الإمام الأكبر أبو حنيفة النعمان

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

haythamo

عضو جديد
إنضم
9 أكتوبر 2009
المشاركات
23
مستوى التفاعل
45
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت، قال ابن خلكان: أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطى بن ماه الفقيه الكوفي، مولى تيم الله ابن ثعلبة. وقيل في نسبه أيضًا أنه النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزُبان. ولد سنة ثمانين للهجرة وكان خزَّازًا يبيع الخز وهو نوع من النسيج، طلب العلم في صباه ثم اشتغل بالتدريس والإفتاء، وأدرك ستة من الصحابة وروى عنهم وهم: أنس بن مالك وعبد الله بن أنس، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن أبـي أوفى، وعبد الله بن جزء الزبيدي، ومعقل ابن يسار.
أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان وسمع من عطاء بن أبي رباح وأبي إسحـٰق السّبيعي ومحارب بن دثار والهيثم بن حبيب الصوّاف ومحمد بن المنكدر ونافع، وروى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأبي الحسن زيد بن الحسين رضي الله عنهم، وأبي بكر الزهري.
ويبلغ عدد مشايخه من التابعين الذين روى عنهم نحو المائتين.
ومن تلامذته عُبيد الله بن المبارك ووكيع، وأشهرهم أبو يوسف القاضي ومحمد ابن الحسن الشيباني، وغيرهم كثير.
مناقبه
لم يبلغ الإمام المجتهد أبو حنيفة رضي الله عنه من العلم والمرتبة وقوة الحجة ما بلغ لو لم يكن قوي القريحة متفتح الذهن قوي الحافظة؛ إذ روي عنه من العجائب في القضاء والفقه ما يشهد بتفوقه وذكائه، من ذلك أن رجلاً أتاه وقال له: يا إمام، دفنتُ مالاً مدة طويلة ونسيت الموضع الذي دفنتُهُ فيه، فقال الإمام: اذهب فصَلّ الليلة إلى الغداة فإنك ستذكره إن شاء الله، ففعل الرجل فلم يمضِ إلا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع الذي دفن فيه المال، فجاء إلى أبي حنيفة رضي الله عنه وأخبره بذلك فقال: لقد علمتُ أن الشيطان لا يدعُك تصلي الليل كله، فهلا أتممتَ ليلتك كلها شكرًا لله.
ويروي أصحاب التواريخ والسير والتراجم القصص الكثيرة عن ذكائه وفطنته وقوة قريحته.
لقد كان الإمام رضي الله عنه رجلًا زاهدًا ورعًا تقيًا كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى، فقد روى ابن خلكان في «وفيات الأعيان» عن أسد بن عمرو أنه قال: صلى أبو حنيفة فيما حُفظ عليه صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، وكان عامة ليله يقرأ جميع القرءان في ركعة واحدة، وكان يُسمع بكاؤه في الليل حتى يشفق عليه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرءان في الموضع الذي توفي فيه سبعة ءالاف مرة.
وقال يزيد بن الكُميت: كان أبو حنيفة شديد الخوف من الله، فقرأ بنا علي بن الحسين المؤذن ليلة في العشاء سورة ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ وأبو حنيفة خلفه، فلما قضى الصلاة وخرج الناس نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يتفكر ويتنفس، فلما خرجت تركت القنديل فيه زيت قليل يكاد ينطفئ، فجئت وقد طلع الفجر وهو قائم وقد أخذ بلحيته وهو يقول: يا من يجزي بمثقال ذرة خير خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شرًا، أجِر النعمان عبدك من النار ومما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك، قال: فأذَّنْتُ والقنديل يُزْهر، فلما دخلتُ قال لي: اكتم عليَّ ما رأيت، وركع ركعتين وجلس حتى أقمتُ الصلاة وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل.
وقد أراد الخليفة المنصور أن يوليه القضاء فأبى، فحلف المنصور ليفعلَنَّ، فحلف الإمام ألا يفعل، فقال الربيع بن يونس الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف فقال: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني، وأبى أن يلي.
وروي عن الربيع أنه قال: رأيت المنصور ينازل أبا حنيفة في أمر القضاء فقال أبو حنيفة: اتَّقِ الله ولا تُرعي أمانتك إلا من يخاف الله، والله ما أنا مأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب ولا أصلح لذلك، فقال له المنصور: كذبت، أنت تصلح، فقال له: قد حكمت لي على نفسك، كيف تولي قاضيًا على أمانتك وهو كذّاب وكان يزيد بن عمر بن هُبيرة الفزاري أمير أراده أن يلي القضاء بالكوفة أيام مروان بن الحكم فأبى عليه فضربه مائة وعشرة أسواط في كل يوم عشرة، فلما رأى امتناعه عن القضاء خلَّى سبيله.
علمه وقوة حجته
لقد كان الإمام رضي الله عنه مجتهدًا مطلقًا قوي الحجة. وقد كان في وقته سيف السنة المسلط على رقاب المعتزلة، فقد تتبع مجالسهم في البلاد وناظرهم وأقام عليهم الحجة، وبلغ في علم الكلام (وهو علم التوحيد) أنه كان المشار إليه بين الأنام، وكان معتمد أهل السنة وأشهرهم في الرد على أهل الأهواء ولا سيما المعتزلة. وقد نقل صاحب كتاب «التبصرة البغدادية» عن الإمام أبي عبد الله الصيمري أن الإمام كان متكلم هذه الأمة في زمانه وفقيههم في الحلال والحرام.
ونقل الخطيب في تاريخه عن حرملة بن يحيى عن الشافعي أنه قال: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. وروى كذلك الشافعي أنه قيل لمالك رضي الله عنه: هل رأيت أبا حنيفة فقال: نعم، رأيت رجلًا لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته.
وذكر الخطيب في «تاريخ بغداد» أيضًا أن أبا حنيفة رأى في المنام كأنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث من سأل ابن سيرين فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علمًا لم يسبقه إليه أحد قبله.
عقيدته
كان الإمام رضي الله عنه على عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم إذ التقى ببعضهم وأخذ عنهم، وشأنه شأن غيره من أئمة السلف الذين هم على عقيدة التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشبيه والجسمية والمكان، ويدل على ذلك ما جاء في كتابه «الفقه الأبسط» وهو قوله: «كان الله ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخَلْق، كان ولم يكن أينٌ ولا خَلْق ولا شىء وهو خالق كل شىء».
ومن نفيس كلامه في تنزيه الله تعالى عن كل ما هو من صفات الأجسام قوله في الفقه الأكبر: «يده صفته بلا كيف» أي أن اليد صفة له من غير أن تكون جارحة» وقال أيضًا: «والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، لا جسم ولا عَرَض ولا حَدَّ له ولا ضد ولا ند ولا مثل، لا يشبه شيئًا من خلقه، ولا يشبهه شىء من خلقه، وهو شىء لا كالأشياء».
كما كان أيضًا من المنزهين لله تعالى عن الصوت والحروف واللغة، إذ بَيَّن أن كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي ليس بحرف ولا صوت فقال في «الفقه الأبسط» ما نصه: «ويتكلم لا ككلامنا، نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بلا ءالة ولا حرف، فصفاته غير مخلوقة ولا مُحْدثة، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين، ومن قال إنها مُحدثة أو مخلوقة أو توقف أو شك فهو كافر».

وفي كل هذا بيان ودليل ساطع على أن علم الكلام الذي هو علم التوحيد المتعلق بمعرفة ما يجب لله من الصفات وما يستحيل عليه من الصفات، هو علم ممدوح بدليل أن الإمام أبا حنيفـة رضـي الله عنه كان من أكثر الناس اشتغالًا به في وقته، وكان تبحره في هذا العلم هو سلاحه المشهور على أهل الأهواء والضلال ولا سيما المعتزلة، إذ تتبعهم في البلاد ودحض مزاعمهم وأبطل شبهاتهم وبيَّن زيفهم. إلى هذا فإن كتابيه «الفقه الأكبر» و «الفقه الأبسط» دليل ساطع على خوضه في علم الكلام من خلال إقامته الأدلة العقلية والنقلية على مسائل علم الكلام التي هي على مذهب أهل السنة والجماعة. وفاته
كانت وفاته سنة مائة وخمسين للهجرة، وهي السنة التي وُلد فيها الإمام الشافعي لإحدى عشرة ليلة خلت من جُمادى الأولى فقيل «مات قمر وولد قمر». وقيل مات في السجن لرفضه أن يلي القضاء، وقيل إنه لم يمت في السجن. وقد خرج في جنازته قريب الخمسين ألفًا فصلي عليه ودفن في مقبرة الخيزران في بغداد ، رحمات الله الواسعة عليه.
 
basmallah.jpg

ترجمته
هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر أنس بن الحارث بن غيمان الأصبحي المدني وينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان. جده مالك بن أنس من كبار التابعين وأحد الذين حملوا الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ليلا إلى قبره كما ذكر ذلك القشيري، ووالد جده هو الصحابي أبو مالك الذي شهد المغازي كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا بدرًا، وأما والدة الإمام مالك رضي الله عنه فهي العالية بنت شريك بن عبد الرحمـٰن الأسدية، وأبناؤه هم: يحيى ومحمد وحماد. والإمام مالك هو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المدونة المعروفة والمشهورة في بلاد المسلمين.
ولد في المدينة المنورة سنة خمس وتسعين للهجرة نشأ مُجدًا في التحصيل والرواية وقد أخذ العلم وروى عن عدد كبير من التابعين وتابعيهم الذين يعدون بالمئات نذكر منهم: نافع مولى ابن عمر، وابن شهاب الزهري، وأبا الزناد وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص، ويحيى بن سعيد الأنصاري.

ولقد كان رحمه الله إمام دار الهجرة، فانتشر علمه في الأمصار واشتهر في سائر الأقطار وضربت إليه أكباد الإبل وارتحل الناس إليه من شتى الأنحاء، فكان يدرّس وهو ابن سبع عشرة سنة، فمكث يُفتي ويعلم الناس، حتى إن كثيرًا من مشايخه رووا عنـه كمحمد بن شهاب الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمـٰن فقيه أهل المدينة، ويحيى ابن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة وروى عنه كثير من الرواة حتى إن القاضي عياضًا ألف كتابًا عدَّ فيه ألفًا وثلاثمائة اسم ممن روى عن الإمام رضي الله عنه، أشهرهم سفيان الثوري والإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي وعبد الله بن المبارك. مناقبه
كثير من علماء التابعين قالوا إن الإمام مالكًا رضي الله عنه هو الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة».

ولقد كان الإمام مالك بن أنس معظمًا للعلم حتى إنه إذا أراد أن يحدث توضأ وصلى ركعتين وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن في الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا متمكنًا على طهارة.
وكان الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه معظمًا للنبي صلى الله عليه وسلم موقرًا له، فقد قال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك فقال: «لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه ولقد كنت أرى جعفر بن محمد كان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، ولقد اختلفت إليه زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليًا وإما صامتًا وإما يقرأ القرءان، ولا يتكلم فيما لا يعنيه وكان مِن العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل.
يروى من أن الخليفة هارون الرشيد قدم إلى المدينة المنورة وكان قد بلغه أن الإمام مالكًا يقرأ الموطأ على الناس، فأرسل إليه البرمكي وقال له: اقرأ عليه السلام وقل له يحمل إليَّ الكتاب فيقرأه عليَّ، فأتاه البرمكي فأخبره فقال الإمام رضي الله عنه: اقرأ على أمير المؤمنين السلام وقل له إن العلم يُزَار ولا يزور، وإن العلم يؤتى ولا يأتي، فقصد الرشيد منزل الإمام واستند إلى الجدار فقال له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين، من إجلال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلال العلم.
ولم يكن هذا الفعل من الإمام تكبرًا على الخليفة، بل كان ذلك لمصلحة شرعية هي بيان فضل العلم والعلماء وتعليم الناس سواء كانوا حكامًا أو محكومين أن يُجلّوا العلم ويوقروه ويكون له في نفوسهم رهبة وهيبة، وإلا فالإمام مالك رضي الله عنه كان من أشد أهل عصره تواضعًا ولينًا.
وكان الناس إذا أتوا الإمام مالكًا خرجت إليهم جارية له فتقول لهم: يقول لكم الشيخ تريدون الحديث أو المسائل فإن قالوا المسائل خرج إليهم، وإن قالوا الحديث دخل مغتسله واغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا ولبس ساجه وتعمم ووضع رداءه وتلقى له منصة فيخرج فيجلس عليها وعليه الخشوع ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رحمه الله لا يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في ذلك لمالك فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنًا.
قال الدراوردي رحمه الله: رأيت في المنام أني دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام يعظ الناس إذ دخل عليه مالك فلما رءاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إليَّ إلي» فأقبل حتى دنا منه فنزع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه من أصبعه فوضعه في خنصر مالك رضي الله عنه فأولته بالعلم وكان العلماء يقتدون بعلمه والأمراء يستضيئون برأيه، والعامة منقادين إلى قوله، فكان يأمر فيمتثل بأمره بغير سلطان. ولقد قال الإمام ابن حبان في «الثقات»: كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث ، ولم يروِ إلا ما صح ولا يحدث إلا عن ثقة مع الفقه والدين والفضل والنسك.
ثم إن أقوال الكثيرين من علماء عصره جعلنا نتبين مدى حرصه على دين الله فقد قال الإمام الشافعي عنه: إذا ذكر العلماء فمالك النجم، وقال ابن معين: مالك من حُجج الله على خلقه، وقال يحيى بن سعيد القطان: مالك أمير المؤمنين في الحديث، وقال ابن سعيد: كان مالك ثقة مأمونًا ثبتًا ورعًا فقيهًا عالمًا حجة.
عقيدته
كان الإمام رضي الله عنه مقتديًا بالسنة المطهرة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وأهل بيته، وكان مولده بالمدينة المنورة وتفقهه على علمائها سببًا في اطلاعه بالسنة النبوية المطهرة وأحوال أهل مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم فكان على عقيدة التنزيه لله عن مشابهة الخلق وعن المكان وعن الهيئة والصورة والحركة والانتقال والتغير.
وثبت أن مالكًا أول الأحاديث المتشابهة التي يوهم ظاهرها التجسيم والحركة والانتقال والسكون، ففي تأويل مالك لهذه الأحاديث نقل البيهقي بإسناده عن الأوزاعي ومالك وسفيان والليث بن سعد أنهم سئلوا عن هذه الأحاديث فقالوا: «أمروها كما جاءت بلا كيفية» ذكره في كتابه الأسماء والصفات، وثبت عنه ما رواه البيهقي بإسناد جيد من طريق عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمـٰن على العرش استوى كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء (أي كثرة العرق) ثم رفع رأسه فقال: الرحمـٰن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك إلا صاحب بدعة، أخرجوه فقول مالك: وكيف عنه مرفوع أي ليس استواؤه على عرشه كيفًا أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس ونحوه. وروى البيهقي من طريق يحيى بن يحيى أحد تلاميذ مالك رواية أخرى عن الإمام مالك وهي قوله: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول»، أي أن الاستواء معلوم وروده في القرءان، والكيف غير معقول أي أن الاستواء بمعنى الكيف أي الهيئة كالجلوس لا يعقل أي لا يقبله العقل لكونه من صفات الخلق لأن الجلوس لا يصح إلا من ذي أعضاء أي ألية وركبة وتعالى الله عن ذلك.
وأما رواية «والكيف مجهول» فهي غير صحيحة لم تصح عن أحد من السلف ولم تثبت عن مالك ولا غيره من الأئمة رواية.
وثبت عن مالك التأويل في حديث النزول أنه قال: «نزول رحمة لا نزول نقلة»، وروي عنه كذلك في تأويل هذا الحديث: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له» أي حديث النزول، أنه على سبيل الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة، ليس على معنى الانتقال الحسي من مكان إلى ءاخر.
الموطأ
هو أول كتاب وُضعت فيه الأحاديث مصنفة ومبوبة، ومعناه الممهد كما أنه أول كتاب أُلّف في الحديث والفقه معًا، واستغرق تأليفه أربعين سنة. وقد اشتمل على الكثير من الأسانيد التي حكم المحدثون بأنها أصح الأحاديث.
فقد قال الشافعي في الموطأ: ما ظهر كتاب على الأرض بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك، وفي عصره قيل فيه :« أيفتى ومالك في المدينة».
علمه
سئل مالك رحمه الله عن طلب العلم فقال: «حسن جميل ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه». وكان رحمه الله في تعظيم علم الدين على درجة عالية، حتى إذا أراد أن يحدّث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرّح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظِـّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرادته وجه الله تعالى بالعلم، فقد جاء عن مالك رضي الله عنه أنه سئل ثمانية وأربعين سؤالًا فأجاب عن ستة وقال عن البقية لا أدري.
زهده
أما زهده في الدنيا فكبير، فقد روي أنّ الرشيد سأله: هل لك دار فقال: لا، فأعطاه ثلاثة ءالاف دينار وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها ولم ينفقها، عندها قال الرشيد لمالك رحمه الله: ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ. فقال له: أما حمل الناس على الموطأ فليس إليه سبيل، لأنّ أصحاب الرسول افترقوا في الأمصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم، وأما الخروج معك فلا سبيل إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: «المدينة تنفي خَبَثَها كما ينفي الكير خبث الحديد» متفق عليه. وهذه دنانيركم كما هي إن شئتم فخذوها وإن شئتم فدعوها. يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إليَّ، فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
لقد كان الإمام مالك زاهدًا في أمر الدنيا، وقد أفلح الزاهدون، ولما حُملت إليه الأموال الكثيرة من أطراف الدنيا لانتشار علمه وأصحابه، كان يفرقها في وجوه الخير. ودلّ على زهده سخاؤه وقلة حبه للدنيا، وليس الزهد فقد المال، وإنما الزهد فراغ القلب عنه، ومما يدل على استحقاره للدنيا ما روي عنه أنه قال: «دخلت على هارون الرشيد فقال لي: يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت: أعزّ الله مولانا الأمير، إنَّ هذا العلم منكم خرج، والعلم يؤتى ولا يأتي. فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس.
وفاته
كانت وفاته في المدينة المنورة لعشر خلون من ربيع الأول سنة مائة وتسعة وسبعين للهجرة، ودفن في البقيع بجوار إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم ورثاه العديد من الشعراء منهم جعفربن أحمد السراج بقوله:
سقى جَدَثًا ضمَّ البقيعُ لمالك من المزن مرعاد السحائب مبراقُ
إمام موطاه الذي طبقت به أقاليم في الدنيا فساح وءافاقُ
أقام به شرع النبي محمد له حذر من أن يضام وإشفاقُ
له سند عال صحيح وهيبة فللكل منه حين يرويه إطراقُ
وأصحاب صدق كلهم علم فسل بهم إنهم إن أنت ساءلت حذاق
ولو لم يكن إلا ابن إدريس وحده كفاه ألا إن السعادة أرزاق
رحم الله الإمام مالك بن أنس ونفعنا بعلمه.
 
basmallah.jpg
ترجمته
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، فهو عربي قرشي هاشمي مطلبي، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف.
ولد الشافعي بغزة سنة مائة وخمسين هجرية، وهي نفس السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة.
وروى ياقوت الحموي في معجمه عن الشافعي أنه قال «ولدت باليمن فخافت أمي علي الضيعة، فحملتني إلى مكة وأنا ابن عشر سنين أو شبيه ذلك» وذهب البعض في التوفيق بين الروايتين إلى القول بأنه ولد بغزة، ونشأ بعسقلان وهي بلدة تبعد نحو ثلاثة فراسخ من غزة كانت تسكنها قبائل اليمن.
نشأ الشافعي في أسرة فقيرة، ومات أبوه وهو صغير فانتقلت به أمه إلى مكة لتحافظ على شرف نسبه.
وأمه تدعى فاطمة بنت عبد الله الأزدية نسبة إلى قبيلة الأزد. شب الشافعي فقيرًا ضيق العيش، حتى اضطر وهو يطلب العلم إلى الكتابة على قطع الخزف، وقطع الجلود وسعف النخل وعظام الحيوانات لضيق ذات يده وعدم قدرته على شراء الورق.
حفظ الشافعي القرءان الكريم وهو صغير، وأخذ يحفظ الأحاديث النبوية ويكتبها، ورحل إلى البادية وعاشر قبيلة «هذيل» عشر سنين ليأخذ عنها قواعد اللغة العربية وكلماتها، فحفظ الشافعي أشعار هذيل وأخبارها، وكانت هذيل من القبائل العربية الفصيحة. تعلم الشافعي الرمي إلى جوار العلم، حتى إنه كان يرمي عشرة سهام فلا يخطئ في سهم منها وقال في ذلك: «كانت همتي في شيئين: الرمي والعلم، فصرت في الرمي بحيث أصيب من عشرة عشرة» وسكت، فقال له بعض من سمعه أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي.
الشافعي في مكة
كان الشافعي في أول أمره منصرفًا إلى الشعر والأدب وأيام العرب، ثم قيض الله له من الأسباب ما صرفه إلى الفقه والعلم. وتقول الروايات إنه التقى وهو في طريقه إلى طلب النحو والأدب بمسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة فسأل الشافعي: من أين أنت؟ فقال: من أهل مكة قال: أين منزلك؟ قال: بشعب الخيف، قال: من أي قبيلة أنت فأجاب الشافعي: من عبد مناف قال مسلم: بخ بخ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة، ألا جعلت فهمك هذا في الفقه فكان أحسن لك.
وقد نبغ الشافعي في الفقه على حداثة سنه، وأذن له الزنجي في الإفتاء، ولكن همة الشافعي لم تقنع بما وصل إليه، إذ بلغته أخبار إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه وكان ذلك في الوقت الذي ارتفع فيه اسم مالك في الآفاق وبلغ شأنًا عظيمًا من العلم والحديث.
الشافعي في المدينة المنورة
سمت همة الشافعي للهجرة إلى المدينة في طلب العلم، وأعد لذلك عدته بأن استعار كتاب «موطأ مالك» من رجل في مكة وقرأه وحفظه، ثم سافر إلى المدينة فلما سأله الإمام مالك عن اسمه قال: محمد، فقال له مالك: «يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن، إن الله قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بالمعصية». ثم قال له «إذا ما جاء الغد تجيء ويجيء من يقرأ لك». وأخذ الشافعي يقرأ ومالك يستزيده في القراءة، وظل معه يروي عنه ويتفقه عليه ويدارسه المسائل التي يفتي فيها الإمام الجليل إلى أن مات الإمام مالك سنة مائة وتسع وسبعين هجرية وقد بلغ الشافعي الشباب.
كان الشافعي حريصًا على ملازمة الإمام مالك، ولكنه كان يتحين الوقت بعد الآخر فيقوم برحلات إلى مكة يزور أمه ويستفيد بنصائحها، وكان فيها نبل وحسن فهم، وكان الإمام الشافعي يحب السفر ويرى فيه فوائد جليلة.
وكان يقول:
سأضرب في طول البلاد وعرضها أنال مرادي أو أموت غريبًا
فإن تلفت نفسي فلله درها وإن سلمت كان الرجوع قريبا

وقال الشافعي في فوائد السفر:
سافر تجد عوضًا عمن تفارقه وانصب فإن لذيد العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب

على أن شرف نسب الشافعي لم يقعده عن العمل والسعي في طلب الرزق ليأكل من كد يمينه، ثم ولاّه أحد حكام اليمن عملاً في نجران ظهر فيه ذكاؤه وترفعه عن الظلم فرفض التملق والرشوة التي كانت تقدم لمن سبقه من الحكام.
الشافعي في العراق
كان الشافعي وقت قدومه بغداد في الرابعة والثلاثين من عمره وأقام بها حولين. ثم تفرغ لدراسة العلم والفقه على محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، فاجتمع له بذلك فقه الحجاز الذي يغلب عليه النقل، وفقه العراق الذي يغلب عليه العقل، وهكذا صار الشافعي إمامًا من أئمة الفقه في المعقول والمنقول.
يقول ابن حجر عن الشافعي: «اجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث».
مشايخه:
ومن مشايخه في العراق وكيع بن الجرّاح الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، وإسمـٰعيل بن عطية البصري، وعبد الوهاب بن عبد الحميد البصري. ومن شيوخه في المدينة: مالك بن أنس الأصبحي، وإبراهيم بن سعد الأنصاري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وإبراهيم بن يحيى الأسامي، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك وعبد الله بن نافع الصائغ.
ومن شيوخه في اليمن: مطرف بن مازن وهشام بن يوسف قاضي صنعاء وعمر ابن أبي مسلمة صاحب الأوزاعي ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سعد. الشافعي وأحمد بن حنبل
ولما عاد إلى مكة يلقي دروسه في الحرم المكي، والتقى به أكابر العلماء في موسم الحج، واستمعوا إليه، ثم التقى بأحمد بن حنبل العالم الجليل، فلما سُئل عن الشافعي قال: «لقد منّ الله به علينا، ولقد جالسناه الأيام والليالي فما رأينا منه إلا كل خير رحمة الله عليه» وكان ابن حنبل يكثر التردد على مجلس الشافعي يجل مقامه ويحتفل به، ويقال إن الشافعي ركب يومًا على حماره فمشى ابن حنبل إلى جانبه وهو يذاكره، ولما علم يحيى بن معين بذلك عاتب أحمد بن حنبل على فعله هذا فقال له الإمام أحمد: «لو كنت في الجانب الآخر من الحمار لكان خيرًا لك».
وفي عام مائة وخمس وتسعين هجرية قدم الشافعي بغداد ومعه أصول الفقه وقواعده، فأقبل عليه العلماء والمحدثون وأهل الرأي، فأخذ يفيض عليهم من علمه، وكان له بالعراق تلاميذ وأتباع، وعرف مذهبه واشتهر بمذهبه القديم.
وكان رحمه الله أول من صنّف في أبواب كثيرة من الفقه معروفة ومع ذلك قال: «وددت لو أخذ عني هذا العلم من غير أن يُنسب إلي منه شىء» وقال: «ما ناظرت أحدًا إلا وددت أن يظهر الله الحق على يديه».
كان الشافعي رحمه الله جهوري الصوت جدًا، وفي غاية الكرم والشجاعة، وجودة الرمي وصحة الفراسة وحسن الخلق، كان قوله في اللغة حجة كقول امرئ القيس ولبيد ونحوهما كما نقله ابن الصلاح في طبقاته، في فصل المحمدين عن ابن هشام صاحب السيرة بسند صحيح، ولهذا عبّر ابن الحاجب في «تعريفه» بقوله: «وهي لغة الشافعي كما يقولون لغة تميم، وربيعة»، وكان رحمه الله أعجوبة في العلم بأنساب العرب وأيامها، وأحوالها.
وسأله هرون الرشيد يومًا موعظة، فوعظه بموعظة مؤثرة لطاوس اليماني، فبكى الرشيد وأمر للشافعي بمال كثير وهدايا ففرقها عند الباب.
قال الرازي في كتاب مناقب الشافعي: «واعلم أن الشافعي رضي الله عنه قد صنف كتاب الرسالة وهو في بغداد، ولما رجع إلى مصر، أعاد تصنيفه، وفي كل واحد منهما علم كثير».
وفي سنة مائة وثمان وتسعين هجرية تولى الخلافة المأمون العباسي، وفي عهده لم يطب للشافعي المقام ببغداد نظرًا لغلبة الفرس واستيلائهم على شئون الحكم، والشافعي عربي قرشي معتز بالشريعة، بينما كان المأمون يشجع الفلسفة التي انتشرت في عهده، ولقد عرض على الشافعي تولي القضاء فأباه.
وعندما أراد الشافعي السفر إلى مصر قال:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها قطع المهامة والقفر
فوالله ما أدري أللفوز والغنى أساق إليها أم أساق إلى القبر

وأقام الشافعي بمصر أربع سنين ونيفا، نشرت فيها كتبه وسار ذكره ونال الفوز بسبب إقبال الناس عليه وحبهم له وانتشار مذهبه بينهم.
قال الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الفجر فيجيئه أهل القرءان، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار.
كان الشافعي رضي الله عنه يتحرى الدقة فيما يرويه الرواة منسوبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يشترط فيمن يروي الحديث أن يكون صادقًا ورعًا، يفهم ما يرويه، حافظًا له وأن يكون قد سمع الحديث مباشرة ممن يروي عنه.
واعتبر الشافعي الإجماع إجماع أمة محمد في زمن من الأزمان على حكم من الأحكام حجة، وذلك بعد أن وضع له قيودًا وشروطًا تبعد عنه الفوضى، وكان يكره الغلوّ في الدين، ويرى أنه لا يجوز لإنسان أن يقول بالشريعة برأيه، إلا إذا كان أساس هذا الرأي القياس، وهو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص على حكمه لاشتراكهما في علة الحكم على أن يكون المتكلم أهلا للاجتهاد والقياس.
ويقول الرازي في فقه الشافعي «اعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة ارسطو إلى علم المنطق وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض».
مرضه ووفاته
تعرض الشافعي في حياته لأمراض كثيرة منها (البواسير) الذي كان سببًا لنزف الدم منه في كثير من الأحيان، وعرضه هذا المرض ذات مرة لنزيف شديد قضى عليه رحمه الله.
توفي الشافعي بمصر ليلة الخميس بعد المغرب في ءاخر ليلة من رجب سنة أربع ومائتين وعمره أربعة وخمسون عامًا، وكانت وفاته عند عبد الله بن الحكم وإليه أوصى، ودفن في يوم الجمعة التالي ليوم وفاته، ودفنه بنو عبد الحكم في مقابرهم بالقرافة الصغرى وبنوا على قبره قبة جددها صلاح الدين وبنى بجوارها المدرسة الصلاحية عام خمسمائة وخمسة وسبعين هجرية ـ ألف ومائة وتسعة وسبعين رومية، وكانت معقلا لنشر مذهب الشافعي.
قبة الشافعي
هي قبة عظيمة تفنن المهندسون في زخرفتها، وتوالى عليها التجديد والإصلاح من الملوك والحاكمين، ومكتوب على مصراعيها:
الشافعي إمام الناس كلهم في العلم والحلم والعلياء والباس
له الإمامة في الدنيا مسلمة كما الخلافة في أولاد عباس
أصحابه خير أصحاب ومذهبه خير المذاهب عند الله والناس

وفوق القبة مركب صغير مثبت في هلال القبة منذ إنشائها، وقد عاينها الإمام البوصيري صاحب «البردة» المتوفى عام ستمائة وخمسة وتسعين هجرية ـ ألف ومائتين وخمسة وتسعين رومية وأنشد يقول:
بقبة قبر الشافعي سفينة رست في بناء محكم فوق جلمود
وقد غاض طوفان العلوم بقبره استوى الفلك من ذاك الضريح على الجود
وصف القبة
يقول المسعودي: «إن مقبرة الإمام الشافعي قد تميزت بوضع عمود حجري عند الرأس وءاخر عند قدميه وقد نقش على عمود الرأس النص التالي: « هذه مقبرة الإمام محمد بن إدريس الشافعي المؤمن بالله».
في عام خمسمائة واثنين وسبعين هجرية أمر صلاح الدين الأيوبي ببناء مدرسة بجوار ضريح الإمام الشافعي، وتمّ بناؤها في رمضان عام خمسمائة وخمسة وسبعين هجرية قد بقي من هذه المدرسة لوحة كتب عليها خمسة سطور: «بنيت هذه المدرسة باستدعاء الشيخ نجم الدين الخبوشاني لتدريس فقه الشافعية وأصول الأشعرية للرد على الحشوية وغيرهم من المبتدعة.
كما أمر صلاح الدين بعمل تابوت خشبي ءاية في الزخرفة مؤرخ عليه سنة خمسمائة وأربعة وسبعين هجرية واسم الصانع هو عبيد أبو المعالي.
ويقول المقريزي: إن الملك الكامل دفن ابنه بجوار قبر الإمام الشافعي، وبنى قبة كبيرة على القبر، ووصل إليها المياه من بركة الحبش بواسطة قناطر، ولذلك أقبل الناس على بناء مقابر موتاهم، وانتهى بناء قبة الشافعي في جمادى الآخرة عام ستمائة وثمانية هجرية وبلغت تكاليفها خمسين ألف دينار.
ويذكر ابن إياس أن السلطان قايتباي أمر بإجراء إصلاحات بضريح الإمام الشافعي عام ثمانمائة وخمسة وثمانين تحت إشراف شمس الدين بن الزمن رئيس أعماله للشئون المعمارية ولكنه لم يشر إلى الإصلاحات التي قام بها، غير أن السخاوي في ترجمته لابن الزمن ذكر هذه الأعمال التي أشرف عليها فقال: «وعمّر قبة الإمام الشافعي وجدد رخامها وزخرفتها» ويقول الجبرتي: «إن علي بك الكبير أزال القصدير المغطى بخشب القبة الذي عمله السلطان الكامل لأن الخشب تحته كان قد تآكل ووضع بدله خشبًا ءاخر ثم غطى الخشب بصفائح جديدة من القصدير وثبّتها في الخشب بواسطة مسامير كبيرة وأصلح الزخارف الداخلية بطلاءات متعددة الألوان أهمها اللون الذهبي اللازوردي».
ويضيف الجبرتي: أن عبد الرحمـٰن كتخدا (بلّط) ردهة غرفة قبة الإمام الشافعي بالرخام الملون الذي يدخل إليها بواسطة مَمر طويل وعريض ومقفل ببابين كبيرين وذلك سنة ألف ومائة وتسعين هجرية. ويوجد بالضريح أربعة مقابر، الأولى مقبرة الإمام الشافعي عليها التابوت الخشبي الذي أمر بعمله صلاح الدين، والثاني لأم السلطان الكامل، والثالث للسلطان الكامل والرابع للسيد محمد بن عبد الحكم.
ويعتبر ضريح الإمام الشافعي من أكبر أضرحة مصر على الإطلاق، والقبة التي تعلوه كانت طوال العصور وما تزال موضع تقدير.
 
basmallah.jpg
ترجمته
جاء في السير للذهبي في نسب طويل له ذكر منه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» أنه أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، أبو عبد الله الذهلي الشيباني المرْوَزي ثم البغدادي.
ولد كما أخبر ابنه صالح عنه في ربيع الأول سنة مائة وأربعة وستين للهجرة، توفي والده محمد شابًا فنشأ يتيمًا وطلب الحديث وهو ابن خمس عشرة سنة أي سنة مائة وتسعة وسبعين وهي السنة التي توفي فيها الإمام مالك رضي الله عنه صاحب المذهب.

رحلاته
لما بلغ الإمام أحمد خمس عشرة سنة سعى في طلب العلم والحديث فكثرت رحلاته إلى أقطار المعمورة يطلب الحديث من رجاله الأفذاذ.
ومن هذه الرحلات التي ساهمت في اتساع علمه رحلته إلى البصرة خمس مرات، فصار يتنقل بين المشايخ في طلب الحديث فكثر عدد مشايخه فيها.
ومن أهم رحلاته تلك التي قام بها إلى الحجاز مرات عديدة فالتقى بالمشايخ الكبار أمثال الإمام الشافعي الذي أعجب به، وأخذ عن الشافعي أصول الحديث والفقه ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغيره.
كما التقى في بغداد ابن عيينة الذي كان ءانذاك محدّث الحجاز بلا منازع فأخذ عنه واستفاد منه كثيرًا.
كما كانت له رحلة إلى الكوفة يطلب بها العلم، ورحل أيضًا إلى صنعاء في اليمن حيث تلقى الحـديث عن عـبد الرزاق بن همام وجاهد نفسه البقاء مدة سنتين فكان يصبر على خشونة العيش ويكري نفسه ينقل الأمتعة حتى وافى صنعاء، وكان في صنعاء يعمل بنسج الحُصُر أو النسخ ليأكل من عمل يده.
أما عدد مشايخه فقد فاق الثلاثمائة شيخ. وقد ذكر الذهبي في سيره أن عدد الشيوخ الذين روى عنهم في مسنده وحده بلغ مائتين وثمانين ونيفًا.
ومن أكبر وأعظم هؤلاء المشايخ هُشَيم بن بشير الذي أخذ عنه وأكثر في بغداد فلازمه أربع سنوات يسمع منه، وسفيان بن عيينة وبشر بن المفَضَّل والنضر بن إسمـٰعيل البَجلي والوليد بن مسلم ويزيد بن هارون ووكيع الذي أكثر من الأخذ عنه، والحافظ أبو نعيم وكثيرون.
أما الذين حدثوا عنه فكثيرون نذكر منهم إمام المحدثين البخاري، وتلميذه الإمام مسلم صاحب الصحيح، وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وحدث عنه ولداه صالح وعبد الله، ويحيى بن معين، وأبو زرعة وإبراهيم الحربي وغيرهم.
لما ثباته عند المحنة
ولِيَ الخليفة المأمون رفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها وظهرت الفتنة التي قيل لها «فتنة خلق القرءان»، وهي التي قالت فيها الجهمية بأن كلام الله الذاتي مخلوق غير أزلي. وقد كان المأمون والمعتصم قد ساعدا المعتزلة بمقولة أن القرءان مخلوق من غير اعتقاد أن كلام الله الذاتي الذي هو صفة له مخلوق فامتحنا الناس على قول ذلك.
وكان ممن امتُحِنَ في هذه الفتنة الإمام الكبير أحمد بن حنبل رضي الله عنه حيث أمر المعتصم بإحضاره إلى بغداد وأمره أن يقول بأن القرءان مخلوق فكان يرفض ذلك فيجلد بالسوط حتى يُغشى عليه. وقد أورد الحافظ البيهقي في «مناقب أحمد» أن مئزره قد اضطرب مرة يريد أن يقع على الأرض فتظهر عورته، فدعا الله تعالى قائلًا : اللهم إن كنتُ على الحق فلا تُبْدِ عورتي، فإذا بكف من ذهب قد خرج من تحت مئزره فثبت المئزر مكانه ولم يسقط.
وروى الذهبي في «سير أعلام النبلاء» أن الإمام رضي الله عنه لما حُمِل إلى بغداد لقيه أبو جعفر الأنباري فسلم عليه وقال له: «أيها الإمام أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خَلْق القرءان ليجيبَنَّ خَلْقٌ، وإن أنت لم تُجِبْ ليمتنعَنَّ خلق كثير. ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت لا بد من الموت، فاتق الله ولا تُجِبْ».
وعن صالح بن الإمام أحمد أنه لما حُمِلَ مقيدًا ووصل الأنبار سأله أبو بكر الأحول: يا أبا عبد الله، إن عُرِضْتَ على السيف هل تجيب قال: لا، ولما وصلوا الرَّحْبَةَ وهي بين الرقة وبغداد أقبل رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل فقيل له: هذا، فقال: يا هذا، ما عليك أن تُقْتَلَ ههنا وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضى. فسأل عنه فقيل له: هذا رجل من ربيعة يعمل الصوف يقال له جابر بن عامر، يُذْكر بخير.
ثناء العلماء عليه
روى الذهبي في سيره عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: قال لي أبو زُرعة: أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
وسئل أبو زُرعة: أأنت أحفظ أم أحمد فقال: بل أحمد، فسئل: كيف علمت قال: وجدتُ كُتُبه ليس في أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه، وأنا لا أقدر على هذا.
أما إبراهيم الحربي فقد قال فيه: رأيتُ أبا عبد الله، كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين.
وعن عباس الدُّوري أنه قال: سمعت أبا عاصم يقول لرجل بغدادي: مَنْ تعُدُّون عندكم اليوم من أصحاب الحديث قال: عندنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة والمُعَيطي والسويدي، حتى عَدَّ له جماعة بالكوفة والبصرة، فقال أبو عاصم: قد رأيتُ جميع من ذكرتَ وجاءوا إليَّ، لم أرَ مثل ذاك الفتى، يعني أحمد بن حنبل.
أما شجاع بن مَخْلد فقد روي عنه أنه قال: ما بالمِصْرَيْن (أي البصرة والكوفة) رجل أكرم عليَّ من أحمد بن حنبل.
وقال مُهَنَّى بن يحيى: رأيت ابن عيينة ووكيعًا وبَقيَّة وعبد الرزاق وضمرة والناس، ما رأيت رجلًا أجمع من أحمد في علمه وزهده وورعه.
وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدًا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل، فعقب عليه الذهبي قائلًا : قال هذا وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج.
وقال قتيبة فيه: لو أدرك ابن حنبل عصر الثوري والأوزاعي والليث لكان هو المقدَّم عليهم.
أما الإمام محمد بن إدريس الشافعي فقد روى عنه المزني أنه قال: رأيت ببغداد شابًا إذا قال: حَدَّثنا، قال الناس كلهم: صَدَقَ، فقال المزَني: ومن هو قال: أحمد بن حنبل.
وروى حرملة عن الشافعي أنه قال: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلًا أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
وروى الذهبي عن ابن المديني أنه قال: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يُحَدّث إلا من كتاب ولنا فيه أسوة، وقال أيضًا: أحمد اليوم حُجَّـة الله على خلقه.
كما جاء في «مناقب أحمد» لابن الجوزي أن بلالًا الخواص قال: كنتُ في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فعجبت منه ثم أُلهمت أنه الخضر، فقلت له: بحق الحق من أنت، قال: أخوك الخضر، قلت: أريد أن أسألك مسألة، قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي، قال: من الأوتاد، قلت: فأحمد بن حنبل، قال: صِدّيق.
حاله وورعه
لقد بلغ الإمام أحمد رضي الله عنه من الخُلُق ما جعله حديث الناس ومُقَدَّمًا على الكثيرين، فقد جاء عن أبي الحسين بن المنادى أنه قال: سمعت جدي يقول: كان أحمد من أحيا الناس وأكرمهم نفسًا وأحسنهم عشرة وأدبًا، كثير الإطراق والغض، معرضًا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن.
ويروي الذهبي عن أحد المشايخ أنه زار أحمد بن حنبل في بيته وقد سُرقت ثيابه، فذهب الشيخ إلى منزله وجاء بمائة درهم فلم يأخذه هبة ولا قرضًا، فقال أحمد: أليس قد سمعتَ معي من ابن عُيينة، قال: بلى، قال: أأكتبه لك قال: بلى، قال: فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين.
وهناك رواية أخرى عن الذهبي أن الإمام أحمد رضي الله عنه قد رهن عند فامي (بائع الفوم أي الحمص) سطلًا ليشتري ما يقوته، ثم جاء بعد ذلك لفك الرهن، فأخرج إليه الفامي سطلين وقال: أيهما سطلك، فقال له: لا أدري، أنت في حلّ منه وما أعطيتك، فقال الفامي: والله إنه لسطله، وإنما أردت أن أمتحنه فيه.
وروى ابن حاتم عن أحمد بن سنان أن الإمام أحمد رضي الله عنه رهن نعله عند خباز باليمن وأكرى نفسه من جَمّالَيْن عند خروجه لقاء قوته.
أما ابنه صالح فقد قال عنه: ربما رأيت أبي يأخذ الكِسَر ينفض الغبار عنها ويصيرها في قصعة ويصب عليها الماء ثم يأكلها بالملح. وما رأيته اشترى رمانًا ولا سفرجلاً ولا شيئًا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنبًا وتمرًا.
والروايات عن إعراضه عن ملذات الدنيا وزهده فيها وسلوكه درب التصوف والزهد، هي أكثر من أن نذكرها في هذا الموضع.
وكان رضي الله عنه كثير التواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا، وكان يحـب في الله ويبغض في الله، قال ابن سلام: جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمـٰن بن مهدي فما هِبتُ أحدًا منهم ما هِبتُ أحمد بن حنبل.
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض كان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين.
تبركه بآثار النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر الذهبي في سيرته ما لا يدع مجالًا للشك بأن الإمام كان على عادة أهل عصره والمسلمين عامة من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن ابنه عبد الله أنه قال: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه ويُقَبّلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به.
وروى الذهبي أيضًا عن ابنه عبد الله أنه سأله عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية بقصد التبرك، فقال: لا أرى بأسًا بذلك.
كما روى الإمام في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قَلَّمَ أظفاره ووزعها بين الصحابة ليتبركوا بها، وعنه أيضًا الرواية المشهورة، وهي أن مروان بن الحكم رأى رجلاً واضعًا وجهه على القبر النبوي الشريف فقال: يا رجل ماذا تصنع، فرفع رأسه فإذا هو أبو أيوب فقال: لقد جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ءاتِ الحَجَر.
فلا عبرة بعد ذلك لما يقوله نفاة التوسل والتبرك من تحريم التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، ولا تكون نسبة ذلك إلى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلا زورًا وبهتانًا.
وفاته
ذكر ابن خلكان في الوفيات أن وفاته كانت ببغداد يوم الجمعة في الثاني عشر من ربيع الأول، وقيل الثالث عشر، وقيل من ربيع الآخر، سنة مائتين وواحد وأربعين للهجرة، ودفن بمقبرة باب حَرْب، وقُدّرَ من حضر جنازته من الرجال بثمانمائة ألف، ومن النساء بستين ألفًا، وقيل إنه أسلم يوم وفاته عشرون ألفًا من اليهود والمجوس وغيرهم.
 
:besmellah1:

جزاك الله خيرا
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
 
رحم الله الإمام مالك وانفعنا به و شكرا على الموضوع.

وروى البيهقي من طريق يحيى بن يحيى أحد تلاميذ مالك رواية أخرى عن الإمام مالك وهي قوله: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول» أي أن الاستواء معلوم وروده في القرءان، والكيف غير معقول أي أن الاستواء بمعنى الكيف أي الهيئة كالجلوس لا يعقل أي لا يقبله العقل لكونه من صفات الخلق لأن الجلوس لا يصح إلا من ذي أعضاء أي ألية وركبة وتعالى الله عن ذلك.
هذا تفسير من ؟ و أين ذكر في كتب المتقدمين ؟


وثبت عن مالك التأويل في حديث النزول أنه قال: «نزول رحمة لا نزول نقلة»،

أين ذكر هذا التأويل عن مالك ؟

وروي عنه كذلك في تأويل هذا الحديث: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له» أي حديث النزول، أنه على سبيل الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة، ليس على معنى الانتقال الحسي من مكان إلى ءاخر.

من روى هذا التأويل و أين ذكر ؟؟
 
جازاك الله كل خير
 
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربِّ العالمين

قال العلامةُ حُجةُ الإسلامِ أبو جعفرٍ الوراقُ الطحاويُّ بمصرَ رحمهُ الله:
هذا ذِكرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ على مذهبِ فُقهاءِ المِلّةِ: أبي حنيفةَ النعمانِ ابنِ ثابتٍ الكوفيّ، وأبي يوسفَ يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريّ، وأبي عبدِ الله محمدِ ابنِ الحسنِ الشيْبانيّ، رِضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ، وما يعتقدونَ من أصولِ الدينِ، ويَدينون بهِ لربِّ العالمين. نقول في توحيدِ اللهِ معتقدينَ بتوفيق الله: إنَّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ له. ولا شىءَ مثلُه، ولا شىءَ يعجزُه، ولا إلهَ غيرُه. قديمٌ بلاَ ابتداءٍ، دائمٌ بلا انتهاءٍ، لا يَفنى ولا يَبيد، ولاَ يكونُ [شىءٌ من العالم] إلا ما يريد. لا تبلغُه الأوهامُ ولا تدركُه الأفهامُ، ولا يشبهُ الأنامَ، حيٌّ لا يموت، قيومٌ لا ينامُ، خالقٌ بلا حاجةٍ، رازِقٌ بلاَ مؤْنَةٍ، مُميتٌ بلاَ مخافةٍ، باعثٌ بلاَ مشقّةٍ. ما زالَ بصفاتِه قديمًا قبلَ خلقِه، لم يزدَدْ بكونِهم شيئًا لم يكن قبلَهُم منْ صفتِه. وكَمَا كان بصفاتِه أزليًّا، كذلك لا يزالُ عليها أبديًّا، ليس بعد خلْقِ الخلْقِ استفادَ اسمَ الخالق، ولاَ بإحداثِه البَريةَ استفادَ اسمَ البارىءِ. له معنى الربوبيةِ ولا مربوبَ، ومعنى الخالقِ ولاَ مخلوقَ. وكما أنه مُحيي الموتى بعدما أحيا، استحقَّ هذا الاسمَ قبلَ إحيائِهم كذلكَ استحقَّ اسمَ الخالقِ قبلَ إنشائِهم. ذلك بأنهُ على كلِّ شىءٍ قديرٌ، وكلُّ شىءٍ إليه فقيرٌ، وكلُّ أمرٍ عليه يسيرٌ، لا يحتاجُ إلى شىءٍ، {ليس كمثله شىءٌ وهو السميع البصير**. خلَق الخلقَ بعِلمِه، وقدّر لهم أقدارًا، وضرَب لهُم ءاجالاً، ولم يخْفَ عليهِ شىءٌ قبل أن يخلُقَهم، وعلِم ما هُم عاملونَ قبلَ أن يخلُقَهم، وأمرَهم بطاعته ونهاهُم عن معصيتِه. وكلُّ شىءٍ يجري بتقديرِه، ومشيئتِه، ومشيئتُه تنفُذُ لا مشيئةَ للعبادِ إلاَّ ما شاءَ لهم، فمَا شاءَ لهم كانَ، وما لم يشأ لم يكُن. يهدي من يشاءُ، ويعصِمُ ويعافي فضلاً، ويُضِلُّ من يشاءُ، ويخذُلُ ويبتلي عدلاً. وكُلُّهم يتقلَّبونَ في مشيئتِه بين فضلِه وعدلِه، وهو مُتعالٍ عن الأضدادِ والأندادِ، لا رادَّ لقضائِه، ولا معقِّبَ لحكمِه، ولا غالبَ لأمرهِ. ءامنَّا بذلكَ كلِّه، وأيقنَّا أنَّ كُلاًّ من عندِه. وأنَّ محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلم عبدُه المصطفى، ونبيُّه المجتبى، ورسولُه المرتضى، وإنَّهُ خاتمُ الأنبياءِ، وإمامُ الأتقياء، وسيدُ المرسلينَ، وحبيبُ ربّ العالمينَ، وكلُّ دعوة نبوةٍ بعدَ نبوتِه فغيٌّ وهوى. وهوَ المبعوثُ إلى عامةِ الجن وكافةِ الورى بالحقّ والهدى وبالنورِ والضياء. وإنَّ القرءانَ كلامُ الله، منه بدَا بِلا كيفيةٍ قولاً، وأنزلَه على رسولِه وحيًا، وصدَّقه المؤمنونَ على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنهُ كلامُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ ليس بمخلوقٍ ككلام البَرِيَّة، فمنْ سمِعَه فزعم أنه كلامُ البشر فقد كفر، وقد ذمَّه اللهُ وعابَهُ وأوعدَه بسقَر حيثُ قالَ تعالى :{سأُصليه سقر**، فلما أوعدً اللهُ بسقر لمن قال: {إنْ هذا إلا قولُ البشر**، علِمنا وأيقنا أنهُ قولُ خالقِ البشر، ولا يُشبه قولَ البشر، ومنْ وصف اللهَ بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصرَ هذا اعتبر، وعن مِثل قولِ الكفار انزجرَ، وعلِم أنه بصفاتِه ليس كالبشر. والرؤيةُ حق لأهلِ الجنة، بغيرِ إحاطةٍ ولا كيفيَّةٍ، كما نطقَ به كتابُ ربّنا: {وجوهٌ يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة**، وتفسيره على ما أراده اللهُ تعالى وعَلِمَه، وكلُّ ما جاء في ذلك منَ الحديث الصحيحِ عن الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلم فهو كمَا قال ومعناهُ على ما أرادَ، لا ندخلُ في ذلك متأوّلينَ بآرائِنا ولا متوهّمين بأهوائِنا، فإنَّه ما سلِم في دينه إلاَّ من سلَّم للهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِه صلى اللهُ عليهِ وسلم وردَّ عِلمَ ما اشتَبَه عليه إلى عالِمه. ولا تثبتُ قدَمٌ في الإسلام إلا على ظَهر التسليمِ والاستسلامِ، فمنْ رامَ علمَ ما حُظِر عنه علمُه، ولم يقنع بالتسليم فهمُه، حجبَه مرامُه عن خالصِ التوحيد، وصافي المعرفةِ، وصحيح الإيمان، فيتذبذبُ بين الكفرِ والإيمانِ والتصديقِ والتكذيب، والإقرارِ والإنكارِ، موسوَسًا تائِهًا شاكًّا، لا مؤمنًا مصدّقًا، ولا جاحدًا مكذبًا. ولا يصحُّ الإيمانُ بالرؤيةِ لأهل دارِ السلامِ لمن اعتبرَها منهم بوهْم أو تأوَّلها بفهمٍ إذ كانَ تأويلُ الرؤية وتأويلُ كلّ معنى يضافُ إلى الربوبيةِ بتركِ التأويلِ ولزُومِ التسليم، وعليهِ دينُ المسلمينَ. ومن لم يتوقَ النفيَ والتشبيهَ زلَّ ولم يصبِ التنزيهَ. فإنَّ ربّنا جلَّ وعلا موصوفٌ بصفات الوَحدانية، منعوتٌ بنُعُوتِ الفَرْدانية، ليس في معناهُ أحدٌ من البَرِيَّة. وتعالى عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدوات، لا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدعات. والمعراجُ حقٌّ، وقد أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وعُرِجَ بشخصهِ في اليَقظةِ إلى السماءِ ثمَّ إلى حيثُ شاءَ اللهُ من العُلى، وأكرمَه اللهُ بما شاء، وأوحى إليهِ ما أوحى، {ما كذَب الفؤادُ ما رأى**، فصلى اللهُ عليه وسلمَ في الآخرةِ والأولى. والحوضُ الذي أكرمَه الله تعالى بهِ غياثًا لأمّته حقٌّ، والشفاعةُ التي ادَّخرها لهم حقٌّ، كما رُوي في الأخبارِ، والميثاقُ الذي أخذَه اللهُ تعالى من ءادمَ وذريتِه حقٌّ. وقدْ علِمَ اللهُ تعالى فيما لم يزلْ عددَ منْ يدخلُ الجنةَ وعددَ من يدخل النارَ جملةً واحدة، فلا يُزادُ في ذلكَ العددِ ولا يُنقص منهُ. وكذلكَ أفعالُهم فيما علِم منهُم أن يفعلُوه، وكلٌّ ميسَّرٌ لِمَا خُلق له، والأعمالُ بالخواتيم، والسعيدُ من سعِد بقضاءِ الله تعالى، والشقيُّ من شقِي بقضاءِ الله تعالى. وأصلُ القدَرِ سرُّ اللهِ تعالى في خلقِه، لم يطَّلعْ على ذلكَ ملَكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ. والتعمقُ والنظرُ في ذلك ذريعةُ الخِذلانِ وسُلَّمُ الحِرمان ودرجةُ الطغيانِ، فالحذرَ كلَّ الحذرِ من ذلكَ نظرًا وفكرًا ووسوسةً، فإنَّ اللهَ تعالى طوى علمَ القدرِ عن أنامِه ونهاهُم عن مرامِه كما قالَ تعالى في كتابه: {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون**، فمن سأل: لم فعلَ؟ فقد ردَّ حُكمَ الكتابِ، ومنْ ردَّ حكمَ الكتابِ كان من الكافرينَ. فهذهِ جملةُ ما يحتاجُ إليه من هو منوَّرٌ قلبُه من أولياءِ اللهِ تعالى، وهي درجةُ الراسخينَ في العلمِ، لأنَّ العلمَ علمانِ: علمٌ في الخلقِ موجودٌ، وعلمٌ في الخلقِ مفقود، فإنكارُ العلمِ الموجودِ كفرٌ، وادعاءُ العلمِ المفقودِ كفر. ولا يثبتُ الإيمانٌ إلا بقَبولِ العلمِ الموجودِ، وتركِ طلبِ العلمِ المفقودِ. ونؤمنُ باللوح والقلم وبجميعِ ما فيه قد رُقِمَ. فلو اجتمع الخلقُ كلُّهم على شىءٍ كتبَه اللهُ تعالى فيه أنهُ كائن ليجعلوهُ غيرَ كائن لم يقدروا عليه. ولو اجتمعوا كلُّهم على شىء لم يكتُبْه الله تعالى فيهِ ليجعلوهُ كائنًا لم يقدروا عليهِ. جفَّ القلمُ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وما أخطأَ العبدَ لم يكنْ ليُصيبَه، وما أصابَه لم يكن ليُخطئَه. وعلى العبدِ أن يعلم أن اللهَ قد سبق علمُه في كل كائنٍ من خلقه، فقدَّرَ ذلك تقديرًا محكمًا مبرمًا ليس فيه ناقضٌ ولا معقّبٌ ولا مزيلٌ ولا مغيّرٌ ولا محوّلٌ ولا ناقصٌ ولا زائدٌ من خلقِه في سماواتِه وأرضِه، وذلك من عَقْدِ الإيمانِ وأصولِ المعرفةِ والاعترافِ بتوحيدِ اللهِ تعالى وربوبيّتِه، كما قالَ تعالى في كتابه: {وخلق كلَّ شىء فقدره تقديرًا**، وقال تعالى :{وكان أمرُ الله قدَرًا مقدورًا**. فويل لمن صارَ للهِ تعالى في القدَر خصيمًا، وأحضر للنظرِ فيه قلبًا سقيمًا، لقد التمَس بوهمِه في فحصِ الغيبِ سرًّا كتيمًا، وعاد بما قالَ فيه أفاكًا أثيمًا. والعرشُ والكرسيُّ حقٌّ، وهو مستغنٍ عن العرشِ وما دونَه، محيطٌ بكلّ شىء وفوقَه، وقد أعجزَ عن الإحاطةِ خلقه، ونقولُ: إنَّ اللهَ اتخذ إبراهيمَ خليلاً، وكلَّمَ اللهُ موسى تكليمًا إيمانًا وتصديقًا وتسليمًا، ونؤمنُ بالملائكةِ والنبيينَ، والكتبِ المنزَّلة على المرسلينَ، ونشهدُ أنهم كانوا على الحقّ المبينِ. ونسمي أهلَ قِبلتِنا مسلمين مؤمنينَ، ما داموا بما جاءَ به النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم معترفينَ، ولهُ بكلّ ما قالَه وأخبرَ مصدّقينَ غيرَ منكِرين. ولا نخوضُ في الله ولا نماري في دينِ الله. ولا نجادلُ في القرءانِ، ونشهدُ أنه كلامُ ربّ العالمينَ، نزلَ به الروحُ الأمينُ، فعلَّمه سيدَ المرسلين محمدًا صلى الله عليهِ وسلم، وهو كلامُ اللهِ تعالى، لا يساويه شىءٌ من كلامِ المخلوقينَ، ولا نقولُ بخلْقِه، ولا نخالفُ جماعةَ المسلمينَ، ولا نكفّرُ أحدًا من أهلِ القبلة بذنبٍ ما لم يستحلَّه، ولا نقولُ لا يضرُّ مع الإيمانِ ذنبٌ لمن عمِلَه. نرجو للمحسنينَ منَ المؤمنين أن يعفوَ عنهم ويدخِلَهم الجنةَ برحمتِه ولا نأمنُ عليهِم، ولا نَشهدُ لهم بالجنةِ، ونستغفرُ لمسيِئهم ونخافُ عليهم ولا نُقَنِّطُهُم. والأمنُ والإياسُ ينقلانِ عن ملةِ الإسلامِ، وسبيلُ الحق بينهما لأهلِ القبلة. ولا يخرجُ العبدُ من الإيمان إلا بجُحودِ ما أدخلَه فيه. والإيمانُ هو الإقرارُ باللسان والتصديقُ بالجَنَانِ. وجميعُ ما صحَّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من الشرعِ والبيانِ كلُّه حقٌّ. والإيمانُ واحدٌ، وأهلُه في أصلهِ سواءٌ والتفاضلُ بينهم بالخَشية والتُّقى ومخالفةِ الهوى وملازمةِ الأَوْلى. والمؤمنونَ كلُّهم أولياءُ الرحمن، وأكرَمُهم عند اللهِ أطوعُهم وأتْبعهم للقرءانِ. والإيمانُ هو الإيمانُ بالله، وملائكتِه، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقَدَر خيرِه وشره وحُلوِه ومُرّه منَ الله تعالى، ونحنُ مؤمنونَ بذلك كلّه لا نفرقُ بين أحد من رسلِه ونصدّقُهم كلُّهم على ما جاءوا بهِ. وأهلُ الكبائرِ من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في النارِ لا يخلدونَ إذا ماتوا وهم موحِّدونَ وإن لم يكونوا تائبينَ بعد أن لقوا اللهَ عارفينَ مؤمنين، وهم في مشيئتِه وحُكمِه إن شاءَ غفرَ لهم وعفا عنهم بفضلِه، كما ذكر عز وجلَّ في كتابِه: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء**، وإن شاءَ عذَّبهم في النار بعدْلِه ثم يخرجُهم منها برحمتِه وشفاعةِ الشافعينَ من أهل طاعتِه ثم يبعثُهم إلى جنّتِه، وذلك بأنَّ اللهَ تعالى تولى أهلَ معرفتِه ولم يجعلْهم في الداريْن كأهلِ نُكْرَته الذين خابوا من هدايتِه ولم ينالوا من ولايتِه. اللهم يا وليَّ الإسلامِ وأهلِه ثبتنا على الإسلامِ حتى نلقاكَ به. ونرى الصلاةَ خلفَ كل بَرّ وفاجرٍ من أهلِ القبلة، وعلى مَن ماتَ منهم. ولا ننزّلُ أحدًا منهم جنةً ولا نارًا، ولا نشهدُ عليهم بكفرٍ ولا بشركٍ ولا بنفاقٍ ما لم يظهر منهم شىءٌ من ذلك، ونَذَر سرائرَهم إلى اللهِ تعالى. ولا نرى السيفَ على أحدٍ من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلا من وجَبَ عليهِ السيفُ. ولا نرى الخروجَ على أئمّتنا ووُلاةِ أمورِنا وإن جارُوا، ولا ندعو عليهِم، ولا ننزعُ يدًا من طاعتِهم، ونرى طاعتَهم من طاعةِ الله عز وجل فريضةً ما لم يأمروا بمعصية. وندعو لهم بالصلاحِ والمعافاةِ، ونتّبعُ السنَّةَ والجماعةَ، ونجتنبُ الشذوذَ والخِلاف والفُرقة، ونحبُ أهلَ العدلِ والأمانةِ ونبغضُ أهل الجَوْر والخيانةِ. ونقولُ اللهُ أعلم فيمَ اشتَبَهَ علينا علمُه. ونرى المسحَ على الخفينِ في السفرِ والحَضَرِ كما جاء في الأثر. والحجُّ والجهادُ ماضيانِ مع أولي الأمر من المسلمينَ بَرّهم وفاجرِهم إلى قيام الساعة لا يبطلهما شىءٌ ولا ينقضهما. ونؤمنُ بالكرامِ الكاتبين، فإنَّ الله قد جعلهم علينا حافظينَ، ونؤمن بملكِ الموت الموكلِ بقبض أرواحِ العالمين، وبعذابِ القبر لمن كان لهُ أهلاً، وسؤالِ منكرٍ ونكير في قبرِه عن ربه ودينِه ونبيه على ما جاءتْ به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وعنِ الصحابة رضوانُ اللهِ عليهم، والقبر روضةٌ من رياض الجنةِ أو حفرةٌ من حفرِ النيران. ونؤمنُ بالبعثِ وجزاءِ الأعمالِ يومَ القيامة والعرْضِ والحسابِ وقراءةِ الكتاب والثوابِ والعقابِ والصراطِ والميزانِ. والجنةُ والنارُ مخلوقتان لا تفنيانِ أبدًا ولا تَبيدان، وأن اللهَ تعالى خلقَ الجنةَ والنارَ قبل الخلق وخلقَ لهما أهلاً، فمن شاءَ منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النارِ عدلاً منه، وكلٌّ يعمل لمَا قد فَرِغَ له وصائِرٌ الى ما خُلِق له. والخيرُ والشرُّ مقدرانِ على العباد. والاستطاعةُ التي يجبُ بها الفعلُ من نحو التوفيقِ الذي لا يجوزُ أن يوصفَ المخلوق بهُ فهي معَ الفعل، وأما الاستطاعةُ من جهةِ الصحةِ والوِسعِ والتمكُّنِ وسلامةِ الآلاتِ فهي قبل الفعل، وبها يتعلقُ الخطابُ، وهي كما قالَ تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعها**. وأفعالُ العبادِ خلقُ الله وكسبٌ من العبادِ. ولم يكلّفْهُمُ اللهُ تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقونَ إلا ما كلَّفهم، وهو تفسير “لا حول ولا قوة إلا بالله” نقول: لا حيلةَ لأحدٍ ولا حركةَ لأحدٍ ولا تحوُّلَ لأحد عن معصيةِ الله إلا بمعونةِ الله، ولا قوةَ لأحدٍ على إقامةِ طاعةِ الله والثباتِ عليها إلا بتوفيقِ اللهِ. وكلُّ شىء يجري بمشيئةِ اللهِ تعالى وعلمِه وقضائِه وقدَرِه. غلبت مشيئتُه المشيئاتِ كلَّها، وغلب قضاؤُه الحيلَ كلَّها. يفعلُ ما يشاءُ وهو غيرُ ظالم أبدًا، تقدَّسَ عن كلّ سُوءٍ وحَينٍ، وتنزَّه عن كلّ عيبٍ وشَينٍ {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون**. وفي دعاءِ الأحياء وصدقاتِهم منفعةٌ للأموات، واللهُ تعالى يستجيبُ الدعواتِ ويقضي الحاجاتِ، ويملِكُ كلَّ شىء ولا يملكُه شىء، ولا غِنى عن اللهِ تعالى طرفةَ عين، ومن [زعم أنه] استغنى عن اللهِ طرفةَ عين فقد كفَر وصارَ من أهلِ الحَيْن. واللهُ يغضبُ ويرضى لا كأحدٍ من الورى. ونحبُ أصحابَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا نُفْرِطُ في حبّ أحدٍ منهم، ولا نتبرأُ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكُرُهم، ولا نذكرُهم إلا بخير وحبُّهم دين وإيمانٌ وإحسان وبغضُهم كفر ونفاقٌ وطغيان. ونثبتُ الخلافةَ بعد رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديقِ رضي الله عنه، تفضيلاً له وتقديمًا على جميع الأمة. ثم لعمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه، ثم لعثمانَ بن عفان رضي الله عنه، ثم لعليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ وهمُ الخلفاء الراشدون والأئمةُ المهتدون. وإن العشرةَ الذين سماهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وبشرَّهم بالجنة، نشهد لهم بالجنة على ما شهِد لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقولُه الحقُّ، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبيرُ، وسعدٌ، وسعيدٌ، وعبدُ الرحمن بنُ عوفٍ، وأبو عبيدةَ بن الجرَّاح، وهو أمينُ هذهِ الأمة رضي اللهُ عنهم أجمعين. ومن أحسنَ القولَ في أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأزواجِه الطاهراتِ من كل دنَسٍ وذرياتِه المقدسينَ من كلّ رجسٍ فقد برئَ منَ النفاقِ. وعلماءُ السلف من السابقينَ ومنَ بعدَهم من التابعينَ أهلُ الخير والأثرَ، وأهلُ الفقهِ والنظرِ، لا يُذكرونَ إلا بالجميلِ ومن ذكرهُم بسوءٍ فهو على غيرِ السبيل. ولا نفضّل أحدًا من الأولياءِ على أحدٍ من الأنبياءِ عليهم السلام، ونقول نبيٌّ واحدٌ أفضلُ من جميع الأولياء. نؤمنُ بما جاءَ من كراماتِهم، وصحّ عن الثقات من رواياتهم، ونؤمنُ بأشراطِ الساعة من خروجِ الدجالِ، ونزولِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلام من السماء، ونؤمنُ بطلوع الشمسِ من مغربِها، وخروجِ دابةِ الأرض من موضعها. ولا نصدّقُ كاهنًا ولا عرافًا ولا من يدعي شيئًا يخالفُ الكتابَ والسنَّةَ وإجماعَ الأمة. ونرى الجماعةَ حقَّا وصوابًا، والفرقةَ زيغًا وعذابًا. ودينُ الله في الأرضِ والسماء واحدٌ وهو دينُ الإسلام، قال الله تعالى: {إن الدينَ عند الله الإسلام**. وقال تعالى: {ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا**. وهو بين الغلوِ والتقصيرِ، وبين التشبيهِ والتعطيل، وبين الجبرِ والقدَر، وبين الأمْن والإياسِ. فهذا دينُنا واعتقادُنا ظاهرًا وباطنًا، ونحن برءاءُ إلى اللهِ من كلّ من خالف الذي ذكرناهُ وبيناه. ونسألُ اللهَ تعالى أن يثبّتنا على الإيمانِ ويختمَ لنا به، ويعصمَنا من الأهواءِ المختلِفة والآراءِ المتفرقةِ والمذاهبِ الرديَّةِ مثلِ المشبهةِ والمعتزلةِ والجهميةِ والجبريةِ والقَدَريةِ، وغيرِهم من الذين خالفوا السنةَ والجماعة، وحالفوا الضلالةَ، ونحن منهم براءٌ وهم عندنا ضُلاَّلٌ وأردياء. وباللهِ العصمةُ والتوفيق. انتهى.
 
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت، قال ابن خلكان: أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطى بن ماه الفقيه الكوفي، مولى تيم الله ابن ثعلبة. وقيل في نسبه أيضًا أنه النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزُبان. ولد سنة ثمانين للهجرة وكان خزَّازًا يبيع الخز وهو نوع من النسيج، طلب العلم في صباه ثم اشتغل بالتدريس والإفتاء، وأدرك ستة من الصحابة وروى عنهم وهم: أنس بن مالك وعبد الله بن أنس، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن أبـي أوفى، وعبد الله بن جزء الزبيدي، ومعقل ابن يسار.
أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان وسمع من عطاء بن أبي رباح وأبي إسحـٰق السّبيعي ومحارب بن دثار والهيثم بن حبيب الصوّاف ومحمد بن المنكدر ونافع، وروى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأبي الحسن زيد بن الحسين رضي الله عنهم، وأبي بكر الزهري.
ويبلغ عدد مشايخه من التابعين الذين روى عنهم نحو المائتين.
ومن تلامذته عُبيد الله بن المبارك ووكيع، وأشهرهم أبو يوسف القاضي ومحمد ابن الحسن الشيباني، وغيرهم كثير.
مناقبه
لم يبلغ الإمام المجتهد أبو حنيفة رضي الله عنه من العلم والمرتبة وقوة الحجة ما بلغ لو لم يكن قوي القريحة متفتح الذهن قوي الحافظة؛ إذ روي عنه من العجائب في القضاء والفقه ما يشهد بتفوقه وذكائه، من ذلك أن رجلاً أتاه وقال له: يا إمام، دفنتُ مالاً مدة طويلة ونسيت الموضع الذي دفنتُهُ فيه، فقال الإمام: اذهب فصَلّ الليلة إلى الغداة فإنك ستذكره إن شاء الله، ففعل الرجل فلم يمضِ إلا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع الذي دفن فيه المال، فجاء إلى أبي حنيفة رضي الله عنه وأخبره بذلك فقال: لقد علمتُ أن الشيطان لا يدعُك تصلي الليل كله، فهلا أتممتَ ليلتك كلها شكرًا لله.
ويروي أصحاب التواريخ والسير والتراجم القصص الكثيرة عن ذكائه وفطنته وقوة قريحته.
لقد كان الإمام رضي الله عنه رجلًا زاهدًا ورعًا تقيًا كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى، فقد روى ابن خلكان في «وفيات الأعيان» عن أسد بن عمرو أنه قال: صلى أبو حنيفة فيما حُفظ عليه صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، وكان عامة ليله يقرأ جميع القرءان في ركعة واحدة، وكان يُسمع بكاؤه في الليل حتى يشفق عليه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرءان في الموضع الذي توفي فيه سبعة ءالاف مرة.
وقال يزيد بن الكُميت: كان أبو حنيفة شديد الخوف من الله، فقرأ بنا علي بن الحسين المؤذن ليلة في العشاء سورة ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ وأبو حنيفة خلفه، فلما قضى الصلاة وخرج الناس نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يتفكر ويتنفس، فلما خرجت تركت القنديل فيه زيت قليل يكاد ينطفئ، فجئت وقد طلع الفجر وهو قائم وقد أخذ بلحيته وهو يقول: يا من يجزي بمثقال ذرة خير خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شرًا، أجِر النعمان عبدك من النار ومما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك، قال: فأذَّنْتُ والقنديل يُزْهر، فلما دخلتُ قال لي: اكتم عليَّ ما رأيت، وركع ركعتين وجلس حتى أقمتُ الصلاة وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل.
وقد أراد الخليفة المنصور أن يوليه القضاء فأبى، فحلف المنصور ليفعلَنَّ، فحلف الإمام ألا يفعل، فقال الربيع بن يونس الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف فقال: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني، وأبى أن يلي.
وروي عن الربيع أنه قال: رأيت المنصور ينازل أبا حنيفة في أمر القضاء فقال أبو حنيفة: اتَّقِ الله ولا تُرعي أمانتك إلا من يخاف الله، والله ما أنا مأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب ولا أصلح لذلك، فقال له المنصور: كذبت، أنت تصلح، فقال له: قد حكمت لي على نفسك، كيف تولي قاضيًا على أمانتك وهو كذّاب وكان يزيد بن عمر بن هُبيرة الفزاري أمير أراده أن يلي القضاء بالكوفة أيام مروان بن الحكم فأبى عليه فضربه مائة وعشرة أسواط في كل يوم عشرة، فلما رأى امتناعه عن القضاء خلَّى سبيله.
علمه وقوة حجته
لقد كان الإمام رضي الله عنه مجتهدًا مطلقًا قوي الحجة. وقد كان في وقته سيف السنة المسلط على رقاب المعتزلة، فقد تتبع مجالسهم في البلاد وناظرهم وأقام عليهم الحجة، وبلغ في علم الكلام (وهو علم التوحيد) أنه كان المشار إليه بين الأنام، وكان معتمد أهل السنة وأشهرهم في الرد على أهل الأهواء ولا سيما المعتزلة. وقد نقل صاحب كتاب «التبصرة البغدادية» عن الإمام أبي عبد الله الصيمري أن الإمام كان متكلم هذه الأمة في زمانه وفقيههم في الحلال والحرام.
ونقل الخطيب في تاريخه عن حرملة بن يحيى عن الشافعي أنه قال: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. وروى كذلك الشافعي أنه قيل لمالك رضي الله عنه: هل رأيت أبا حنيفة فقال: نعم، رأيت رجلًا لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته.
وذكر الخطيب في «تاريخ بغداد» أيضًا أن أبا حنيفة رأى في المنام كأنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث من سأل ابن سيرين فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علمًا لم يسبقه إليه أحد قبله.
عقيدته
كان الإمام رضي الله عنه على عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم إذ التقى ببعضهم وأخذ عنهم، وشأنه شأن غيره من أئمة السلف الذين هم على عقيدة التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشبيه والجسمية والمكان، ويدل على ذلك ما جاء في كتابه «الفقه الأبسط» وهو قوله: «كان الله ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخَلْق، كان ولم يكن أينٌ ولا خَلْق ولا شىء وهو خالق كل شىء».
ومن نفيس كلامه في تنزيه الله تعالى عن كل ما هو من صفات الأجسام قوله في الفقه الأكبر: «يده صفته بلا كيف» أي أن اليد صفة له من غير أن تكون جارحة» وقال أيضًا: «والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، لا جسم ولا عَرَض ولا حَدَّ له ولا ضد ولا ند ولا مثل، لا يشبه شيئًا من خلقه، ولا يشبهه شىء من خلقه، وهو شىء لا كالأشياء».
كما كان أيضًا من المنزهين لله تعالى عن الصوت والحروف واللغة، إذ بَيَّن أن كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي ليس بحرف ولا صوت فقال في «الفقه الأبسط» ما نصه: «ويتكلم لا ككلامنا، نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بلا ءالة ولا حرف، فصفاته غير مخلوقة ولا مُحْدثة، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين، ومن قال إنها مُحدثة أو مخلوقة أو توقف أو شك فهو كافر».

وفي كل هذا بيان ودليل ساطع على أن علم الكلام الذي هو علم التوحيد المتعلق بمعرفة ما يجب لله من الصفات وما يستحيل عليه من الصفات، هو علم ممدوح بدليل أن الإمام أبا حنيفـة رضـي الله عنه كان من أكثر الناس اشتغالًا به في وقته، وكان تبحره في هذا العلم هو سلاحه المشهور على أهل الأهواء والضلال ولا سيما المعتزلة، إذ تتبعهم في البلاد ودحض مزاعمهم وأبطل شبهاتهم وبيَّن زيفهم. إلى هذا فإن كتابيه «الفقه الأكبر» و «الفقه الأبسط» دليل ساطع على خوضه في علم الكلام من خلال إقامته الأدلة العقلية والنقلية على مسائل علم الكلام التي هي على مذهب أهل السنة والجماعة. وفاته
كانت وفاته سنة مائة وخمسين للهجرة، وهي السنة التي وُلد فيها الإمام الشافعي لإحدى عشرة ليلة خلت من جُمادى الأولى فقيل «مات قمر وولد قمر». وقيل مات في السجن لرفضه أن يلي القضاء، وقيل إنه لم يمت في السجن. وقد خرج في جنازته قريب الخمسين ألفًا فصلي عليه ودفن في مقبرة الخيزران في بغداد ، رحمات الله الواسعة عليه.

قوله في الفقه الأكبر: «يده صفته بلا كيف» أي أن اليد صفة له من غير أن تكون جارحة

تفسير من ؟ و متى بدأ استعمل لفض الجارحة ؟

«الفقه الأبسط» ما نصه: «ويتكلم لا ككلامنا، نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بلا ءالة ولا حرف، فصفاته غير مخلوقة ولا مُحْدثة، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين، ومن قال إنها مُحدثة أو مخلوقة أو توقف أو شك فهو كافر

مامدى صحة نسبة هذا الكلام لإبي حنيفة رضي الله عنه ؟
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى