• كل المواضيع تعبّر عن رأي صاحبها فقط و ادارة المنتدى غير مسؤولة عن محتوياتها

هواجس فتاة آيلة للعنوسة

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

wael_k

عضو نشيط
إنضم
11 أكتوبر 2009
المشاركات
126
مستوى التفاعل
428

كانت كل ليلة تجلس بالشرفة في منأى عن الناس ... رفيقها في السمر سحاباتُ الخيال التي تهيم بها , هنا وهناك , دون اعتراض حيث تهوى نفسها ... في كل ليلة كانت تزف نفسها لعريس جديد ... كانت أكثر نساء العالم زيجات ... و عشرات الصبية يحيطون بها من كل الجوانب ... ماما .. ماما.. تهش هنا وهناك وهم , في عناد , يتصايحون ... يتجاذبون أطراف فساتينها ... لا يخلصها منهم سوى سعال والدها القابع بالركن لا يُرى منه غير عباءة سوداء, تتهادى في تناغم مع كل شهيق و زفير ... سعال سمج , كقبضة مخبر تسحبها بين الفينة والأخرى من عالم أحلامها المعسول ... كان أشد ما تكره , عالمُ الواقع , حيث كل فتيات القرية ربات بيوت ... تنثرن على كل الأزقة عفاريت صغارا تتوزع عاطفتها بينهم بين الحب و الكراهية...
كعادتها , هذه الليلة جلست بنفس المكان ... نفس الزمان ... تراود عرسان مخيلتها الألف ... تتطلع من فوق بآمالها و لهفتها على رؤوس المارة ... لم تعد تميز بين الكبير و الصغير ... صارت كل الأعمار الآن مقاساتها المناسبة ... تراوح نظراتها بين الوجوه , تحاول إيجاد ضالتها بينهم ... لكن لا أحد يرنو إليها , يتوقف أو يفطن لوجودها ...كانت أسوأ لحظاتها , أيامُ رأس السنة , كلُّ الناس فرحى بحلولها ,إلا هي... كانت بالكاد تسلم ورقة العام المنصرم ممزقة من الحنين ... توقفَتْ منذ أمد بعيد عن عد سنوات عمرها ... توقفت بالتمام حين بلغت الثلاثين , وبعدها لم يعد لمدلول السنوات أرقام ولا مسميات ...
تُرى هل يطرق الباب الآن ؟؟؟ من اختزنت له عشرات السنين من الحب , والحنان , وأشياء أخرى ما زالت على عهدها القديم ... ترى هل يطرق ؟؟؟ ... ترى ...ترى ... وبين سيل التساؤلات , اخترق صوتُ الباب السكون ( ؟؟؟ !!! ) ...اختلط في البدء الأمرُ عليها...هل كانت طرقات الواقع , أم كمثيلاتها من عالم الخيال؟؟ ... يخترق الصوتُ من جديد سكون المكان ... ينتزعها من خلوتها ... و في خفة المهر الطليق قفزت, وهي تردد: ـ طرق , طرق , و أخيرا طرق ... هرعت إلى الباب بكل كيانها , وخيالاتها , ولحمها وشحمها و فومها وعدسها... وجدته , عينا لِعَين , قلبا لقلب... وجدَته كما رسمَته خيالاتُها التي حوَت كل النسخ ...تسمرَت للحظة , قبل أن ترتمي عليه بالعناق ... اتسعت حدقتا عينيها ...و كادت نظرات اللهفة تلتهم محياه في شره ... !!!!... توقف عداد الزمن لحظة , وسكن الكون ...( هدوء من فضلكم )... ودون سابق إنذار , جذبته ... سحبته ... وتوارت به بعيدا عن والديها والأنظار ... خرس الكل وشدُه في ذهول من سرعة تـوالي الأحداث ... و شيعوها بنظرات الشفقة والألم ... وهناك ... على الطرف الآخر , حيث كانت الخلوة , شرعت طقوس السؤال ... ـ من أين البدء ؟؟؟, من أين البدء و انفعالات عشرات السنين تتكدس في فوضي على مخارج الحروف ...أتخبره عن الزمن الذي عدّى أمام ناظريها قطيعَ أغنام تَعدّ سنواتِه في ملل الواحدةَ تلو الأخرى؟؟؟ أم تخبره عن أشكال الأشياء التي أينعت في الخفاء واختزنتها له منذ عقود.. أم تخبره عن شكل نهديها قبل أن يطالهما الخريف ويحولهما خرقا بالية تعافها العيون ...علِقت بعينيها دمعة حزينة حين تذكرت شكلهما ...كانتا تفاحتين ناضجتين من تفاح الروم ... وفي انتكاسة الكسير المكلوم , طأطأت رأسها في حسرة تخنقها العبرات , وحارت بين ركام متلاشياتها... أتحدثه عن ردفيها لما كانتا هضبتين تنام على نعومتهما الأحلام و الطيور ؟؟ ... أم تحدثه عن انسياب صفحات جسدها العاجي من غير نتوءات ... أم , أم , أم ... خنقتها من جديد غصة دمعها الذي جاهدت بيأس في طمسه وأسره بداخلها , حتى لا يفسد عليها اللحظة التي عاشت الدهر كله تنتظرها ... وبكل العناء و المكابرة , أخبرته أنها ظلت تنتظره مذ زمن بعيد ... وأنه كان دوما المنتظَر , سيدَ عالمها من غير عبارات الاستئذان , ومقدمات الخطبة , والمأذون, والخميس, و ..و ..و .. ودون كلمة , اختزلت كل الأشياء في النظر إلى عينيه... تساءلَت في صمت , ـ تُرى لِمَ تأخرت ؟؟؟ لِم ترددتَ كل هذه السنوات ؟؟؟ ... كادت من لهفة نظراتها وبريق عينيه , تأخذه إلى (.....) لولا صوت أخيها يقتحم الباب , بجانبه زوجتُه وفتاة أخرى في ربيع عمرها لا تعرفها ... وفي سرعة المتلبس أفلتت الفتى من بين ذراعيها , وتركت أخاها القادم من الخليج يتلقف جسدها , يعانقها , فقدّم الضيفين على أنهما صديقه وزوجته ... صرخت في شدوه بكل علامات الاستفهام : ـ زوجته ؟!؟!؟! ... تجمدت في مكانها كالحاضر الغائب ... مكثت لحظة ثم هرولت إلى غرفتها, لا تكترت لمَن فطن لصرختها التي ارتجّ لها صدرها و تدغدغت لها نهداها في نشوة لم تعبأ بها ... كانت صرخة مكتومة لَاسَ صداها الجسد المرتعش ... تركت الجميع مغاضِبةً كصبي صودرت لعبه ...و ارتمت على السرير... على بطنها ... طمرت وجهها للحظات بين ذراعيها تندب حظها الذي يتعثر دوما في المسير... و بين النحيب الخافت , واهتزازات الصدر الموجوع , استطاعت أن تجد لنفسها هنيهة تنظر فيها إلى المرآة من جديد ... تتفقد ما بقى من الجمال والمخزون ...ما زالت ترى في نفسها فتاة قبل العنوس ... نظرت إلى قسماتها , وانحنت على كسوتها تجفف بباطنها دمعتين متخلفتين ... نثرت من الأنف ما يعيق أنفاسها , ومططت بشرتها لتبدد التجاعيد ... عدّت خصلاتها السوداء المتبقية التي شرع يتسوّرها المشيب ... و تفقدت براحتيها أشياء أخرى تختزنها ليوم المجيء ... مرّرت من جديد كمّها أسفل أنفها لتُنهي النشيج ... شفطت الهواء في محاولة أخيرة لوقف ما تأخر من تنهدات , و ثبتت بلعابها خصلة شعر منتقاة بعناية , خالية من الشيب ... تركتها تتدلى على الجبين لتكون الواجهة ... مصمصت شفتيها وأعادت لهما شيئا من الحمرة و البريق , ثم لسعت خذيها , وخرجت إلى الشرفة من جديد...


 
عهدي باهل المغرب الشقيق قامات أدب ..

فهل يا ترى وائل هو سميح 14 ؟

أسأل من قبل ومن بعدُ..
 

عندما يلتقي النقل مع انعدام الأمانة لا نملك إلا غلق الموضوع
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى