anacondas
عضو فريق عمل المنتدى العام- إنضم
- 16 ديسمبر 2008
- المشاركات
- 3.244
- مستوى التفاعل
- 23.331

جلس على طاولة خشبّية صغيرة في وسط الغرفة ،اضاء المصباح وامسك قلمه وبدأ في خطّ خربشاته على دفتر مذكراته...

الحياة...!!!
نعم فهي كانت بالنسبة لي مستقبل جميل...تتملكني الفرحة كلما مرّ يوم وولى ،اشعر حينها باني كبرت...واقتربت منها لاحضنها.
ولكن للاسف فقد خانتني...وخذلت حبيّ لها ، رغم توسلي لها فقد رفضت ان تبادلني نفس الشعور ، اما الان وبارغم من انه مرّ دهر طويل وبدأت الشعرات البيضاء تظهر على راسي فانّي لم اكرهها...
نعم لم استطع ان اكرهها ، فقط اصبحت اهابها واخاف فيها اشياء كثيرة .
نظرتي للحياة كانت خاصّة ، عشتها وكاني اسكن فوق ارجوحة ، مرّة اشعر بحلم جارف يضع يديه على ظهري ويدفعني للامام بلا هوادة وكانه يقول لي: يجب ان تتقدم...تشبث بكل قوتك ولا تسقط...وحتى وان سقطت يجب ان تكون رجلا وتعاود الوقوف...
لكني لا اعرف لماذا لم استطع تصديقة؟ فكيف اصدّقه وهو مجرد حلم...
هذا الامر لطالما جعلني ارفض سماعه ، بل حتى اني احيانا ارغب في الموت وعدم العيش...اشعر في رغبة كبيرة في ان اصرخ باعلى صوتي والعن الحياة حتى يسمعني كل شخص على كوكب الارض...
كيف لا العنها وانا ارى قيما انسانية تتدحرج لتسقط في الهاوية، كيف لي ان لا انزل عليها صخطي وان اصدّق هذا الحلم البائد وانا اشاهد كل يوم اطفالا عرات يلسعهم البرد ،ممزقة احذيتهم تدمي الاشواك ارجهم...لا يقوون حتى على حمل محفظاتهم المدرسية''....
ارتبكت فجأة انامله حتى سقط قلمه فوق دفتر المذكرات المفتوح ،سكن للحظة حتى بدأ لوهلة وكانه صنم اغريقي ، رفع راسه في محاولة لستر دموعه ولكنها ابت ذلك الى ان سقطت مخلّفة بقعة على صفحة خربشاته ثم نهض ببطئ بجسده النحيف من فوق الكرسي ،وتقدم ببطئ كانه شبح حتى اقترب من النافذة المطلّة على الشارع المنير فبان وجهه الاسمر وعيناه الواسعتان...تأمل لبرهة رذاذ المطر الجميل يتساقط في شكل خطوط متقطّعة وكانها لوحة فنية.
رغم الغصّة التي احسّ بها عند كتابة مذكراته ،الا انّ إبتسامة عذبة ارتسمت على محيّاه تحمل كثير من الحزن ...تذكر عائلته الفقيرة قبل ان يهاجر وراء البحار...تذكر ابوه الذي لم يعد قادرا على العمل بسبب حادث تعرض له في عمله لم يحصل فيه على اي تعويض فهو عامل يومي استغلّه اصحاب النفوذ والمال واستعبدوه وفي الاخير حين عجز تخلوا عنه وحرموه لقمة عيش ابنائه...
تذكر تلك الايام البائسة التي مرّت عليه وهو يبحث عن وظيفة بعد تخّرجه من الجامعة ليقدر على اعالة اهله وعلاج اخوه المريض ولكن رغم سعيه ليلا نهارا الاّ ان اصحاب البدلات الايطالية وربطات العنق الانيقة رفظوا ذلك ولم يعطوه فرصته ،يتحججون بطلب خبرة لا تقلّ عن خمس سنوات...كيف ذلك وهو لم يجد عمل؟؟؟ الله اعلم
تنهد واشعل سيجارة فتلألأت دموعه في عينيه؛ وهو يتذكر كيف كان يرى امه تكبر امام عينيه وهو غير قادر حتى لاهداء وشاح لها ...لم يأبه له احد...تعب من كتابة رسائل عند الكتاب واستخراج أوراق من الإدارات تذكر كيف طرده الحاجب واغلق الباب في وجهه عندما طلب ان يقابل المسؤول ليعينه على حلّ مشكلته طبعا فهو لا يلبس طواقم مثلهم ولا يتعطر باغلى العطور الباريسيّة وهو ليس فتاة شبه عارية كي يرحب به.
لم يستمع له من شيدوا قصورهم من جماجم الناس وسقوا حدائقهم من دمائهم ؛حتى انه اعتصم امام ادارتهم لكن لم يفهم أهو شفاف او مجرد سراب وهواء لا يستطعون رؤيته، كاد يصاب بالجنون حتى انه فكّر في التعرّي امام سياراتهم الفاخرة لعلّ حراسهم يقبضون عليه ويتحدثون اليه ويسألوه عن مشكلته.
'' آآآآآآه يا وطني''
''آآآآآآه يا حبيبي...لقد إشتقت إليك ''
خرج صوته خافتا من حلقه وكأنه شخص يحتضر لا يقوى على الكلام...
رفع يده ومسح دموعه...
فكيف يبكي ؟؟؟ فلا يجب على الرجل البكاء؟!!!
ولكنه لا يبكي!!! بل قلبه كان يدمع وينزف دماءَا وهو يستحضر صورة بلده ...فهو بالنسبة له اروع بلد في العالم في جغرافيته ، ففيه اجمل المناطق واحسن شروق وغروب في العالم ,ولكنه اظطّر لتركه والهجرة كالطيور التي طالما حسدها لما تمتلكه من حرّية والبحث عن لقمة عيشها...
فتح النافذة والقى السيجارة...لسعت نسمة باردة وجهه فشعر بقشعريرة في جسده...تحرك ببط داخل الغرفة
واطفأ النور وتمدد على فراشه...
اغمض عينيه واستسلم للنوم على أمل في مستقبل جميل...في وطن غريب...