظمة عن باقي العظام (Biochermistry molecular) قد يكون صعوبة هذا البحث من ناحية الأخلاقيات الطبية إذ قد لا يكون إجراؤه مبرراً من الناحية الطبية. ولكن إذا ثبت شرعاَ أن هيئة البعث المذكورة تنطبق على الحيوانات كما تنطبق على الإنسان فإنه يمكن إجراء الأبحاث على حيوانات التجارب.

ولكن على الباحث في هذا المجال أن ينتبه إلى أن افتراض أن عظمة العصعص ستظل بكاملها بدون بلاء إنما هو فهم قد يوافق مقصود الحديث أو لا يوافقه. وقد يكون هناك قدر من العظمة (لا نعلم مقداره) هو الذي لا يختفي. فإن الحديث الشريف بلغة العرب وفيها علاقات كلية وجزئية وخصوص وعموم بين الألفاظ كما قال تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)(الأحقاف: 25). أي كل شيء أمرها الله تعالى بتدميره وإلا فإنها لم تدمر الأرض والسموات والكواكب.

وفى جميع الأحوال، فإن وجود دلالة لتميز خلايا منطقة عظمة العصعص على غيرها من الخلايا يعتبر نتيجة إيجابية مباشرة في هذا المجال. ومن بشائر ذلك ما أعلنه فريق بحثي من جامعة ميتشجان بالولايات المتحدة الأمريكية ـ يضم باحثين مسلمين وغير مسلمين ـ (Ben Chen and Ramzi Mohamad) ـ في مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الثامن بالكويت في ذي القعدة 1427هـ، من خلال بحث بعنوان :

MIRACULOUS DESCRIPTION ABOUT THE VREATION OF HUMAN BODIES (AND NOT SOUL) FROM TAIL BONE IN THE DAY OF RESURRECTION./p

من أنهم قد حصلوا على نتائج أولية بأن الخلايا الجذعية في منطقة العصعص لها خصائص مميزة عن غيرها من الخلايا الجذعية في مناطق الجسم المختلفة. إن هذه النتيجة الأولية تفتح وراءها الباب لعشرات التساؤلات العلمية والتي بدأ هذا الفريق العلمي بالفعل التخطيط للقيام ببعضها.

إن الهدف هنا هو استثارة الحماس العلمي لأهل التخصص ليدلوا بدلوهم سواء من جانب جمع المادة العلمية الموثقة التي توضح مناط الإعجاز في هذا الحديث أو بعمل التجارب العلمية الموثقة والتي ينال الباحث بها.. إذا خلصت نيته.. السبق في الدنيا والآخرة ـ بإذن الله.
 
مفاتح الغيب... وعلم ما في الأرحام

روى البخاري بسنده عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي أنه قال: مفاتح الغيب خمس ثم قرأ الآية: (إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان: 34).

أثار المشككون الشغب حول تفسير علم ما في الأرحام بعمومه على أنه أحد الغيوب الخمس التي لا يعلمها إلا الله، وقالوا لقد بات العلماء يعرفون ما في الأرحام من ذكورة الجنين أو أنوثته، والتشوهات الخلقية فيه، وهو في بطن أمه بأجهزة التصوير والتحاليل الدقيقة! وأصبح في مقدور العلماء إنزال المطر من السحب، بواسطة بعض التقنيات العلمية! فأثاروا البلبلة في أذهان الكثيرين من العوام، وعند غير الراسخين في العلم بهذا الموضوع! وهب بعض العلماء المعاصرين يدفعون الشبهة وينافحون عن تفسير النص القرآني، لكنهم للأسف أخطئوا طريق الدفاع الصحيح! فلم يحرروا محل النزاع بدقة، ولم ينظروا إلى النصوص الواردة في الموضوع مجتمعة، ولم يدرسوا الأمر دراسة موضوعية، فطاشت سهامهم! وبقيت الشبهة حية في عقول وأفواه الكثيرين من الناس. وفي هذا البحث سنناقش هذا الموضوع باختصار في الإجابة على الأسئلة التالية: ما الفرق بين علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وبين علم الله المحيط بعالم الشهادة؟ وكيف حدث الخلط بينهما.؟ وهل يمكن أن يعلم البشر شيئا من مفاتح الغيب؟ وما هو العلم الذي لا يعلمه إلا الله لما في الأرحام؟ وما هو الزمن الذي تتعلق به مفاتح الغيب الخمس؟ وهل يوجد وجه للإعجاز في التحدي بهذه المغيبات الخمس.
قال الله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا في البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الأنعام: 59).
تحدثت الآية الكريمة في أولها عن عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله, ثم تحدثت في الجزء الثاني منها عن علم الله الشامل المحيط في عالم الشهادة فما هو عالم الغيب وما هو عالم الشهادة؟
الغيب: هو ما غاب عن حواس الإنسان أو عن علمه وبصيرته، أو ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول، وإنما يعلم بعضه بخبر الأنبياء ـ عليهم السلام.
قال ابن جرير الطبري(1): أخبر الله تعالى أن عنده علم كل شئ كان ويكون وما هو كائن مما لم يكن بعد وذلك هو الغيب. وقال صاحب المنار(2): الغيب هو ما حجب الله علمه عن الناس،بعدم تمكينهم من أسباب العلم به، لكونه مما لا تدركه مشاعرهم الظاهرة ولا الباطنة؛ كعالم الآخرة. وعرف ابن عاشور الغيب فقال(3): والغيب ما غاب عن علم الناس، بحيث لا سبيل لهم إلى علمه، وذلك يشمل الأعيان المغيبة كالملائكة والجن، والأعراض الخفية، ومواقيت الأشياء. وحصره الماوردي(4): في علم الماضي الذي لا يعلمه أحد، وعلم المستقبل.
وينقسم الغيب من حيث الزمان إلى:

غيب الماضي: كالعلم بأحداث القرون التي مضت.
غيب الحاضر: مثل تسجيل الملائكة الأعمال، وما يدور في النفوس.
غيب المستقبل: مثل العلم بالموجودات قبل إيجادها، وعلم وقت قيام الساعة، ومواقيت حدوث الموت.
كما ينقسم الغيب من حيث علم المخلوقين به إلى قسمين: غيب حقيقي، وغيب إضافي.
قال صاحب المنار(2): والغيب قسمان: غيب حقيقي مطلق؛ وهو ما غاب علمه عن جميع الخلق حتى الملائكة، وفيه يقول الله ـ عز وجل: (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ) (النمل: 65). وغيب إضافي وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض؛ كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر، وأما ما يعلمه البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها، ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب، أو عجزهم عن استعمالها، فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله.
عالم الشهادة:

الشهادة لغة واصطلاحا: المعاينة أو الإخبار بالخبر القاطع،أو مجموع ما يدرك بالحس أو البصر من الموجودات. وعالم الشهادة هو عالم الأكوان الظاهرة..
ولقد تحدثت الآية الكريمة (وعنده مفاتح الغيب..الآية) في الجزء الثاني منها عن علم الله الشامل المحيط في عالم الشهادة.متمثلا بموجودات البر والبحر , كلياتها وجزئياتها , صفاتها وأحوالها ومآلاتها، ودقائق تفاصيلها وسنن تسخيرها.تحقيقا لقوله تعالى: (وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) (الطلاق: 12).
ولم يحجب الله عن البشر الطرق والوسائل الموصلة للعلم بهذه الموجودات، بالقدر الذي يتناسب وطاقتهم وحاجتهم لتسخيرها، فيما ينفعهم للقيام بعمارة الأرض، ولا تعارض مطلقا بين علم البشر بأي شيء في هذا الوجود، وبين علم الله المحيط المطلق فيه.
وتطلق مفاتح الغيب في اللغة والاصطلاح على: الطرق والوسائل التي يتوصل بها للغيب أو على خزائن الغيب. ومفاتح الغيب جمع مضاف يعم كل المغيبات، أو هي علم الله بجميع الأمور الغيبية.(5) وقد خصص هذا العموم بعض المفسرين(6)؛ بخزائن الأقدار و الأرزاق، أو الثواب والعقاب، أو عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال.
والصحيح أن العموم في مفاتح الغيب خصصه النبي بخمسة أشياء فقط، بقوله عليه الصلاة والسلام: مفاتح الغيب خمس، وذكر آية لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا و وما تدري نفس بآي أرض تموت، إن الله عليم خبير) رواه البخاري.
الخلط بين العلم بمفاتح الغيب وعلم الله المحيط بعالم الشهادة.

لم ينظر معظم الذين كتبوا في هذا الموضوع من المعاصرين إلى جميع النصوص الواردة في قضية مفاتح الغيب الخمس، حينما نظروا إلى قول الله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ليزيلوا شبهة التعارض بين ما ثبت من الحقائق العلمية في علم الأجنة الحديث، وبين التفسير الشائع لعلم ما في الأرحام، الذي يدخل قضية علم نوع الجنين وصفاته الخلقية، في علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فقالوا: إنه لا تعارض مطلقا بين علم البشر، وعلم الله لما في الأرحام، فعلم البشر علم جزئي، وعلم الله محيط شامل للذكورة والأنوثة وغيرها؛ من الأجل والرزق والشقاء والسعادة وغير ذلك، فوقعوا بهذا التفسير في خلط جلي؛ بين الغيب الحقيقي المقصور علمه على الله تعالى وحده في مفاتح الغيب الخمس، وبين علم الله المحيط الشامل لعالم الشهادة من الموجودات؛ والتي يمكن أن يتعلق ببعضها أو ببعض أجزائها علم البشر؛ بواسطة إدراك العلماء وتعلمهم لسنن الكون والحياة. لكن الناظر إلى قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر.. الآية) يجد أن الله سبحانه فصل بين القضيتين بوضوح و أن النبي قد أخبر أن الخمس الواردة في آية سورة لقمان هي مفاتح الغيب الخمس، بتحديد ظاهر لا لبس فيه.
هل يمكن أن يعلم البشر شيئا من مفاتح الغيب؟

اتفق جميع أهل العلم على أن مفاتح الغيب الخمسة؛ لا يعلمها إلا الله، ولا يخضع أي منها في كلياتها وجزئياتها، للسنن الكونية في عالم الشهادة، وبالتالي لا يمكن لمخلوق أن يعلم أي شيء منها، اعتمادا على سنن الاستكشاف في عالم الكون المنظور. قال ابن حجر: فالمراد بالغيب المنفي في قوله تعالى: (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ) (النمل: 65) . هو المذكور في هذه الآية التي في لقمان(7). وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم علم كل شيء سوى هذه الخمس(8)، وقال القرطبي(9) بعد ذكره لنفس الآية: قال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن، لأنه خالفه. وقال عبد الرحمن السعدي(10): وهذه الأمور الخمسة من الأمور التي طوى علمها عن جميع الخلق فلا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب فضلا عن غيرهما
وقد كان هذا الأمر واضحاً في كلام المفسرين ـ رحمهم الله ـ حينما فسروا الآية الكريمة (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر.).الآية..
قال الطبري(11): وعند الله علم ما غاب عنكم أيها الناس مما لا تعلمونه ولن تعلموه، مما استأثر بعلمه نفسه، ويعلم أيضاً مع ذلك جميع ما يعلمه جميعكم ولا يخـفى عليه شيء.
وقال محمد رشيد رضا(12): وعلمه تعالى بما في البر والبحر من علم الشهادة المقابل لعلم الغيب، على أن أكثر ما في خفايا البر والبحر، غائب عن علم أكثر الخلق، وإن كان في نفسه موجودا يمكن أن يعلمه الباحث منهم عنه. وقد بين الله تعالى لنا في هذه الآية أن خزائن علم الغيب كلها عنده، وعنده مفاتيحها وأسبابها الموصلة إليها، وأن عنده من علم الشهادة ما ليس عند غيره، وذكر على سبيل المثال علمه ما في البر والبحر من ظاهر وخفي.
وضوح القضية عند علماء السلف:

لقد كانت قضية مفاتح الغيب الخمس، واضحة تماما لا لبس فيها عند علمائنا السابقين. فعلم ما في الأرحام، وعلم وقت نزول المطر، كعلم وقت قيام الساعة سواء بسواء، من ادعى علم شيء منها فقد كذب بالقرآن، وخرج من ملة الإسلام، وكلام السلف علي الجملة صحيح، فهم يعتقدون أن علم إنزال الغيث وعلم ما في الأرحام هما مفتاحين من مفاتح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله، وأن ادعاء علم شيء فيهما وفق السنن تكذيب بالقرآن والسنة، وخروج من الملة. أما تعرض بعضهم لتفاصيل علم ما في الأرحام وإدخال قضية العلم بنوع الجنين، في الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فقد تبين اليوم خطؤه، حيث ثبت بيقين أن العلم بنوع الجنين هو من عالم الشهادة؛ الخاضع لسنن الاستكشاف والمعرفة التي بثها الله في الخلق. وإدخال هذه القضية في الغيب المحظور إنما كان اجتهاد منهم ـ رحمهم الله ـ وليس فيه سند من قرآن أو سنة. أو لعله من باب تفسير عموم ما في الأرحام الوارد في الآية من غير نظر إلى حديث النبي الذي خصصه بمفاتح الغيب الخمس.
علم ما في الأرحام الذي لا يعلمه إلا الله هو علم ما تغيض الأرحام:

أخبر النبي عن عدد ومسمى مفاتح الغيب في صيغتين: الصيغة الأولى تشير إلى القضايا التي وردت في آية سورة لقمان، قال النبي : مفاتح الغيب خمس، ثم قرأ الآية (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث وبعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) رواه البخاري وغيره
و في الصيغة الثانية من الخبر يقول النبي : (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) رواه البخاري.
فنحن الآن أمام حديثين وردا بصيغتين مختلفتين، في موضوع واحد، هو تحديد عدد ومسمى مفاتح الغيب، وصيغة الحديث الأول تماثل صيغة الحديث الثاني، في ثلاث قضايا هي:علم الساعة، وعدم دراية الأنفس لكسبها، ومكان موتها، وهذه الثلاثة غيب حقيقي لا يعلمه إلا الله باتفاق العلماء، لكن الحديثين يختلفان في مسمى قضية إنزال المطر، وقضية ما في الأرحام.. فالحديث الأول أشار إلى أن الصيغة العامة لهما هي مفتاح الغيب، في قوله تعالى: (وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام). وأما الحديث الثاني فقد عدل عن صيغة العموم إلى صيغة الخصوص، فقد سماهما النبي بألفاظ مخصوصة محددة فقال: (ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله). وبالجمع بين الروايتين يصير غيض الأرحام، وزمن مجيء المطر، هما الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وبالتالي يصبح مراد النبي في اللفظ العام في آية سورة لقمان بناء على الحديث الأول، هو المعنى المحدد باللفظ الخاص في الحديث الثاني. وبهذا تتوافق النصوص وينتهي الإشكال. و يكون غيض الأرحام هو أحد مفاتح الغيب الخمس، لا الذكورة ولا الأنوثة ولا العلم بصفات الجنين، و يكون أيضاً العلم بوقت نزول المطر الوارد في الحديث هو أحد مفاتح الغيب الخمس، لا مطلق إنزال الغيث الوارد في الآية الكريمة.
آية سورة الرعد تشرح معنى ما في الأرحام

وبالجمع بين النصوص الواردة في الموضوع أيضا يتضح الأمر فقد وردت في سورة الرعد آية تجمع بين العموم لما في الأرحام، وعلم الله المحيط به، وبين علم غيض الأرحام الذي لا يعلمه إلا الله؛ وهي قوله تعالى: **اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ| (الرعد: 8).
فعلم الله لما تحمل كل أنثى، كعلم الله لما في الأرحام، من حيث دلالة (ما) الموصولة في كلتا الآيتين، فاللفظ فيهما عام شامل لكل ما يتعلق بعالم الغيب والشهادة في الحمل، وهذا المعنى العام المجمل، فصل بقوله تعالى: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) أي إن الله يعلم ما تغيض الأرحام و ما تزداد؛ فالعلم المتعلق بغيض الأرحام هو من الغيب المقصور علمه على الله تعالى؛ استنادا للحديث. والعلم المتعلق بازدياد الأرحام بالأجنة؛ هو من عالم الشهادة؛ وعلم الله فيه علم إحاطة وشمول. ويؤكد هذا قوله تعالى في الآية التالية: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)؛ إشارة إلى أن في الآية السابقة؛ جزء من عالم الغيب وهو (ما تغيض الأرحام)، و جزء من عالم الشهادة؛ وهو علم الله المحيط الشامل لأحوال وصفات حمل كل أنثى على وجه البسيطة وما تزداد به الأرحام من هذا الحمل. والله تعالى أعلم .
وهنا يرد السؤال ما هو غيض الأرحام؟

يطلق الغيض في اللغة على: النقص, والغور, والذهاب, والنضوب. وقد جاء في المعاجم اللغوية: (غاض الماء غيضا ومغاضا): قل ونقص. أو غار فذهب. أو قل ونضب. أو نزل في الأرض وغاب فيها. وغاضت الدرة: احتبس لبنها ونقص. (المعجم الوسيط 2/668), وفى المفردات في غريب القرآن: (وغيض الماء ـ وما تغيض الأرحام) أي ما تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض, وقد دار تفسير العلماء لغيض الأرحام حول معنيين: الدم الذي ينزل على المرأة الحامل, والثاني: هو السقط الناقص للأجنة قبل تمام خلقها, قاله ابن عباس وقتادة(11): والضحاك(13) وقال الحسن(14) الغيض: الذي يكون سقطا لغير تمام، وقال محمد رشيد رضا(15): (وما تغيض الأرحام) من نقص الحمل أو فساده بعد العلوق. وقال الأصفهاني في غريب القرآن(16): (غيض الأرحام: ما تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض). وقال عبد الرحمن بن ناصر السعدي(17): (وما تغيض الأرحام) أي تنقص مما فيها، إما أن يهلك الحمل، أو يتضاءل، أو يضمحل. وعرف علماء اللغة أيضا السقط بأنه: الجنين يسقط من بطن أمه قبل تمامه(18). وعرفوا الغيض بأنه السقط الذي لم يتم خلقه(19).
إذن يمكننا القول بأن السقط المفسر للغيض والمراد في كلام علماء اللغة والتفسير هو: الجنين الذي سقط من بطن أمه قبل اكتمال خلقه، أو هو الجنين الذي يهلك في الرحم؛ ويتحلل ويغور وتختفي آثاره منها، ويصدق عليه أن الرحم تبتلعه كما تبتلع الأرض الماء.
علم الأجنة الحديث يجلّي الحقيقة:
يقول علم الأجنة الحديث: عندما تهلك الأجنة في الأسابيع الثمانية الأولى من عمرها؛ إما أن تسقط خارج الرحم, أو تتحلل وتختفي تماما من داخله, ويسمي علماء الأجنة هذا الهلاك بصورتيه: الإسقاط التلقائي المبكر. وهو متوافق تماما مع أقوال علماء اللغة والتفسير في تعريفهم للغيض.
وعليه يمكننا أن نقول: بأن غيض الأرحام هو الإسقاط التلقائي المبكر. وهو الذي يحدث خلال الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل، وهو ظاهرة شائعة, ونسبة حدوثه كبيرة, إذ تصل إلى حوالي 60%, في الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل. وفي عدة مشاهدات للسقط المبكر لم يكن الجنين موجودا؛ أي إن الجنين قد تحلل واختفى داخل الرحم. وعدم رؤية جنين بالمرة في حويصلة الحمل, يسمى كيس الحمل الفارغ, وتمثل هذه الحالات حوالي نصف حالات السقط التلقائي المبكر, وبعد اكتشاف جهاز الأشعة فوق الصوتية واستخدامه في تشخيص الحمل ومتابعته؛ تأكدت حالات غور الأجنة واختفائها من داخل الأرحام.(20) انظر شكل (1).

1-1.gif
1-2.gif

شكل رقم (1) صورة لكيس حمل فارغ قد تحلل فيه الجنين واختفى شكل رقم (2) صورة لتوأمين داخل الرحم غار أحدهما واختفى في كيس الحمل
ويشيع هذا في حالات ظاهرة التوائم المتلاشي وأكدت عدة دراسات حديثة شيوع هذه الظاهرة؛ إذ بلغت نسبتها حوالي 50% من حمل التوائم. ويقول أحد المراجع الطبية(21): يغور وينضب ويختفي أحد التوأمين تماما من داخل الرحم في الفترة المبكرة من الحمل. وقد شخصت هذه الحالات بجهاز الأشعة فوق الصوتية فبعد رؤية جنينين في الرحم بهذا الجهاز, أصبح لا يرى إلا جنين واحد منفرد, وبجواره كيس صغير يحتوي على مادة كثيفة تدل على موت جنين سابق. وفي خلال 4 ـ 6 أسابيع يمكن أن يختفي هذا الكيس تماما, ويزول معه الدليل على وجود حمل لجنين سابق آخر (انظر الشكل 2). كما يمكن أن يشخص حمل عديد الأجنة ـ بأكياس حمل وأجنة حية ـ ثم عند الوضع لا يولد إلا جنين واحد تام مكتمل. (أما بقية الأجنة فقد غارت وابتلعتها الأرحام. وقد لا يسقط محصول الحمل بعد موت الجنين تلقائيًّا, بل يبقى لفترة طويلة داخل الرحم ويسمى الإجهاض المخفي، انظر شكل(3).
والنسبة الغالبة منه مآلها إلى الإسقاط التلقائي، لكن يحدث في بعض صوره أن يغور الجنين ويرتشف, ولا يكون له أي أثر داخل كيس الحمل. فيصير الجنين مع الرحم كالماء الذي حبسته الأرض وابتلعته. ويتغير فيه حجم الرحم فيأخذ في الصغر والجمود ـ نظرا لامتصاص السائل الأمنيوسي وحدوث تهتك في الجنين. ولله در الشيخ السعدي الذي فسر الغيض بالسقط بصورتيه وكأنه طالع أحوال الأجنة الهالكة في أحدث المراجع العلمية. قال: (وما تغيض الأرحام) أي تنقص مما فيها؛ إما أن يهلك الحمل (السقط الذي يلفظه الرحم) انظر (شكل 4), أو يتضاءل (الإجهاض المخفي حيث ينكمش الجنين ويتضاءل), أو يضمحل (الأجنة التي تتلاشى في الرحم). وتقول المراجع الطبية(22): ما زالت الإجابة غير معروفة ومحددة لهذا السؤال. لماذا تسقط بعض الأجنة بعد موتها ولماذا لا يسقط بعضها الآخر؟.

1-3.gif
1-4.gif

شكل رقم (3) صورة لجنين متهتك داخل كيس الحمل فيما يعرف بالإجهاض المخفي شكل رقم(4) صورة لسقط لفظه الرحم قبل تمام خلقه
ماذا يعني العلم بغيض الأرحام؟

العلم بغيض الأرحام بعني العلم المسبق بحدوث الإسقاط التلقائي المبكر بشقيه قبل تمام تخليق الجنين برغم توفر مقدمات الخلق الضرورية ومادته الأولى، وتهيؤ الأسباب وانتفاء الموانع لحدوثه فيتخلص الرحم من تلك المواد الأولية؛ إما بإسقاطها أو بغورها واندثارها؛ وذلك لبيان أن الإيجاد بعد العدم والإعدام بعد الوجود ظاهرة متكررة تبين إمكان وقوع البعث بالنظير والضد، وأن التخليق هو اختيار من الفاعل المختار. وعلى هذا يكون المراد بعلم غيض الأرحام الذي لا يعلمه إلا الله هو العلم بمستقبل هلاك الأجنة المبكرة أو بمعنى آخر: العلم بإرادة الله في إنشاء إنسان جديد من عدمه. وأن هذا العلم مقصور على الله وحده، ويستحيل على البشر بل وعلى الخلق جميعا معرفته.
استحالة العلم المسبق بحدوث الإسقاط التلقائي المبكر

يمر الجنين خلال مرحلة التخليق بتحولات خطيرة وكبيرة ومعقدة للغاية. ومازالت جوانب كثيرة من هذه التحولات تشكل لغزاً محيراً للعلماء مثل الإنقسام السريع للخلايا الجنينية، وتمايزها إلى خلايا وأعضاء مختلفة التركيب والوظيفة. وتحدث خلال هذه الفترة الحرجة تغيرات مفاجئة قد ينجم عنها خلل في الصبغيات أو الجينات تؤدي إلى هلاك الجنين المبكر بنسبة عالية قد تتجاوز 60% من كل الإسقاط التلقائي المبكر عند كل النساء، هذه التغيرات المفاجئة والمميتة ما زالت خارج نطاق العلم القطعي بحدوثها، وذلك لأن معظم أسبابها مجهولة، ويصعب جداً، بل يستحيل في كثير من الأحيان الكشف عنها مسبقا أو حتى توقع حدوثها.
ومن ناحية أخرى فإننا إذا نظرنا إلى المسببات المعروفة لهلاك الأجنة المبكرة وحدوث الإسقاط التلقائي لها، نجد أنها مسببات عديدة ومتداخلة ويستحيل التنبؤ بحدوث معظمها؛ فالنمو غير الطبيعي للبييضة الملقحة (zygote):الناتج عن خلل في عدد الصبغيات والذي يمثل أكبر سبب للسقط التلقائي المبكر يسبب خللا وانعداما في التوازن الحيوي لخلايا الجنين فيؤدي إلى هلاكه. و الخلل التركيبي في الصبغيات الذي يحدث نتيجة حدوث طفرات مفاجئة، لأسباب معظمها مجهولة، يؤدي إما لتغيير الوظائف الجينية العديدة، أو لتغيير مسار التمايز للخلايا الجنينية، فيهلك الجنين تبعا لذلك، (شكل 5).
والخلل في آليات الغرس للبيضة الملقحة في بطانة الرحم مثل: التحكم الهرموني المتخصص في الانقباضات، والحركة الدودية للرحم وأبواقه، والعوامل الهرمونية العديدة ذات الصلة بنضج بطانة الرحم، وتكون الغشاء الساقط، والإشارة الصحيحة أو المناسبة للانغراس، واستجابة الكيسة الأريمية له، والعلاقة الخلوية بين الخلايا المغذية (Trophoblast) وبطانة الرحم. فهذه العوامل يحب أن تتكامل، وتتوحد بدقة فائقة، حتى يتم تعشيش، البييضة الملقحة. فإذا فشلت إحدى هذه الآليات، فإن حياة البييضة الملقحة معرضة لخطر الهلاك وحدوث الإسقاط(23). (شكل 6)
كما أن تمايز الخلايا ونمو الجنين يتأثر بعوامل مختلفة، اكتشف منها حتى الآن أكثر من 100 عامل، بالإضافة إلى العوامل الجينية (Genetic)، وكثير من الهرمونات. والخلل في هذه العوامل يؤدى إلى موت الجنين وحدوث الإسقاط(23).
وهناك عوامل عديدة تؤثر على البيئة الداخلية للرحم والجنين: مثل الإشعاع، والفيروسات، والمواد الكيميائية، ويمكن أن يحدث بسببها تشوهات خلقية، فيهلك الجنين ويحدث الإسقاط(24). وهناك أيضا عوامل أمومية يمكن أن تسبب الإسقاط (25و 26) مثل:خلل الصبغيات التركيبي والعددي في بييضة الأم، والذي يزداد باضطراد مع كبر سنها. وأنواع مختلفة من الأمراض الإنتانية (infectious diseases)؛ كالإصابة بفيروسات الحصبة والحصبة الألماني والجدري وغيرها(27). والأمراض المزمنة المسببة للهزال الشديد مثل: الأورام السرطانية، ومرض السكري. والخلل الهرموني الذي يمكن أن يتسبب في هلاك الجنين، والنواقص الغذائية: وتناول الكحول والتبغ، والعوامل المناعية العديدة. ومعظم أسباب هذه العوامل مجهولة. حتى الصدمات النفسية والعضوية.يمكن أن تؤدي للإسقاط؛ فمجرد وهم الأم واعتقادها بأن حملها سوف يسقط، يمكن أن يكون سببا في حدوث الإسقاط.
إذا نظرنا إلى هذه العوامل العديدة والمتداخلة؛ البسيطة منها والمركبة من أكثر من عامل، وقدرنا حدوث أحدها وفق قانون الاحتمالات؛ فإننا نستنتج بيقين: أن التوصل للعلم القطعي بمستقبل هلاك الأجنة في أي طور من أطوار تخليقها الأولى، وحدوث الإسقاط التلقائي لها يعتبر ضربا من الخيال.
كما أن معظم هذه الأسباب في ذاتها غيب، فالخلل في الصبغيات كما قال العلماء يحدث بطريقة عشوائية ومتفرقة، ولا يمكن العلم بحدوثه قبل أن يحدث، والاضطرابات في العوامل الجينية العديدة المسوؤلة عن تمايز الخلايا ونموها، وما يمكن أن يتعرض له الجنين من العوامل الماسخة من الإشعاع والفيروسات والمواد الكيميائية، وما يمكن أن تتعرض له الأم من الصدمات النفسية أو العصبية أو الأمراض المختلفة في المستقبل، كل ذلك غيب، لا يستطيع أحد من البشر أن يجزم بحدوثها أو عدم حدوثها، وبالتالي فما يبنى عليها من حدوث الإسقاط التلقائي يظل غيبا لا يعلمه إلا الله.
وبناء على هذا، وعلى ما سبق من تقريرات النصوص الشرعية فإنه يستحيل على العلماء الآن، وفي المستقبل، معرفة مصير أي طور من أطوار الجنين، قبل اكتمال تخليقه ونفخ الروح فيه، هل سيتخلق إلى الطور الذي يليه أم يهلك، وتغيض به الأرحام. وذلك لأن معرفة هذا المستقبل والمصير لا يخضع لسنن الخلق المعروفة، وعلمه عند الله وحده، قد اختص به نفسه.
وعلى هذا يتحرر الغيب الحقيقي في الغيض، بعلم مستقبل هلاك الأجنة، أو بسقط الجنين قبل أن يتم خلقه، أو بمعنى آخر؛ بالعلم بمستقبل تطور وخلق مراحل الجنين الأولى، من النطفة، إلى العلقة،إلى المضغة، إلى إنشاء الخلق الإنساني الآخر بعد نفخ الروح في الجنين المخلق.

1-5.gif
1-6.gif

شكل رقم (5) صورة للخلل العددي في الصبغيات والذي يؤدي إلى هلاك الجنين شكل رقم (6)
وعليه فكل اكتشاف للعلماء في المستقبل، لن يتعارض أبدا مع هذا الطرح لمفهوم علم غيض الأرحام، وتسلم لنا القضية كلها، على أساس أن جميع مفاتح الغيب ما هي إلا أمور تتعلق بالمستقبل، وليس فيها شيء يتعلق بالماضي أو الحاضر في عالم الشهادة. وبهذا يحمي حمى النص، وتسلم دلالته الواضحة الجلية، من غير تعارض البتة مع أي حقيقة علمية، يمكن أن تكتشف في الحاضر أو المستقبل، في عالم الأجنة والأرحام، إلى أن تقوم الساعة.
مفاتح الغيب الخمس أمور تتعلق بالمستقبل

يمكن تقسيم العلم بالمستقبل إلى ثلاثة أقسام:
1. العلم بمستقبل الأشياء الموجودة في عالم الشهادة والخاضعة كلياً للسنن الكونية، وهذه يمكن العلم. بمستقبل زمانها من قبل العلماء العارفين بسننها، كمعرفة وقت طلوع الشمس وغروبها، ووقت الكسوف والخسوف وغير ذلك، لعشرات بل ولمئات السنين وبدقة بالغة، قال تعالى: (الشمس والقمر بحسبان) وهذا القسم خارج نطاق الغيب الحقيقي، الذي لا يعلمه إلا الله، ومعرفة المستقبل فيه متاحة للبشر.
2. العلم بمستقبل الأشياء المعدومة التي لم توجد بعد في عالم الشهادة، هل ستوجد أصلاً أم لا، وبالتالي فمستقبلها تابع لها، وهذا القسم فقط هو الذي لا خلاف عليه عند العلماء والعقلاء، أن علمه عند الله وحده، وهو غيب حقيقي، يستحيل على البشر أن يعلموا منه شيئًا، لأن أصله ومستقبله غير خاضع لأي سنة كونية معهودة، وذلك لانعدام وجوده.
3. العلم بمستقبل أو مصير أشياء موجودة في عالم الشهادة، يخضع وجودها لسنن الكون والخلق، لكن لا يخضع مستقبلها ومصيرها لسنن مشهودة، في عالم الكون المنظور، ويتجلى هذا التعريف، ويتوافق مع قضايا مفاتح الغيب الخمس.
فهذه الدنيا الموجودة والمشهودة، لا يستطيع أحد أن يعلم يقينا زمن انتهائها وزوالها، وهو ما يعرف بتحديد وقت قيام الساعة؛ وهو المستقبل المحظور على الخلق معرفته، (ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله). حتى مع وجود علامات على قربها، لأن معرفة هذا الزمن لا تخضع لسنن مشهودة.
وهذه السحب التي تتكون في كل لحظة، وفق سنن الكون على مدار الليل والنهار، وتغطي مساحات شاسعة من غلاف الأرض، لا يستطيع أحد من الخلق أن يعلم يقينا مستقبل هذه السحب، قبل أن يكتمل تكونها، وتنعقد أسباب الإمطار منها، هل ستكون سحبا ممطرة أم لا؟ ومتى وأين ستمطر هذه السحب؟ هذا هو المستقبل المجهول للبشر؟ والذي لا يخضع للسنن المشهودة، بل هو في علم الله وحده (ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله)
وهذه الأنفس التي تملأ الأرض، وتخضع لسنن الخلق، لا تعلم يقينا كسبها من الخير والشر، وذلك مع كدها وحرصها على ذلك، فمستقبل الكسب محجوب ومجهول لها حتى في الزمن القريب، ولا يخضع هذا لسنن مشهودة، بل هو مما أختص الله وحده بعلمه (ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا).
وكذلك لا تعلم يقينا هذه الأنفس الخاضعة لنواميس الحياة، موعد رحيلها من هذه الدنيا، فالمستقبل المحجوب والمجهول لها؛ هو موعد نهاية حياتها ووجودها بالموت مكانا وزمانا، وهو لا يخضع لسنن الكون المعهودة، وإنما علمه عند الله وحده (ولا تدري نفس بأي أرض تموت).
وهذه النطف الأمشاج التي يخلق الله منها الإنسان، وقدر فيها كل مخلوق بإحكام وإبداع، ترى وتقرأ فيها اليوم في عالم الشهادة شبكة الصبغيات الدقيقة، وخريطة الجينات البالغة الدقة، والتي تخضع لسنن في الخلق ثابتة، وتعرف بها أحوال، وهيئات في مستقبل الخلق، ثم تتطور هذه النطفة إلى العلقة والمضغة، كل طور فيها خلق يختلف عن الآخر، وقد أصبحت هذه الأطوار مرئية مشهودة؛ بهيئاتها الكلية وتفاصيلها الجزئية، لكن يبقى مصير هذه الأطوار مجهولا، أيتم تخليقها وينشأ منها الخلق الآخر الذي تنفخ فيه الروح، أم تسقط أو تتلاشى هذه الأطوار في أغوار الرحم؟ هذا هو المستقبل المحجوب عن علم البشر، والذي لا يخضع لسنن مشهودة، ويستحيل على الخلق جميعا القطع به، بل علم ذلك خاضع لسنن غيبية لا يعلمها إلا الله (ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله).
إن مستقبل هذه الأشياء الخمسة ومصيرها، لا يخضع لسنن الشهادة ونواميس الحياة، وبالتالي يستحيل على البشر العلم بها، علما تدرك فيه الأشياء بكيفية اليقين، لا بالتخمين والظنون، ولا حتى الملائكة الموكلون بتنفيذ إرادة الله في الخلق يعرفون ذلك مسبقا. وسؤال الملك الموكل بالرحم ربه؛ عن مستقبل ومصير كل طور من أطوار الجنين الأولي هل ستتخلق أم لا خير دليل على ذلك.
روى البخاري ومسلم بسنده عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي قال: وكل الله بالرحم ملكا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة. فإذا أراد الله أن يقضى خلقها، قال أي رب أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه. ويعضد ذلك أيضا تفسير بعض العلماء لقول الله تعالى: **إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ| (لقمان: 34)
قال ابن كثير(28): (وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك، ومن يشاء الله من خلقه)، (وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى أو شقيا أو سعيدا، علم الملائكة الموكلون بذلك، ومن يشاء الله من خلقه).
قسم ابن كثير الأمر إلى قسمين: قسم يتعلق بالحدث قبل إيجاده، أي قبل تكون الغيث واكتمال كل أسباب الإمطار منه، وقبل تكون ما في الأرحام وبروزه لعالم الشهادة، هذا القدر هو الذي يدخل فيما اختص الله وحده يعلمه، وهو المقصود ابتداء في الآية، بنص الحديث الذي حددها بأنها مفاتح الغيب الخمس، وأما بعد بروزهما لعالم الشهادة، وخضوعهما لسنن التسخير والخلق، فهذا ليس من عالم الغيب بل من عالم الشهادة.
قال محمد رشيد رضا في المنار في قوله تعالى (ويعلم ما في الأرحام): (إذ معنى الحصر أن ما سيحدث في عالم الحيوان من التكوين في المستقبل هو من خزائن الغيب التي لا يحيط بما فيها إلا الله ومفاتح العلم بأي شيء منه عنده)(30).
وقال الشيخ ناصر بن أحمد الراشد الرئيس العام لشؤون الحرمين سابقا: إن علم البشر متى يكون نزول المطر هو أمر مستحيل، ولا يرد على ذلك أن بعض الناس يدرك نزول المطر متى انعقدت أسبابه، بحيث يغلب على الظن ذلك، إذا نشأ السحاب الممطر عادة، وهبت الرياح التي يصاحب هبوبها نزول المطر، وتهيأ الجو المشبع بالرطوبة، والذي تعتمد عليه وعلى غيره من الأسباب الأخرى، الأرصاد الجوية في حدسها وظنونها. وما لم تنعقد هذه الأسباب فلا أحد يعلم متى ينزل المطر(31)

الإعجاز في التحدي بمفاتح الغيب الخمس

أخبر الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن هناك غيبا لا يعلمه إلا هو، وسماه مفاتح الغيب في قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) وحدد النبي هذا الغيب في خمسة أشياء: علم وقت قيام الساعة، وكسب الأنفس حتى في الزمن القريب (الغد)، ومعرفة مكان وزمان موتها، وعلم ما تغيض به الأرحام، وعلم وقت نزول الغيث. أي إن هذه الأشياء الخمسة المغيبة محجوبة عن علم الإنسان وإدراكه، وعلمها مقصور على الله وحده. وبالتالي لن يتمكن البشر مهما حاولوا أن يعلموا هذا الغيب، وقد تحدتهم نصوص القرآن والسنة في هذه الخمس، في زمن سادت فيه الكهانة والعرافة والتنجيم والسحر فعجزوا واستمر هذا التحدي للإنسان عبر القرون حتى اكتشف عددا من السنن الكونية، في هذا الزمان، فعرف بها بعض المجهول في الكون والحياة؛ وهو مع كل ذلك العلم عاجز تماما أن يعرف، ويعلم بيقين هذه المغيبات الخمس، برغم توفر ووجود مقدمات لها من جنسها، فوقت قيام الساعة برغم اليقين العلمي الآن: أن الكون سينكمش ويطوى، ويعود كما بدأ، وبرغم اليقين الشرعي بوجود علامات لها، صغرى وكبرى، إلا أنه سيظل الوقت المحدد لانتهاء هذه الحياة، و تبدل الأرض غير الأرض والسموات، غيبا حقيقيا لا يعلمه إلا الله، وستأتي الساعة للخلق بغتة وفجأة، ويستحيل تحديد موعدها بالضبط، حتى بعد تحقق جميع علاماتها الكبرى. وكذلك مهما حاول الإنسان بشتى الطرق، أن يعلم بيقين كسبه من الخير في مستقبله القريب والبعيد، ومكان وزمان موته بالتحديد، لن يجني من محاولاته إلا السراب، برغم توافر كثير من المقدمات والأسباب، أمامه في هذين البابين.
كذلك أيضا قضية إنشاء إنسان جديد، برغم توفر مقدماتها والتي أصبحت مشاهدة الآن، بعدما تم تصويرها ورؤيتها بالعين، وبرغم وصول الإنسان إلى كم هائل ودقيق في معرفة كثير من سنن الخلق في عالم الشهادة، إلا أنه سيظل عاجزا عن إدراك ومعرفة سر إنشائه وخلقه وسيظل عاجزا أن يعلم بيقين هل كل طور جنيني صحيح أو شبه صحيح سيتحول إلى الطور الآخر، وهل سيتخلق إنسان جديد أم لا؟ بمعنى هل كل نطفة أمشاج تتحول إلى علقة؟ وهل كل علقة تتحول إلى مضغة؟ وهل كل مضغة سيتم تخليقها وتصويرها، وتنفخ الروح فيها، وتنشأ خلقا آخر، ويزداد بها الرحم؟ أم تتوقف سنن الخلق الغيبية في أي طور من هذه الأطوار المبكرة، فتهلك هذه الأطوار، معبرة عن إرادة الله بعدم إنشاء إنسان جديد من هذه المقدمات والمكونات، وتتخلص الأرحام منها إما بإسقاطها، أو بتحللها واختفاء آثارها؟
إن العلم بمستقبل الأجنة المبكرة في أطوارها الصحيحة أو شبه الصحيحة، هل هي هالكة أم مخلقة؟ وبمعنى آخر؛ هل يغيض الرحم بها أم ينشأ منها إنسان جديد تنفخ فيه الروح ويزداد به الرحم؟ هذا العلم هو الغيب الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله. أي إن العلم بمشيئة الله في الخلق هو مفتاح الغيب.
كذلك أيضا سيظل الإنسان عاجزاً عن المعرفة اليقينية القطعية بوقت نزول المطر، وخصوصا قبل تكون السحب الممطرة، أو أثناء تكون أطوارها الأولى، بل وما زال الظن والاحتمال هو حديث علماء الأرصاد والسحب عن وقت نزول المطر، حتى بعد بروز السحب الممطرة لعالم الشهادة، وخضوعها لسننه. وهذا العجز للإنسان بعدم علمه اليقيني في هذه الأمور الخمسة، في هذا الزمان، يعتبر تحديا وإعجازا علميا للقرآن والسنة، فكأن الله سبحانه يقول أنتم تعلمون؛ وهيهات أن تفتحوا أحد هذه الأبواب، وتعرفوا سننها وتخبروا عما فيها بيقين! بخلاف أبواب العلم في عالم الشهادة فمفتوحة أمامكم، وسننه مبثوثة مشهودة، فسيروا وانظروا وتفكروا واعملوا، فكل ما في السموات والأرض مسخر لكم! أليس ذلك دليلا واضحا جليا على أن محمدا لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
.

الخلاصة:

1. مفاتح الغيب هي: السنن أو الطرق الموصلة لاستكشاف الغيب الحقيقي المقصور علمه بكلياته وجزئياته على الله تعالى، أو هي خزائن الغيب، أو هما معا. ومفاتح الغيب الخمس محجوب علمها عن الخلق جميعا، ولا يعلمها علما ذاتيا إلا الله وحده. أما علم الله المحيط الشامل لعالم الشهادة، فليس من مفاتح الغيب الخمس.
ٍ2. وفقا للقواعد الأصولية التي توجب الجمع والتوفيق بين النصوص الواردة في نفس الموضوع، فإن العموم الوارد في آية سورة لقمان: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام..الآية) يراد به الخصوص الوارد في الحديث (مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله..الحديث). وعليه فإن العلم الذي لا يعلمه إلا الله لما في الأرحام، هو علم ما تغيض الأرحام، والعلم الذي لا يعلمه إلا الله في إنزال الغيث هو العلم بوقت نزوله.
3. غيض الأرحام هو هلاك الأجنة المبكر، أو ما يعرف طبيا بالإسقاط التلقائي للأجنة في أطوار خلقها المبكرة، أي في الأسابيع الثمانية الأولى بعد التلقيح، ويشمل الأجنة التي تبتلعها الأرحام أو تلفظها.
4. العلم بغيض الأرحام يعني: أن العلم بمستقبل تخليق أطوار الأجنة الأولى، من طور إلى طور، هل هي هالكة أم مخلقة؟ غيب لا يعلمه إلا الله وحده؛ وهذا يعني أن مشيئة إنشاء إنسان جديد من عدمه، في علم الله وحده.
5. قضية الذكورة والأنوثة والتشوهات الخلقية للأجنة في بطون أمهاتها، ليست من مفاتح الغيب الخمس، بل هي من عالم الشهادة، والقطع فيها بالعلم من قبل الأطباء والخبراء ليس من الغيب الحقيقي، بل هي من الأشياء الخاضعة لسنن الاستكشاف، والذي أمرنا بالتعرف عليها. وعليه فالقول بتكفير وتفسيق من يجزم بالإخبار عن نوع الجنين في بطن أمه من الأطباء، قول غير صحيح.
أسأل الله العظيم أن تكون الحجة قد وضحت وانجلت الشبهة وزال الالتباس. والحمد لله رب العالمين..


 


الإعجــاز العلمي في قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، ومَا لا تُبْصِرُونَ)






إن الله عز وجل قد أقسم في كتابه الكريم بالعديد من الأشياء العظيمة والأمور الجليلة فقال عز وجل في سورة القيامة ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ .ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (1) وفي سورة الواقعة ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) (2) وفي سورة الانشقاق ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) (3) وفي سورة التكاثر ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الجَوَارِ الكُنَّسِ)(4) وفي سورة الطارق يقول الله عز وجل : (وَالسَّمَاءِ والطَّارِق)(5).. ويقــول الله عــز وجــل فـي ســورة الشمــس ( وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا . والْقَمَرِ إذَا تَلاهَا. والنَّهَارِ إذَا جَلاَّهَا)(6) وفي سورة الضحى يقول الله تعالى ( وَالضُّحَى . واللَّيْلِ إذَا سَجَى . مَا ودَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى)(7) وغير ذلك كثير مما أقسم الله به في كتابة الكريم ولأن الله سبحانه وتعالى عظيم فهو لا يقسم إلا بشئ عظيم مما يدعو المسلم إلى التفكر والتدبر وإمعان النظر فيما أقسم به الله ومحاولة استجلاءه والتعرف على مواطن العظمة فيه والتي جعلته ينال هذا الشرف العظيم وهو قسم الله سبحانه.
ومن هذا المنطلق نود أن نقف وقفة تدبر وتأمل لقول الله تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . ومَا لا تُبْصِرُونَ)(8) وتوسيع مدلول هذه الآية وتعميق معانيها في الوجدان والفكر الإنساني على ضوء الاكتشافات العلمية المعاصرة وإظهار الإعجاز العلمي وثبوت هذه الحقائق العلمية التي تنبأ بها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان.

البصر في اللغة العربية:

ورد في معجم لسان العرب، قال ابن الأَثـير، فـي أَسماء الله تعالـى البَصِير، هو الذي يشاهد الأَشياء كلها ظاهرها وخافـيها بغير جارحة، وقـيل: البَصَر حاسة الرؤْية. وقال ابن سيده: البَصَر حِسُّ العَيّنٌ والـجمع أَبْصار
قال سيبويه: بَصُر صار مُبْصِرا، وأَبصره إِذا أَخبر بالذي وقعت عينه علـيه، وأَبْصَرْت الشيءَ: رأَيته. وباصَرَه : نظر معه إِلـى شيء أَيُهما يُبْصِرُه قبل صاحبه. وباصَرَه أَيضاً: أَبْصَرَه.

ما جاء في تفسير الآيتين الكريمتين:
القسم في القرآن بـ " لا أقسم":
وفي التفاسير إجمالا أن لا أقسم تعني أقسم و هي قسم مؤكدة بأداة النفي لا.
قال القرطبي في الجامع لإحكام القرآن، المعنى أقسم بالأشياء كلّها ما ترون منها وما لاترون.
وورد في تفسيرا لقرآن العظيم لابن كثير؛ يقول تعالى مقسماً لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم:
و في تفسير الجلالين؛ {لا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ** من المخلوقات، { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ** منها أي بكل مخلوق.
و جاء في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي؛ أقسم تعالى، بما يبصر الخلق من جميع الأشياء، وما لا يبصرونه. فدخل في ذلك كل الخلق.

أقوال الكتاب المعاصرين في هذه الآية:
يقول الدكتور عبد الباسط الجمل في كتابه "عالم الحياة بين القرآن و العلم": إذن يوجد في البيئة ما يعيش معنا، ولا نبصره، ولكن قد نبصره مستقبلاً، ولذا كانت دقة لفظ القرآن ( وما لا تبصرون) ولم يكن القول – ولله المثل الأعلى في قوله ( بما لن تبصرون) وذلك يمثل عطاءً من الله للإنسان ممثلاً في تلك القدرات العقلية التي منحه إياها ليستخدمها في كشف اللثام عن هذه الكائنات.
و يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه "القرآن و العلم الحديث": إن التقدم في العلوم قد أثبت أن الوجود ينقسم إلى عالمين: عالم منظور, وآخر غير منظور. . فالأول هو كل ما يراه الإنسان سواء بعينه المجردة أم بالمجاهر والأجهزة المقربة، فكل ما في السماء وما تحت الأرض وما في قاع المحيطات وما في السحب وكل ما يمكن رؤيته بالعين إنما هو من العالم المنظور، والعالم غير المنظور قد أصبح حقيقة لا تقبل الشك والجدل . . ويقول العلماء أن هذا العالم أوسع وأرحب من العـالم المنظور وأكثر ازدحاماً! !..
و يقول د/عدنان الشريف في كتابه "من علم الفلك القرآني": أقسم المولى في الآية الكريمة بجميع مخلوقاته سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو بواسطة المجهر والمرصد، أو غير مرئية كالأشعة المجهولة والملائكة والروح والجان والجنة والنار وكل الغيبيات . ربما كان ذلك ، والله أعلم ، لكي يتوقف الإنسان العاقل مطولاً أمام بديع الصنعة والإعجاز الكامن في كل خلق من مخلوقات الله بدءاً من أصغر جسيم في الذرة وهو "الكوارك" (Quark) وانتهاءً بأكبر المجرات وأبعدها.
و يقول الدكتور حامد أحمد حامد في كتابه "رحلة الإيمان في جسم الإنسان" أن العين تستطيع رؤية الموجات بين 400-700 نانومتر بينما لا تستطيع رؤية الموجات الأقصر مثل الأشعة فوق البنفسجية و الموجات الأطول مثل الأشعة تحت الحمراء.

كيف نبصر بأعيننا؟
إن كرة العين التي لم يتعدى وزنها 8 جرامات معجزة من الله تعالى ففي طبقة واحدة من طبقات شبكية العين يوجد 500 مليون خلية بصرية Rods and Cons Photoreceptors وإنه عندما تسقط أشعة الصورة على الشبكية تلتقطها خلايا ضوئية متخصصة منها 8 مليون خلية (المخاريط) متخصصة في الضوء الساطع و150 مليون خلية على جوانب الشبكية( العصي) متخصصة في الضوء الخافت.
ويلعب فيتامين ( أ ) دوراً رئيسياً في رؤية الأشياء والألوان لأنه المصدر الرئيسي لمادة الرتينال Retinal وتحدث تغيرات كيميائية في أقل من البليون في الثانية. ويخرج من قاع العين العصب البصري Optic Nerve المؤلف من نصف مليون ليف عصبي الذي ينقل طيف الضوء إلى مركز البصر في الدماغ والذي يحولها إلى صورة مرئية، ويبلغ سرعة إرسال الصورة في العصب البصري ألف مرة في الثانية.(9)
قال تعالى:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ**(10)
ومن حكمة الله أنه أثناء الضوء بالنهار والظلام بالليل تتبادل كل من العصي والمخاريط عملها لتمكن الإنسان من الرؤية في الظروف المختلفة. و لو لم يكن الأمر كذلك لهلكت. كما تتأثر بطريقة شديدة لو تعرضت لظلام أو إضاءة لفترة طويلة، فإذا اشتد الظلام وطال أصيبت العين بغشاوة وعميت لتوقف دورة فيتامين (أ) و الريتينول عن تكوين الرودبسين اللازم للرؤية في غياب الضوء. ومثال على ذلك ما حدث لجاجارين ورواد الفضاء الأولين عندما خرجوا من الأرض فلم يروا السماء إلى ظلاماً دامساً، مغطاة بالسديم المعتم ، والنجوم تتلألأ وراءه وصدق الله تعالى إذ يقول في محكم آياته :
( لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)(11)

الموجات الكهرومغناطيسية و العالمين المرئي و غير المرئي:
عندما قام إسحاق نيوتن (1642/1727) بوضع منشور زجاجي في مسار ضوء الشمس الذي يمر عبر شق طولي في غرفة مظلمة وتم استقبال الأشعة الناتجة على شاشة بيضاء ظهر شريط من الألوان يتراوح من الأزرق الغامق، إلى الأحمر القاتم ولأن ضوء الشمس معروف انه أبيض وزجاج المنشور شفاف لا لون له، فقد استنتج نيوتن أن الألوان كانت عناصر أو أجزاء من الضوء الأبيض وأن المنشور قد قام بتحليل الضوء إلى سبعة ألوان وهي الأحمر، البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنيلي، والبنفسجي.
والضوء هو شكل من أشكال الطاقة وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية Electromagnetic waves والتي تبدأ من الأشعة الكونية الشديدة القصر ، ويزيد طول موجتها حتى تصل إلى الموجات اللاسلكية الطويلة التي تستخدم في الإذاعة. والعين تستطيع رؤية الموجات التي تتراوح طول موجاتها من حوالي أربعمائة نانومتر( النانومتر يساوي 1/106 مليمتر) للضوء البنفسجي إلى حوالي 700 ناتوميتر للضوء الأحمر spectrum) (Visible ولا تستطيع العين رؤية الموجات الكهرومغناطيسية المتبقية وهي ما فوق أو تحت التردد المذكور و هي الأشعة الكونية ، أشعة جاما، أشعة أكس، الأشعة فوق البنفسجية ، الأشعة تحت الحمراء ، أشعة الرادار ، والموجات الدقيقة الصغرى ، والأشعة الراديوية ، وتطبيقاتها في الحياة كثيرة ، وممكن رؤية تأثيراتها على أفلام حساسة ، مثل الأشعة تحت الحمراء Infrared rays وأشعة جاما Gamma rays وأشعة أكس X-rays .(12) أما عن الاستخدامات النافعة لأشعة اكس و أشعة جاما فحدث و لا حرج. فهما ينتميان للجزء غير المرئي من الموجات الكهرومغناطيسية فنحن لا نراهما بأعيننا و لا توجد وسيلة حتى وقتنا الحالي لرؤيتهما. لكننا قدعلمنا بوجودهما من واقع تأثيراتهما (على أفلام التصوير الحساسة مثلا) و من واقع الحسابات العلمية التي تؤكد ضرورة وجودهما. و من العجيب أن هذه الأشعة غير المرئية التي لا نبصرها تستخدم على نطاق واسع لإعطاء صورة مرئية نبصرها لما بداخل الجسم البشري من أعضاء لا نبصرها فسبحان القائل:فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، ومَا لا تُبْصِرُونَ((الحاقة 38 ، 39 ).
و تستخدم أشعة جاما و شعاع الإلكترونات أيضا في تدمير الأورام السرطانية داخل الجسم. كما تستخدم أشعة جاما غير المرئية في تعقيم الأدوات الطبية عن طريق قتل البكتريا و الجرثومات غير المرئية و مثل ذلك حفظ الأغذية عن طريق تعقيمها بأشعة جاما و هي الوسيلة التي تعد الأكثر أمانا في هذا المجال حسبما أثبتت الدراسات العلمية المتخصصة. بل أن البترول الذي يستخرج من أعماق سحيقة لا تبصرها العيون تجلى خصائصه قبل استخراجه باستخدام أشعة جاما. حتى الثقوب الدقيقة في اللحام الصناعي التي لا تراها العيون نتعرف عليها عن طريق التصوير بأشعة جاما أيضا. و في المطارات تستخدم أشعة اكس في الكشف عن ما خفي من المخدرات و الأسلحة و محتويات الحقائب المختلفة.

التقنيات الحديثة و توسيع دائرة الإبصار:
وقد ساهمت الاكتشافات والتقنيات الحديثة المعتمدة على الموجات الكهرومغناطيسية في توسيع دائرة الإبصار فأبصرنا ما لم نكن نبصره، فكم من الكائنات الدقيقة كانت مغيبة عنا حتى وقت قريب حينما تم اكتشاف المجهر الضوئي في القرن السابع عشر من الميلاد وأبصر الإنسان ما لم يكن يبصره من عجائب خلق الله من خلايا البكتريا والطحالب والفطريات وأصبح يرى كيف تتغذى وتتكاثر وكيف تغزو الميكروبات أجسامنا وكيف تتصدى لها كريات الدم البيضاء والتي تمثل عنصرا رئيسيا في جهاز المناعة وأثبت الإنسان بالميكروسكوب أن النطفة والبويضة ضروريان كلاهما للحمل وهذا بعد قرون عديدة مما ذكر في القرآن الكريم ورأى الإنسان في جسده كيف تتكون الأعضاء من أنسجة وكيف تتكون الأنسجة من خلايا وجاء المجهر الإلكتروني Electronic Microscope فإذا به يأخذ البصر إلى أفاق جديدة تماماً ويرى العلماء مكونات الخلية والحمض النووي DNA والجينات الوراثية والذي أعطى عمقاً في فهم علم الوراثة وتطبيقاته في علم الهندسة الوراثية.
قال تعالى: " وفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ . وفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ"(13).

ومن العجب أن المجهر الإلكتروني يستخدم أدق ما لا نبصر وهو الإلكترون ليرينا أدق مالا نبصر من مكونات الخلايا ووظائفها. و لا ننسى في هذا المقام التطور الهائل في التلسكوبات الفضائية والتي مكنت الإنسان من أن يبصر الأجرام السماوية البعيدة و يرى تفاصيل النجوم والكواكب.
بل ووطئت قدم الإنسان سطح القمر فرآه رأي العين وتفحص أرضه وأمسك بتربته وسيرت المركبات الفضائية تستكشف غرائب الكون وعجائبه وتنقل لنا صوراً تراها أعيننا لم تبصرها أعين السابقين، وكذلك أذن الله للإنسان أن يبصر عظيم آياته التي كانت من قبل غيباً لا تدركه أبصارنا أو كانت من ما لا يبصرون. أما عن المناظير الضوئية الطبية Endoscopes فقد تمكن الإنسان من أن يطوع الضوء ليسير في مسارات متعرجة باستخدام الألياف الضوئية بداخل هذه المناظير. وأمكن له بذلك رؤية أدق تفاصيل أجهزة الجسم المتعددة وأحدث ثورة في التشخيص المبكر للأمراض والأورام وإجراء أدق الجراحات اللازمة بدون مضاعفات، وأمكن إدخال مناظير دقيقة داخل الرحم لتصوير مراحل التطور للجنين منذ نشأته وساعد على فهم أشياء وحقائق في علم الأجنة ما كنا نراها من قبل و وصفها القرآن الكريم بدقة منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. فمنذ خمس عشرة سنة صور العالم (لينارد نلسون Lennard Nilsson) مختلف مراحل تخلق الإنسان منذ بدء الحمل حتى الولادة ونال عن عمله المتقن جائزة نوبل للتصوير الطبي فقد استطاع المصور العالم أن يلتقط صورا رائعة للجنين في طور النطفة والعلقة والمضغة وطور تكوين العظام الذي يسبق بأسبوع فقط طور اكتساء العظام باللحم (14). وأحدث الميكروسكوب الإلكتروني ثورة في الجراحات الميكروسكوبية في جراحات نقل الأعضاء وجراحات الأوعية الدموية والأعصاب واستئصال الأورام من النخاع الشوكي واستئصال الغضروف.

ومما لم نكن نبصر أيضاً أموراً كانت تحدث في أزمنة شديدة الصغر كاتحاد جزيئات المواد فبالرغم من أمكانية رؤية الجزيئات الصغيرة مثل جزيئات المواد باستخدام الميكروسكوب فإن تفاعل الجزيئات لتكوين جزيئات جديدة كان مما لا نبصر لفرط سرعته ويأتي الوقت الذي يأذن فيه الله أن يبصر الإنسان هذا الحدث الفريد أيضاً وذلك باستخدام ما يشبه (الكاميرا ) تعمل بأشعة الليزر في زمان متناه في الصغر يبلغ 10-15 من الثانية وهو ما يسمى (الفمتو) ثانية وهو الاكتشاف العلمي للعالم أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1999م، وهو فتح جديد نبصر به ما لم نبصر من قبل من ملايين التفاعلات التي تحدث بين جزيئات المواد المختلفة.
والمتأمل فيما سبق يجد تلازماً عجيباً في استخدام ما نبصر كالضوء يمشي في الألياف الضوئية لنرى مالا نبصر كالأعضاء الداخلية أو استخدام أشعة الليزر لنرى تفاعلات الجزيئات وكأن الآيتين الكريمتين بالصورة التي ذكرتا بها تنبئان عن هذا الارتباط الوثـيق.
و لقد لعبت التقنيات الحديثة في التصوير الضوئي دوراً كبيراً في الحرب الإلكترونية والتجسس والأمن والسلامة ضد السرقات والإرهاب والكشف الجنائي وزادت في قدراتنا على إبصار ما لم نكن نراه من قبل من قرون من الزمان فاستخدمت بصمات الأصابع لمعرفة الجناة ثم تلا ذلك حديثا أسلوب تحليل الحامض النووي و هو أكثر دقة و إبهارا. كما استحدثت الكاميرات التي لها حساسية فائقة في التصوير الليلي باستخدام تكنولوجيا الأجهزة المرتبطة بالشحنات Charge-Coupled Devices (CCD). و يلحق بذلك أيضا الأنظمة الكهروبصرية Electro-optical systems المستخدمة في أجهزة الرؤية الليلية والتصوير الحراري بواسطة الأشعة تحت الحمراء ،و هي أنظمة لجمع الاستخبارات تستخدم في الحرب الإلكترونية وإرسال صور تلفزيونية أو فوتوغرافية تحت أي ظروف مهما كانت سيئة وفي الظلام الدامس و كل ذلك أمور لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو باستخدام آلات التصوير التقليدية.(15)
و تستخدم الأشعة تحت الحمراء أيضا في الرصد الفضائي حيث يستخدم مركز
علوم الفلك البريطاني في أدنبرة أحدث أنواع هذه الكاميرات و تسمى WFCAM حيث تغطي الصور التي التقطتها هذه الكاميرا لكوكبة أوريون مساحة تزيد 3600 مرة من تلك التي تغطيها الأشعة تحت الحمراء في تلسكوب هابل الفضائي.
وتستخدم الموجات فوق الصوتية (وهي موجات تصادمية لا نبصرها و لا تنتمي للموجات الكهرومغناطيسية) في تصوير الجسم و متابعة الحمل و يرجع لها الفضل الكثير في بيان مطابقة آيات تطور خلق الجنين للواقع وكل ذلك كان غيبا عنا حتى أمد غير بعيد. وللموجات فوق الصوتية أيضا استخدامات مفيدة في العلاج الطبيعي.
و يستخدم الرنين النووي المغناطيسي في التصوير الطبي حيث يعطي صورا تشخيصية مبهرة للأنسجة الحيوية باستخدام مجال مغناطيسي فائق الشدة. و يعتبر هذا الأسلوب صيحة العصر في التصوير الطبي الدقيق.
و مما كان غيباً عنا لا نبصره حتى أظهره الله لنا قاع البحار و المحيطات، و ما فيه من عجائب خلق الله التي لم يكن متيسرا لأحد رؤيتها من قبل فإذ بالغواصات و الكاميرات ووسائل الغوص المختلفة تبصرنا بما فيه من آيات الله مما يخطف العيون و يجذب الأبصار لروعته و عظمته. قال تعالى " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ " التوبة 40 .
و من المثير للدهشة أن الذين يولدون و قد حرموا نعمة البصر تولد معهم حاسة تجعلهم يميزون الأصوات بطريقة لا يستطيعها المبصر ويستطيعون تحديد الأبعاد وهو ما يسمى حاسة الكفيف السادسة. لذا يمكن القول أن هؤلاء الذين يفقدون البصر يبصرون بغيره أما الذين يفقدون الإيمان بالله فسيرون في الأرض آيات بينات تشهد على وجود الله وقدرته ولكنهم لا يبصرونها (أي بقلوبهم)، فمن فقد البصر لم يفقد شيئاً ومن فقد البصيرة فقد كل شيء.
يقول الله في سورة الحج( الآية 46): ( فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور) .
وبعد، فإن ما ذكر ليس إلا غيض من فيض من الآيات المتكشفة لنا و التي تبين لماذا أقسم الله عز وجل بما نبصر وما لا نبصر وكيف أن الله عز وجل يرينا ما لم يرى آبائنا وأجدادنا وكأنه كلما زادت الفتن والشبهات زاد تكشف الآيات المثبتات والدلائل المرشدات إلى صراط الله المستقيم وأنه كلما أنبهر الإنسان بالتقدم العلمي والتكنولوجي تكشف له ضآلة علمه أمام عظمة علم الله وقدرته وصدق الله إذ يقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ..)(16)

وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة

في قول الله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. ومَا لا تُبْصِرُونَ)(17).
1- كان الاعتقاد السائد في الماضي أن الإبصار يحدث نتيجة خروج شعاع من العين يسقط على الجسم فتتم رؤيته، وقد ثبت خطأ هذا الاعتقاد بعد تقدم الدراسات التشريحية والوظيفية للعين، واستخدام العديد من التحليلات البصرية لفهم كيفية حدوث الإبصار.
وقد أثبتت هذه الدراسات حدوث الإبصار نتيجة سقوط شعاع من الضوء على الجسم، ثم ينعكس من الجسم ليسقط على العين، وعملية الانعكاس تتم للون واحد ( طول موجي واحد) وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية وهو من ألوان الطيف السبعة المكونين لشعاع الضوء المرئي ومن ثم فوجود شعاع الضوء أساسي لحدوث عملية الإبصار، فلا يمكن حدوث الإبصار في الظلام لعدم وجود الأطوال الموجية للأشعة المرئية والتي يمكن للأجسام امتصاص بعضها وعكس الأخر لترى به العين عند سقوطه على الشبكية. بينما لا تستطيع العين رؤية ما فوق وما تحت هذا المجال من الأطوال الموجية. و لم تكشف حقيقة الإبصار وعدم الإبصار وأهمية وجود الأشعة المرئية وغير المرئية إلا بعد تقدم الدراسات البصرية حديثاً وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الأهمية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان في تلك الآية الكريمة.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. ومَا لا تُبْصِرُونَ).

2- ويظهر الإعجاز العلمي في الآيتين 38، 39 من سورة الحاقة حكمة الله في تعاقب الإبصار وعدم الإبصار كما في قوله تعالى في كتابه المبين:(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة....) سورة الإسراء الآية 12. أي أنه من جوانب الإعجاز الكوني في القرآن الكريم تعاقب وتداخل الليل والنهار. فلا الحياة كلها مظلمة لا تبصر العين فيها لعدم سقوط الأشعة المرئية ولا هي كلها نهار مضيء تبصر العين فيه، بل إن الله جلت قدرته وزع الليل والنهار في الكون بما يشهد على عظمته وعلى قدرته في خلقه. والكشف العلمي الحديث لعلوم الإبصار يوضح أن الخلايا البصرية والعصي و المخاريط في الشبكية لها دور هام في عملية الإبصار في الليل و النهار فحكمة الله هو تمكنها من الرؤية في الظروف المختلفة و إلا هلكت أو تأثرت بشدة لو تعرضت إلى ظلام أو إضاءة لفترة طويلة و لتوقفت دورة فيتامين (أ) والريتنول عند تكوين الرودبسن اللازم للرؤية في غياب الضوء.

3- لفت القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، النظر إلى ما توصل إليه العلماء ومازالوا يجدون في مكتشفاتهم البحثية وما توصل له العلم الحديث من تقنيات حديثة ووسائل للرؤية. كما لفت القرآن الكريم النظر إلى أمور لم نكن نبصرها لدقتها كخلايا البكتريا والطحالب والفطريات و كيف تتغذى وتتكاثر الميكروبات في أجسامنا وكيف تتصدى لها كريات الدم البيضاء وأجهزة المناعة وكيف أن النطفة والبويضة ضروريان للحمل. فهكذا تلفت الآيتان الكريمتان قبل قرون عديدة أنظار العلماء و أفكارهم إلى ما خفي عليهم من عظيم آيات الله في الكون مبشرة برؤية ما لم نكن نراه سابقاً.

4- والآية الكريمة أيضا تحث على طلب العلم والدعوة للاستمرار في البحث في أمور الدنيا لاستكشاف ما خفي على الناس مما يقرب العباد من الله و يصلهم به، فزيادة الإيمان تتأتى بالتفكر في آيات الله المنظورة في خلق الله في السماوات والأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى.
والذي يؤكد أن الفكر الإسلامي فكر علمي مطالبة القرآن الإنسان أن يستعمل فكره وعقله في أوسع مدى يستطيعه (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ)، ففي النظر إلى السموات قال تعالى (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وزَيَّنَّاهَا).(18)
وإلى إحياء الأرض بعد موتها قال تعالى) فَانظُرْ إلَى آثَارِ رَحْمَتِ الله كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)(19)
وإلى ابتداء الخلق قال تعالى(قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بدأ الخلق)(20)
وإلى خلق الله تعالى فقال سبحانه (أَفَلا يَنظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )(21) وإلى خلق الإنسان فقال سبحانه (فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ)(22) [ الطارق: 5]
وإلى الأمم السابقة (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً)(23) [ الروم : 9]
وفي لفت نظر الإنسان إلى طعامه، ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبا) [عبس 24-31].
وإلى التدبر في عظيم صنعه في الإنسان: ( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) [ الذريات : 20،21].
ومما أحدثته التقنيات الحديثة، الكشف عما لم يكن يراه الإنسان من قرون مضت مثل التطور الهائل في علم الفضاء حيث لم يكن الإنسان يبصر الأجرام السماوية ويرى تفاصيل النجوم والكواكب ولا يزال هناك الكثير المجهول من المجرات السماوية الأخرى. و يبصر الإنسان ويكتشف كل يوم ما كان يجهله من آلاف السنين كاستخدام المناظير الضوئية و الميكروسكوبات الإلكترونية التي مكنت الإنسان من رؤية أدق التفاصيل في أجهزة الجسم وأحدثت ثورة في التشخيص المبكر للآلام والأورام. وكلما تقدمت التقنيات الحديثة في عملية الإبصار فإنها تساعد في عملية البحث والتنقيب وإظهار ما كان في عالم غير مرئي. و هذا هو ما أشار القرآن الكريم كتاب الله المبين إليه منذ أربعة عشر قرنا من الزمان وأنه ما كان خافيا على الأجيال السابقة أصبح واضحا جليا للأجيال الحالية والقادمة مما يحث العلماء و يحفز هممهم إلى بذل الجهد و الوقت و المال لاستجلاء المزيد مما لانزال نجهله و لا نبصره.

5- أنبأ القرآن الكريم بأن الإنسان سيعلم النشأة الأولى للأشياء يوم لم يكن الإنسان يعرف شيئاً ، يذكر عن هذه النشأة : (ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ)(24) ومنذ القرن الثامن عشر وحتى اليوم بدأ العلم يكشف مكونات الأشياء ، كما أنبأ القرآن الكريم بأن للذرة وزناً وبأنه توجد أشياء أصغر من الذرة لها وزن. واكتشف الإنسان منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم، الذرة وجزيئات الذرة، ووجد لبعضها وزناً: ( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) [سبأ : 3] .
وأصبح الإنسان يبصر تفاعل الجزيئات لتكوين جزيئات جديدة باستخدام ما يشبه الكاميرا والتي تعمل بأشعة الليزر في زمان منتهاه في الصفر يبلغ 10-15 من الثانية ما يسمى (الفتو) وهو الاكتشاف العلمي للعالم أحمد زويل وهو فتح جديد نبصر ما لم يبصر من قبل.
وقد أنبأ القرآن الكريم بأن السماوات والأرض قائمة على نظام أسماه بالحق (خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) ( النحل : 3) ومنذ القرن السابع عشر وحتى اليوم لا يزال العلم يكتشف الكثير عن النظام الذي قامت عليه السماوات والأرض ، وقد اختصرها العلم اليوم بالقوى الرئيسية الأربع في الكون: قوة الجاذبية ، والقوة الكهرمغناطيسية ، والقوة النووية القوية ، والقوة النووية الضعيفة ، وأقسم المولى بأن هناك أشياء مرئية وغير مرئية ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون) الحاقة : 38، 39 . ومنذ القرن السابع عشر وحتى اليوم لا يزال العلم يكتشف قوى مرئية وغير مرئية (فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون. و له الحمد في السموات و الأرض و عشيا و حين تظهرون) [ الروم 17، 18].
 
الإحساس بالألم بين الطب والقرآن

كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون أن الجسم كله حساس للآلام، ولم يكن واضحًا لأحد يومذاك أن هناك أعصابًا متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الألم، حتى كشف علم التشريح اليوم دور النهايات العصبية المتخصصة في نقل أنواع الآلام المختلفة.

وسنرى فيما يعرضه هذا البحث من الحقائق العلمية ما يناقض ذلك الاعتقاد الذي كان سائدًا وقت التنزيل وإلى زمن قريب جدًّا. وبمقارنة تلك الحقائق العلمية مع ما ورد في القرآن الكريم من الإشارات العلمية حول الجلد وكونه مختصًّا بنقل الإحساسات المتنوعة، يتأكد لنا أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله خالق الكون ومبدع الإنسان، وأنه هو الذي أوحى بتلك الحقائق إلى نبيه محمد ـ عليه الصلاة والسلام.
النصوص التي وردت في الموضوع:
قال الله ـ تعالى ـ عن عذاب الكافرين يوم القيامة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 56).
وقال تعالى: (وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ) (محمد: 15).
تفسير الآية الأولى:
قال الطبري في تأويل قوله تعالى: (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) سوف ننضجهم في نار يُصلَوْن فيها، أي يشوون فيها، (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم) كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) يعني غير الجلود التي قد نضجت فانشوت (لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته بما كانوا في الدنيا يكذبون آيات الله ويجحدونها(1).
وقال الزمخشري: ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كقولك للعزيز: (أعزك الله؛ أي أدامك على عزك وزادك فيه)(2).
تفسير الآية الثانية:
قال القرطبي: (وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا) أي حارًّا شديد الغليان إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من أدبارهم.
والأمعاء: جمع معي، والتثنية: معيان، وهو جميع ما في البطن من الحوايا(3).
وقال الطبري: وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاءهم(4)، كما ذكر مثله الشوكاني في فتح القدير(5) وابن كثير في تفسيره(6).
الجلد وعذاب النار
الحقائق العلمية حول الجلد:
إذا ألقينا نظرة على خارطة الجلد نجد قدرة الخالق ـ جل وعلا ـ تتجلى في الشكل البديع(7) (انظر الشكل رقم 1) الذي يوضح كيف تتوزع أعصاب الإحساس في جلد الإنسان، حيث نجد أن هناك ما يقرب من خمسة عشر مركزًا لمختلف أنواع الإحساس العصبي قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح، وقد حمل بعضها أسماء مكتشفيها.
وقد قسم علماء الطب الإحساس إلى ثلاث مستويات:
أ ـ إحساس سطحي.
ب ـ إحساس عميق.
ج ـ إحساس مركب.
شكل رقم (1): هذا الشكل يبين تركيب جلد الإنسان
ويختص الإحساس السطحي باللمس والألم والحرارة، أما الإحساس العميق فيختص بالعضلات والمفاصل. أي إحساس الوضع أو التقبل الذاتي PROPRIOCEPTION)).وكذلك ألم العضلات العميق وتحسس الاهتزاز PALLESTHESIA)).
والآلية الحسية لكلا الإحساسين: السطحي والعميق، تشمل التعرف وتسمية الأشياء المعروفة والموضوعة في اليد، أي حاسة معرفة الأشياء باللمس (STEREOGNOSIS). وكذلك حاسة الإدراك الموضعي TOPOGNOSIS))، أي المقدرة على تحديد مواضع الإحساس أو التنبيه الجلدي.
والإحساس باللمس: أي معرفة الأشياء باللمس، ويعتمد على سلامة قشرة المخ، أو لحاء المخ.
وهناك ما يعرف بتقسيم د. هد HEAD, S CLASSIFICATION)) حيث قسم الإحساس الجلدي إلى مجموعتين:
إحساس دقيق (EPICRITIC) يختص بتمييز حاسة اللمس الخفيف والفرق البسيط في الحرارة.
وإحساس أوّلي PROTOPATHIC) ) ويختص بالألم، ودرجة الحرارة الشديدة.
وكل إحساس منهما يعمل بنوع مختلف من الوحدات العصبية، وقد بنى استنتاجه هذا على ملاحظاته لتجدد الأعصاب، الذي يعقب الإصابة، حيث وجد أن الإحساس الأوّلي PROTOPATHIC)) يعود سريعًا أي خلال عشرة أسابيع، بينما الإحساس الدقيق يبقى معطلاً لمدة سنة أو سنتين، أو ربما لا يعود نهائيًّا.
خلايا التغيرات البيئية:
توجد خلايا مخصصة لاكتشاف التغيرات الخاصة في البيئة RECEPTORS))، وهي تنقسم إلى أربعة أنواع:
ـ خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية: EXTEROCEPTORS))، وهي مخصصة لحاسة اللمس، وتشتمل على جسيمات (مايسنر) MEISSNERS CORPUSCLES)) وجسيمات (ميركل) MERKELS CORPUSCLES)).
ـ خلايا الشعر، ونهاية بصيلات كروز:
ERAUSE END BULBES))، وهي مخصصة للحرارة.
ـ نهايات الأعصاب الإرادية أو الحرّة للإحساس بالألم.
(انظر الشكل رقم 2)
شكل رقم (2): الأشكال توضح نهايات العصب الحسي وهي متقبلات خارجية (مستقبلات)
وقد أثبت التشريح أن الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربة جدًّا، كما بين الطريق الذي تسلكه الألياف العصبية الناقلة للألم والحرارة حيث تدخل النخاع الشوكي (SPINAL CORD) وبعده إلى المخيخ EEREBELLUM)) ثم إلى الدماغ المتوسط MID BRAIN)) ومنه إلى المهاد (THALAMUS) ثم إلى تلافيف الفص المهادي للمخ GYRUS OF PARIETAL LOBE)).
ونخلص من هذا إلى أن الجلد من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساسًا بالألم، نظرًا لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة. انظر الشكلين (3، 4).
شكل رقم (3):القسم المركزي والمحيطي للجهاز العصبي حيث يتكون الجهاز العصبي المركزي من الدماغ والحبل الشوكي، ويتكون الجهاز العصبي المحيطي من الأعصاب القحفية والشوكية.

شكل رقم (4): يوضح هذا الشكل الممر الحسي للألم والحرارة
درجات الحروق وأنواعها:
لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروق من الدرجة الأولى، وحروق من الدرجة الثانية.
وجميعها تنقسم إلى حروق سطحية، وحروق عميقة، ثم حروق من الدرجة الثالثة.
ولو ألقينا نظرة إلى ما يصيب الجلد نتيجة لهذه الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة الأولى تصيب طبقة البشرة القرنية، وتظهر على هيئة التهاب جلدي.
ويسمى أيضًا الحرق الحمامي، وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية، ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام.
ولو انتقلنا إلى حروق الدرجة الثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسيًا وجافًّا.
وفي هذه الحالة فإن المصاب لا يحس بالألم كثيرًا، لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق.
ونعود الآن إلى حروق الدرجة الثانية، وهي تنقسم إلى قسمين:
1 ـ سطحي.
2 ـ عميق.
يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج، وكذلك الأدمة ـ طبقة باطن الجلد ـ التي تحت البشرة.
ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات(8) بين هاتين الطبقتين، وتتكون كذلك النفط(9) تحت البشرة وهي مليئة بسوائل تشبه سوائل البلازما أو مصل الدم.
ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة، وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم، نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة. ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة طبقات نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الأمعاء.
الأحشاء وعذاب يوم القيامة:
وكما يتعرض الكفار لعذاب النار من الخارج عن طريق الجلد، فإنهم يتعرضون لعذاب داخلي من نوع آخر، عن طريق سقيهم بماء حميم، إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم، فإذا شربوا قطع أمعاءهم وأخرجها من أدبارهم، قال تعالى: (وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ) (محمد: 15).
لقد كشف علم التشريح أن الأمعاء الدقيقة هي أطول جزء في الجهاز الهضمي ـ يصل طولها إلى خمسة أمتار ـ ويتكون جدارها من ثلاث طبقات:
1 ـ الطبقة الخارجية:
وهي الطبقة المصلية: وهي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي.
2 ـ الطبقة الوسطى:
وهي الطبقة العضلية: التي تتكون بدورها من طبقتين:
أ ـ طبقة خارجية: تتكون من عضلات طولية.
ب ـ طبقة داخلية: تتكون من عضلات دائرية.
3 ـ الطبقة الداخلية وتسمى بالطبقة المخاطية:
وتتكون من صفيحة عضلية مخاطية، ونسيج تحت الغشاء المخاطي، وثنايا دائرية أو حلقية محمّلة بالزغب، وتحتوي على غدد معوية وحويصلات لمفاوية.
ونجد أن هذا الإبداع الإلهي في التكوين والتركيب جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات الداخلة إليها، التي يمكن أن تحدث آلامًا، منها آلام الإحساس بالحرارة.
فتجويف البطن مبطّن بالبريتون (الصفاق) الذي يبلغ حجمه (20.400سم مكعب) ويساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم، وهو ما يسمى بالصفاق الجداري، وأما الذي يغطي الأحشاء، فإنه يسمى الصفاق الحشوي. (انظر الشكل رقم 5)




شكل رقم (5): هذا الشكل يوضح طبقات الأمعاء الدقيقة وتركيب الزغابات المعوية



أما الجزء الموجود بين الصفاق الجداري والطبقة المصلية للأحشاء فيسمى المساريقا، وبه عدد كبير من جسيمات (باسيني).
والمساريقا تشبه الصفيحة المكونة من ورقتين مزدوجتين تمر بينهما الأعصاب والأوعية اللمفاوية والدموية. فمتلقيات الألم RECEPTORS)) والوحدات الحسية الأخرى الموجودة في الأحشاء تشبه تلك الموجودة في الجلد، لكن هناك اختلافات بيّنة في توزيعها.
فالأحشاء لا يوجد بها أعصاب التقبل الذاتي (PROPPIOCEPTORS)، ولكن يوجد فيها عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارة واللمس. لذا فإنه عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي، ويفتح البطن ونمسك الأمعاء أو نقطعها أو حتى نحرقها لا ينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بألم.
ولكن عندما تتقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان)(10) الذي ينفذ منها إلى التجويف المحيط بالأحشاء والغني بالأعصاب الحاسة ـ فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده.
أوجه الإعجاز:
(أ‌)بيّن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن الجلد محل العذاب فربط ـ جل وعلا ـ بين الجلد والإحساس بالألم في قوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) فتبين بذلك أن الجلد وسيلة إحساس الكافرين بعذاب النار.
وأنه حينما ينضج الجلد ويحترق ويفقد تركيبه ووظيفته ويتلاشى الإحساس بألم العذاب يستبدل بجلد جديد مكتمل التركيب تام الوظيفة، تقوم فيه النهايات العصبية ـ المتخصصة بالإحساس بالحرارة وبآلام الحريق ـ بأداء دورها ومهمتها، لتجعل هذا الإنسان الكافر بآيات الله تعالى يذوق عذاب الاحتراق بالنار.
ولقد كشف العلم الحديث أن النهايات العصبية المتخصصة للإحساس بالحرارة وآلام الحريق لا توجد بكثافة إلا في الجلد، وما كان بوسع أحد من البشر قبل اختراع المجهر وتقدم علم التشريح الدقيق أن يعرف هذه الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا.. وهكذا تتجلى المعجزة وتظهر آيات الله تعالى.
(ب‌)هدّد القرآن الكريم الكفار بالعذاب بماء حميم يقطع أمعاءهم، واتضح السر في هذا التهديد أخيرًا باكتشاف أن الأمعاء لا تتأثر بالحرارة، ولكنها إذا قطعت خرج منها الماء الحميم إلى البريتون الجداري، الذي يغذَّى بأعصاب الجدار التي تغذي الجلد وعضلات الصدر والبطن، وتتأثر هذه الأعصاب باللمس أو الحرارة فيسبب الحميم بعد تقطيع الأمعاء أعلى درجات الألم.
أما العذاب عن طريق الجلد فيختلف عن ذلك لاختلاف طبيعة تركيب الجلد، فلا يكون استمرار الإحساس بالعذاب في الجلد إذا نضج ـ إلا بتجديد جلد جديد.
فاختلاف الوصف لكيفية تحقيق العذاب بالنار من الخارج: عن طريق تبديل الجلد كلما نضج، ومن الداخل: بتقطيع الأمعاء بالحميم، والذي أثبته العلم الحديث يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم في هذين المجالين. ذلك أن القرآن الكريم كلام الخالق العليم الذي يعلم دقائق تركيب الإنسان وأسراره. وهكذا يتجلى الإعجاز العلمي في الإحساس بالألم بالتوافق بين حقائق الطب ومعجزات القرآن الكريم.
 
لإعجاز العلمي للسنة النبوية في أسرار مسواك عود الآراك
وتأثيره على صحة الفم ومناعة الخلايا البشرية

لقد صح عن اهل العلم أنه قد ذكر في السواك زيادة من مائة حديث صحيح. فالنبي صلى الله عليه وسلم حث على السواك والمواظبة على استخدامة حيث قال: " لولا أن أشق على أمتي أو على الناس للأمرتهم بالسواك مع كل صلاة." ولقد أثبتت الأبحاث وجود ما لا يقل عن 182 نبتة أو شجرة مختلفة الفصائل والتي تستخدم أعوادها لتحضير المسواك, من هذه الأشجار يوجد ما لا يقل عن 158 نبتة في قارة أفريقيا وحدها . وأشهر هذه الأشجار على الاطلاق وأكثرها شيوعا واستخداما هي شجرة الأراك. وفي البحث العلمي الذي أجريته وبعد مقارنة تأثير مسواك اعواد الاراك مع فرشاة الاسنان فيما يخص صحة اللثة والقدرة على ازالة طبقات اللويحة السنية المتواجدة في الشق اللثوي وعلى اسطح الاسنان فقد اظهرت النتائج التالي:
· وجد أن انخفاض معدلات ومستويات تواجد اللويحة السنية (Dental plaque) , والتي كانت في مرحلة استخدام المسواك كانت أعلى مما وجد خلال مرحلة فرشاة الاسنان.
· كذلك فقد وجد ان انخفاض معدلات ومستويات المقاييس الخاصة بصحة اللثة (Gingival inflamations), والتي كانت في مرحلة استعمال المسواك كانت تفوق ما وجد خلال مرحلة استعمال فرشاة الأسنان .ولقد كان ذلك الانخفاض واضحا وبفارق كبير لصالح المسواك.
ولقد قمنا ايضا بدراسة تأثير استخدام مسواك عود الاراك وفرشاة الأسنان على عدد من انواع البكتيريا الفموية المتواجده ضمن اللويحة اللثوية بالشق اللثوي. فباستخدام تقنية الحامض النووي الوراثي درسنا مدى تأثير استخدام مسواك عود الاراك على مستويات البكتيريا الفموية وللمرة الاولى على مستوى العالم . فلقد لوحظ أنه بعد نهاية مرحلة استخدام المسواك كان المشاركين يحملون عدداً اقل من البكتيريا المسماة Actinomycetemcomitan)ِِActinobacillus ) واختصارها (A.a) اذا ما قورن بالعدد قبل بداية هذه المرحلة. ووجد ان الفارق هنا يعتبر فارقا احصائيا حقيقيا (P<0.05). بينما كان لا يوجد اي فارق حقيقي في العدد بين انواع البكتيريا ال 11 المتبقية في كلا المرحلتين. وهذه النتيجة تؤاكد ان استخدام اعواد المسواك تقلل من تواجد هذا النوع من البكتيريا الفموية (A.a) والذي يعتبر من اشرس انواع الميكروبات والسبب الرئيسي لعدد كبير من امراض اللثة والعظم المحيط بها. تأثير خلاصة المسواك: لقد أثبتت النتائج أن لخلاصة مسواك عود الاراك تأثيرا قاتلا على البكتيريا الفموية المسماة Actinomycetemcomitan)ِِActinobacillus ) واختصارها (A.a) .وهذه المعلومة تسجل للمرة الاولى على مستوى المعرفة الطبية وهذا يعتبر حقا نطالب بحفظه في المحافل العالمية. ففي الصحن المحتوي على تلك البكتيريا, نجد ان نمو هذه البكتيريا يتوقف كلياً اذا اصبح على بعد 10ملم من قطعة عود الارك المغروسة في منتصف الوسط الحاوي للبكتيريا النامية. وهذا يعني ان نمو هذه البكتيريا قد تأثر بوجود عود الاراك الذي ابطل نموها اواستطاع ان يعطل عملية النمو التي تقوم بها هذه البكتيريا في الضروف الملائمة لذلك. بهذا أثبتت التجارب المخبرية قدرة خلاصة مسواك عود الاراك على حماية الخلايا الانسانية المناعية (Monocytes) من الموت فيما لو تم تعريضها الى سموم اشرس انواع البكتيريا الفموية (A.a). ففي هذه التجربة تم تعريض الخلايا البشرية المناعية الى سموم هذه البكتيريا مرة بدون اضافة اي مادة اخرى ومرة اخرى في وجود خلاصة مسواك عود الاراك (80%) لمدة 60 دقيقة. ولقد تم قراءة مؤاثرات السموم عن طريق دراسة افرازات انزيم اللاكتيت ديهايدروجينيز (LDH- activity) الذي يفرز من الخلايا الانسانية الميتة. ومن هذه التجربة نلاحظ ان وجود عصارة مسواك عود الاراك كان لها تأثيراً قوي جدا في حماية الخلايا البشرية عند تعريضها لسموم البكتيريا من الموت المحقق الذي كان ضاهرا من خلال التجربة حينما وضعت الخلايا مع السموم لوحدها وكان مصيرها الموت. وبهذا فاننا نرى انها تعمل كالجهاز المناعي وتعمل على تقوية قدرة هذه الخلايا على التغلب على السموم التي تعترضها وهذا يعتبر مفتاحا جديدا للعديد من ابواب البحث واتقصي لتبيان السبب الحقيقي وراء هذا التأثير.
ان الدراسة التي بين ايدينا اظهرت بما لا شك فيه أن هناك مواد يتم افرازها من مسواك اعواد الاراك لها القدرة لتثبيط وايقاف نمو البكتيريا الفموية المسماة Actinomycetemcomitan)ِِActinobacillus ). وبهذه الخاصية يكون لها القدرة على حماية الخلايا البشرية المناعية من الموت فيما لو تم الهجوم عليها من السموم القاتلة المفرزة من هذه البكتيريا. وعملية الحماية هذه تحتاج الى استمرار في البحث والتحري للوصول الى التفسير الحقيقي وراء هذه القدره العجيبة وهل التأثير كان على سموم البكتيريا ام انه كان لها تأثير في تغير محتويات الخلية الانسانية وزيادة مناعتها ضد خطر السموم. ولقد تم نشر هذه الابحاث ونتائجها في مجلات علمية طبية معروفة عالميا وهي موجودة على محرك البحث الطبي العالمي المعروف(Pub Med).

 
أسرار الحبة السوداء تتجلى في الطب الحديث


سمع أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّام) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ الْمَوْتُ، وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ). رواه البخاري.
لم تنل الحبة السوداء من الاهتمام مثلما نالت خلال العامين الماضيين، فقد كانت هناك دراسات قليلة تنشر من حين إلى آخر. إلا أنه، وخلال العامين المنصرمين، نشرت عشرات الدراسات العلمية في المجلات العالمية الموثقة. ورغم أن معظمها أجري على الحيوانات ـ إلا أن هذا الكم من الدراسات المنشورة من الشرق والغرب والتنوع العجيب في فوائد الحبة السوداء أمر يثير الاهتمام حقٌّا، كيف لا والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: (عليكم بالحبة السوداء، فإن فيها دواء من كل داء إلا السام)، وهو الموت.
وقد أظهرت الدراسات المخبرية أن الحبة السوداء تقوي جهاز المناعة، وبالتالي تزيد من قدرة الجسم على مقاومة الجراثيم والفيروسات التي تفتك به، كما تزيد من قدرة الجسم على مقاومة السرطان، وتستعمل الآن الحبة السوداء ممزوجة مع العسل في معهد أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الدكتور أحمد القاضي والدكتور أسامة قنديل في علاج حالات السرطان والإيدز المتقدمة.
وكانت دراسة أجريت في جامعة Kings College في لندن، ونشرت عام 1997 ـ قد بينت أن زيت الحبة السوداء يحتوي على نوعين من الزيوت:
الزيت الطيار بنسبة 0.45% (ويحتوي على المادة الفعالة وتدعى الثيموكينون).
الزيت الثابت: بنسبة 33%.
وأكد الباحثون أن زيت الحبة السوداء الطيار فعال في تخفيف الالتهابات في داء المفاصل نظير الرثواني.
وأكدت الدراسة التي أجريت في جامعة Kings College في لندن قدرة الحبة السوداء في تثبيط نمو بعض الجراثيم، إضافة إلى تأثيرها المضاد للالتهابات.
وهناك دراسات تشير إلى فائدة الحبة السوداء في علاج الربو القصبي والتهاب القصبات. ودراسات أخرى أظهرت أن خلاصة الحبة السوداء استطاعت تثبيط نمو خلايا بعض أنواع السرطان كسرطان الثدي وسرطان البروستات، وسرطان الخلايا القتامينية الجلدي.
ودراسات تبين أن الحبة السوداء تزيد قوة الخلايا البالعة على التهام نوع من الفطور يدعى (فطر المبيضات البيض).
وسنستعرض في هذا البحث عددًا من الدراسات الحديثة التي نشرت في هذا المجال.
الحبة السوداء وقاية من تخرب الكبد:
من المعلوم أن زيت الحبة السوداء يملك تأثيرات وقائية للكبد تحميه من بعض أنواع التسممات الكبدية. ومن المعروف أيضًا أن الحبة السوداء نفسها تستخدم في الطب الشعبي في علاج أمراض الكبد.
ولهذا قام الدكتور (الغامدي) من جامعة الملك فيصل في الدمام بإجراء دراسة على الفئران لمعرفة تأثير محلول مائي من الحبة السوداء في وقاية الكبد من مادة سامة تدعى رابع كلور الكربون (Carbon tetrachloride).
وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة (Am J Clin Med) في شهر مايو 2003م.
وتبين أن إعطاء محلول الحبة السوداء قد أدى إلى الإقلال من التأثيرات السمية لرابع كلور الكربون على الكبد.
فقد كان مســــتوى إنزيمـــات الكبد أقل عند الفئران التي أعطيت الحبة السوداء، كما كان تأثير المادة السامة على أنسجة الكبد أقل وضوحًا(1).
وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة (Phytother Res) في شهر سبتمبر 2003 أكد الباحثون أن الفئران التي أعطيت زيت الحبة السوداء كانت أقل عرضة للإصابة بتخريب الكبد عند إعطائه المواد السامة مثل رابع كلور الكربون(2).
الحبة السوداء... في الوقاية من سرطان الكبد:
وفي دراسة نشرت في عدد أكتوبر 2003 في مجلة (J Carcinog) قام الباحثون من جامعة (Kelaniya) في سريلانكا بإجراء دراسة على 60 فأرًا أحدث عندهم سرطان الكبد بواسطة مادة تدعى (diethylnitrosamine).
وأعطي مجموعة من هذه الفئران مزيجًا من الحبة السوداء وأعشاب أخرى، وتابع الباحثون هذه الفئران لمدة عشرة أسابيع.
وبعدها قاموا بفحص النسيج الكبدي عند الفئران، فوجدوا أن شدة التأثيرات السرطانية كانت أقل بكثير عند الفئران التي عولجت بهذا المزيج المذكور، والذي يشتمل على الحبة السوداء. واستنتج الباحثون أن هذه المواد يمكن أن تسهم في وقاية الكبد من التأثيرات المسرطنة(3).
الحبة السوداء.. وقاية من سرطان القولون:
هل يمكن للحبة السوداء أن تقي من سرطان القولون؟ سؤال طرحه باحثون من جامعة طنطا بمصر، ونشر بحثهم في مجلة Nutr Cancer في شهر فبراير 2003م.
فقد أجرى الباحثون دراسة على 45 فأرًا، وأعطوا مادة كيميائية تسبب سرطان القولون. وأعطي ثلاثون فأرًا زيت الحبة السوداء عن طريق الفم.
وبعد 14 أسبوعًا من بداية التجربة، لاحظ الباحثون عدم وجود أية تغيرات سرطانية في القولون أو الكبد أو الكلى عند الفئران التي أعطيت زيت الحبة السوداء، مما يوحي بأن زيت الحبة السوداء الطيار له القدرة على منع حدوث سرطان القولون(4).
الحبة السوداء.. وسرطان الثدي:
وفي دراسة خرجت من جامعة (جاكسون ميسيسيبي) في الولايات المتحدة ونشرت في مجلة Bio Med Sci Instrum عام 2003، وجد الباحثون أن استعمال خلاصة الحبة السوداء كانت فعالة في تثبيط خلايا سرطان الثدي، مما يفتح الأبواب إلى المزيد من الدراسات في هذا المجال(5).
الحبة السوداء.. ومرض السكر:
وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة (tohoku J Exp Med) في شهر ديسمبر 2003م قام الباحثون من جامعة (يوزنكويل) في تركيا بإجراء دراسة على خمسين فأرًا أحدث عندهم مرض السكر وذلك بإعطائهم مادة تدعى (streptozotocin) داخل البريتوان في البطن.
وقسمت الفئران بعدها إلى مجموعتين: الأولى أعطيت زيت الحبة السوداء الطيار داخل بريتوان البطن يوميٌّا ولمدة ثلاثين يومًا، في حين أعطيت المجموعة الثانية محلولاً ملحيٌّا خاليًا من زيت الحبة السوداء.
ووجد الباحثون أن إعطاء زيت الحبة السوداء للفئران المصابة بمرض السكر قد أدى إلى خفض في سكر الدم عندها، وزيادة مستوى الأنسولين في الدم، كما أدى إلى تكاثر وتنشط في خلايا بيتا (في البنكرياس) والمسؤولة عن إفراز الأنسولين، مما يوحي بأن الحبة السوداء يمكن أن تساعد في علاج مرض السكر(6).
وفي دراسة أخرى من اليابان نشرت في شهر ديسمبر 2002 في مجلة Res Vet Sci وجد الباحثون أن لزيت الحبة السوداء تأثيرًا منشطًا لإفراز الأنسولين عند الفئران التي أحدث عندها مرض السكر، وقد أدى استعمال زيت الحبة السوداء عند هذه الفئران إلى خفض سكر الدم عندها(7).
أما الدكتور محمد الدخاخني فقد نشر بحثًا في مجلة Planta Med في عام 2002 واقترح فيه أن تأثير زيت الحبة السوداء الخافض لسكر الدم ربما لا يكون عن طريق زيادة أنسولين الدم، بل ربما يكون عن طريق تأثير خارج عن البنكرياس، ولكن الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسات العلمية(8).
ومن جامعة (يوزنكو) في تركيا ظهرت دراسة نشرت في عام 2001 وأجريت هذه المرة على الأرانب النيوزيلندية، فقد قسمت الأرانب إلى مجموعتين، أحدث عندها مرض السكر، عولجت الأولى بإعطاء خلاصة الحبة السوداء عن طريق الفم يوميٌّا ولمدة شهرين بعد إحداث مرض السكر.
وجد الباحثون حدوث انخفاض في سكر الدم عند التي عولجت بخلاصة الحبة السوداء، كما ازداد لديها العوامل المضادة للأكسدة، والتي يمكن أن تقلل من حدوث تصلب الشرايين(9).
الحبة السوداء... والأمراض التحسسية:
وفي دراسة أخرى من جامعة (charite) في برلين (ألمانيا) قام الباحثون بإجراء دراسة على 152 مريضًا مصابًا بأمراض تحسسية (التهاب الأنف التحسسي، الربو القصبي، الأكزيما التحسسية) وقد نشرت الدراسة في مجلة (tohoku J Exp Med) في عدد ديسمبر 2003 وعولج هؤلاء المرضى بكبسولات تحتوي على زيت الحبة السوداء بجرعة تراوحت بين 40ـ80 ملغ/ كغ باليوم.
وقد طلب من المرضى أن يسجلوا وفق معايير قياسية خاصة شدة الأعراض عندهم خلال التجربة.
وأجريت معايرة عدة فحوص مخبرية مثل (IgE) تعداد الكريات البيض الحمضية، مستوى الكورتيزول، الكولسترول المفيد والكولسترول الضار.
وقد أكدت نتائج الدراسة تحسن الأعراض عند كل المرضى المصابين بالربو القصبي أو التهاب الأنف التحسسي أو الأكزيما التحسسية، وقد انخفض مستوى الدهون الثلاثية (ترغليسريد) بشكل طفيف، في حين زاد مستوى الكولسترول المفيد بشكل واضح، ولم يحدث أي تأثير يذكر على مستوى الكورتيزول أو كريات البيض اللمفاوية.
واستنتج الباحثون الألمان أن زيت الحبة السوداء فعال ـ كعلاج إضافي ـ في علاج الأمراض التحسسية(10).
الحبة السوداء.. والربو القصبي:
منذ سنين ومستحضرات الحبة السوداء تستخدم في علاج السعال والربو القصبي، فهل من دليل علمي حديث؟
لقد قام باحثون من جامعة الملك سعود بالرياض بدراسة تأثير الثيموكينون (وهو المركب الأساسي الموجود في زيت الحبة السوداء) على قطع من رغامى (Trachea) الخنزير الوحشي Guinea Pig. وأظهرت نتائج الدراسة أن الثيموكينون يرخي من عضلات الرغامى، أي أنه يوسع الرغامى والقصبات، وهذا ما يساعد في علاج الربو القصبي(11).
الحبة السوداء في علاج الإسهال والربو:
من المعروف أن الحبة السوداء تستخدم في علاج الإسهال والربو القصبي منذ مدة طويلة. وقد قام الدكتور (جيلاني) بدراسة تأثير خلاصة الحبة السوداء في المختبر لمعرفة فعلها الموسع للقصبات والمرخي للعضلات Spasmolytic.
وأكدت الدراسة أن لزيت الحبة السوداء تأثيرًا مرخيًا للعضلات وموسعًا للقصبات، بآلية حصر الكالسيوم، مما يعطي قاعدة تفسر التأثير المعروف للحبة السوداء في الطب الشعبي(12).
الحبة السوداء.. والمعدة:
وللحبة السوداء دور وقائي لغشاء المعدة، فقد قام باحثون من جامعة القاهرة بإحداث أذيات في غشاء المعدة عند الفئران، ثم عولجت هذه الفئران بزيت الحبة السوداء أو بالثيموكينون (المادة الفعالة في الحبة السوداء)، وكان تأثيرهما واضحًا في وقاية غشاء المعدة من التأثيرات المخرشة والأذيات الضارة للمعدة(13).
ومن جامعة الإسكندرية ظهر بحث قام به الخبير العالمي الكبير في مجال الحبة السوداء الدكتور محمد الدخاخني. حيث قام ببحث تأثير الحبة السوداء الواقي لغشاء المعدة من التخريشات التي يسببها الكحول عند الفئران. فتبين أن زيت الحبة السوداء قد مارس تأثيرًا واقيًا فعالاً ضد التأثير المخرش للمعدة الذي يحدثه الكحول(14).
الحبة السوداء.. واعتلال الكلية:
أجرى باحثون من جامعة الأزهر دراسة حول تأثير الثيموكينون على اعتلال الكلية، والذي أحدث عند الفئران بواسطة مادة تدعى Doxorubicin. فتبين أن الثيموكينون (المادة الفعالة في الحبة السوداء) قد أدى إلى تثبيط طرح البروتين والألبومين في البول، وأن له فعلاً مضادٌّا للأكسدة يثبط التأثيرات السلبية التي حدثت في الكلية. وهذا ما يوحي بأن الثيموكينون يمكن أن يكون له دور في الوقاية من الاعتلال الكلوي(15).
الحبة السوداء.. وقاية للقلب والشرايين:
من المعروف أن ارتفاع مادة تدعى (هوموسيستين) في الدم تزيد من فرص حدوث مرض شرايين القلب وشرايين الدماغ والأطراف. وقد وجد العلماء أن إعطاء الفيتامينات (حمض الفوليك، فيتامين ب6، فيتامين ب12) قد أدى إلى خفض مستوى الهوموسيستين في الدم.
ومن هنا، قام باحثون في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية بإجراء دراسة لمعرفة تأثير الحبة السوداء على مستوى هوموسيستين الدم. وقد نشرت الدراسة في مجلة Int J Cardiol في شهر يناير 2004م(16).
وقد أعطى الباحثون مجموعة من الفئران مادة (ثيموكينون) (100 ملغ/ كغ)، وهي المادة الفعالة الأساسية في الحبة السوداء لمدة ثلاثين دقيقة، ولمدة أسبوع. ووجد الباحثون أن إعطاء مادة ثيموكينون قد أدى إلى حماية كبيرة ضد حدوث ارتفاع الهوموسيستين (عندما تعطى للفئران مادة ترفع مستوى الهوموسيستين).
ومع ارتفاع الهوموسيستين يحدث ارتفاع واضح في مستوى الدهون الثلاثية والكولسترول وحالة من الأكسدة الضارة للجسم. وقد تبين للباحثين أن إعطاء خلاصة الحبة السوداء قد أدى إلى إحباط تلك التأثيرات الضارة التي ترافق ارتفاع الهوموسيستين. مما يعني أن زيت الحبــة الســــوداء يمكن أن يقي القلب والشرايين من التأثيرات الضارة لارتفاع الهوموســـيستين وما يرافقه من ارتفاع في دهـون الدم. ولا شك أن الأمر بحاجة إلى المزيد من الدراسات في هذا المجال.
الحبة السوداء.. مضاد للأكسدة:
وفي دراسة نشرت في مجلة J Vet Med Clin Med في شهر يونيو 2003، قام الباحثون بإجراء دراسة لمعرفة تأثيرات الحبة السوداء كمضاد للأكسدة عند الفئران التي أعطيت رابع كلوريد الكربون Carbon Tetrachloride.
وأجريت الدراسة على 60 فأرًا، وأعطي عدد من الفئران زيت الحبة السوداء عبر البريتوان في البطن. واستمرت الدراسة لمدة 45 يومًا، ووجد الباحثون أن زيت الحبة السوداء ينقص من معدل تأكسد الدهون Lipid Peroxidation، كما ازداد النشاط المضاد للأكسدة. ومن المعلوم أن مضادات الأكسدة تساعد في وقاية الجسم من تأثير الجذور الحرة التي تساهم في إحداث تخرب في العديد من الأنسجة، وفي عدد من الأمراض مثل تصلب الشرايين والسرطان والخرف وغيرها(17).
كما أكدت دراسة أخرى نشرت في مجلة Drug Chem Toxicol في شهر مايو 2003 وجود التأثير المضاد للأكسدة في زيت الحبة السوداء(18).
الحبة السوداء.. والكولسترول:
قام باحثون من جامعة الملك الحسن الثاني في الدار البيضاء بالمغرب ـ بإجراء دراسة تأثير زيت الحبة السوداء على مستوى الكولسترول وسكر الدم عند الفئران.
حيث أعطيت الفئران 1 ملغ/ كغ من زيت الحبة السوداء الثابت لمدة 12 أسبوعًا. وفي نهاية الدراسة انخفض الكولسترول بنسبة 15%، والدهون الثلاثية (تريغليسريد) بنسبة 22%، وسكر الدم بمقدار 16.5%، وارتفع خضاب الدم بمقدار 17.5%.
وهذا ما يوحي بأن زيت الحبة السوداء يمكن أن يكون فعالاً في خفض كولسترول الدم وسكر الدم عند الإنسان، لكن الأمر بحاجة إلى المزيد من الدراسات عند الإنسان قبل ثبوته(19).
وفي بحث قام الدكتور (محمد الدخاخني) بنشره في مجلة ألمانية في شهر سبتمبر عام 2000 أظهر البحث أن لزيت الحبة السوداء تأثيرًا خافضًا لكولسترول الدم والكولسترول الضار والدهون الثلاثية عند الفئران(20).
الحبة السوداء.. وارتفاع ضغط الدم:
ومن الدار البيضاء في المغرب خرج بحث نشر في مجلة Therapi عام 2000 قام فيه الباحثون بدراسة تأثير خلاصة الحبة السوداء (0.6 مل/ كغ يوميٌّا) المدر للبول والخافض لضغط الدم. فقد انخفض معدل ضغط الدم الوسطي بمقدار 22% عند الفئران التي عولجت بخلاصة الحبة السوداء، في حين انخفض بنسبة 18% عند الفئران التي عولجت بالأدلات (وهو دواء معروف بتأثيره الخافض لضغط الدم). وازداد إفراز البول عند الفئران المعالجة بالحبة السوداء(21).
الحبة السوداء.. والروماتيزم:
طرح باحثون من جامعة آغا خان في باكستان في بحث نشر في شهر سبتمبر 2003 في مجلة Phytother ـ طرحوا سؤالاً:
كيف يمكن للحبة السوداء أن تلعب دورًا في تخفيف الالتهاب في المفاصل عند المصابين بالروماتيزم. والمعروف للأطباء أن هناك مادة تنتجها الخلايا البالعة في الجسم Macrophages، وتدعى أكسيد النتريك Nitric Oxide وتلعب دورًا وسيطًا في العملية الالتهابية. ولقد وجد الباحثون أن خلاصة الحبة السوداء تقوم بتثبيط إنتاج أكسيد النتريك. وربما يفسر ذلك تأثير الحبة السوداء في تخفيف التهابات المفاصل(22).
ومن جامعة الملك فيصل بالدمام، أظهر الدكتور (الغامدي) في بحث نشر في مجلة J. Ethno Pharmacol عام 2001 أن للحبة السوداء تأثيرًا مسكنًا ومضادٌّا للالتهابات المفصلية، مما يفسح المجال أمام المزيد من الدراسات للتعرف على الآلية التي تقوم بها الحبة السوداء بهذا التأثير(23).
الحبة السوداء.. وسيولة الدم:
قام باحثون في جامعة الملك فيصل بالدمام في المملكة العربية السعودية بدراسة تأثير زيت الحبة السوداء على عوامل التخثر عند الفئران التي غذيت من دقيق يحتوي على زيت الحبة السوداء، وقارنوا ذلك بفئران غذيت بدقيق صرف. وكانت النتيجة أن ظهرت بعض التغيرات العابرة في عوامل التخثر، فقد حدث ارتفاع في الفيبرينوجين، وتطاول عابر في زمن البروثرومبين، مما يوحي بأن استعمال زيت الحبة السوداء يمكن أن يؤدي إلى حدوث تغيرات عابرة في عوامل التخثر عند الفئران، ويحتاج الأمر إلى دراسة هذه التأثيرات عند الإنسان(24)
الحبة السوداء.. والجراثيم:
قام الدكتور (مرسي) من جامعة القاهرة بإجراء دراسة نشرت في مجلة Acta Microbiol Pol عام 2000 للتعرف على تأثيرات الحبة السوداء على الجراثيم.
فقام بدراسة 16 نوعًا من الجراثيم سلبية لصبغة غرام، و6 أنواع من الجراثيم الإيجابية لصبغة غرام. فقد أظهر استجابة بعض أنواع الجراثيم لخلاصة الحبة السوداء(25).
الحبة السوداء.. والفطور:
ومن باكستان، من جامعة آغاخان، ظهرت دراسة نشرت في شهر فبراير 2003 في مجلة Phytother Res فقد عولجت الفئران التي أحدثت عندها إصابة بفطور المبيضات البيض Candida Albicans بخلاصة الحبة السوداء.
وتبين للباحثين حدوث تثبيط شديد لنمو فطور المبيضات البيض. ويقول الدكتور خان في ختام بحثه: إن نتائج هذه الدراسة تقول بفعالية زيت الحبة السوداء في علاج الفطور(26).
وبعد.. فهذا غيض من فيض الدراسات الحديثة التي تثبت أن ما جاء به النبي ـ عليه الصلاة والسلام.
 

أسرار العسـل تتجلى فـي الطب الـحـديث

ما نال العسل حقه من اهتمام الباحثين الغربيين خلال العقود الماضية مثلما نال خلال السنتين الماضيتين؛ فقد نشرت عشرات الدراسات العلمية خلال العامين المنصرمين، ولا يكاد يمر أسبوع إلا وتجد دراسة علمية رصينة حول العسل نشرت في المجلات العالمية الموثقة.
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول في كتابه العزيز: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل 68 ـ 69. ووردت في السنة النبوية الشريفة عدة أحاديث تذكر فوائد العسل وتحدد أهميته في العلاج:
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الشفاء في ثلاثة، شربة عسل، وشرطة مِحجم، وكيّة نار وأنهَى أمّتي عن الكيّ) رواه البخاري. وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن) رواه ابن ماجة والحاكم في صحيحه.
وقد أكدت الأبحاث العلمية الحديثة فوائد العسل في عدد من المجالات، ومن أحدث هذه الأبحاث، تلك التي قام بها أستاذ جامعي في جامعة waikato في نيوزيلندة، يدعى البروفيسور (بيتر مولان)، وقد قضى وزملاؤه في مخابر البحث عشرين عامًا في تجاربهم العلمية وفق شروط البحث العلمي السليم ـ على العسل، وخرجوا بعشرات الأبحاث العلمية التي نشرت في أشهر المجلات الطبية في العالم، نشر آخرها في شهر أبريل 2003م، ولم يكن هو الباحث الوحيد في هذا المجال؛ فقد قام عشرات الباحثين بنشر أبحاثهم أيضًا في مجال العسل.
وقلت في نفسي: يا سبحان الله، عالم غير مسلم، وربما لم يعلم بما جاء في القرآن الكريم، يقضي عشرين عامًا في البحث العلمي ليثبت فوائد العسل في علاج الجروح والقروح وغيرها، ثم ينشئ مراكز متخصصة لدراسة فوائد العسل على أمراض المعدة والربو وغير ذلك، وتسخّر له الإمكانات المادية للخروج بتلك الأبحاث، وهي ـ على ما أعتقد ـ من أكثر الأبحاث العلمية التي أجريت على العسل دقة وموضوعية، وهو الآن يحاضر في الجامعات الأمريكية حول العسل، ويستمع إليه المتخصصون بدهشة، بعد أن كانت أمريكا وأوروبا الغربية تتجاهل البحث في العسل. فخلال العشرين سنة الماضية كانت تنشر أبحاث قليلة متفرقة هنا وهناك. إلا أن هذا الباحث النيوزلندي قام بخدمات جُلَّى ـ ربما من حيث لا يدري ـ لإظهار الإعجاز القرآني في موضوع العسل.
وقد استعمل الإنسان العسل في علاج الأمراض منذ قديم الزمان. ومن الاعتقادات الشائعة بين الناس أن مُرَبّي النحل يعمّرون ويحيون حياة صحية مديدة أكثر من غيرهم.
ويذكر المؤرخون أن (فيثاغورث) صاحب نظرية فيثاغورث الشهيرة، قد عاش أكثر من تسعين عامًا، وكان طعامه يتألف من (الخبز والعسل). وأن أبا الطب (أبو قراط) الذي عمّر أكثر من 108 سنوات كان يأكل العسل يوميٌّا.
وفي حفل عشاء للاحتفال بعيد الميلاد المئوي ليوليوس روميليوس، سأله يوليوس قيصر عن سبب قوة صحته العقلية والجسمية حتى تلك السن المتأخرة، فأجاب: (العسل من الداخل والزيت من الخارج).
وقد يقول قائل: تذكرون أيها المسلمون أن قرآنكم جاء بأن في العسل شفاء: **فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ{، ونحن نعلم أن كثيرًا من الأمم القديمة كالفراعنة واليونانيين والرومان كانوا يستعملون العسل في علاجاتهم، كما أن ذكر العسل قد ورد في الكتب السماوية السابقة، فأي إعجاز هنا؟ ونقول لهذا السائل: إن إعجاز آية النحل لا يكمن في ذكر أن العسل شفاء للناس فحسب، ولكن الإعجاز كله يكمن في ثلاثة أمور:
الأول: أن الله تعالى لم يذكر العسل صراحة في الآية فقال: **يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ{ ولم يقل: (يخرج عسل) وترك الله تعالى للإنسان أن يدرس ماذا يخرج من النحل من عسل، وغذاء ملكي، وعكبر، وشمع، وسم نحل. يدرس خصائص هذه المواد ويعلم تركيبها، وهذه هي مرحلة التعرف.
الثاني: أن في هذا الذي يخرج من النحل شفاء: ففي العسل شفاء، وفي غذاء الملكة شفاء، وفي العكبر شفاء، وفي الشمع شفاء، حتى في سم النحل ذاته شفاء. وكيف يتأكد الإنسان أن في هذه المواد شفاء دون أن يبحث فيها ويتدبر، ويجري الدراسات والأبحاث، ليتعرف على الخصائص العلاجية الشافية لهذه المواد. أفي هذه المواد ما يقتل الجراثيم الفتاكة، أم بها مقو للمناعة، أم أنها تشفي العيون والجلد والأسنان، أم سوى ذلك؟ وهذه مرحلة البحث العلمي في المختبرات.
الثالث: قوله تعالى: (شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ) فلم يقل المولى ـ جل في علاه ـ شفاء لكل الناس، بل ترك الأمر مطلقًا ليبحث العلماء عن الأمراض التي جعل الله في هذه المواد لها شفاء.
وفي هذا حث للإنسان أن يقوم بإجراء الدراسات لمعرفة الناس الذين تَشفي أمراضَهم هذه المواد. في كلمات ثلاث (فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ) معجزات ومعجزات: لفت فيها النظر إلى ما يخرج من بطون النحل. ثم قال: إن في هذا وذاك شفاء. وترك الأمر لنا لنعرف من يَشفى بهذا ومن يَشفى بذاك.
في كلمات ثلاث أرسى الله تعالى قواعد البحث العلمي في الطب وعلم الأدوية. فحين يعتقد العلماء أن في نبات ما مادة دوائية، يدرسون تركيبها وخصائصها أولاً، ثم يجرون أبحاثًا في المختبرات، في الأنابيب وعلى حيوانات التجربة، ليتعرفوا على الخصائص الشافية فيها، وهذه هي المرحلة الثانية. ثم ينتقل البحث إلى الإنسان فتجرى الدراسات على أولئك المرضى الذين يمكن أن تكون لهم شفاء. ألم يختم الله تعالى آية النحل بقوله: (إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وفي حديث العسل وقفات عديدة في أبحاث علمية نشرت خلال السنوات القليلة الماضية في مجلات طبية رصينة نقتطف منها هذه الدراسات.
الجراثيم لا تستطيع مقاومة العسل:
هذا هو عنوان مقال نشر في مجلة Lancet Infect Dis في شهر فبراير 2003م، أكد فيه الدكتور Dixon الفعالية القوية للعسل في السيطرة على عدد من الجراثيم التي لا تستطيع الصمود أمام العسل. ودعا الباحث إلى استخدام العسل في علاج الجروح والحروق(1).
يقول البروفيسور (مولان): (إن كل أنواع العسل تعمل في قتل الجراثيم، رغم أن بعضها قد يكون أكثر فعالية من غيرها، وأن العسل يمنع نمو الجراثيم، ويقضي على تلك الجراثيم الموجودة في الجروح)(2).
العسل عامل مهم لالتئام الجروح:
ذلك هو عنوان مقال نشر في مجلة J. Wound Ostomy Continence Nurs في شهر نوفمبر 2002م. يقول كاتب المقال الدكتور Lusby من جامعة (تشارلز تسرت) في استراليا: (رغم أن العسل قد استعمل كعلاج تقليدي في معالجة الجروح والحروق، إلا أن إدخاله كعلاج ضمن المعالجات الطبية الحديثة لم يكن معروفًا من قبل(3).
ويقول الدكتور Kingsley من مستشفى Devon في بريطانيا في مقال نشر في مجلة Br J Nurs في شهر ديسمبر 2001م: (لقد لفتت وسائل الإعلام أنظار الناس إلى فوائد العسل في علاج الجروح، حتى إن المرضى في بريطانيا أصبحوا يطالبون أطباءهم باستخدام العسل في علاج الجروح)(4).
وقد أظهر عدد من الدراسات العلمية أن العسل يمتلك خصائص مضادة للجراثيم في المختبر، كما أكد عدد من الدراسات السريرية أن استعمال العسل في علاج الجروح الملتهبة بشدة قد استطاع تطهير هذه الإنتانات الجرثومية والقضاء عليها، وعجّل في شفاء الجروح.
يقول البروفيسور (مولان) من جامعة Waikato في نيوزلندا: (كان علاج الجروح بالعسل أمرًا أساسيٌّا في القرون السابقة، ولكنه أصبح (موضة قديمة) عندما ظهرت المضادات الحيوية. ولكن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية أخذت بالانتشار وأصبحت مشكلة طبية قائمة. ومن هنا كان بعث العسل من جديد في علاج تلك الحالات)(5).
وقد أكدت الدراسات المخبرية والسريرية أن العسل فعال تجاه عدد واسع من الجراثيم، وليس له أي تأثيرات جانبية ضارة على أنسجة الجرح. وإضافة إلى هذا فإنه يؤمّن تنظيفًا ذاتيٌّا سريعًا للجرح، ويزيل الرائحة منه، ويحفز نمو الأنسجة التي تُلئِم الجروح.
وإن خصائص العسل المضادة للالتهاب تخفف آلام الجروح بسرعة، كما تخفف من الوذمة المحيطة بالجرح، ومن خروج السوائل من الجرح Exudates، وتقلل من ظهور الندبات بعد شفاء الجروح.
وأشارت الأبحاث العلمية إلى أن خواص العسل الفيزيائية والكيميائية (مثل درجة الحموضة والتأثيرات الأُسموزية Osmotic) تلعب دورًا في فعاليته القاتلة للجراثيم. وإضافة إلى هذا فإن العسل يمتلك خواص مضادة للالتهابات anti ـ inflammatory activity ويحفز الاستجابات المناعية داخل الجرح، والنتيجة النهائية هي أن العسل يقاوم الإنتان الجرثومي، ويحفز الالتئام في الجروح والحروق والقروح.
ويضيف كاتب المقال أيضًا أنه قد تم الاعتراف مؤخرًا في استراليا طبيٌّا باستخدام نوعين من العسل (Medi Honey) و(Manuka Honey) لأغراض علاجية(6) (7).
العسل يثبط جرثومة العصيات الزرق (الزائفة):
يقول الدكتور Cooper في مقدمة بحثه الذي نشر في مجلة J Bur Care Rehabil في شهر ديسمبر 2002م: (لأنه لا يوجد علاج مثالي للحروق المصابة بإنتان جرثومي من نوع العصيات الزرق Pseudomonas aeruginosa فإن هناك حاجة ماسة للبحث عن وسائل أخرى فعالة لعلاج هذا الإنتان.
والعسل علاج قديم للجروح، ولكن هناك أدلة متطورة تؤكد فعاليته كمضاد لجرثومة العصيات الزرق. وقد قام الدكتور Cooper وزملاؤه في جامعة كارديف في بريطانيا باختبار حساسية 17 سلالة من سلالات جرثومة العصيات الزرق تم عزلها من حروق مصابة بالإنتان، وذلك تجاه نوعين من أنواع العسل: الأول هو (Pasture Honey)، والثاني هو (Manuka Honey). وقد أكدت نتائج الدراسة أن كل السلالات الجرثومية السابقة الذكر قد استجابت للعلاج بالعسل وبتراكيز قليلة دون 10% (جم/مم). وليس هذا فحسب، بل إن كلا النوعين من العسل احتفظا بفعاليتهما القاتلة للجراثيم، حتى عندما تم تمديد المحلول لأكثر من عشرة أضعاف. وخلص الباحثون إلى القول بإن العسل، بفعاليته المضادة للجراثيم ـ قادر على أن يكون أحد الوسائل العلاجية الفعالة في معالجة الحروق المصابة بإنتان جرثومي بالعصيات الزرق(8).
وكانت نتائج بحث آخر نشر في مجلة J Appl Microbial عام 2002م، قد أكدت على فعالية استخدام العسل في علاج الجروح المصابة بالمكورات الإيجابية الغرام Gram Positive Cocci(9).
استخدام العسل كضماد للجروح:
ففي دراسة نشرت في مجلة Ann Plast Surg في شهر فبراير 2003م، وأجريت على 60 مريضًا هولنديٌّا مصابًا بجروح عميقة مختلفة؛ شملت الجروح المزمنة (21 مريضًا)، والجروح المعقدة (23 مريضًا)، وجروحًا ناجمة عن الرضوض الحادة (16 مريضًا).
أكد الباحثون أن استعمال العسل كان سهلاً في تطبيقه عند كل المرضى إلا واحدًا، وساعد في تنظيف الجروح، ولم يحدث أي تأثير جانبي لاستعماله في علاج تلك الجروح.
وذكر الباحثون أن العديد من الأطباء ما زال يتردد في استخدام العسل كعلاج موضعي للجروح، وذلك لأن البعض يعتقد أن استعمال العسل يبدو غير محبب بسبب لزوجته ودبقه(10).
وينصح الباحثون في مقال نشر في مجلة Arch Surgery عام 2000م ـ باستعمال العسل كواقٍ لحافة الجرح أثناء العمليات الجراحية التي تجرى على الأورام(11).
العسل والحروق:
وفي موضوع الحروق نشرت مجلة Burns عام 1996م دراسة على استعمال العسل في علاج الحروق. قسم المرضى إلى مجموعتين، كل منهما تشمل 50 مريضًا. عولجت المجموعة الأولى بالعسل، في حين عولجت المجموعة الثانية بوضع شرائح البطاطا المسلوقة على الحروق (كمادة طبيعية غير مؤذية). وتبين بنتائج الدراسة أن 90% من الحروق التي عولجت بالعسل أصبحت خالية من أي جراثيم خلال 7 أيام، وتم شفاء الحروق تمامًا في 15 يومًا بنسبة 100%. أما المجموعة الثانية التي عولجت بشرائح البطاطا فقد شفي فقط 50% منهم خلال 15 يومًا.
العسل غني بمضادات الأكسدة:
ففي دراسة نشرت في شهر مارس 2003م في مجلة J Agric Food Chem قارن الباحثون بين تأثير تناول 1.5غ/ كغم من وزن الجسم من شراب الذرة، أو من العسل على الفعالية المضادة للأكسدة. فقد ازدادت محتويات البلازما من مضادات الأكسدة الفينولية بنسبة أعلى بعد تناول العسل ـ عنها بعد تناول شراب الذرة. وقد أشارت الدراسة إلى أن مضادات الأكسدة الفينولية Phenolic الموجودة في العسل فعالة، ويمكن أن تزيد من مقاومة الجسم ضد الإجهاد التأكسدي Oxidative Stress.
ويقدر الباحثون أن الإنسان الأمريكي يتناول سنويٌّا ما يزيد على 70كغم من المُحَلِّيَات، ولهذا فإن استعمال العسل بدلاً من بعض المحليات sweeteners يمكن أن يؤدي إلى زيادة قوة جهاز المقاومة المضاد للأكسدة في جسم الإنسان. ويدعو الدكتور Schramm الأمريكيين إلى استخدام العسل بدلاً من جزء من المحليات المستخدمة يوميٌّا في تحلية الطعام(12).
وفي دراسة حديثة أجريت في فرنسا ونشرت في مجلة J Nutr في شهر نوفمبر 2002م، وأجريت على الفئران التي أعطيت غذاء يحتوي على 65جم/100جم من النشويات على صورة نشاء القمح أو على مزيج من الفركتوز مع الجلوكوز أو على غذاء يحتوي على العسل. وتبين للباحثين أن الفئران التي غذيت على العسل كان لديها مستوى أعلى من مضادات الأكسدة مثل (ألفا توكفرول وغيره). وكانت قلوبها أقل تعرضًا لتأكسد الدهون فيها. ويعلق الباحثون في ختام بحثهم أن الحاجة ماسة لإجراء المزيد من الدراسات لمعرفة الآلية التي يمارس بها العسل خصائصه المضادة للأكسدة(13).
وفي دراسة أخرى قدمت في شهر نوفمبر في مؤتمر Experimental Biology في أورلاندو في 4/4/2001م، استخدم العسل كمصدر للسكريات أثناء التمارين الرياضية في مسابقات ركوب الدراجات، فأُعطي تسعة متسابقين إحدى ثلاث مواد مغذية إضافية (إما العسل، أو محلول السكر، أو محلول خال من السعرات الحرارية) كل أسبوع، ولمدة ثلاثة أسابيع. وأجري فحص القدرة على التحمل كل أسبوع، وشمل هذا الفحص ركوب الدراجة لمسافة 64كم. وقد استطاع الذين تناولوا العسل أن يختصروا مدة قطع تلك المسافة بثلاث دقائق (بالمقارنة مع الذين لم يتناولوا العسل)، كما زاد تناول العسل من قدرة التحمل على ركوب الدراجة بنسبة 6%. وبالطبع فإن هذه الفروق البسيطة لها أهمية كبرى في السباقات الرياضية.
العسل وصحة الفم:
أكد البروفيسور (مولن) في مقال نشر في مجلة Gen Dent في شهر ديسمبر 2001م ـ أن العسل يمكن أن يلعب دورًا في علاج أمراض اللثة، وتقرحات الفم، ومشكلات أخرى في الفم، وذلك بسبب خصائص العسل المضادة للجراثيم(14).
العسل.. في علاج التهاب الأغشية المخاطية الشعاعي:
وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة Support Care Cancer في شهر أبريل 2003م، وأجريت على أربعين مريضًا مصابًا بسرطان في الرأس والرقبة، ويحتاجون إلى معالجة شعاعية ـ قُسّم المرضى إلى مجموعتين، أعطيت الأولى منهما المعالجة الشعاعية، وأما الثانية فأعطيت المعالجة الشعاعية بعد تطبيق العسل موضعيٌّا داخل الفم. فقد أوصي المرضى بتناول 20جرامًا من العسل الصافي قبل المعالجة الشعاعية بـ: 15 دقيقة ، ثم بعد إعطاء الأشعة بـ: 15 دقيقة، ثم بعد 6 ساعات من المعالجة بالأشعة. وأظهرت الدراسة انخفاضًا شديدًا في معدل حدوث التهاب الأغشية المخاطية عند الذين استعملوا العسل (75% في المجموعة الأولى، مقابل 20% في المجموعة الثانية).
وخلص الباحثون إلى القول بأن إعطاء العسل موضعيٌّا أثناء المعالجة الشعاعية، طريقة علاجية فعالة وغير مكلفة لمنع حدوث التهاب الأغشية المخاطية في الفم. ويستحق الأمر إجراء دراسات أكبر وفي مراكز متعددة لتأكيد نتائج هذه الدراسة(15).
العسل في التهاب المعدة والأمعاء:
ففي دراسة نشـــرت بمجلة Pharmacol Res عام 2001م ـ أثبت البـاحثون أن العسـل يمكـن أن يســاعد في علاج التهاب المعـــدة، فقــد أعطيت مجمـوعة من الفئران الكحول لإحــداث تخــريشــات وأذيات في المعدة، ثم أعطيت مجمـــوعة أخرى العسل قبل إعطائها الكحول، فتبين أن العسل استطاع أن يمنع حدوث الأذيات المعدية الناجمة عن الكحول(16).وكانت دراسة سابقة نشرت في المجلة الإسكندنافية للأمراض الهضمية عام 1991م قد أظهرت نتائج مماثلة.
كما قام الباحثون بإجراء دراسة أخرى حول تأثير العسل الطبيعي على الجـرثوم الـــذي ثبت أنـــه يمكــن أن يســــبب قرحة المعدة أو التهاب المعدة والتي تدعى جرثومة Helicobacter Pylori ـ فتبين أن إعطـــاء محلــــول من العسل بتركيز 20% قد استطاع تثبيط ذلك الجرثوم في أطباق المختبر. وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة Trop. Gastroent عام 1991م. ويحتاج الأمر إلى إجراء دراسات على الإنسان.
ومن أوائل الأحاديث التي استوقفتني في موضوع الطب النبوي حديث رواه البخاري ومسلم فقد جاء رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ:
إِنَّ أَخِي استطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم: (اسْقِهِ عَسَلاً)، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلاً فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا استطْلاقًا، فَقَالَ لَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَال: (اسْقِهِ عَسَلاً) فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا استطْلاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ)، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.
فقد نشرت مجلة B M J الإنجليزية الشهيرة عام 1985م دراسة على 169 طفلاً مصابًا بالتهاب المعدة والأمعاء.
وأعطي 80 طفلاً المحلول العادي مضافًا إليه 50مل من العسل بدلاً من سكر العنب (الجلوكوز).
ووجد الباحثون أن الإسهال الناجم عن التهاب المعدة والأمعاء استمر 93 ساعة عند الذين لم يعطوا العسل، في حين شفي الذين أعطوا العسل في وقت أقصر (58 ساعة).
هل للعسل دور في علاج التهاب القولون؟
سؤال طرحه الباحثون من جامعة استنبول، ونشروا نتائج بحثهم في مجلة Dig Surg عام 2002م، وقد أثبت الباحثون أن إعطاء محلول العسل عبر الشرج إلى القولون يعادل في فائدته العلاج بالكورتيزون عند فئران أُحدِث عندها التهاب في القولون. ولكن يعقّب الباحثون على أن هذا الأمر يحتاج إلى المزيد من الأبحاث قبل ثبوته(17).
كمــا أن دراســـة أخـــرى نشـــرت في مجلة Eur J obstet Gynecol Reprod Biol في شهر سبتمبر 2002م ـ أشارت إلى أن إعطاء العسل داخل صفاق البطن للفئران ـ أحدث عندها جروح في البطن وأدى إلى الإقلال من حدوث الالتصاقات داخل الصفاق البريتوني، ولكنها دراسة مبدئية أجريت على الفئران(18).
العسل.. وقاية من التهاب القولون:
هل يمكن للعسل أن يقي من حدوث التهاب القولون عند الفئران؟ هذا هو السؤال الذي طرحه باحثون في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، حيث قاموا بإحداث التهاب القولون عند الفئران بتخريشه بحمض الخل بعد أن أعطيت الفئران العسل والجلوكوز والفركتوز عن طريق الفم والشرج لمدة أربعة أيام. وتبين للباحثين أن العسل قام بدور جيد في وقاية القولون من التخرشات التي يمكن أن يحدثها حمض الخل(19).
العسل وقشرة الرأس:
بما أن للعسل تأثيرًا قاتلاً للجراثيم، ومضادٌّا للفطور، ومضادٌّا للأكسدة، وبما أنه يتمتع بقيمة غذائية عالية ـ فقد قام باحث يدعى الدكتور (Al ـ Waili) بإجراء دراسة لمعرفة تأثير العسل في معالجة التهاب الجلد الدهني وقشرة الرأس.
ونشرت نتائج دراسته في مجلة Eur J Med Res عام 2001م. فقد درس ثلاثين مريضًا مصابًا بالتهاب الجلد الدهني المزمن الذي يصيب فروة الرأس والوجه ومقدم الصدر. وكان عشرون منهم من النساء، وعشرة من الرجال، وتراوحت أعمارهم بين 15 و60 عامًا.
وكانت الآفات الجلدية عندهم تطرح قشورًا بيضاء فوق سطح جلدي محمر. وقد طلب من المرضى وضع محلول ممدد من العسل (90% عسل ممدد في ماء دافئ) كل يومين على المناطق المصابة في الرأس والوجه مع فرك لطيف يستمر من 2 ـ 3 دقائق.
ويترك العسل لمدة ثلاث ساعات قبل غسل العسل بالماء الدافئ. وقد تابع الباحث هؤلاء المرضى يوميٌّا من حيث شكواهم من الحكة والتقشر وسقوط الشعر. واستمر العلاج لمدة 4 أسابيع، وقد استجاب كل المرضى بشكل جيد جدٌّا لهذا العلاج. فقد اختفت الحكة والتقشر خلال أسبوع واحد. كما أن الآفات الجلدية قد شفيت خلال أسبوعين.
ثم تابع المرضى لمدة ستة أشهر أخرى على أن يطبقوا العسل على المنطقة المصابة مرة واحدة في الأسبوع. ولاحظ الباحث أنه لم يحدث نكس في الأعراض عند أي من الـ 15 مريضًا الذين طبقوا العسل موضعيٌّا على مكان الالتهاب الجلدي الدهني مرة واحدة كل أسبوع، في حين عادت الآفات الجلدية للظهور خلال شهرين إلى أربعة أشهر عند 12 مريضًا من أصل 15 مريضًا توقفوا عن العلاج بالعسل.
واستنتج الباحث في ختام دراسته أن العلاج بالعسل موضعيٌّا يمكن أن يحسن أعراض التهاب الجلد الدهني بشكل كبير، ويمنع انتكاس الأعراض إذا ما طبق مرة كل أسبوع(20).
وصدق المولى تعالى حيث يقول: {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ** (69) سورة النحل
 
أوجه من العجاز الفلكي

معجزة إنزال الحديد وبأسه الشديد في القرآن الكريم والفيزياء النووية الفلكية
- النجوم مثلها مثل الكائنات الحية تولد و تعيش وتموت , وتولد النجوم من انفجار مستعرات(supernova) سابقة مكونة من الهيدروجين، وتستمر حياة النجوم بنوعيها (الصغيرة والكبيرة ) بتفاعلات اندماج نووي للهيدروجين يتحول أثناءه الهيدروجين الى هيليوم .
2- وعندما تنتهي محتويات النجم من الهيدروجين ويتحول كلية إلى هيليوم فإن الهيليوم بدورة يدخل فى تفاعلات إندماج نووى جديدة ليتحول إلى الكربون ثم النيتروجين ثم الأكسوجين .........وهكذا.
3- في النجوم الكبيرة تستمر تفاعلات الاندماج النووي للعناصر من خلال ترتيبها في الجدول الدوري للعناصر حتى تصل الى عنصر الحديد.
4- لنواة ذرة الحديد - 56 أعلى قوة ربط نووية ( للنيوكلون ) فى العناصر الطبيعية الغير نشطة إشعاعيا وهى تساوى 8.793 مليون إلكترون فولت.
5- و لذلك فإنه بعد تكون لب النجم من الحديد , فإن الحديد لا يدخل فى تفاعلات اندماج نووي ( نظرا لقوة إرتباط مكونات نواته ), وبالتالى ينهار لب النجم إلى الداخل و تحدث ظاهرة المستعر (supernova) .
6- النجم الذي انتهت حياته (بعد بلايين السنين) فى صورة مستعر , إما أن يتحول إلى نجم نيوترونى ( تتكون مادته من النيوترونات فقط) أو يتحول إلى ثقب أسود ( حسب كتلة النجم الأولى ) .
7- عندما ينفجر النجم في صورة مستعر (supernova) فإنه يلقى (ينزل- يوزع- ينشر- يبعثر – ينثر-يُلقى......ألخ ) بعناصره الثقيلة وغازاته إلى منطقة ما بين النجوم القريبة من موقعة فى المجرة التى كان بها , و هنا تتكون من مادة هذا النجم - الذى إنتهت حياته - نظام نجمى جديد.
8- هكذا حدث موت لأحد النجوم فى مجرة درب التبانة منذ حوالى 5 بليون عام , نتج عنه المجموعة الشمسية بمكوناتها الكلية (الشمس, والكواكب, والنيازك , والشهب ............ألخ ) .
9- تكونت الشمس من غاز الهيدروجين المُلقى من النجم السابق , و تكونت الكواكب الخارجية (المشترى- زحل – أورانوس – نبتون - بلوتو) حول الشمس من غاز الهيدروجين و غازات أخرى , و تكونت الكواكب الداخلية حول الشمس (عطارد- الزهرة- الأرض- المريخ) من غازات وعناصر ثقيلة أهمها الحديد و النيكل .
10- هكذا يتضح مدى دقة التعبير القرآني " وأنزلنا الحديد فيه باسٌ شديد " , و لما كانت هذه المعلومات التي سقناها هنا فى هذه العجالة من موضوع هام جدا فى الفيزياء النووية و الفلكية ألا وهو تخليق العناصر الكيميائية خلال حياة النجوم و موتها , لم يعرف عنها العلم الحديث إلا في القرن العشرين , فإنه بات من الواضح الجلي إن وجود هذه النصوص الإشارية في القران الكريم المنزل على حضرة المصطفى محمد رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) منذ 14 قرنا مضت ليس إلا دليلا على التنزيل و الإعجاز فى أن واحد.

 
أعلى